أعلام ومشاهير

حين يجتمع السيفُ والقلم

كتبه أ : حمد دقدقي

من قرية الخشابيه حيث يتهجّى الوادي أسماء الرجال، ولد اللواء والأديب: إبراهيم الحمزي، فكبر وهو يحمل في قلبه جازان، وفي روحه مزيجًا نادرًا من الصرامة والندى. مشى دروب التعليم كما يمشي الواثق إلى قدره، من مدارس العزيزية والواصلي حتى ثانوية معاذ بن جبل.

ثم مضى إلى كلية الأمن، ليعود محمّلًا بالعلم، ومتوَّجًا بدبلوم الدراسات الأمنية، كأنما كان يُعدّ نفسه لدورٍ أكبر من الوظيفة… لدور الرسالة.

دخل الميدان مبكرًا، فلم يكن مسؤولًا يعبر المناصب، بل قائدًا يترك أثره حيث حلّ. في الرياضة، صنع من نادي التهامي حلمًا يصعد، ورفعه لأول مرة إلى دوري الدرجة الأولى، واستقدم له مدربًا أوروبيًا، لأن الرؤية عنده كانت دائمًا أبعد من اللحظة. وفي الأمن…
كان اسمُه مرادفًا للثقة.
جازان، والحدود الشمالية،
ومرور جازان، والأمن الشامل،
والعاصمة المقدسة،
وقطاع السجون،
ومستشارًا لوزير الداخلية؛
مناصب تعاقبت،
لكن الثابت فيها رجل
يعرف كيف تكون الدولة مسؤولية،
وكيف يكون الانضباط خُلُقًا.

اثنان وأربعون عامًا في خدمة ضيوف الرحمن، ثماني مرات يغسل الكعبة المشرفة، كأن القدر أراد أن يكافئ
يدًا حفظت الأمن بقربٍ من أطهر مكان.

ترأّس القمم، ومثّل الوطن في المحافل، وأدار البحوث والورش، وكان حيثما احتاجته المملكة… حاضرًا. ومع ذلك كله، لم ينسَ الأدب.

كان مولعًا بالكلمة، صديقًا للشعراء، قريبًا من المثقفين، يرى في الحرف شريكًا للسلاح، وفي الثقافة سياجًا آخر للأمن.

حتى حين كُلّف باللجنة الثقافية لاستقبال الملك عبدالله – رحمه الله – في جازان، كان في موقعه الطبيعي: حيث يلتقي الوطن بالجمال. رحل اللواء والأديب إبراهيم الحمزي، وصُلّي عليه في الحرم المكي، وكأن الخاتمة جاءت بحجم السيرة.

رحل الجسد، وبقي الأثر، وبقيت سيرة رجل إذا ذُكر الأمن ذُكر، وإذا ذُكرت الكلمة كان لها نصيبٌ من اسمه.

رحمه الله رحمةً واسعة، وجعل ما قدّم نورًا لا ينطفئ في ذاكرة الوطن حينُ يخلِّدُ الحزمُ الحرف… سيرةُ وفاءٍ لا تغيب.

رحل سعادةُ اللواء والأديب إبراهيم حمزي ـ رحمه الله ـ وغاب الجسد، وبقي الأثر شاهدًا لا يشيخ.

كان حضورُه توليفةً نادرة؛
حزمُ العسكري حين يستدعي الواجب،
ورقّةُ الأديب حين تُستدعى الروح.
لم يكن مسؤولًا يوقّع على الأوراق،
بل عينًا فاحصة تفتّش عن الجمال،
وتنحاز للكلمة؛ لأنها وحدها التي تبقى.

آمن بأن المواهب لا تُكتشف صدفة،
وأن الإبداع يحتاج راعيًا لا رقيبًا،
فكان راعي المواهب،
ومهندس الأوبريت الأول،
حين نقل الشعر من عزلة القصيدة
إلى ملحمةٍ جماعية
تحمل هوية جازان،
وتمنح شعراءها منصةً تليق بصدقهم ووهجهم.

كان الأديب في بدلة المسؤول،
تجاوز حدود الوظيفة،
فترك أثره في النفوس
قبل أن يُدوَّن في السجلات،
وصار جسرًا من نور
عبره المبدعون إلى الضوء.

علّمنا أن المنصب وسيلة،
وأن خدمة المجتمع وتخليد تراثه
هو الإرث الحقيقي…
وهو الفخر الذي لا يُزاح.

ولأن الوفاء لا يرحل،
بقي خلفه من يحمل الأمانة،
وفي مقدمتهم الشاعر والكاتب القدير
أحمد السيد عطيف،
قامة أدبية وثقافية سامقة،
صاغ حب الوطن لا كلماتٍ عابرة،
بل هويةً وانتماءً
في أوبريت «إحنا سعوديين».

حين يمتشق عطيف قلمه،
لا يكتب أبياتًا موزونة فحسب،
بل يفتح نافذةً على الروح السعودية الأصيلة؛
فتنعكس شموخُ الجبال،
وصبرُ النخيل،
وعنفوانُ التطور.

يمتلك سرَّ السهل الممتنع،
يخاطب وجدان البسيط
ويُدهش المثقف،
ويحوّل المفردة الحجازية والتهامية والنجدية
إلى سيمفونية وطنية واحدة.

في «إحنا سعوديين»
لم يكن شاعرًا فقط،
بل مؤرخًا عاطفيًا،
اختزل قصة وطن وقيم أمة
في جُملٍ تجري على الألسن
كجريان الماء في العود،
مؤكدًا أن الهوية السعودية
مزيجٌ فريد من الدين، والأرض، والولاء. لقد كنتَ ولا تزال،
الرسّام الذي لوّن الوفاء بالكلمات،
والبنّاء الذي شيّد في ذاكرة الأجيال
صروحًا من فخر.

صُغتَ «إحنا سعوديين» فصرنا نرددها،
لا كأغنية،
بل كنشيدِ وجودٍ،
وبصمةِ مجدٍ… لا تُمحى
.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى