
خطيب المسجد النبوي دعوة الرسل متفقة في التوحيد
قال إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالمحسن بن محمد القاسم -في خطبة الجمعة-: دعوة المرسلين متفقة في التوحيد، وأما شرائعهم في الأوامر والنواهي فمختلفة، فقد يكون الشيء في شريعة حراماً، ثم يباح في الشريعة الأخرى، والعكس، وأكمل الشرائع وأتمها شريعة خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ الله العهود والمواثيق على جميع الأنبياء والمرسلين إن بعث فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم أن يتبعوا شرعه؛ ولما بعث نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم وجب على جميع الثقلين الإيمان به وطاعته، وبذلك ينال خير الدنيا والآخرة.
وأضاف: جعل الله الخلق في الأرض خلائف، ورفع بعضهم درجات، والمرتبة العليا على الإطلاق مرتبة الرسل؛ فهم المصطفون من عباده الذين سلم عليهم في العالمين، واختصهم بوحيه، وجعلهم أمناء على رسالته؛ وهؤلاء العظماء فاضل الله بينهم فأفضلهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إبراهيم عليه السلام، وقد أكثر الله في كتابه من أخبار إبراهيم عليه السلام؛ من نشأته إلى مآله في الآخرة، اجتباه ربه من بين العالمين؛ قال تعالى: (وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا)، وفي صباه من عليه بعقل سديد ورأي رشيد؛ قال سبحانه: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ)، أمره الله بالاستسلام والانقياد له، فأجابه من غير تردد (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ)، جمع الله له بين الصديقية والنبوة؛ فصدق بقوله واعتقاده، وحقق صدقه بفعله.
وتابع: نشأ في أرض ليس فيها مسلم إلا هو، ثم تبعته زوجته سارة، وكان قومه: منهم من يعبد الأصنام، وآخرون يعبدون الكواكب، وواليهم يدعي الربوبية، فدعاهم إلى الله جميعًا وهو شاب؛ووهبه الله قوة الحجة بالعقل بأجمل عبارة وأخصرها؛ فناظر من يعبد الأصنام بقوله: (قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ، أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ)؛ وقال لأبيه: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا)، وحاج من يعبد الكواكب بغيابها عن عابدها حيناً من الزمن بقوله: (قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ). وقال للنمرود مدعي الألوهية: (فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ).
وأضاف: أمره الله ببناء الكعبة، وعهد إليه بتطهير البيت من الشرك، وأمره أن يؤذن بالحج؛ فامتثل جميع ذلك؛ وامتحنه الله بالنعم فكان شاكرًا لها، وابتلاه بالمحن فكان صابرًا عليها، في شبابه حُرِم الولد، وفي كبره – وهو في الشام – وهبه الله من هاجر إسماعيل عليهما السلام، فأمره الله أن يضعها مع ولدها الرضيع بين جبال، في وادٍ لا حسيس فيه ولا أنيس، ولا ماء ولا زرع، فاستوحشت ولحقته وقالت له: (قَالَتْ لَه: آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا)، فصبر على فراقهما، ثم شب إسماعيل وتزوج وماتت أمه وهو لم يرهما، ثم قدم إبراهيم، فلما رآه إسماعيل «قام إليه، فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد – من الاعتناق والمصافحة – ثم قال: يا إسماعيل، إن الله أمرني أن أبني هاهنا بيتًا، فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني»، ولما فرح إبراهيم عليه السلام بولده الوحيد بعد طول فراق، أمره الله أن يذبحه، وبذبحه ينقطع نسله، ومع هذا امتثل أمر الله، وصرع إسماعيل على وجهه ليذبحه من قفاه؛ ففدي بذبح عظيم، قال سبحانه: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)، ولما دعا قومه لتوحيد الله، أججوا له ؛نارًا عظيمة؛ مبالغة في تعذيبه وإحراقه، ثم ألقوه فيها، فقال الله: (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،اختبره الله بأوامر ونواهي فقام بهن كلهن؛ قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ)،
أثنى الله عليه بأنه كثير الدعاء، وهو أكثر الأنبياء دعاء في القرآن العظيم، وقلبه ممتلئ بحسن الظن بالله والثقة بأنه يعطيه ما سأله، (وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)، فدعا بما يظن أنه محال فتحقق؛ دعا أن يكون ذلك الوادي المخوف الذي بنيت فيه الكعبة آمنًا، وان يفد الناس إليه، ويجبى إليه ثمرات كل شيء؛ فأجاب الله دعاءه. ودعا أن يهب الله له من الصالحين؛ فلم يبعث نبي بعده إلا من ذريته؛ ودعا أن يبعث من بين تلك الجبال الجرداء من يعلم الناس القرآن؛ فبعث الله من مكة نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم.
خطيب المسجد النبوي دعوة الرسل متفقة في التوحيد