مال وأعمال

بينك وبين الشاشة يفتح الله

مال - محمد اليامي

بينك وبين الشاشة يفتح الله

قبل بضعة أسابيع توقفت امام مطعم جديد في حينا لتجربته، دخلت وتوجهت لرجل امامي لأسأل عن القائمة لاختار منها فوجهني الى شاشة كبيرة على يميني لأطلب منها، قلت اني افضل ان اطلب منه مباشرة، فرد بان ذلك “غير مسموح” ويجب الطلب والدفع من خلال هذه الشاشة فقط.

توجهت للشاشة من باب الفضول، واخترت بسرعة لان الخيارات قليلة وبدون تفاصيل، ودفعت واخذت الطعام، وظللت افكر في هذه التجربة التي يبدو انها تتنامى بسرعة، واحسست ببعض الامتعاض كوني فقدت إمكانية التواصل مع انسان او ” كاشير” او موظف استقبال كما اعتدت.

 

“الكاشير” هو مصطلح يستخدم في عالم التجزئة والخدمات الغذائية للإشارة إلى الشخص الذي يعمل في نقاط البيع لإتمام عمليات الدفع والتسوية مع العملاء، وهو في قطاع المطاعم والمقاهي بمثابة مستشار يمكنك ان تسأله عن بعض المكونات او الخيارات، واذا كان سعوديا او سعودية فهو اكثر نصحا في الغالب لأنه يعرف طبيعة مجتمعه، وهو او هي يتعامل بالتقدير والاحترام مع متوسطي العمر فما فوق فيقدم لهم نصائح دقيقة وفي الغالب مناسبة.

ربما تبدو هذه التقنية متقدمة وفي سبيل “الرقمنة” لكنها في حالات كثيرة تقلص خياراتك للتفكير والاختيار، والتحدث الى انسان ربما يخبرك عن شيء مهم او يحثك عليه او يحذرك منه، وهي في رأيي ستقلص من فرص تسويق منتجات معينة لان من مهام البائع ان يركز على بيع الأكثر ربحية.

ان جزءا من ثمن الطعام الذي دفعته يغطي تكاليف الشخص الذي يستلم الطلبات والمال، هذا الامر ينطبق على ملايين الأشخاص مثله في الصيدليات والسوبرماركت وغيرها، الان يتحول هذا الجزء بعد ان يقل كثيرا الى شراء وصيانة الآلة التي اخترت منها الطعام او الأصناف في أماكن أخرى غير المطاعم، وقمت بالدفع من خلالها فهل تتساوى التكلفة ؟ ولماذا لا تنخفض قيمة الطعام او الدواء او الحليب بالقدر الذي تنخفض به التكلفة ؟

كل تقنية جديدة توسع خبرتنا وتجربتنا بشكل او بآخر ولكن سنة الكون او الحياة او سمها حتى سنة السوق هو ان كل شيء بثمن فاذا اكتسبت شيئا فانت اما تدفع ثمنه او تخسر شيئا مقابله، وهنا انت مطوق لا محالة وتقودك مثل هذه التقنيات الى أنماط معينة ومحددة من الاستهلاك لإنها تقلل التفكير والتفاعل وتحرجك مع الواقفين خلفك اذا حاولت فعل أي منهما.

عندما نتعامل بطريقة جديدة او مختلفة فنحن بالتأكيد نتخلى تدريجيا عن عادة او فعل قديمين، هذا التخلي ربما يكون للأفضل وربما العكس، ويبقى السؤال الذي ستأتي اجابته مع الوقت: هل هذه التجربة ستثري حياتنا ام لا؟ هي بالطبع ستقلل التكلفة على أصحاب الاعمال وتقلص فرص العمل للشباب مع التوسع فيها، لكن ربما تفتح آفاقا جديدة سندركها مع الوقت.

سيقل الاتصال والتواصل اللذان يحدثان في عملية الشراء لانهما سيتمان عبر شاشة او بنظام، وستقل التسلية والمساعدة والتعبيرعن أي شيء اثناء عملية الشراء وهذا سيؤثر على منافذ البيع الواقعية وربما يزيد الاقبال على الشراء من التطبيقات والمواقع.

الاتصال بين البائع والمشتري ظاهرة ثقافية وابداعية وطبيعية في عالم الاعمال، هل سيكون فقده مؤثرا، سنرى؟

بينك وبين الشاشة يفتح الله

مال واعمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى