مقالات

تدبير الله فوق مكر الكائدين !

د. علي بن يحيى بن جابر الفيفي

تدبير الله فوق مكر الكائدين ! 

الله فوق عباده وجميع مخلوقاته بعلمه وحكمته ، وقدرته وتدبيره.. يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، لا رادَّ لحكمه ، ولا معقب لقضائه. له الحكمة البالغة ، والقدرة التَّامة ، والمشيئة النافذة ، كما قال تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ).

ويُبين العلامة السعدي – رحمه الله تعالى – أن الاختلاف هو سبب الاقتتال ، وأنه سبب لو شاء الله ﷻ لأبطله ، فقال : ” فكان موجب هذا الاختلاف التفرق والمعاداة والمقاتلة ، ومع هذا فلو شاء الله بعد هذا الاختلاف ما اقتتلوا ، فدل ذلك على أن مشيئة الله نافذة غالبة للأسباب ، وإنما تنفع الأسباب مع عدم معارضة المشيئة ، فإذا وجدت اضمحل كل سبب ، وزال كل موجب ، فلهذا قال:  ( ولكن الله يفعل ما يريد ) فإرادته غالبة ومشيئته نافذة ، وفي هذا ونحوه دلالة على أن الله تعالى لم يزل يفعل ما اقتضته مشيئته وحكمته..”.

وقال القرطبي – رحمه الله تعالى – ” وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من الله تعالى ، ولو شاء خلاف ذلك لكان ؛ ولكنه المستأثر بسر الحكمة في ذلك الفعل لما يريد ” .

 فالله ﷻ يوفق من يشاء فضلاً ، ويخذل من يشاء عدلاً ، وهو اللطيف الخبير ، العليم الحكيم. فهذه هي عقيدتنا في أقدار الله عز وجل ، فإيماننا بالله ﷻ عظيم لا يتزعزع ، فنؤمن بأنه سبحانه وتعالى ينصر أولياءه ، ويخذل أعداءه ، ويهلك المعتدين المتجبرين ، ويمكر بأعداء دينه الماكرين المتآمرين على عباده المستضعفين!.

 ومع عظيم إيماننا بحكمة الله وقدرته ، ونفوذ مشيئته ، وأنه سبحانه وتعالى سيحفظ دينه ، وينصر أولياءه ، ويهزم دول الباطل وأحزابه وحده ؛ إلا أننا نعلم ونوقن بأنه ﷻ قد أوجب علينا أن نبذل الأسباب الممكنة في نصرة دينه والتصدي لأعدائنا المتربصين بنا شراًّ وعدواناً.

ولعلي هنا أُذَكِّرُ بسببين من الأسباب التي يجب بذلها في سبيل نصرة الدين ، ورفع راية الإسلام ، والمحافظة على كيان الأمة ، والدفاع عن مقدساتها ومقدراتها.

وهذان السببان وغيرهما من أساب النصر والتمكين والمدافعة لأعداء الأمة ، لا بد أن تقوم بهما الأمة بشكل تكاملي فيما بين دولها ومكونات شعوبها ، فمن الأسباب ما هو فرض عين على الكل ، ومنها ما هو فرض كفاية ، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الأمة ، وإذا تركوه جميعاً ، أثم كل من له قدرة ولم يفعل ما في وسعه وقدرته .

فأول أسباب النصر والمكين : تحقيق الإيمان بالله عزوجل رباًّ ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياًّ ورسولاً. وبعبارة أخرى: تحقيق العبودية لله تعالى ، وتجريد المتابعة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. فيكون التوحيد أولاً ، وإخلاص العبادة لله أساساً. فلا يعظَّمُ في الإسلام إلا نصوص الوَحْيَيْن ، وهدي خير خلق الله وسنَّتُه الثابتة الصحيحة. وكل الطوائف والفرق التي خالفت ذلك يجب عليها التوبة والعودة إلى المعين الصافي في كتاب الله ﷻ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهدي خلفائه الراشدين ، وإجماع الأمة في القرون المفضلة ، فإن هذا هو سبيل النصر والتمكين لهذه الأمة ، وغير ذلك ما هو إلا تيه وضلال.

ومما يدخل تحت هذا السبب مما يجب فعله وإخلاصه لله تعالى دعاء الله ﷻ والإلحاح في ذلك بيقين وإيمان بأن النصر من عنده جلَّ في علاه ، والخير بيده ، والكون تحت مشيئته ، وأنه إذا أراد شيئاً إنما يقول له ( كن فيكون ) . 

إن الدعاء بإيمان ويقين وإلحاح هو سلاح أهل الإيمان ، وهو الحبل الممدود من الأرض إلى السماء ، يُستجلب به النصر ، وتستمطر به الرحمات من رب الأرض والسموات ، وهو هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم ، كما حصل في معركة بدر والخندق عندما أحدق الأعداء بالأمة وأرادوا استئصالها! .. فكان الدعاء والتضرع ، والذل والخضوع والانكسار بين يدي الله ﷻ هو السبب الذي استمطروا به النصر من الله جلَّ في علاه.

فالدعاء هو سلاح أمة الإسلام الأقوى في مواجهة أعدائها ، وهو سلاح يستطيع أن يقوم به كل مسلم ومسلمة ، فالفقير والمريض ، والمسنُّ المقعد ، والعجوز القارَّةُ في بيتها ، والفتاة المخبَّأة في خدرها ، والساجد في محرابه ، والقائد في مقره ، والجندي في ميدانه ، والأمير والوزير ، والتاجر والمزارع ، والطبيب والمهندس ، كل يستطيع أن يناجي ربَّه بإخلاص وإيمان وتضرع بأن ينصر الأمة ، ويجمع شملها ، ويوحد كلمتها ، ويردَّ كيد أعدائها ويبطل بأسهم.. فلا عذر لأحد ، ولا صعوبة في القيام بهذا السبب النافع المفيد لأمة الإسلام كلها. وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : (( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )) .

وقال عليه الصلاة والسلام : (( إنما تُنْصَرون وتُرزقون بضعفائِكم ) ، وقد يترجح الضعيف فيجاب دعاءه ، وتنصروا الجيوش بسبب دعائه ؛ لإخلاصه وإلحاحه وصدق لجئه وتضرعه ، وانكساره بين يدي الله سبحانه وتعالى.

وثاني الأسباب الواجب على الأمة بذلها وتحقيقها هو العلم بمعناه الواسع. فالعلم نور ، والجهل ضلال وظلام. والعلم بحر لا ساحل ، فهو أصناف وتخصصات وفنون لا حصر لها. ولكن الواجب على الأمة أن تضرب في كل فن بسهم وافر ، بما يحقق لها المنافسة والمساهمة المشرِّفة والمؤثرة على المستوى العالمي نفعاً وفائدة للبشرية ، وقيادة وتوجيهاً للإنسانية إلى الفضائل والمعالي .

ولعلَّ من فنون العلم التي يجب على الأمة أن توليها قدراً كبيراً من الاهتمام في هذا الزمن المتسارع الأحداث والتطورات ، بل والمفاجآت التي تُفرضُ على الأمة من قبل الأعداء المتربصين هو: فن السياسة والتخطيط الاستراتيجي ، مع الحرص على إنشاء مراكز بحثية متخصصة في هذا المجال تقدم دراسات استراتيجية واستشرافية ، وتكوين فرق علمية متمكنة ومتخصصة أكاديمياً ، مع استقطاب أرباب الخبرة العملية والدولية ممن عُرف بالرؤية الثاقبة ، والفهم العميق للأحداث والمتغيرات الدولية. وتكون مهمة هذه الفرق هو وضع المقترحات ، وتنسيق السياسات بين الدول العربية والإسلامية لتوحيد الجهود ، وتوجيهها لما يحقق المصلحة العظمى للأمة.  

إن الأمة تواجه مشاريع عدوانية خطيرة للغاية ، وأبرز وأخطر هذه المشاريع التي تهدد الأمة في أمنها واستقرارها ووجودها ، والتي تعاظم خطرها ، وزاد شرُّها ، وعمَّ ضررها كل الدول العربية والإسلامية هي :

    أولاً: المشروع الصليبي الغربي المتغطرس.

ثانياً المشروع الصهيوني المتسلط بعدوانه وتوسعه بسبب الدعم الغربي الكامل له ، وبسبب أفكاره العنصرية ، وحكوماته المتطرفة ، والمتنكرة لكل الأعراف والقوانين التي تحكم وتنظم علاقات الدول وتعاملاتها .

ثالثاً: المشروع الصفوي الإيراني القائم على أيديولوجية متطرفة جداًّ ، وعقيدة فاسدة ، وعداء عميق لأهل الإسلام عموماً ، وللعرب خصوصاً .

فهذه المشاريع العدوانية التي تستهدف الأمة يجب أن يُعرف توجهها وخطرها ، ويجب أن توضع الخطط ، وترسم السياسات لمواجهتها بحكمة وعقلانية وتخطيط يبنى على ثلاث مراحل: عاجلة ، ومتوسطة ، وبعيدة الأمد .

 والله ﷻ لن يخذل الأمة ، بل سينصرها ويؤيدها إذا استمسكت بالعروة الوثقى ، واعتصمت بحبل الله المتين ، وثبتت على صراطه القويم ، فالله ﷻ له جنود السموات والأرض ، وبيده ملكوت كل شيء ، وهو على كل شيء قدير ووكيل ، وبكل شيء عليم ومحيط .

فهذه المشاريع المعادية رغم ما بينها من تخادم ومصالح إلا أن الله ﷻ خالف بين آرائهم وقلوبهم فاقتتلوا مقتلة قدَّرها الله عزوجل وأرادها لحكمة بالغة لا يعلم آثارها ونتائجها المستقبلية إلا الله – سبحانه وتعالى – وحده .

 ويجب أن يُعلم علماً يقينياً لا شكَّ فيه عند أي مسلم عاقل أن الحرب بين الصهاينة والصفويين الرافضة ليست من أجل فلسطين وأهلها البتة البتة ! ؛ وإنما هي اختلاف مصالح ، وسوء تقدير من الرافضة لمآلات الصراع ! ، وعقوبة عاجلة من الله ﷻ للرافضة الذين يتاجرون بدماء الفلسطينيين وقضيتهم العادلة ، كما أن ما حدث للرافضة في لبنان وسوريا وإيران هو من انتصار الله ﷻ لدماء وأعراض أهل السنة خصوصاً في سوريا والعراق ، فقد فعل بهم الرافضة ما لا يمكن وصفه أو حصره ، أو تسطيره!.

فما فعله الصهاينة بالرافضة إنما هو بتدبير رباني حكيم ؛ لأن الرافضة دمَّروا بلاد المسلمين ، وسفكوا دماءهم ، وأذلوا شعوبهم باسم المقاومة والممانعة!! ، فلما كتب الله عليهم القتال رأيناهم يُسلِّمون ويستسلمون ، وتوقفوا عن شعارات المقاومة والممانعة! ، ونسوا شعار ( وحدة الساحات )!! ، وأخذوا يفاوضون لوقف الحرب دون أن يذكروا قضية فلسطين والقدس في مفاوضاتهم! ، ونسوا فيلق القدس! ، وجيش القدس! ، وتحرير القدس! ، ويوم القدس ! ؛ لأن كل ذلك لا يعنيهم ، وإنما هي شعارات يخادعون بها الشعوب العربية لتثور على حكامها!.

وأصبح مطلب الرافضة الوحيد : أن تقف الحرب عليهم! ، ولم يسألوا عن غزة وأهلها أو يضعوا وقف الحرب عليها من ضمن نقاط تفاوضهم مع الأمريكان والصهاينة!.  

 إن الدفاع عن مقدسات الإسلام شرف لا يُنال بالشعارات الزائفة ، والكذب والدجل والتضليل ، وإنما هو واجب وشرف لا يناله إلا من يُبلي بلاء حسناً مبتغياً بذلك وجه الله ورضاه ، ومؤمناً بالواجب الديني والوطني في حفظ بيضة الإسلام وكيان الأمة .

فيجب على الأمة أن تعدَّ العدة متسلحة بالإيمان بالله ﷻ ، وباذلةً الأسباب الشرعية المعنوية والمادية ، فإذا فعلت ذلك ، فالله ناصرها ، والنصر حليفها ، والدين محفوظ ومنصور ، والطائفة المنصورة الثابتة على الحق باقية إلى أن يأتي أمر الله ﷻ وهم على دينهم وإيمانهم وثباتهم. فاللهم نصرك المؤزر ، وغيث رحمتك المنزل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.  

تدبير الله فوق مكر الكائدين !

د. علي بن يحيى بن جابر الفيفي

 الخميس 29 ذي الحجة 1446ه.

 

 

‫3 تعليقات

  1. بكم نفخر وسلمت يمينك ابا عبدالرحمن حروف تكتب الواقع وتزيد التمسك بما شرع الله بالايمان الصادق والدعاء الخالص نسال الله ان يرد كيد الكائدين في نحورهم وان يحفظ امتنا من كل سوء وان يضرب الظالمين بالظالمين ويخرج امة الاسلام والعقيده الصادقه منها سالمين. تحياتي لك ولمن يشاهد.

  2. إن ماكتبه الدكتور علي بن يحيى الفيفي حول تدبير الله وحكمته في مجريات الأحداث، يسلط الضوء على أهمية الإيمان بالقضاء والقدر، وكيف أن مشيئة الله نافذة فوق كل الأسباب ، وبينما نؤمن بأن الله هو القادر على نصر عباده، فإن هذا لا يعفي الأمة من بذل الأسباب والعمل الجاد في سبيل نصرة دينها.
    كما أن ما ذكره الدكتور عن تدبير الله فوق مكر الكائدين هو تأكيد على عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر ، لذا علينا أن نتذكر أن هذا الإيمان يجب أن يقترن بالعمل والسعي لتحقيق الأهداف النبيلة.

    كما ذكر الدكتور يحفظه الله أنه يجب على الأمة بذل الأسباب الممكنة للدفاع عن مقدساتها ، فالإيمان وحده لا يكفي، بل يجب أن نكون فاعلين في واقعنا، سواء من خلال العلم، أو الدعاء، أو العمل الجماعي ، فالعلم هو سلاح الأمة في مواجهة التحديات ، ويجب أن نستثمر في التعليم والبحث العلمي، خصوصا في مجالات السياسة والتخطيط الاستراتيجي، لمواجهة المشاريع العدوانية التي تستهدف الأمة ، كما أن وحدة الأمة وتكامل جهودها هي مفتاح النصر ، وبالتالي يجب على الدول العربية والإسلامية التنسيق سويا لمواجهة التحديات المشتركة، والعمل بروح الفريق لتعزيز مكانتها.

    ومما لا شك فيه أن الدعاء هو سلاح قوي، ولكن يجب أن يكون مصحوبا بالعمل ، وينبغي لكل مسلم أن يستحضر هذا المعنى، ويعمل على توحيد الكلمة وتوجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المشتركة ، كما يجب أن نكون واعين للمشاريع العدوانية التي تهدد الأمة، والعمل على مواجهتها بذكاء وحنكة ، ففهم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية يمكن أن يساعد في وضع استراتيجيات فعالة.

    وختاما نحن مطالبون بأن نكون أداة فاعلة في يد الله لتحقيق النصر ، فالله لا يخذل عباده المخلصين الذين يسعون بجد وإخلاص في سبيل نصرة دينه ، فلنجعل إيماننا راسخا، وعملنا دؤوبا، ولندع الله أن ينصر حكومتنا الرشيدة ويؤيدها .

    وأخيرا أود أن أعبر عن عميق امتناني وتقديري للدكتور علي بن يحيى الفيفي على جهوده القيمة في كتابة ما يخدم وطننا الغالي، فتحليله العميق لأهمية الإيمان بالقضاء والقدر، ودعوته لبذل الأسباب في نصرة الدين، يعكس رؤية حكيمة وشاملة ، فقد استطاع الدكتور علي أن يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الأمة، ويقدم رؤى واضحة حول كيفية التعامل معها ، فأفكاره تشجعنا جميعا على العمل الجاد والتعاون من أجل مستقبل أفضل.
    نسأل الله أن يبارك في جهودكم وأن يكتب لكم الأجر والثواب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى