مقالات

رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)

الجزائر اسم علق بفكري من الطفولة المبكرة، مع بداية التحاقي بالمرحلة الابتدائية في عام 1382هـ 1962م، واسمها حينها يتردد بالمناداة بنصرتها، ودعم المجاهدين فيها، ثم فيما بعد ارتبط اسمها بالمليون شهيد، الذين تحقق بتضحياتهم الاستقلال التام، والانفكاك من الاستعمار الفرنسي، بعد اكثر من مائة وثلاثين سنة، ولكنها بقيت في ذاكرتي معلوماتي باهته وضبابية، وكانت الصورة لدي انما هي ارض صحراوية، ارتبط ذلك لما كنا ندرسه في الجغرافيا، وعن تضاريسها وعن وجود الصحراء الكبرى بها، وعدم ابرازها والتعريف بها اعلاميا بالشكل الصحيح، كل ذلك عمق الفكرة ورسخ الصورة المختزنة، وفي السنوات الاخيرة كان شقيقي الاستاذ (منير)، له علاقات كبيرة وكثيرة بالعديد من ابناء الجزائر، بحكم عمله في مكة المكرمة في خدمة الحجاج والمعتمرين، ويتعامل كثيرا مع بعثات الحج والعمرة من الجزائر، ويتواصل معهم ويزورهم في الجزائر، وينظمون له زيارات وجولات في اكثر من ولاية ومدينة، زيارات عمل وزيارات سياحة، وكان يطلعني احيانا على بعض الصور من هناك، ويتحدث بإعجاب عن ارضها وانسانها، وتمنيت عليه إن اتيحت له فرصة زيارتها أن أكون رفيقه، وحان الوقت المناسب الذي اصبح حقيقة كم سعدت بها، فقد كانت زيارة مليئة بالمفاجأت التي غيرت ومسحت كل تصوراتي وقناعاتي السابقة، وابدلتها بالواقع الزاهر والمبهج في هذا البلد العظيم.

  اكتشفت أن الجزائر جنة الله على الارض، وارض لا تنافسها كثير من البلدان في مشرق الارض ومغربها، تتميز بطبيعة ارضها، وتطور مدنها، ثم واهم من ذلك طيبة اهلها، وحسن تعاملهم وجمال اخلاقهم، وهذا الجمال الذي ينشده الزائر، ولتميز ارضها تعاقبت عليها حضارات وامبرطوريات متعددة، ومن حقب موغلة في القدم، فقد حكمها النوميديين والفينيقيين والرومان فالوندال ثم البيزنطيين، وبعد الفتح الاسلامي شهدت معظم اجزائها حكم الامويين ثم العباسيين، والادارسة والاغالبة والرستميين والفاطميين والزيريين والحماديين والمرابطين والموحدين والحفصيون فالعثمانيين ، وفي القرن التاسع عشر احتلتها فرنسا لأكثر من مائه وثلاثين سنة، واليوم هي دولة مستقلة قوية تحتل مكانتها في مقدمة الامم النامية، يصنفها دستورها الرسمي بانها دولة  اسلامية عربية أمازيغية.

تحقق حلم زيارتها والتطواف في معظم مدنها وولاياتها على مدى عشرة ايام، بدأ من يوم الخميس 1444/8/17هـ الموافق 9/3/2023م، وإلى يوم الأحد 1444/8/27هـ الموافق 19/3/2023م، كانت من اجمل الايام واسعدها، ورغم مشقة التنقل وتباعد المسافات، إلا انها مرت سريعة كالاحلام لم نبل منها صدى ، ولكنها خلفت انطباعا جميلا في النفوس، لن يمحى واحببت أن اشارك الاخوة الاعزاء معي شيء من المشاهدات والتعريف الموجز بهذه الزيارة، وجعلتها في يوميات في كل يوم سجل بما كان فيه من زيارات وجولات، وكما ستلاحظون فهي مليئة بالتطواف والتجوال، حاولنا استغلال كل دقيقة فيها، حيث كنا نتحرك في كل يوم من الساعة العاشرة صباحا، ولا نعود إلا في حوالي الساعة العاشرة مساءا، اثنتي عشرة ساعة متواصلة، لا يتوقف لنا قرار، ولا يهدئ لنا فيها بال، نعيش في ابهار واعجاب لا ينتهي، طفنا الاف الكيلوات، من وسطها من (العاصمة) إلى اقصى الشرق في (عنابة)، ومن الشرق إلى اقصى الغرب في (تلمسان)، بينهما ما يزيد على الف كيلو متر، ومع ذلك فلم نستطع استكمال كل ولاياتها ومناطقها، ولم تشبع النفس، ولكن اخذنا فكرة شبه وافية عنها، واكتفينا من هذا البحر بقطرة من المعرفة، ولنبدأ بالولوج إلى هذه اليوميات الماتعة النافعة، والله الموفق والمعين.  

انطلقت بتوفيق الله في يوم الاربعاء الموافق 1444/8/16هـ الموافق 8/3/2023م، في تمام الساعة الرابعة والنصف عصرا، من بيتي في النفيعة بمحافظة فيفاء، مع أن مستقري الدائم في مدينة الرياض، ولكن كنت في هذه الفترة في زيارة عائلية خاصة لبلدتنا فيفاء، حيث غادرتها متوجها إلى مدينة جيزان، عاصمة منطقة جازان، الواقعة في اقصى جنوب غرب المملكة، على ساحل البحر الاحمر، ووصلت الى المطار فيها في الساعة السادسة واربعين دقيقة تقريبا، منتظرا رحلة المغادرة إلى مدينة جدة، وكانت على طيران ناس، واقلعت الطائرة بنا في تمام الساعة الثامنة وخمسين دقيقة، وفي مطار جدة الدولي انتظرت لبقية الرفقة، الذين سيقدمون من الرياض وابها ومكة المكرمة، ولم تمضي بضع ساعات حتى توافد كامل الرفقة، الاخوة الشيخ احمد بن سليمان والمهندس يحيى بن سليمان والاستاذ منير بن علي (حفظهم الله)، وابتدأ المشوار لتفعيل هذه الرحلة المباركة، على بركة الله وتوفيقه.

الخميس 1444/8/17هـ ، 9/3/2023م :

بعد صلاة الفجر سعينا إلى استكمال اجراءات السفر، على متن طيران الخطوط السعودية، واستكملنا قص كروت صعود الطائرة، واستكمال ختوم الجوازات ، ثم دخلنا إلى صالة المغادرة ننتظر موعد المغادرة المحدد بالساعة الثامنة واربعين دقيقة، وركبنا الطائرة وهي من نوع استارت الضخمة، ولم يكن بها من الركاب العدد الكبير، فعلى ما يبدو أنما هدفها هو نقل الركاب القادمين من الجزائر، وهذا الوقت احد مواسم العمرة الضخمة، قبيل رمضان واثناء الشهر المبارك الكريم، وهو ما رأيناه بالفعل في رحلة العودة، درجت طائرتنا على مدرجات المطار الطويلة، مقلعة بنا إلى جهة الغرب، في حوالي الساعة التاسعة وعشر دقائق، وارتفعت بكل انسيابية وسلاسة فوق السحاب، وقد اختار كل منا مكان جلوسه بجوار احد النوافذ، ومنهم من افترش بعض المقاعد الفارغة، ودخل في نوم عميق، وبالذات والطائرة شبه فارغة، ومدة الرحلة خمس ساعات بالكمال والتمام، ولم ينم معظمنا شيئا في الليلة السابقة.

بقيت محدق في الفضاء المنظور من تحتنا، ملتصقا بأحد شبابيك الطائرة، في منظر مهيب وجميل لا تمل منه ولا تتعب، اخترقنا البحر الاحمر في اتجاه الشمال الغربي، وما هي إلا دقائق ونحن نحلق فوق جمهورية مصر العربية، نخترقها من الشرق الى اقصى الشمال الغربي، كانت الارض من تحتنا صحراء جرداء قاحلة، إلى أن اقتربنا من ضفاف نهر النيل العظيم، المتميز بخضرته وقراه الكثيفة على جانبيه، فمعظم المدن والاستقرار السكاني انما هو مركز على ضفاف هذا النهر، القلب النابض لمصر.

فاتجهنا مخترقين جمهورية مصر العربية إلى الشمال الغربي منها، ومن فوق مطروح في هذا الاتجاه، عبرنا فوق البحر الابيض المتوسط مباشرة، لتتجه بنا الطائرة غربا، وكنا في الاسفل نشاهد بعض الجزر الصغيرة والكبيرة، ومنها على ما اظن جزر صقلية.

واستمرت في هذا الاتجاه لأكثر من ساعتين، لندخل بعدها في البر الجزائري الاخضر، الممتد في كل المساحات من اسفل منا، ولنشاهد بقايا الثلوج تغطي رؤوس بعض الجبال، وواصلنا على هذا المنوال لما يقارب الساعة، لنهبط بكل سلاسة في مطار هواري بومدين في العاصمة الجزائر، وإذا الساعة تشير إلى تمام الاساعة الثانية وسبع وعشرين دقيقة، الذي  يوافق الساعة الثانية عشرة وسبع وعشرين ظهرا بتوقيت الجزائر، لأن فارق التوقيت بين البلدين ساعتين بالكمال والتمام.

كانت الاجراءات داخل المطار سهلة وميسرة، وما اسرع ما استكملنا اجراءات الدخول، من تختيم الجوازات واستلام الامتعة لندلف إلى خارج المطار، ويكون امامنا مرحبا الاستاذ الكريم ابراهيم بن موسى بيداني، من اهل مدينة الجزائر العاصمة، وهو صاحب ومدير مكتب (الابراهيمية)السياحي، ومن اعز اصدقاء الاخ منير، وكان قد وفر لنا سيارة بقيت معنا طوال فترة بقائنا في الجزائر، وتزودنا في المطار قبل الخروج ببطاقات بيانات واتصالات جزائرية، ثم توجهنا في السيارة يقودها بنا إلى داخل البلد، وفي احد الاحياء القديمة (باب الزوار) القريب من المطار، وتوقف بنا عند احد المطاعم الشعبية، وكان ما لفت نظرنا والشيء الجديد علينا، شوايات الدجاج التي يستخدمونها لشوي قطع لحم الغنم، حيث يعدونها في قطع صغيرة، على اشكال قريبة من حجم الدجاج، وتشوى بنفس الطريقة المستخدمة للدجاج، وكان غدائنا من هذه اللحوم، وكم كانت لذيذة مع الخبز والسلطات، اتجهنا بعد الغداء الى الفندق الذي حجزنا غرف السكن فيه (فندق رويال ساحل)، يقع في حي بئر الخادم، احد الاحياء الراقية، وموقعه مقابل لبعض كليات جامعة الجزائر، وارتحنا في الفندق إلى صلاة المغرب، ثم خرجنا لتجوال المحدود داخل البلدة، لنأخذ فكرة عامة وبسيطة عنها، وتغلغلنا إلى داخل وسط البلدة، قريبا من موقع البريد المركزي.

واوقفنا سيارتنا وخرجنا نتجول على الاقدام، وفي احد الشوارع المجاورة توقفنا عند ميدان ضخم مبهر، ميدان الامير عبدالقادر الجزائري، يرتكز في وسطه تمثال مرتفع لحوالي عشر امتار او يزيد، يمثل الامير المجاهد عبد القادر ممتطيا فرسه وشاهرا سيفه.

وفي اسفل قاعدة هذا النصب مكتوب شيء من كلاماته الخالدة تقول : (أني لم اصنع الاحداث بل هي التي صنعتني، إن الانسان مثل المرآة، والمرآة لا تعكس الصورة الحقيقية، إلا إذا كانت واضحة وصافية).

هذا الامير المجاهد ولد في عام 1808م، وكان قائد سياسي عسكري، عرف بمحاربته للاحتلال الفرنسي للجزائر، وقاد المقاومة الشعبية فيها لخمسة عشر عاما، كانت من بداية غزو فرنسا للجزائر، ويعتبر هو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة، ورمز للمقاومة الجزائرية، ضد الاستعمار والاضطهاد الفرنسي، ونفي إلى دمشق ومات بها في عام 1883م.

 بعد جولة قصيرة في هذا المكان، جلسنا في قهوة على ناصية الشارع، وشربنا الشاهي الخاص بالجزائر، بما يسمى شاهي الصحراء، وهو شاهي ثقيل يتكون من القرفة والزر وغيره، وليس من مكوناته الشاهي المعروف، فالملاحظ أنهم لا يهتمون بالشاهي، ولا تجد شيئا من الشاهي العالمي الا نادرا، واكثر ما يركزون عليه هو شرب القهوة فقط، وقد التقينا في هذه الجلسة بمجموعة من الاخوة، من اهل البلد واحدهم من المغرب، وكانت جلسة ممتعة وحديث أخوي ماتع جميل، والملاحظ أنك إذا ركزت على كلامهم تفهمه بسهولة، فمعظم مفرداته عربية فصيحة في غالبها، ولكنهم قد يستخدمون بعض الكلمات المرادفة لما يستخدم في المشرق، فتظنها مختلفة ولكنها فصيحة الاصل، وتعطي نفس المعنى، مثل الله يحييك يقول الله يعيشك، وجميل يقول باهي، وطيب يلفظه مليح، ويحبّس يقف، وغدوه بكره وهكذا، ولكن في طريقة حديثهم قد يكثر فيه النبر ويتغير المعنى قليلا، فاذا ما سمعتهم يتحدثون تحسبهم يختصمون، والامر ليس كذلك وانما هو اسلوب الالقاء، وبعد جلسة ماتعة وجميلة، انطلقنا ومقصدنا الى أعلى قمة في المدينة، فوق هضبة يوجد فيها نصب تذكاري ضخم، يحمل اسم (مقام الشهيد)، ولضخامته وعلوه يرى من معظم انحاء المدينة، وبالذات في الليل بأنواره الزاهية المتعددة.وبعد أن اخذنا فكرة عن هذا الموقع المتميز، حيث لم نمكث طويلا لبرودة الجو في هذا الوقت، قفلنا عائدين ادراجنا إلى الفندق، طلبا للراحة واستعدادا ليوم الغد بمشيئة الله.

الجمعة 1444/8/18هـ 10/3/2023م

بعد تناول الافطار في الفندق، وفي حوالي الساعة التاسعة، اتجهنا نخترق مدينة الجزائر على الخط السريع، المتجه جنوبا غربا، مقصدنا مدينة (البليدة)، تبعد عن العاصمة بمسافة تقارب اربعين كيلو متر تقريبا ، مدينة متوسطة الكبر، متكاملة المرافق، جميلة المنظر، تلقب بمدينة الورود، وتعتبر مركز ولاية البليدة، اسسها الاندلسيون في القرن السادس عشر، بعد خروجهم من الأندلس، اخترقناها من الشرق وتعمقنا داخل شوارعها الجميلة، ثم اتجهنا إلى الجنوب الشرقي من المدينة، إلى حيث البيوت القديمة فيها، الواقعة على سفوح الجبال الملاصقة لها جنوبا، ثم صعدنا في هذا الجبل متجهين إلى اعلى نقطة فيه (منتجع الشريعة)، البيوت والقرى هنا وهناك في بدايات الصعود، واما الجبل فهو جبل مرتفع تكسوه الغابات الضخمة من اشجار الارز وغيرها، وطريقه معبد سهل مناسب ، كنا نشاهد المدينة تتوارى من خلفنا، وقد وقفنا في احد المطلات في ما يقارب ربع الطريق لنشاهد منه كامل المدينة.

ثم واصلنا صعودنا ونتوقف كلما وجدنا منظرا خلابا مختلفا، واستمر صعودنا إلى القمة التي ترتفع بمسافة 1500م عن سطح البحر، منطقة واسعة قليلا وفيها بيوت مسكونة، وخدمات متكاملة، وفي شوارعها بقايا من الثلج، فنحن في اخر فصل الشتاء، حيث تكثر فيه الثلوج ويوجد هناك مكان معد للتزلج في الشتاء، قد تجرد الان بذوبان الثلج الطبيعي الذي يغطيه.رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)في محيطة توجد تجمعات كبيرة للباعة ولاصحاب الكشكات للقهوة والعصيرات والاكلات الخفيفية، وهناك اصحاب خيول تاجرها لمن رغب التقاط الصور فوقها، أو في جولات قصيرة في المحيط، وهو شبه مزدحم بالزوار وبالذات وهذا اليوم هو يوم الجمعة، العطلة الاسبوعية لديهم هو ويوم غد السبت، سمعنا الاذان لصلاة الجمعة من احد المساجد، يقع داخل المساكن في حي قريب (حي المنظر الجميل)، وسارعنا للتوجه اليه، وكنا نسمع الامام حينها يخطب للجمعة، ولكن لم نصل إلى المسجد الا مع وقت اقامة الصلاة، وكان المسجد (مسجد النور) ممتلئا بالمصلين، وفاض بهم حتى امتلئ الشارع المجاور له، والصفوف تقف فيه متراصة، وهناك من يتوافد للحاق بالصلاة مثلنا، وقفنا مع صفوف المصلين في الشارع واكملنا الصلاة معهم.

ثم انصرفنا لنستأنف مسيرنا، وجولتنا داخل المكان والتعرف على بقية جوانبه، مكان جميل ومهيب باشجاره وغاباته على مدى النظر، وترى المدن تتراء من بين هذه الاشجار في السهول المحيط به على مدى النظر، وبعد التطواف اخذنا طريقنا بالهبوط من حيث اتينا، وما اسرع ما وصلنا إلى قلب المدينة (البليدة) نقطعها إلى جهة الغرب حتى تجاوزناها، لندخل بين المزارع المنتشرة في كامل المحيط، ثم انعطفنا قليلا إلى الجنوب، لنصل إلى بلدة (الشفة)، إلى تبعد عن البليدة بحوالي عشر كيلوات، واخترقنا البلدة إلى هضاب خلفها مرور بعين الرماية، وابتدأ الصعود التدريجي في هذه الهضاب، نمر بكثير من الحقول التي استصلحت لزراعة الحبوب، وفي كثير من قطعان المواشي من الاغنام وترى بعض الابقار هنا وهناك.رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)

بلغنا القمة التي لم تكن بذلك الارتفاع الكبير، ثم اتجهنا للانحدار الى الجهة الجنوبية من هذه الهضاب، في ولاية المدية، لنصل بعد وقت ليس بالطويل إلى منطقة واسعة في شعيب عريض بين هذه الجبال، جبال تمزقيدة في ولاية بالمدية، ويتميز بوجود بحيرة طبيعية (الضاية)، على ما يبدو من بقايا السيول والامطار، تتربع في وسط هذه الجبال على ارتفاع 1170م فوق سطح البحر، مساحتها في حدود مائتين متر في مثلها، والمتنزهون قد امتلئ بهم المكان يوقفون سيارتهم في ساحات في طرف الطريق معدة للوقوف وبعضهم يتجه على قدميه إلى حافة البحيرة، والناس في مرح ولعب في هذا الجو البديع والمنظر الجميل، اوقفنا سيارتنا وجلنا في المكان وشاهدنا الناس مستمتعين حول هذه البحيرة.رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)

وبعدما يقارب النصف الساعة واصلنا طريقنا متجهين إلى اسفل هذه الهضبة، في جهة الجنوب نمر بالعديد من الحقول والبيوت المنتشرة هنا وهناك، والقرى الصغيرة والاودية تجري فيها الغيول، وفي الاسفل مررنا بمدينة برواقية وتمزقيدة، ومن بعدها الحمدانية وقبلها وادي شفة، والحمدانية بلدة متوسطة على الشارع على ضفة وادى كبير، من فوقه جسر مرتفع فوقه الطريق الجديد السريع، تنفذه جمهورية الصين الشعبية، وواصلنا مسيرنا بالطريق القديم من تحت الجسر، وتعمقنا بين الجبال المرتفعة ، التي يضيق بينها الدرب، وفيها كثير من بقايا طريق السكة الحديدية من عهد الاستعمار الفرنسي، والعجيب فيها انهم اخترقوا بها هذه الجبال في انفاق عظيمة، وبينها جسور مبنية تصل بين هذه الجبال فوق الوادي العميق الذي يتدفق مائه بغزارة، وفي احد المنحنيات يوجد بقايا بناء جميل وضخم، قيل انه فندق (شعب القرود)، وعلى ما يبدو وبناء على طبيعة الارض، بجبالها واشجارها انها مرتع جميل للقرود، ولغيرها من الحيوانات المتوحشة، ويطلقون على القرد اسم (شدي).رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)

لم نلبث ان التقينا بالخط الرئيسي السريع، ونحن ندخل إلى اطراف مدينة الشفة، تاركين مدينة البليدة على يميننا شرقا، بعد أن اخذنا دورة كاملة على هذه الجبال الشاهقة.

  اتخذنا طريقنا شمالا غربا قاصدين الساحل، ونحن نبعد عنه بما يقارب العشرين إلى ثلاثين كيلو متر، واخترقنا مدينة موزاية، وهي مدينة كبيرة نسبيا، وبعدها مدينة العفرون، بلدة كبيرة ويمر بها القطار، وفيها معاصر للزيتون، ومن بعدها مدينة احمر العين، ثم مدينة بورفيقة من حي سميائي، وبعدها مدينة حجوط، إلى نوميديا لاندر، وهو اسم اميرة رومانية، كانت تقيم في شرق الجزائر، والطريق يتعرج بين المدن والمروج الزراعية والغابات والاودية، ووصلنا وادي بوهزدون ، ثم وادي بوغيسان، الناظور وشرشال، وقورية وداموس، إلى بلدة سيدي موسى، ومنها نفذنا على البحر الذي تكتنفه الجبال، ولا يوجد سواحل مناسبة إلا القليل النادر، ويكون في العادة مليء بالبيوت، ولذلك فامواج البحر هنا قوية وصاخبة، هنا مجمع بيوت اسمه الحمدانية به بلاج اسفل من الطريق جميل، ولكن الظلام يحجب عنا كثير من المناظر فقد غربت الشمس ونحن في بداية وصولنا للبحر.

مررنا بشينو والطريق فيها منجورة في الصخر، وتسمع هدير الامواج وهي تضرب في اسفل الجبل على مسافة تقارب الخمسين مترا ، اوقفنا سيارتنا في هذا المكان الجميل، وزاد من جماله وانت ترى امامك من هذا الخليج الممتد اسفل منك مدينة تيبازة.رحلة الجزائر (الحلقة الاولى)

واصلنا طريقنا إلى تيبازة وهي مدينة كبيرة نسبيا، فيها ميناء وفيها اثار رومانية، لكن للأسف لم نشاهدها فالليل قد اطبق على المكان، والموقع مغلق في هذه الساعة، جلنا في المدينة، وقريبا من الميناء وجدنا عدة مطاعم كبيرة للسمك، فواقفنا سيارتنا في مواقف قريبة من المكان، وتعشينا في احد هذه المطاعم، وكان يحتوي بمجمله على اكلات بحرية من الاسماك والقمبري والشربة اللذيذة، وقد يكون للجوع دور في اعجابنا المبالغ فيه، فما زلنا على الفطور من الصباح في الفندق، وبعد العشاء انطلقنا عائدين إلى مدينة الجزائر، نمر بقرى نقرأ لوحاتها على الخط السريع، ومن هذه القرى والتسميات، قليع، وبو اسماعيل، وفواكه البحر، وفواكه المدينة، وداوود البحري، وداوود البلد، وزيالده، وغصنا في مدينة الجزائر متجهين إلى الفندق، لنرتاح ليوم قادم في الغد بمشيئة الله.

والى الحلقة التالية بمشيئة الله.
محبكم / عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال
                                                                الرياض

‫6 تعليقات

  1. بارك الله فيك يا ابا جمال وفي رفقتك ومضيفيكم ابحرت بنا فيةهذه الاجواء الجميله من خلال هذه الرحله الماتعه لهذا البلد العظيم باهله ومكانته في قلوب الجميع
    تحياتى لك
    محبك واخوك هادي قاسم -ابو باسل

  2. على مدى يومين والان اليوم الثالث وانا اعيد قراءت هذا المنشور الذي فيه كثيرا من السرد المميز والكثير من المعلومات التي لاول مره اعرفها عن الجزائر
    ابدعت ابو جمال في طرحك ونقلنا معك الى الجزائر عبر سردك للاحداث
    هناك حقائق كثيره قد تخفى على الكثير عن الجزائر ارض الشهداء ولكن الاعلام مغيب تماما عنها
    وانتم بدوركم ابدعتم في نقلها

    ولا تهون صحيفة بصمه بقيادة اخي العزيز حسن في ابراز الحدث بطريقه شيقه بتسلسل الاحداث بالصور والتنسيق المميز
    وهذا ما نبحث عنه كقراء وهو القراءه دون ملل في ظل سرد الخبر بطريقه مميزه لا يمل القارئ منها
    تحياتي للجميع

  3. الله يعطيك العافيه ابو جمال
    رحله رائعه وسرد مميز بارك الله فيك ابو جمال
    اخوك ابو ايمن

  4. ما شاء الله تبارك الرحمن
    وصف رائع وإسلوب أروع …
    فشكراً ثم شكراً ثم شكراً على ما سطرته لنا أناملكم .
    تحياتي يالغالي وها نحن في إنتظار بقية الحلقات 🌺😇

  5. من الجزائر أحييك وكان لي الشرف العظيم أني ألتقيك في مدينة قسنطينة.

    بعد هذه المقالة الشيقة التي جعلتني اتلهف شوقا للحلقة الثانية منها 🤗🧠🫀… أعيد و أكرر و الله لي الشرف أني جلست في مجلس كان شمله من كبار و سادة وعظماء المملكة العربية السعودية و الذي ساده التواضع ،الروح المرحة ، القلوب الطيبة و التي جعلتني أحس انني أنا الضيف بينكم.

    أرجو سيدي الكريم أن نكون قد وفقنا في واجب الضيافة رغم بساطتها.

    بارك اللّه فيكم و سدد اللّه خطاكم على هذا الوصف الرائع و نحن في إنتظار عودتكم لبلدكم الجزائر 🤲🏻

    🇸🇦💝🇩🇿

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى