الأخبارمقالات

سيرة الاستاذ: عبدالله بن سليمان مفرح العمري

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

سيرة الاستاذ: عبدالله بن سليمان مفرح العمري

بيئة الانسان الأولى لها دور كبير ومؤثر في شخصيته، تزرع في خلده جمال ذلك أو قبحه، وحيث انه تربى في بيت جدته لأمه، بعد انفصال والديه، وكانت على قدر كبير من التدين والصلاح، وكانت اذاعة القرآن الكريم تواصل بثها داخل بيتها، فلا يكاد مؤشر المذياع يتحرك عن هذه الاذاعة، لذلك تعود سمعه على ما تبثه هذه الاذاعة المباركة، من تلاوات القرآن الكريم والأحاديث والمواعظ، ولما نجح من المرحلة الابتدائية، انتقل للعيش في بيت والده، فتكفل هو بتنمية جوانب آخرى من شخصيته، فغرس فيه حب العلم والقراءة، والتعلق بالكتاب واقتنائه، وعندما وجد فيه ميل إلى الخطابة، بعد ما اكتشف فيه هذه الموهبة احد معلميه، دعمه واخذ بيده حتى نجح وتفوق في هذا المجال، فكان يدربه على كيفية الإلقاء، وعلى اساليب الكلام، وماذا يستحسن قوله وما لا يحسن، وحركات الجسم ونبرات الصوت، بل كان يذهب به ويوصله إلى جامع (السربة) الذي كان يخطب فيه، وعند العودة إلى البيت يعطيه الملاحظات، ولا شك أن هذه من الاثار التي بقيت معه قواعد لا ينفك عنها، واستخرجت الدر النفيس من قلبه، حتى اكتمل عطائه ونفعه، حيث تظافرت فضائل الله عليه ومواهبه، وتناولته الايادي الخيرة في كامل مسيرته، من معلمين ومشايخ فضلاء، إلى أن بلغ إلى ما هو عليه، من الترقي في العلم والفضل والنضج، والتدين وقوة المعتقد والمنهج بمشيئة الله، هكذا نحسبه والله حسيبه ومولاه، ولا نزكي على الله احدا، ونسال الله أن يزيده علما وفضلا وثباتا.

إنه الاستاذ الشيخ الفاضل:

عبدالله بن سليمان مفرح العمري

حفظه الله ووفقه.

والده كما يتضح من سرد الاسم، هو الشيخ سليمان بن مفرح موسى العمري الفيفي رحمه الله، يصل نسبه إلى آل ناجع بن امعوفي من قبيلة العُمري، مات والده في اليمن رهينة، ضمن من أخذهم الجيش اليمني عند غزوه لفيفاء، في عام 1352هـ، في عهد الامام يحيى حميد الدين، فلذلك لم يعرف اباه، وعاش هو وإخوانه الثلاثة ايتاما، وكان عمره حينها لم يتجاوز السادسة، فعاشوا حياة اليتم والفاقة والحاجة، ولما كبر وشب عن الطوق، سعى للبحث عن عمل ومصدر رزق يغنيه، والتحق عسكريا في الامن العام، وتنقل من خلاله في الريث وعيبان وفيفاء، إلى أن احيل على التقاعد نظاما، وكان على قدر لا باس به من التعليم، درس اثناء عمله العسكري، واكمل المرحلة الابتدائية، ثم نمى قدراته التعليمية بالقراءة الحرة، فقد كان قارئا نهما يحب القراءة ويعشقها، وكان يحث ابنائه ويشجعهم على القراءة والبحث، وعلى اقتناء الكتب والاهتمام بها، بل ويغدق عليهم الكثير من الأموال لأجل شرائها، وتميز بأنه شاعر شعبي، يشارك في المناسبات العامة، ويتذوق الأدب العربي الفصيح ويحبه، اهتم بتربية ابنائه، واولاهم جل اهتمامه، وحرص على بذر الخير في نفوسهم، وحثهم على طلب العلم والدأب عليه، يمحضهم دوما بتجاربه ونصائحه وتوجيهاته، شجع أبنه (عبدالله)على القراءة والبحث، وأغدق عليه من المال ليشتري الكتب، فتملك من صغره المبكر، وهو في (المرحلة المتوسطة)، كتب مهمة ومتخصصة في الفقه والسير، ومنها (زاد المعاد) لابن القيم، و(الجواب الكافي)، و(قصص الأنبياء) لابن كثير وغيرها، وكان الوالد يناقشهم ويجالسهم جلسات سمر وأدب وشعر، ويتحفهم فيها بالكثير من شعره ومن محفوظاته، وكم كان يسره ما يسمعه من احدهم من محاولات شعرية، رغم ما يعتري شعرهم حينها من الركاكة في تلك البدايات، ثم شجعه بشكل خاص على الإمامة والخطابة، فأخذ بيده في هذا الدرب، يحفزه ويشجعه ويدربه، دربه على اساسيات الالقاء، وأساليب الكلام، وماذا يستحسن قوله، وما لا يُستحسن، وحركات الجسم، ونبرات الصوت، وكان يحضر معه الخطبة، ثم يعطيه فيما بعد الملاحظات، ومما يذكره من حرصه انه عندما نسي ذات مرة (المشلح)، وما ذكره إلا وهما في الطريق إلى الجامع، واعتذر لوالده وعلق بقوله أن الأمر عادي، وانما قالها شفقة من أن يكلف والده بالعودة إلى البيت، ولكن الوالد اصر على العودة إلى البيت، معللا بضرورة لبسه للبشت في هذا الموقف، لان البشت يعطي الخطيب تمييزا ووجاهة، وكان هذا ديدنه رحمه الله، ناصحا ومحفزا ومشجعا لأبنائه، واستمر ذلك نهجه واسلوبه معهم، حتى بعد أن تخرج ابنه من الجامعة وتعيين معلما، رحمه الله وغفر له وجزاه كل خير.

وأما والدته فهي الفاضلة فاطمة بنت حسين علي العمري حفظها الله، لم يتح لها التعلم في صغرها لعدم توفر المدارس حينها في محيطهم، ولكنها درست فيما بعد في كبرها، في مدارس محو الأمية، وكانت ام حنون رغم ظروف حياتها وهي بعيدة عنه، وقد اعطته وحاطته على قدر استطاعتها بالعطف والحنان، وتعاهدته دوما بالنصائح والتوجيهات، في صغره وبعدما كبر وإلى اليوم، حفظها الله ووفقها.

   ولد لهما في أواخر عام ١٣٩٤هـ، في بيت (العرام) شرق بقعة امرواغا من سهل العمريين، الواقعة فوق السربة، غرب جبل فيفاء الاعلى، وكانت ولادته وقد انفصلا والداه عن بعضهما بالطلاق، ولم يكن له أخ شقيق، ولكن فيما بعد كان له عدد من الأخوة والأخوات من الأب ومن الأم، وعاش طفولته المبكرة مع جده لأمه (حسين بن علي سلمان العمري) رحمه الله، وجدته لأمه (شوقة بنت على محمد)، وما لبث جده أن توفي، فقامت على تربيته جدته، التي كان لها الأثر العظيم في حياته، تعلم منها الكثير والكثير، وكان يعينها في رعي بعض اغنامها، أو في سرح بقرها، وكان بيتها بيت هادئ تملؤه السكينة والخير، تتردد في جنباته على مدار الساعة إذاعة القرآن الكريم، فكان يسمع دوما كبار القراء منذ صغره المبكر، فتأثر بهم كثيرا، واحب سماع القرآن الكريم، حتى يذكر انه عندما دخل المدرسة الابتدائية، كان يبحث في المناهج عن السور التي كان يسمعها في الإذاعة، كسورة البقرة وآل عمران والأنعام ونحوها، ولما لم يجدها في الاجزاء التي بين يديه في هذه المرحلة (المجادلة والملك والنبأ)، علم لاحقا أن هناك مصحف أكبر يحتوي على كامل القرآن، وكانت أمنيته أن يحصل على هذا المصحف كاملا، فيقول : (سألت ذات مرة أحد زملائي في الفصل، كيف أحصل على المصحف، ففاجأني بقوله عندي (خُتمتين) بضم الخاء تثنية ختمة، ولم أكن أعرف هذا الاسم من قبل يعني (مصحفين)، وعرض علي واحدة منها، فلديه واحدة كبيرة وواحدة صغيرة، فوصف لي الصغيرة فاخترتها، فوعدني أن يحضرها لي في اليوم الثاني، وكان حديثي معه أول الاسبوع، ولقد ظللت في شوق لا يوصف لليوم الثاني، ولكن للأسف كانت المفاجأة أنه نسي أن يحضرها معه، فسألته فقال نسيت ولكن سآخذها لك غدا، ولكنه نسي أيضا مرة أخرى، وعندها وتحت إلحاحي وضغط أسئلتي، قال سأكتب حرف (خ) في جدولي المدرسي ليوم غد، لكي أراه عند ترتيب المواد الدراسية فأتذكرها، وكان يرمز بهذا الحرف (خ) لكلمة ختمة، وفعلا تذكرها هذه المرة، وأعطاني إياها، ففرحت بها فرحا شديدا، وشاهدت الختمة (المصحف)، ورأيت فيه سور القرآن التي كنت أبحث عنها، والحمد لله أولا وآخرا على ما وفقني للعناية بكتابه صغيرا وكبيرا).

وعلى العموم فقد كانت جدته توليه كثيرا من العناية والمحبة والرعاية، وكان يزور والدته في بيت زوجها وينعم منها بالكثير من العطف والحنان، ويزور والده مع زوجته الاخرى وابنائهما، ولقد عاش طفولة طبيعية خالية من العقد، وبالذات في كنف هذه الجدة، التي عوضته عن كثير من الفقد والحرمان، الذي لا شك يقع للأبناء بسبب انفصال الوالدين.

تعليمه:

سجله خاله جابر بن حسين في معية ابنائه، في مدرسة السربة الابتدائية عام 1404هـ، عند بداية افتتاحها في ذلك العام، وكانت هي اقرب مدرسة من سكنه عند جدته (العرام)، وكان خاله يتابعه مع ابنائه في دراستهم، وفي الاهتمام بالاستذكار في دروسهم، ويصلون إلى المدرسة سيرا على الاقدام، فلا تتوفر حينها طرق سيارات، وليست ببعيدة عن سكنهم، وسرعان ما تأقلم مع المدرسة واحب التعلم، واكثر ما حببها إليهم وجود نخبة متميزة من المعلمين الافاضل، تعاقبوا للعمل فيها، يذكر منهم بمزيد من الشكر والعرفان، مدير المدرسة في ذلك الوقت، الاستاذ عبده شطاري، ثم معلم الصف الاول، وعلمهم ايضا في الصف الثاني، الاستاذ إبراهيم خواجي، وكان معلما متميزا، راقيا في تعامله معهم، مما جعلهم يبكونه عندما اخبرهم بانه سينتقل من المدرسة، في نهاية الصف الثاني الابتدائي، وكذلك لا ينسى المعلم ابراهيم الأعرج، ومعلم اسمه محمد، كان يعطيهم وهم في الصف السادس، مسابقات في شهر رمضان المبارك، في شكل أسئلة يومية من القرآن الكريم، وخصص مكافأة نقدية، مقدارها خمسين ريالا لمن يجيب عليها، ومن تلك الأسئلة ما كانوا يضطرون للبحث عنه في كامل المصحف، لعدم توفر معاجم أو وسائل بحث عندهم حينها، ويذكر من تلك الاسئلة سؤال يقول؟، (كم عدد المرات التي ذكر فيها يوسف في القرآن الكريم؟)، وكانوا يستعينون احيانا ببعض الأولياء، ومن ذلك عندما استعصى عليهم معرفة احد الاسئلة، فيما يتعلق بذكر آية (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا)، حيث اخبرهم أحد زملائهم، أن والده اثناء قراءته البارحة في سورة النساء، وجد الاجابة عنها واخبرهم بالآية الكريمة.

  توالت السنوات ومرت سريعة في هذه المدرسة المباركة، وكان بحمدالله يحرز النجاح عاما بعد عام، إلى أن تخرج بحمد الله وتوفيقه من الصف السادس الابتدائي، ولما انتهى من هذه المرحلة تطلع إلى الاستزاده، ولكنه احتار إلى أين يتجه، فأمامه عدة خيارات، احداها وجود متوسطة قريبة من سكن والده في عيبان، والتي قرر فعلا الانتقال إليها والسكن مع والده، وشجعه على اتخاذ هذا القرار زوج اخته من الرضاع (الفاضل موسى بن أسعد الظلمي)، وبالفعل استقر لأول مرة في بيت والده، ولم يندم على هذه الخطوة المباركة، حيث فرح به اباه كثيرا، وسعد هو بقربه من والده، ثم لقرب المدرسة من بيتهم، فكان يذهب اليها ماشيا ويعود كذلك، وفي هذه المدرسة وهذه المرحلة المختلفة، تغيرت عليه اشياء كثيرة في حياته، وانتقل فيها نقلات موفقة في فكره ومسيرته، مما ما زال تأثيرها قائم معه إلى اليوم، ويذكر بالجميل والعرفان في هذه المرحلة، المعلم الفاضل عادل زيلعي هندي، من قرية قريبة من أبي عريش، كان له فضل كبير عليه في كثير من توجهاته، ومن ذلك التأثير أنه شجعه على انضمامه إلى حلقات القرآن الكريم، وكذلك شجعه لأول مرة على أن يخطب بالناس ويلقي خطبة الجمعة، فكانت أول خطبة له وهو في الصف الأول المتوسط، وكانت تلك بفضل الله الانطلاقة التي توالت بعدها المسيرة في هذا الجانب، ومن فرط اعجابه بهذا المعلم، أنه رأى فيه الرجل السوي، البعيد عن التنطع والتشدد في تدينه وفي ممارسة حياته، كانو يرون فيه خير قدوة لهم واسوة، وهم في تلك السن في بداية شبابهم، حيث وجدوه يمارس لعبة كرة قدم بكل مهارة، وفي نفس الوقت كان معلم مادة التربية الإسلامية، ويختلط بالناس ويعاشرهم ويمارس هوايته، وفي نفس الوقت محافظا على مظاهر الوقار والاحترام، تظهر عليه سيما الاستقامة والتدين، فلا تختلط عليه الامور أو تلتبس، فلكل حادثة حديث، ولكل مقام مقال، وتنطبق عليه مقولة (اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، واعمل لاخرتك كأنك تموت غدا)، كان إذا حثهم على فعل يرونه قدوة لهم في المسارعة إليه، وهذا من تأثير المعلم الواعي الفاهم لدينه بالشكل الصحيح، وايضا كان هناك من المعلمين الفضلاء في هذه المرحلة، ممن لايزال ذكراهم ومكانتهم في نفسه، من امثال المعلم علي موسى، معلم للتربية الاسلامية ايضا، وكان ذو خلق وحسن تعامل كبير، ومن المعلمين الذين نسي اسمائهم ولكنه لم ينس أثرهم، مثل معلم مادة التاريخ، الذي احب حصته واحب مادته، حيث كان يقدم دروسه على شكل قصص ماتعة، لدرجة أنه حفظ كثيرا من أسماء الشخصيات التاريخية، من عصر النبوة ومن عصر الخلفاء الراشدين، من خلال شرحه فقط دون تعب في المذاكرة، وكذلك معلم سوداني درسهم في مادة الرياضيات، كانوا لا يذاكرون بعد شرحه المتكامل نهائيا، وكان يأتي في اختبارات هذه المادة بالدرجة الكاملة، وفي هذه المرحلة تعرف على زملاء فضلاء، تميزوا بالصدق والوفاء، وبعضهم مازال متواصلا معهم إلى اليوم، وفي تلك المرحلة دخل بشكل كبير إلى عالم القراءة والثقافة، وتعرف لأول مرة على الجرائد والمجلات، ومنها المجلة العربية التي احبها وظل يقتنيها في نهاية كل شهر، ونشر فيها لاحقا مقالات وقصائد يعتز بها.

وما اسرع ما انقضت هذه المرحلة الجميلة، ونجح من الكفاءة المتوسطة، وكان حينها قد سمع بالمعهد العلمي في فيفاء، فاخبر والده برغبته في الالتحاق بهذا المعهد، مما افرح والده كثيرا، وشجعه على ذلك وشد من ازره، فسجل بالفعل في المعهد وتم قبوله، وحينها تشجع معه مجموعة من زملائه الطلاب من اهالي عيبان، حتى أن المعهد خصص لهم نقلا خاصا بهم، (سيارة تنقلهم من عيبان وتعيدهم إليه)، وكان المعهد بالنسبة له مرحلة عظيمة لا ينساها من حياته، وقصة جميلة يفخر ويسعد بها في عمره، يلذ له ذكراها كلما خطرت بباله، حيث وجد في المعهد كلما يتمناه، وجد فيه العلم الشرعي، والأنشطة الأدبية والثقافية، والبحوث والصحبة الجميلة، والمعلمون الأفاضل الكرام، يأتي في مقدمتهم مدير المعهد حينها، فضيلة الشيخ عبدالله بن حسن العمري، والشيخ حسين بن يحيى العمري، والشيخ يحيى بن حسن الخسافي، وكان وما زال هذا الشيخ (يحيى) له تأثير كبير عليه، شجعه ودربه في الدعوة إلى الله، وإلى إلقاء الدروس والمحاضرات، وكذلك غيرهم من المعلمين، من امثال الاستاذ قاسم حمراني من الحسيني، كان يقرأ عليه اثناء الفسحة القرآن الكريم، فيصحح له قرأته، والاستاذ علي جديبا من ضمد،  قدم له أول بحث قام به في حياته، فقد جمع في احد المواضيع أحاديث من الكتب الستة، ولقي من هذا المعلم التحفيز والتشجيع والثناء، وعندما سمع منه ذات مرة قصيدة جميلة، تشجع وسأله عنها وفي أي كتاب سيجدها، فلما أخبره باسم هذا الكتاب، بحث عنه حتى وجده واقتناه، مع أنه لم يجده بسهولة، بل اوصى من جلبه له من منطقة اخرى، فكان هذا أول كتاب يقتنيه في التراجم، وتأثر كذلك بالمعلم الاستاذ أحمد المسيري (مصري)، الذي كان متميزا بصوت عذب في القرآن الكريم، يشبه صوت الشيخ علي الحذيفي، وكذلك كان معظم المعلمين في هذا المعهد في تلك الفترة، كانوا على قدر كبير من الفضل والتمكن، يذكر منهم اجمالا، الشيخ إبراهيم بن أحمد الفيفي، وأخوه الشيخ محمد بن احمد الفيفي، والشيخ محمد بن يحيى علي الفيفي، والشيخ محمد بن يحيى سليمان الفيفي، والشيخ عبدالله بن يحيي الفيفي، والاستاذ زكي المصري، الذي اخبره ذات مرة أن له رغبة في قراءة شعر محمود غنيم، الشاعر المصري المعروف، فلم يعد هذا المعلم في نهاية الاجازة من مصر، إلا وهو يحمل له أحدى دواوين هذا الشاعر هدية منه، مما افرحه كثيرا واسعده لم ينسى له فضله، ويذكر انه عندما عاد إلى البيت ذلك اليوم قرأ الديوان كاملا، ولا ينسى كذلك الاستاذ جابر بن سلمان الفيفي، والاستاذ سليمان بن علي الفيفي، الذي شجعه على كتابة رواية أدبية، وغير هؤلاء وإن لم يدرسوه مباشرة، إلا أن لهم فضائل كثيرة عليه، وفوائد نافعة اقتبسها منهم، كأمثال الشيخ أحمد بن سليمان، بل وكل معلمي المعهد، فقد كان لهم تأثير بالغ في تكوين شخصيته وفكره مما لا ينساه لهم، يذكرهم ويذكر دروسهم وأساليبهم في التعليم، وكل واحد منهم (كما يقول) يستحق أن يُفرده بحديث مستقل.

دراسته الجامعة :  

تخرج من الثالث الثانوي في المعهد العلمي بفيفاء، في عام ١٤١٦هـ، وكانت وجهته إلى أبها للالتحاق بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، حيث تم قبوله وفق رغبته الأولى، في تخصص الشريعة (كلية الشريعة وأصول الدين)، والحمد لله كانت سنوات الجامعة من أخصب سنوات العمر، نضجا وفكرا وعلما، كانت ثرية بالمعلومات الواسعة، واتساع الأفق، ونضوج العقل والمعرفة، حيث زادت بفضل الله حصيلته العلمية والمعرفية، وتوسعت مداركه وزكى عقله، ونشطت همته وارتقى فهمه، حتى أنه كان يشارك في كتابة المقالات العلمية والثقافية، ويدبج الردود، وينشئ القصائد، وينشر كثيرا منها في المجلات السيارة حينها، من امثال (المجلة العربية) وغيرها.

وتلقى العلم في الجامعة على جهابذة فضلاء، من امثال الشيخ الدكتور جبريل بن محمد البصيلي، عضو هيئة كبار العلماء، الذي اعجب به واحبه، لسعة علمه وحلمه وتواضعه، وكذلك الشيخ الدكتور أسامة كحيل، الذي حاضر عليهم في أصول الفقه، ومما تميز به، أنه كان يتحفهم في أول كل محاضرة، بفائدة جديدة لم يسمعوا بها من قبل، وعادة تكون من غير مادته، وربما التقط خيوطها مما قد يكون مكتوبا على السبورة من المحاضرة السابقة، وكان معظم الطلاب يتشوقون إلى هذه الفوائد، بل بعضهم يسجلها ويحتفظ بها، وهو قد نشر قدرا كبيرا مما جمعه منها، وما ذلك إلا دليل على سعة علم هذا الدكتور واتساع أفقه وثقافته، وكذلك الدكتور عبود بن درع، الذي احبه لسعة علمه واتساع حلمه، فلا يتضجر ابدا من كثرة أسالة الطلاب عليه، بل كان يجيب عليها كلها بصدر رحب، وكذلك الدكتور محمد العمري، الشاعر والأديب المعروف، (انتشرت له مقاطع لغوية وادبية نافعة في الواتس والتويتر)، وكان يدرسهم في مادة النحو، وكانت من اساليبه المتبعة، أنه يخصص في آخر كل محاضرة له جزء منها، لمن يرغب أن يعرض عليه شيء من ابداعه الادبي، ولذلك عرض عليه ذات مرة احدى قصائده، فأثنى عليه كثيرا، مما اسعده وافرحه، لما يعرفه من أن هذا الدكتور صريح لا يجامل، ولذلك يكون ثنائه أو قدحه حقيقة مطابقة للواقع، وهناك كثير من غير هؤلاء الفضلاء، ممن لا يستحضر اسمائهم، ولكن مازالت ذكراهم حاضرة، وفي هذه المرحلة المهمة تعرف على العديد من الفضلاء الاكفاء، من داخل الجامعة ومن خارجها، حيث استفاد منهم ومن علمهم ومن سمتهم وتعاملهم، وإن لم يدرسوه مباشرة، ومن هؤلاء امثال الاستاذ عبدالرحمن بن أحمد الفيفي، الذي كان في ذلك الوقت مسئولا عن الأنشطة الطلابية، وكذلك الشيخ هادي الرديني، حفظهم الله ووفقهم وجزاهم خير الجزاء، وزادهم علما وفضلا.

 ولم يقف بعد الجامعة وما تلقاه فيها عند هذا الحد، بل سعى جاهدا وما زال إلى مواصلة التلقي وطلب العلم، لأن طالب العلم الحقيقي لا يشبع ولا يكتفي بحد معين يقف عنده، بل يزيد شغفه إلى طلب المزيد والمزيد من العلم والترقي فيه، ولذلك سعى إلى المواصلة في الدراسات العليا، وعلى حسب ما اتيح له لاحقا، إلا أنه انشغل عن التفرغ التام، بقيامه دون تكاسل في الأنشطة العلمية والدعوية، التي اخذت كثيرا من جهده ووقته، ومع ذلك فقد التحق لدراسة الماجستير بعد تخرجه من الجامعة بقليل، وانتسب إلى جامعة المدينة العالمية بماليزيا، وكانت الدراسة فيها عن بعد، وقد قطع فيها شوطا كبيرا، مما اهله إلى تقديم بحثه العلمي، الذي اختار له عنوان (الإشارات التربوية في سورة الحج)، واكتمل بحثه حسب المتطلبات البحثية العلمية، حتى اصبح شبه منتهيا، إلا أنه قد انقطع عن إكمال بعض النواقص فيه، وتأخر عن تسليمه بالصورة الرسمية النهائية، لظروف شغلته وأعمال اشغلته، نسأل الله أن يستطيع تجاوزها، والترقي في تحصيل الشهادات العلمية الاعلى.

  وهو نشط ويبذل الكثير في العلم ونفع الناس، ولا يكاد يفتر في جوانب متعددة في هذا المجال، ولا يفرط في زيادة علومه، وصقل مداركه، والرفع من قدراته، تلقى ويتلقى العديد من الدورات الانمائية، ثقافية وعلمية وتطويرية متخصصة، ويقوم كذلك بتقديم دورات متعددة، فقد حاز على اجازته كمدرب معتمد، وحصل على شهادات معتمدة ومعترف بها، ومن هذه الدورات ما يلي:

  • وجه بوصلتك.
  • التقويم المعتمد على الأداء.
  • المفاهيم الأساسية من البناء إلى التقويم.
  • طرق تدريس القرآن الكريم.
  • دمج مهارات التفكير في التدريس.
  • استراتيجيات تدريس القرآن الكريم.
  • تنمية مهارات التفكير.
  • القيم الأخلاقية في مواد التربية الاسلامية.
  • تحديد الأهداف وصناعة النجاح.
  • الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي (icdl).
  • كيفية التعامل مع الطلاب.
  • الحماية الفكرية.
  • تخطيط وبناء المبادرات.
  • تقنيات حديثة في التعلم.
  • دمج مهارات التفكير في التدريس.
  • تحكيم المسابقات القرآنية.
  • فن إصلاح ذات البين.
  • التخطيط الاستراتيجي والتشغيلي.
  • تدريب المدربين TOT .
  • اخصائي ادارة الجودة الشاملة.

                             وفقه الله واعانه، وزاده علما وفضلا، ونفعه ونفع به .

العمل الوظيفي:

    بعد تخرجه من الجامعة سعى للبحث عن عمل وظيفي، وكانت رحلة مضنية لقلة الاحتياج إلى التوظيف حينها، وتم تعيينه بحمد الله معلما للتربية الإسلامية، في مدينة نجران في ثانوية ابن خلدون، التي كانت حينها داخل البلد القديم، ومكث بها لمدة ثلاث سنوات، ثم تم نقله إلى ثانوية الملك فهد، القريبة منها، وتعتبر مدرسة نموذجية، وفي هذه الفترة زار المدرسة معالي وزير التعليم الدكتور صالح العبيد، وتيسر له بعد ذلك النقل الخارجي، بعد أن مكث في نجران اربع سنوات، وتم نقله إلى سراة عبيدة، وإن لم تبتعد كثيرا، ولكنها تقربه قليلا من الغاية،  وهي أن يكون في فيفاء او في محيطها، وفي سراة عبيدة عمل في ثانوية الملك فهد، وبقي هناك لمدة سنتين، ليتم نقله بعدها إلى قطاع الداير الشرقي، لأن الداير حينها كانت مقسمة لقطاعات في التعليم، ولا بد أن تحدد طلب النقل الى واحدة منها، وفي القطاع الشرقي وجهه للعمل في متوسطة وثانوية السارة، التي بقي فيها لاربع سنوات تقريبا، لينتقل منها إلى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية والمتوسطة بالسارة ايضا، وكلتاهما متجاورتين في نفس الموقع، وبقي فيها لمدة ثلاث سنوات، وبعدها تمت الموافقة على نقله إلى احدى مدارس فيفاء، مدرسة ابتدائية ذراع منفة، وما إن امضى فيها نصف فصل دراسي، حتى تم ترشيحه للعمل في مكتب التعليم بفيفاء، ليعمل مشرفا متعاونا للتربية الاسلامية، واستمر في هذا العمل على مدى ثلاث سنوات، ومع بداية أزمة كورونا طلب اعفائه من مكتب التعليم، ليعود مرة ثانية إلى مدرسته (ابتدائية ذراع منفة)، التي مازال يعمل فيها إلى اليوم، وفقه الله واعانه وبارك فيه.

وهو انسان نشط لا يفتر عن البذل والعطاء، تعود على العمل في سبل الخير، والمشاركة في خدمة المجتمع بما يقدر عليه، وله انشطة علمية واجتماعية وتعاونية متعددة، يقوم بها محتسبا الأجر من الله، زكاة لعلمه، وحقا واجبا لمجتمعه، يستقطعه من وقته خارج نطاق عمله الرسمي، راجيا من الله الثواب والاجر والتوفيق، ونجد في مقدمة هذه الانشطة المباركة، التي يسعد ويفخر ويعتز بها، ما هو النحو التالي:

  • اشتغل في حلقات تحفيظ القرآن الكريم معلما، ثم مشرفا تعليميا، عندما كانت هذه الحلقات تابعة لجمعية البر الخيرية بفيفاء، التي كانت تدعمها ماليا، وتديرها وتشرف عليها، إلى أن اعتمد لها كيانا خاصا بها في عام 1429هـ، باسم جمعية تحفيظ القرآن الكريم بفيفاء، تحت مظلة وزارة الشؤون الاسلامية، ورأس مجلس إدارتها عند التأسيس، الشيخ على بن أحمد زيدان الفيفي، وقد انتُخب هو حينها عضوا في مجلس الإدارة، ثم اصبح رئيسا لها بعد انتهاء فترة رئاسة الشيخ علي، ويرأسها اليوم الشيخ يحيى بن حسن العمامي الفيفي، حفظهم الله ووفقهم واعانهم.
  • عمل عضوا متعاونا في جمعية الدعوة بفيفاء (وهو الآن عضو في مجلس إدارتها)، والمعروفة سابقا بالمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد في فيفاء، حيث تأسست في عام 1413هـ، تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بترخيص رقم 5/1001، ورأسها حينها الشيخ عبدالله بن حسن العمري الفيفي، مدير المعهد العلمي بفيفاء سابقا، ثم انتقلت تحت إشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بترخيص رقم 3061، واليوم هي تحت إشراف المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، بترخيص رقم 3061، ولها جهود مباركة في الدعوة إلى الله على كافة الأصعدة، من نشر العلم الشرعي المؤصل، والمواعظ والدروس والكلمات والمحاضرات، ورحلات الحج والعمرة، والدورات التدريبية، ودعوة الجاليات للإسلام، وتقديم البرامج لهم، ورعاية المسلمين منهم، وغير ذلك، ويرأس مجلس إدارتها حاليا الشيخ يحيى بن حسن يحيى الخسافي الفيفي حفظه الله ووفقه.

وهاتين المؤسستين من انشط وانفع مؤسسات المجتمعية في فيفاء، سواء في خدمة القران الكريم، أو في مجال التعليم والدعوة والارشاد، بارك الله فيها وفي جهودها، ووفق العاملين عليها، ونفع بهم.

وله درسان علميان مرخصان ثابتان منذ سنوات:

   الاول : يلقيه في جامع الإمام الشافعي بنيد الدارة (بقعة العذر بفيفاء)، تحت عنوان (قراءة وتعليق على تفسير السعدي رحمه الله).

  الثاني : يلقيه في جامع الفرحة بالدفرة بفيفاء ، تحت عنوان (شرح عمدة الأحكام في الحديث للمقدسي).

وله بحمد الله كثير من الجهد الفكري، وفي مجال التأليف والتعليق في شتى المجالات المعرفية، في العلوم الشرعية وما يخدمها، ولكن معظمها ما زال مخطوطا، مع أنه جاهز للطبع والنشر، نسأل الله له التيسير والإعانة لطبعها ونشرها، وتعميم نفعها بين الناس، ومن هذه المشاريع : 

  1. مجموعة كثيرة من الخطب والمحاضرات والكلمات.
  2. شرح جزء من كتاب التوحيد.
  3. شرح الأصول الثلاثة.
  4. شرح الأربعين النووية.
  5. شرح جزء من بلوغ المرام في قرابة مجلد.
  6. شرح عمدة الأحكام.
  7. جزء في أربعين حديثا متفقة الأسانيد، وهي جاهز للنشر قريبا إن شاء الله.
  8. فوائد مجموعة.
  9. كتاب العجيب، بحوث ومسائل فقهية قصيرة، تصلح للجمع في مؤلف واحد، مثل حديث تحريك الإصبع، ورواياته دراسة حديثية فقهية.

وهناك عناوين مشاريع بحثية، تم البدء فيها، يسعى إلى الانتهاء منها، نسأل الله له الإعانة والتوفيق.

ولديه ايضا في الشعر والادب والثقافة :

  1. ديوان شعر.
  2. مجموعة قصصية.
  3. مجموعة مقالات متنوعة.

       وفقه الله وزاده علما وفهما، ونفع بعلمه وبجهوده، وبارك فيه.

الحالة الاجتماعية:

تزوج في عام ١٤٢٢هـ، من الفاضلة عبير بنت علي أحمد زيدان الفيفي، ماجستير في البلاغة والنقد، اخذتها عن بعد، وهي موظفة، وربة بيت فاضلة، اعانته وهيأت له الراحة، وفي التفرغ لعلمه وعمله وجهوده النافعة المتعددة، ورزقا بحمد الله وفضله بسته اولاد، خمسة ابناء وبنت، وهم على النحو التالي :

  1. عبدالرحمن وهو الأكبر طالب بالمرحلة الجامعية بجامعة جازان .
  2. عثمان طالب ثانوي بالسنة الأخيرة.
  3. علي طالب بالمرحلة المتوسطة.
  4. عمران طالب بالمرحلة الابتدائية.
  5. عُلا بالصف الأول الابتدائي.
  6. عاصم مولود بالشهور الأولى.

حفظهم الله وبارك فيهم ، وبارك الله فيه وفي علمه وفي جهوده، وزاده علما وتوفيقا وفضلا.

                          والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

الرياض في 1444/10/7هـ

سيرة الاستاذ: عبدالله بن سليمان مفرح العمري

المقالات

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى