
رحلة الهند الحلقة الثانية
نستأنف بقية رحلتنا التي احببت اطلاعكم عليها، واشراككم فيما شاهدناه، حسب ما يلي :
الأثنين 1446/7/20هـ.
في صباح هذا اليوم وبعد تناول فطورنا في الفندق، انطلقنا في جولتنا لهذا اليوم، وكانت أول وجه لنا هي زيارة سد قائم في الجوار، ومن الملاحظ في هذه البلاد كثرة السدود، ففي هذه المناطق الجبلية يشاهد كثرتها وشدة عنايتهم بها، مع غزارة الأمطار لديهم في غالب فصول السنة، وتوفر الانهار والبحيرات العظيمة، حيث ما مررنا في هذه الجبال إلى الآن على أي وادى إلا وعليه سد ضخم، يحجز خلفه بحيرة كبيرة جدا من المياه، ففي هذه المساحة المحدودة التي جلنا فيها في هذين اليومين فقط، وجدنا حوالي ثلاثة سدود عملاقه، وفيما بعد وخلال بقية جولاتنا التالية وجدنا العشرات منها، وهم يستغلون مياه هذه البحيرات الكبيرة، اضافة إلى الاستخدامات الاساسية، في استغلالها في مجال السياحة المزدهرة لديهم، فعلى ضفاف معظم هذه البحيرات توجد قوارب للتأجير، يطوف بك سائقها في جوانب هذه البحيرات الواسعة، وهو ما قمنا به في هذه الزيارة، فعند مدخل السد الرئيسي على الشارع العام، لا بد أن تدفع رسوم الدخول البسيطة، وهبطنا من هذا المدخل إلى مستوى البحيرة في درج طويل، وممرات متعرجة بين الاشجار الضخمة المتنوعة، ويوجد في هذه المواقع محلات متعددة للمتنزهين، وحتى أنه يوجد بها اماكن للمساج، يوجد في بعض منها أحواض صغيرة، بها سمك صغير خاص بالتهام الزوائد اللحمية في اطراف الاقدام، فإذا ما وضع الشخص قدميه داخل هذا الحوض، اقبلت عليها بكل شراهة، وعرفنا ذلك من خلال صور الاعلانات المعلقة خارج هذه المباني، وإلا فلم ندخلها، وكان على حافة بحيرة السد منصة خشبية مثبتة كميناء، تحيط بها ومربوطة فيها مجموعة من القوارب المخصصة للركاب.
استأجرنا واحد منها عن طريق موقع أكتروني له عنوان مثبت، وذلك لعدم توفر موظف البيع في تلك الفترة من الصباح، وبعدها البسنا قائد المركب الستر المخصصة للنجاة، وركبنا ليتحرك بنا شاقا عباب مياه البحيرة، يخوضها بمكينة القارب القوية، التي تدفعه بقوة إلى الامام، وجال بنا طولا وعرضا على امتداد تشعبات المياه في هذه الأودية المحيطة، واستمر كذلك لما يقارب من خمسة عشر دقيقة، كانت رحلة ممتعة ومنعشة وجميلة.
وما إن فرغنا وانتهينا من هذا المكان الجميل، حتى عدنا إلى السيارة، الواقفة عند مدخل السد على الشارع العام، لنتجه بعدها إلى مكان آخر ليس ببعيد، يوجد به مكاتب خاصة بتأجير سيارات الجيب القوية، التي تنطلق في جولات سياحية (سفاري)، داخل مناطق شبه محمية داخل الغابات في هذه المنطقة، ولا يسمح لغيرهم من اصحاب السيارات الخاصة بالدخول إليها، استأجرنا سيارة مناسبة لننطلق فيها إلى بعض الجبال والأودية الممتدة جنوب شرق هذا المكان، كانت رحلة استكشافية ممتعة بين هذه الغابات المتنوعة بأشجارها، في هبوط وصعود وتعرجات من جبل إلى آخر، وكانت الأماكن جميلة وكثيفة الغابات الشجرية، فما إن خرجنا من محيط بيوت البلدة، إلا ودخلنا في تنوعات الاشجار الممتدة هنا وهناك من حولنا، وغزارة المياه المتدفقة في الأودية التي مررنا بها، وامضينا ما يقارب من نصف ساعة إلى أن وصلنا موقعا به مباني مليئة بالرواد، وكان الموقع مشرفا على شلال جميل اسفل منه في الوادي، ويتوفر في هذا المكان مجموعة محلات خدمية، ومطاعم للوجبات الخفيفة والمشروبات، والهدايا والملبوسات، من قبعات وهدايا والعاب، والمكان معد بشكل جاذب وممتع، حتى أنه يوجد به مزلق هوائي (تلفريك)، بكيبلات مشدودة على ضفتي الوادي إلى الجهة المقابلة، يشتري الراغب في ركوبها قيمة تذكرة، وبعد استكمالهم اجراءات السلامة الاساسية، من تثبيته بالأحزمة ولبسه خوذة الرأس الواقية، ينطلق بها ذهابا وعودة إلى المنصة الأخرى، وكان عليها اقبالا كبيرا كما هو مشاهد من الشباب والسواح، وهي تشبه الموجودة لدينا في منتزهات رغدان بالباحة.
وهناك اشياء كثيرة ممتعة للزوار في هذا المكان، هبطنا في درج يتوسط المحلات، لنصل في نهايته إلى البحيرة التي يصب فيها الشلال، في اسفل الوادي بما يقارب المائتي درجة، تمر بين صخور ومنحدرات واشجار متنوعة، ويتميز بحسن استغلال المكان، واعداده بالطرق والممرات في داخله.
بعد أن انتهينا من جولتنا صعدنا إلى الشارع العام، لنركب سيارتنا مواصلين الرحلة، حيث استمر بنا السائق على نفس الطريق، إلى أن أوصلنا إلى أخرها في هذه الجهة، حيث تقع نهايته فوق جسر مرتفع، لا يسمحون حينها بمرور السيارات فوقه، فأوقفنا سيارتنا جانبا، ومشينا فوقه وقطعناه إلى الضفة المقابلة، ولم يكن هناك شيء ذي بال، إلا وجود بعض الباعة يعرضون بضائعهم كالعادة، في محلات تشبه مثيلاتها في كل المواقع الأخرى، من بيع المياه والشاهي وجوز الهند والعصير، ووجدنا على ظهر هذا الجسر شخص يسوّق لعبة بسيطة ابتكرها، كانت عبارة عن كرة مربوطة بإحكام بحبل طويل، وطرف الحبل مثبت في حافة الجسر، فيرمي من أراد هذه الكرة، بعد أن يدفع له مبلغا بسيطا، ليحاول اصابة دمية متوسطة الحجم، لدب ملقاة على صخرة في الأسفل، تحت الجسر مباشرة، فإذا ما اصابها كسب الرهان واستعاد المبلغ، وإن اخطأها خسر ما دفعه، وتراها سهلة ولكن من الصعوبة بمكان، لبعد المسافة وقوة الرياح تحت الجسر، حتى أنه هو جربها أمامنا بنفسه، فلم يستطع اصابتها نهائيا، وكان الوادي تحت هذا الجسر ذو تضاريس صعبة، وبه صخور ملساء ضخمة غير منتظمة، وكان فيه حينها قليل من الماء، فالسد فوقه مباشرة، وقالوا أنه يزداد تدفقه في مواسم الامطار، أو إذا ما فتح السد الكبير اعلاه، الذي سيكون مقصدنا التالي.
عدنا إلى السيارة لننطلق صعودا إلى الاعلى، لنسير حوالي الكيلوين، مقصدنا السد الكبير الموجود هناك، ودخلنا من بوابته المفتوحة، وعبرنا فوق مبناه الاساسي الى الضفة المقابلة، في مسافة تقارب المائتي متر أو تزيد، حيث يحتجز خلفه بحيرة عظيمة، استولت على كثير من شعاب الجبال من حوله، وتوقفنا بعده في مكان متسع يعلو هذه الضفة إلى الخلف، وبه جمع كبير من الناس، امثالنا ممن جاءوا للفرجة والتنزه، ويوجد من يقدم فيه الخدمات للناس، من بيع المياه والعصير وكثير من المشروبات، وكان في منتصف المكان درج يهبط إلى اطراف البحيرة على السد، فهبطنا منه لحوالي ثلاثين درجة، في مكان واسع قليلا فيه ظلال، من بعض الاشجار المتشابكة الضخمة هناك، ويوجد في ظلالها بعض من المتنزهين جلوسا مستمتعين بهذا الجو والمنظر، وكان لا شك منظر أخاذ وجو عليل وممتع، وهو كأمثاله من السدود لديهم، تتوفر به قوارب للتأجير، وسمعنا بعض المتواجدين يرفعون اصوتهم بشكل لافت، لاكتشافهم ظاهرة رجع الصدى من الضفة المقابلة، فكان الكثيرون منهم يستمتعون برفع اصواتهم، وهم يسمعونها تجلجل في الارجاء، لم نمكث طويلا بل عدنا إلى الاعلى حيث السيارة، وتزودنا من هناك ببعض الاسكريم من بعض السيارات الخاصة بذلك، وشربنا شيء من جوز الهند، وكان في المكان فرس ابيض جميل ملجم، يركب عليه من اراد، بمقابل يدفعه لصاحبه، أما ليتصور فوقه، أو لممارسة الركوب، وغادرنا من نفس الطريق الذي جئنا به، مرورا من فوق مبنى السد، حيث لا يوجد طريق غيره، وتوقفنا في آخره لنلتقط بعض الصور، متخذين من السد خلفية لنا.
ثم واصلنا سيرنا لنصعد إلى قمة الجبل الذي نحن بجواره، لمسافة تقارب الكيلوين، وفوق ظهره مكان مشرف على معظم الجهات في الاسفل، اسم هذا المكان بون بودي، أي(التاج الذهبي)، والاسم يطلق على كامل المنطقة كما اخبرنا، ومن ضمنها هذا المكان الذي يقع فيه السد الآنف الذكر، ويوجد في هذا المطل مواقع للتصوير، وبعضها معدة بتقنيات وفنيات تأجر لمن يرغب، في التقاط صور حرفية أو فلم قصير، وغادرنا ولم نبقى كثير فليس يوجد فيه ما يغري بالبقاء، وعدنا من حيث اتينا، مقصدنا العودة إلى البلدة، وكانت بنفس الطريق الذي اتينا به، حيث ثبتنا في الرجوع بعض المعلومات، التي شاهدناها في القدوم، وما اسرع ما وصلنا إلى نهاية المطاف، لنستقل سيارتنا الاصلية، مستكملين بقية برنامجنا لهذا اليوم.
كان مقصدنا هو مصنع الشوكلاته، مصنع رأينا لوحته في وسط البلدة، على نفس الشارع العام، فأوقفنا السيارة أمامه ودخلنا إليه، كان عبارة عن دكان كبير، يعرض انواع منتجات الككاو، كمنتج خام وانواع من الحلويات المصنعة منه، وهي متعددة من خلال اشكالها وما يضاف اليها من المكسرات، وقوالب مختلفة الاحجام من مادة الككاو الخالص، وفي أحد الاركان يقف أحد الموظفين، يشرح بطريقة مبسطة كيفية استخلاص هذه المادة من ثمارها، وكيف تنقى ثم تطحن ثم تسال، بواسطة اجهزة مبسطة موجودة امامنا، وهناك آلة تخلط المكسرات بهذه المادة، ثم تخرجها في قوالب صغيرة، متباينة الاشكال والاحجام، ليتم تجميدها ثم تغليفها في اكياس من القصدير، ويتم بيعها بالوزن، لتكون جاهزة للأكل أو التسويق والعرض، حيث تزودنا بشيء بسيط منها للاستخدام الخاص.
وغادرنا إلى موقع آخر متجاوزين موقع فندقنا، مقصدنا إلى أعلى الجبل في اتجاه القمة، لنقف على الشارع العام هناك، بين مزارع الشاهي الممتدة، حيث تراها على مد البصر في كامل الهضاب حولنا في كل الاتجاهات.
ولم نبتعد كثيرا عن الفندق، فلا تتجاوز المسافة الكيلوين أو الثلاثة، واعتلينا مكانا مشرفا على غالب المنظر من تحتنا، جمال أخاذ لهذه المصطبات في هذا المحيط، ثم تغلغلنا في احدى هذه المزارع، مع أن معظمها محاطة بأسوار شائكة تمنع الدخول إليها، ولكن وجدنا فتحة في احداها، يدخل منها البعض، فجلنا داخلها نتلمس هذه النبتة العظيمة عن قرب، فمن الملاحظ أنها تبقى على مستويات موحدة، وتزرع في صفوف متراصة، يتخللها الممرات الممتدة طولا وعرضا، بحيث يستطيع الشخص الوصول إلى كل شجرة منها، والشجرة عبارة عن جذوع ملتمة كثيفة الاوراق، يحافظون عليها لكي تبقى على ارتفاع ومستوى واحد، لا يتجاوز المتر أو قريب منه، فيعملون على تقليمها وتقزيمه بشكل مستمر، وتعرف كبر الشجرة وعمرها الطويل، من خلال النظر إلى سيقانها الضخمة المتجذرة في الارض، واما القسم العلوي فهو يبقى مخضرا وكثيف الأوراق.
ولعل العلة في ذلك لتبقى الشجرة على مستوى عمال القطف، فثمرتها هي الورقة التي تقطف بشكل شبه كامل، ثم ينتظرونها لتنمو من جديد ليعاودون ذلك، وهذا هو محصولها الوحيد، وشكل ورقتها مخروطية تشبه ورق شجرة البن الصغيرة، وطولها في المتوسط حوالي ثلاث سم في واحد ونصف سم، خضراء شديدة الخضرة، وطعمها مقبول المذاق ليس به مرارة.
ويقطف في الغالب بواسطة النساء، حيث تحمل الواحدة منهن فوق ظهرها اناء من الخيش أو الخصف، تثبته معلقا برأسها من الخلف، وتستخدم كلتا يديها في قطف الورقة كاملة، ثم تلقيها مباشرة في هذا الكيس، وكلما تجمع فيه الشيء الكثير، واصبح ثقيلا يعيق حركتها، افرغته في اناء أكبر في مكان قريب منها، ويتم الحصاد جماعيا في خطوط مستقيمة، بحيث ينتشرن في داخل المزرعة على مسافات متقاربة، وفي نهاية المطاف والوقت المحدد، تحضر للموقع سيارات خاصة بالمصنع، ليقوموا على وزن هذا المحصول وتحميله في
السيارات.
وعلى ما يبدو أن الأجرة للعاملات تحسب على الوزن الذي استطاعت تحصيله، وبعد هذه الجولة الممتعة، وقد قرب وقت صلاة العصر، قفلنا عائدين إلى الفندق، القريب في موقع اسفل منا، كنا نشاهده من هنا، لطلب الراحة بعد يوم طويل وممتع، وادينا الصلوات وارتحنا، وبقينا إلى أن تناولنا طعام العشاء بعد المغرب، في مطعمنا بالأمس، ثم دخلنا في نوم عميق، منتظرين بكل لهفة غدا جديدا بمشيئة الله.
وإلى اللقاء في حلقة قادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الرياض في 1446/8/21هـ
رحلة الهند الحلقة الثانية
تسلم تسلم تسلم – يالغالي: كانت رحلة سياحية جميلة عشنا معكم جوّها وتنقلاتها من خلال كتابتك السلسة وتفصيلاتك الرائعة وملاحظاتك الدقيقة سعادة – شيخنا وأديبنا وكاتب سير أعلام فيفاء أبا – جمال .. ماشاء الله تبارك الله، وقد زاد الشرح الوافي تألقاً وجمالاً تدعيمه بالصور في مفاصل وتفاصيل الرحلة وبالمواقع الجميلة التي زرتموها..
حقيقة : أنني كقارئ أستمتعت بالرحلة وكأني أعيش معكم أجواءها وهذا أكيد يلاحظه المتذوق لكتاباتك الجميلة التي تمتاز بها سلم فكرك وعقلك وقلمك حبيبنا الغالي..
زادك الله من فضله علماً وصحةً وطول عمر كم أنت رائع دمت متألقاً في سماء الإبداع..
ننتظر القادم بإذن الله..
أبو – نبيل