
هناك لحظاتٌ في حياةِ الإنسانِ تبدو فيها الحقائقُ الكبرى واضحةً كما لو أنها انكشفت فجأةً تحت ضوءٍ لامعٍ يغشي العيونَ. إحدى هذه الحقائقِ أن الإنسانَ لا يسقطُ من الخارجِ قبل أن يسقطَ من الداخلِ، ولا يتوهُ في دروبِ الحياةِ إلا حين تتشتتَ بوصلتُه النفسيةُ الداخليةُ قبل أن تضيعَ خطواتهُ في الطريقِ.
فالشتاتُ الداخليُّ ليس مجردَ اضطرابٍ عابرٍ في المشاعرِ، بل هو انهيارٌ صامتٌ في مركزِ الذاتِ؛ ذلك المكانُ الذي تنبعثُ منه الثقةُ والطمأنينةُ والإحساسُ بالقيمةِ والقدرةُ على مواجهةِ العالمِ. وما لم يلتئمْ هذا المركزُ، يظلُّ الإنسانُ – مهما تزينتْ واجهتُه – هشًا من الداخلِ أمام أبسطِ اختبارٍ يعرض له من الخارج.
ولهذا نرى المتكبّرَ إنما يختلقُ صورةً زائفةً لنفسه؛ لا لأنه يملك قوّةً حقيقيةً للمواجهة، بل لأن الفراغَ في داخله يتسعُ حتى يخشى أن يراه الناسُ على حقيقتِه.
ونرى من يبخلُ بمالٍ أو مساعدةٍ، لا لأن يدَه شحيحةٌ، بل لأن في داخله قلقًا مضطربًا لا يعرفُ طعمَ الأمان ولا الاستقرّار النفسي.
ونرى من يجهدُ نفسَه في تجميلِ صورتِه أمام الناسِ، يفعلُ ذلك كما لو أن حياتَه كلها متوقفةٌ على رأيِ الآخرينَ فيهِ، لأنه لم يجدْ في ذاتِه ما يكفي ليطمئنَّ إلى أنه كائنٌ صالحٌ للقبولِ كما هو.
ويبلغُ الشتاتُ الداخليُّ ذروتَه حين يبدأُ الإنسانُ بالفرارِ من عجزِه الباطني إلى مظاهرِ الخارج؛ حين يتوهّم أن شهادةً مرموقةً ستعيد إليه ما فقده من ثقةٍ بنفسه، أو أن منصبًا رفيعًا سيغطي الشرخَ المتّسع في أعماقه، أو أن مدحَ الناس سيملأ الفجوةَ التي عجز عن ملئها بتقديره لذاته.
فيمضي يطاردُ الألقابَ والمناصبَ، ويسعى خلفَ الشهاداتِ، ويستطيبُ المديحَ، غيرَ مدركٍ أنه لا يفعل سوى وضعِ مسكّنٍ عاجزٍ على جرحٍ غائرٍ في داخله؛ جرحٍ لا يبرأُ إلا بعلاجٍ جذريّ نابع من الروِح.
فالخللُ ليس في شهادتِه، ولا في منصبِه، ولا في مكانتِه الاجتماعيةِ، بل في تلك الهوةِ النفسيةِ العميقةِ التي تتشكلُ في داخلهِ حين يفقدُ الإنسانُ ثقتَه بنفسِه.
وإنّ أخطرَ أنواعِ الشتاتِ هو ذلك الخفيُّ الذي لا يُرى؛ فهو لا يصرخُ ولا يعلنُ حضورَه، بل يتسلّل ببطءٍ في صورةِ اختياراتٍ زائفةٍ، وطموحاتٍ مموّهةٍ، وإنجازاتٍ موهومةٍ، وسعيٍ لا يهدأ نحو الخارج، فيما الداخلُ يزدادُ عتمةً وانطفاءً.
ولذلك… فإنّ الإنسان لا يحتاج إلى إصلاحِ العالمِ من حوله بقدرِ حاجته إلى إصلاحِ عالمه الداخليّ: أن يصالحَ نفسَه، ويفهمَ جراحَه، ويعيدَ ترتيبَ قيمهِ، ويملكَ شجاعةَ النظرِ إلى ذاتِه دون خداعٍ.
حينها فقط تستقيمُ الحدود، وتتجلّى الملامح، ويستعيدُ المرءُ ثباتَه. فلا منصبٌ يُغريه، ولا مديحٌ يرفعُه أو يخفضُه، ولا نظراتُ الناسِ قادرةٌ على هدمِ ما شيده في أعماقِ روحِه.
إنّ الشفاء الحقيقي يبدأ عندما يفهم الإنسان أن ما يراه في الخارج ليس سوى صورةٍ لما يجري في داخله. فإذا اختلّ الداخل واهتزّت النفس بخوفٍ أو اضطراب، انهار كلُّ ما بناه في حياته مهما بدا ثابتًا ومتماسكًا. فالمظاهرُ لا تُخفي هشاشة النفس، ولا تستطيعُ نفسٌ ضعيفة أن تواجه واقعها الداخلي المضطرب.
كتبه :
محمد بن سالم بن سليمان الفيفي
- “الصحة” تبدأ حملة تطعيم ضد الانفلونزا الموسمية بمركز عطار لغسيل الكلى
- مدير فرع البيئة بمنطقة جازان يوقع تسليم مدينة جازان الزراعية الأولى لزراعة الفواكه الاستوائية
- الشيخ يحيى عيدان الفيفي الى رحمة الله.
- تدشين مركز للتبرع بالدم بمستشفى أحد المسارحة العام
- الشؤون الإسلامية بجازان تطلق برنامجًا شرعيًا تثقيفيًا للناشئة بالطوال


