سيرة الشيخ :حسين بن محمد جابر المشنوي الفيفي
إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال
سيرة الشيخ :حسين بن محمد جابر المشنوي الفيفي
الشيخة المدعومة بالعلم والتأهيل المناسب، يكون مردودها لا شك في قمة الايجابية، وبالذات وقد عم التعليم جميع المجتمعات، وارتفع الوعي بين كل افراد القبيلة، فلا بد أن يكون الشيخ على مستوى مناسب لمنصبه، ويكون مؤهلا بوعيه وعلمه وثقافته، ولا بد كذلك أن تتغير الطرق المتبعة في ادارة الامور، وفي طرحها ومناقشتها وتفعيلها، والعمل على جلب المصالح لأفراد القبيلة، والى تقوية الروابط والتكاتف فيما بينهم، فاختلف الزمن واختلفت الوسائل، وارتقى الوعي وتفتحت الافكار، وكما قيل (لكل زمان دولة ورجال) .
يحمل درجة الماجستير في الادارة العامة، ومارس العمل في نفس التخصص لسنوات عديدة، منظرا وممارسا، ثم هو مستوعب لمهمة الشيخة وادوارها، اخذها بالوراثة والتنشئة والتربية، جده هو الشيخ جابر بن سالم رحمه الله، من ابرز مشايخ فيفاء في وقته، دهاء وحنكة وقوة وعزيمة، ثم والده الشيخ محمد بن جابر رحمه الله، الذي سار على نفس النهج وتمرس بها لسنوات طويلة، ثم هو من رشحه ليخلفه في الشيخة، وتنازل له بعدما كبرت سنه وانهكه المرض، عرفه وسبر غوره وفكره وحنكته، ووثق بقدراته وجدارته وامكانياته، فالتفت عليه القبيلة مؤيدة وراضية، واثبت جدارته وحسن اختيارهم له، وفقه الله وسدده واعانه وقوى عزيمته أنه الشيخ الاستاذ:
حسين بن محمد بن جابر بن سالم المشنوي الفيفي حفظه الله ووفقه.
والده هو الشيخ محمد بن جابر سالم المشنوي رحمه الله، شيخ قبيلة آل المشنية السابق، احدى قبائل فيفاء الكبيرة، خلف والده الشيخ جابر بن سالم رجل البر والتقوى والحكمة، في الشيخة رحمهما الله جميعا، وسار على نهجه واقتفى اثره، حيث تولى الشيخة بعد وفاة والده مباشرة، وكان اكبر ابنائه وعضيده في حياته، وساعده الايمن الذي كان يكل إليه كثيرا من المهام والمسؤوليات منذ صغره، فاكتسب بالممارسة الفعلية كثيرا من الخبرة والدراية، وتميز بالقوة والحكمة والحنكة ورجاحة العقل، واورثها بدوره وغرسها في ابنائه، ومنهم خليفته صاحب سيرتنا الشيخ (حسين) حفظه الله ووفقه، الذي رشحه بنفسه وتنازل له عن الشيخة، لما كبرت سنه وكثرت امراضه في اخر عمره رحمه الله.
كان رحمه الله مثال الأب الصالح، الذي احسن تربية ابنائه جميعا، ونشائهم على الفضائل والاخلاق الحسنة، وسار بهم في التربية على افضل الاساليب واحسنها، كان يمازج فيها بين القوة والحزم واللطف والمداراة، حسب متطلبات الحال ومراعاة الموقف والوقت، وحرص كثيرا على غرس مكارم الأخلاق في نفوسهم، وفي تعليمهم وفي حسن اخلاقهم وتعاملهم الراقي مع الآخرين، وكان اكثر ما يحرص عليه هو تمسكهم بدينهم واداء فرائضه، وفي تعلمهم القرآن الكريم وتلاوته واتقانه وتجويده، ويفرغ لهم جزءا كبيرا من وقته، رغم إشغاله الكثيرة في طلب الرزق والقيام بمهامه ومسؤولياته، رحمه الله وغفر له وكتب له اجر ما قدم.
واما امه فهي الفاضلة غيثة بنت سالم حسن المشنوي حفظها الله، وكانت بحكم انشغال والدهم رحمه الله، هي من تقوم بكثير من الادوار المهمة في تربيتهم، وفي متابعتهم وحثهم على طلب العلم ومتابعة دراستهم رغم اميتها، ولكنها بفطرتها السليمة حرصت على توفير الجو المريح لدراستهم، وفي عدم اشغالهم باي امر قد يصرفهم عنها، بل وصل من حرصها عليهم انها كانت تقضي بعضا من وقتها المليء بالمشاغل في الجلوس معهم، والإشراف عليهم عند مراجعتهم لدروسهم، وعند قيامهم بحل واجباتهم المدرسية، لتشعرهم برقابتها وصرفهم عن كل ما يلهيهم، فضلاً عن دعائها المستمر لهم بالتوفيق والنجاح في حياتهم كلها، حفظها الله واطال على الخير والايمان والفلاح عمرها.
ولد لهذين الفاضلين في بيتهما (الكري)، الواقع فوق بقعة الوشر من جبل آل المشنية، في غربي الجبل الاسفل من فيفاء، في حوالي عام 1382هـ ، فنال منهما حسن التربية والتقويم، والرعاية في كل ادوار ومراحل حياته.
تعليمه:
الحقه والده من صغره المبكر، في بعض مدراس تحفيظ القران الكريم القائمة (المعلامة)، لعدم توفر مدارس التعليم العام في محيطهم حينها، فالحقه أولاً في معلامة الشيخ يحيى بن سلمان سالم المشنوي رحمه الله، الواقعة في جعذرة في وادي قزاعة، وبعد فترة انتقل منها إلى معلامة الشيخ يحيى بن سليمان سلمان المشنوي رحمه الله، الواقعة في بقعة الحواجب، وتعلم في هاتين المدرستين مبادئ القراءة والكتابة، وحفظ بعضا من قصار سور القرآن الكريم، وفي بداية العام الدراسي 1392/1393هـ وقد صلب عوده، الحقه في مدرسة نيد أبار في جبل آل الثويع، حيث كانت اقرب مدرسة قائمة في ذلك الوقت، ورغم بعدها واضطراره للسير للوصول إليها لأكثر من ساعة، إلا أنه اقبل على دراسته بكل رغبة وعزيمة، وانتظم بقوة في الحضور، وفي التعلم بكل شوق وحماس، وكان من حسن حظه أن معاناته من بعد المدرسة هذه لم يستمر طويلا، فلم يمضي إلا شهر واحد على بداية العام الدراسي، حتى تم افتتاح ابتدائية الخشعة، الواقعة في محيط سكنهم، والقريبة من بيتهم، فانتقل إليها مما اختصر عليه كثير من الجهد والوقت ومعاناة السير الطويل، وفي هذه المدرسة الجديدة سرعان ما تأقلم مع نظامها والتدريس فيها، وانسجم مع زملائه ودروسه، مع انه انصدم في البداية بما شاهده فيها من اساليب الشدة والعنف، وفشوا ظاهرة الضرب للطلاب على ادنى سبب، سواء للإهمال أو التأخر في الحضور أو العبث واللعب، فالضرب وسيلة مستخدمة في معظم المواقف، كل معلم يحمل في يده عصا، وكأنها من ادوات التعليم ووسائله الضرورية، واصبحت مكملة لهندام المعلم وهيئته، حتى غدت الشدة قناعة سائدة لدى غالب المعلمين، ولذلك فقد داخله الرعب والخوف الشديد من هذه الظاهرة، حتى نفر وكاد أن ينحبس في البيت عن هذه المدرسة، ويترك الدراسة نهائيا، لولا أن تلاف الامر والداه، وجابهوه بشيء من الاقناع والحزم، وافهموه أنها وسيلة لا تستخدم إلا مع من يستحقها، من المهملين والمتلاعبين والكسالى، مع تحفيزهم له وتشجيعه وفي متابعته، وحثه على التسلح بسلاح الصبر في سبيل طلب العلم، ولفتوا نظره إلى ضرورة الاجتهاد والالتزام بالأنظمة، وأنه إن جد واجتهد في دروسه وواجباته فلن تستخدم هذه الاداة معه، وهو بالفعل ما سار عليه والتزم به، وقد كان دوما يحرز السبق في دروسه، وفي كل المجالات والانشطة، وفي الانتظام التام بالحضور، وفي ادب السلوك، لقد كان مهيأ للدراسة والتفوق، أولاً بما تلقاه في المعلامة السابقة للمدرسة، حيث اتقن فيها القراءة والكتابة، وحفظ بعضا من سور القرآن الكريم، ولذلك اتخذ له مسلكا من البداية إلى التفوق والنجاح، وواصل متشبثا بهذا التميز سنة بعد اخرى، ينتقل من فصل إلى آخر بكل جدارة، إلى أن تخرج من الصف السادس الابتدائي في نهاية العام الدراسي 1397/1398هـ.
ويذكر أن مدير المدرسة في بداية افتتاحها، كان الأستاذ حسن بن محمد الابياتي رحمه الله، واما بقية المعلمين فهم من الأخوة المتعاقدين، وممن يذكره منهم الأستاذ صبحي احمد حردان، فلسطيني الجنسية، الذي استلم الادارة بعد انتقال مديرها الاستاذ حسن فيما بعد، ويذكر ايضا مجموعة كبيرة من زملائه الطلاب المتميزين، وقد كان بينهم كثير من التنافس الشريف في الاجتهاد والتفوق، ومن هولاء الاخوة ممن وصلوا إلى مراتب علميه وعملية متميزة، ومنهم بحكم ما هم عليه اليوم، الدكتور سلمان بن محمد الحكمي، والدكتور سالم بن محمد الحكمي، والاستاذ عبدالله بن محمد الحكمي رحمه الله، والشيخ يحيى بن حسن شريف المشنوي، والاستاذ حسن بن علي جابر المشنوي، والاستاذ سلمان بن يزيد سلمان الحكمي، والاستاذ يحيى بن علي جابر المشنوي، والاستاذ احمد بن مفرح احمد المشنوي، وغيرهم كثير من المتميزين، ممن كانت بينهم كثير من المحبة والألفة، وعلاقة الاخوة الصادقة.
وبعد نجاحه من المرحلة الابتدائية، كان من حسن حظه وجود مرحلة متوسطة، مشتركة مع الابتدائية في نفس المبنى، فالتحق بها مباشرة، وسار على نفس نهجه السابق مواصلا الجد والاجتهاد، يترقى في فصولها بكل تفوق، إلى أن تخرج من هذه المرحلة وهو يحمل شهادة الكفاءة المتوسطة، مع نهاية العام الدراسي 1400/1401هـ.
ومن توفيق الله له أنه في تلك السنة شقت أول طريق للسيارات تخترق جبال فيفاء، وبذلك استطاع دون عناء متابعة دراسته في المرحلة الثانوية، في الثانوية العامة الوحيدة حينها، الواقعة في جهة نيد الدارة من الجبل الاعلى، والطريق يمر من فناء بيتهم وإلى فناء المدرسة، مما سهل عليه امر الوصول إلى هذه المدرسة بكل راحة، فانتظم ضمن طلابها في ذلك العام، وفي هذه المرحلة الدراسية والعمرية تغيرت عليه كثير من الامور، مما يحسه في مشاعره وفكره وتغير نظرته، ولعل في الانتقال لأول مرة من البيئة التي الفها إلى بيئة مختلفة، وإن لم يكن ذلك الاختلاف الكبير, ولكن مجرد بعده عن المكان الذي تعوده وعاش فيه، إلى عالم اجتمعت في بعض المتغيرات، واحتكاكه بزملاء جدد من عدة بيئات في الجبل وخارجه، ثم التغيرات (الفيسولوجية) على كيانه، سواء العمري أو الفكري ببلوغه سن الشباب وبداية النضج، وما يصاحبها من التغيرات الفكرية والنفسية والاستقلالية، ثم في تغير اساليب التعامل والدراسة في هذه المرحلة، وفي هذه المدرسة بالذات وادارتها المختلفة، ويصف هو شيء من تلك المرحلة، وهذه التغيرات بقوله : (وجدت في نفسي من أول اسبوع لي في هذه المدرسة، شخص آخر لم آلفه من قبل، ولعل السبب يرجعُ في تصوري، إلى التغيير الجذري في المعاملة والتدريس، ووجود الاحترام الشخصي، وتوفر فسحة اكبر في حرية اتخاذ القرار، وبالتأكيد أن ذلك عائد في الدرجة الاولى إلى القيادة المتميزة في المدرسة، واختلاف اساليب التعامل وتطبيق النظام، ويأتي في مقدمة تلك المنظومة، وجود المربي الفاضل الاستاذ حسن بن فرح رحمه الله، ثم وجود نخبة متميزة من المعلمين في هذه المدرسة)، وما اسرع ما احب هذا النظام، وانسجم بشكل كبير مع هذه المرحلة، وتفاعل بشكل ايجابي مع مقرراتها ومعلميها وزملائه فيها، وواصل سيره الذي قد الفه وتعود عليه من قبل، من الجد والاجتهاد والمنافسة القوية على التفوق، ومما زاد من شغفه بهذه المدرسة، وحبه التعلم فيها، والحرص على التحصيل، هو وجود كوكبة من الزملاء المتميزين و المبدعين، الذين وجد له بينهم مجالا رحبا من حب التنافس الشريف، والسعي الجاد نحو التميز والابداع، وممن يذكره منهم كأمثلة وشواهد، وإلا فهم كثيرون إن لم يكن جميع الطلاب في تلك الفترة، ولكن يأتي في مقدمتهم (حسب ما هم عليه اليوم) الدكتور سالم بن محمد احمد الحكمي، والاستاذ جابر بن احمد سلمان العبدلي، والاستاذ يحيى بن حسن شريف المشنوي، والاستاذ محمد بن احمد يحيى المشنوي، والاستاذ احمد بن يحيى حسن الابياتي، والاستاذ علي بن حسن سلمان الداثري، والاستاذ احمد بن محمد فرحان الداثري، والاستاذ خالد بن حسن علي المثيبي، والاستاذ سليمان بن قاسم سليمان الابياتي، وغيرهم من الزملاء الكرام، كلهم كانوا كوكبةِ متميزة ومبدعة، يشجع بعضهم بعضا على التنافس والتفوق والابداع، وكما كانوا متميزين خلال الدراسة حينها، اصبحوا الان كما هو مشاهد متميزين في مجالات الحياة المختلفة، وما اسرع ما مضت به السنين في هذا الجو المفعم، كأنها اضغاث احلام، حقق خلالها النجاح عاما بعد عام، إلى أن تخرج من الصف الثالث الثانوي، يحمل شهادة الثانوية العامة، مع نهاية العام الدراسي 1403/1404هـ.
الدراسة الجامعية:
بعد حصوله على الشهادة الثانوية، ولقلة معلوماته عن المرحلة التالية كما ينبغي، فبقي محتارا ومتردداً إلي أين يتجه لإكمال دراسته، وكانت كل احلامه وميوله تتجه الى كلية الهندسة، وبالذات في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، لما يسمعه عنها وعن مخرجاتها والمستقبل الزاهر فيها، ولكن طموحه ورغبته تلك تعارضت مع رغبة والدته في أن لا يبتعد عنها كثيرا، ولذلك فالمنطقة الشرقية بمعايير ذلك الوقت تعتبر بعيدة جدا، مما جعله يعرض عن السعي لتحقيق هذه الامنية، ويبحث له عن مجال آخر وجامعة اخرى في مكان اقرب، ولم يكن امامه خيار افضل واقرب غير مدينة ابها، فكانت هي اقرب المدن التي يوجد بها دراسة جامعية، مع أن الفرص والمجالات فيها كانت محدودة، رغم وجود فرعين لجامعتي الامام والملك سعود، ولكن كلياتهما معدودة وامكانياتهما محدودة، فاستعرض رغبته على المتوفر فيهما من الكليات والتخصصات، فوقع اختياره على كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، واختار تخصص الإدارة العامة، واقنع نفسه بالموجود سعيا إلى ارضاء والدته، ومع الوقت احب التخصص وانسجم مع مواده ومقرراته، واستطاع بحمد الله تجاوز كل المعوقات، ومنها أولاً بعده لأول مرة عن اهله، ولكنه اعانه لتفرغ تماما لدراسته، وعمل جادا على تحقيق آماله وما هو مأمول منه، وما اسرع ما الف وضعه، وتعود على غربته، واعتمد على نفسه، وانسجم مع نظام الكلية والتدريس فيها، الذي يختلف بالكلية عما الفه في دراسته السابقة، وسارت به الايام وتعاقبت عليه الاشهر والسنين، يحقق النجاح المطرد والتفوق عاما بعد عام، إلى أن تخرج من الجامعة بعد مضي اربع سنوات بالتمام والكمال، حيث تخرج في نهاية العام الجامعي 1407/ ١٤٠٨هـ، وكان بتوفيق الله وفضله هو الأول على دفعته، يحمل شهادة البكالوريوس في الادارة العامة.
الدراسات العليا والابتعاث:
وبعد هذا التميز والتفوق الذي استحقه بكل جدارة، كان مهيأ للإعادة في نفس الكلية، ولكنه وجد ان الامر يتطلب منه الانتظار لأجل غير محدود، فلا يوجد وظائف معيدين شاغرة حينها، وقد لا تتوفر هذه الوظائف إلا بعد فصل دراسي، أو ربما بعد عام كامل أو اكثر، لذلك فضل البحث عن عمل مناسب له، افضل من انتظاره لأجل غير معلوم ولا مضمون، حيث تيسر له التعيين على وظيفة معلم في المعهد الثانوي التجاري بابها، الذي يتبع المؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني، وكان حلمه في أن تتاح له فرصة مواصلة دراساته العليا، ومن توفيق الله أنه لم يمضي طويل وقت حتى رقيت الدراسة في هذا المعهد، وحول من معهد متوسط إلى كلية تقنية، وبالتالي اصبح هو احد اعضاء هيئة التدريس المعتمدين في هذه الكلية، وانفتح امامه الباب لمواصلة دراساته العليا، وتمكنه من الابتعاث للخارج، حيث تمت الموافقة له على الابتعاث في عام 1413هـ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لدراسة الماجستير في تخصصه الإدارة العامة، وتيسر له القبول بتوفيق الله في جامعة (كارنيجي ملن)، في ولاية بنسلفانيا، التي تعتبر من العشر الجامعات الأول على مستوى الولايات المتحدة في تخصص الإدارة العامة.
ومع صدور الموافقة على ابتعاثه، تبدت له من جديد الاشكالية الاولى مع والدته، عندما غادر فيفاء لأول مرة للدراسة في الجامعة، واما اليوم فالأمر اكبر واطم، فهو سيغادر المملكة بكاملها، والتجئ إلى الله سبحانه بالدعاء في أن يشرح الله صدرها لترضى عنه بالسفر، ولم يقصر معه والده الذي بذل جهده ومساعيه في اقناعها بالأمر، إلى أن اقتنعت في النهاية، وتمت موافقتها له على السفر، حيث سارع في الحال إلى استكمال اجراءاته، وفي حزم امتعته واغراضه، متوكلا على الله راجيا توفيقه، ليسافر لأول مرة إلى خارج الوطن، يسنده نبل المقصد واخلاص النية، ورضا ودعاء الوالدين له بالتوفيق والنجاح.
وما إن وصل إلى مقر دراسته، حتى عمل جاهدا على تهيئة اموره، والسعي على أطر نفسه على التأقلم مع اوضاعه الجديدة، فالبيئة من حوله وجدها مختلفة تماماً عما قد الفه وما كان يعرفه، وكما هو معروف فإن العيش لأول مرة خارج نطاق بلدك، وفي بلد تختلف فيه اللغة والعادات والدين، والتباين في التعامل والعلاقات الخاصة والعامة، مما يشكل لمعظم الناس في البداية صدمة حضارية، وانطبق على حاله ما قاله الشاعر الكبير المتنبي : (ولكن الفتى العربي فيها # غريب الوجه واليد واللسان).
والانسان السوي العاقل ما اسرع ما يتأقلم، بعد أن يدخل في مقارنات ذهنية بين ما هو فيه وما الفه، حتى تتكون له مرجعية مهمة تزيده ايمانا وقوة تمسكا بالصحيح الثابت، وتشذب كثيرا من عاداته ومختزنات نفسه غير الصحيحة، بخلاف الشخص الضعيف فيكون تأثيرها عليه سلبيا، فمع مضي الوقت وتعدد التجارب والخبرات يذهب كل ذلك، ولا يبقى في الذاكرة إلا الاشياء الايجابية النافعة، وكما أن لديهم سلبيات ففي المقابل لديه كثير من الايجابيات، واكثر ما علق في ذاكرته منها حسب اهتماماته، هي طرق التعليم المتبعة في جامعاتهم، بخلاف القائم لدينا من التلقين، لأن أسلوبهم يُخرّج اشخاصا قادرين على التفكير والتحليل والاستنباط، وفي إيجاد الحلول لمشاكل العمل وغيرها، وفي الابتكار وبناء القادة والمبدعين، وهو ما نفتقده كثيرا في جامعاتنا ومراكزنا البحثية والتعليمة.
ولذلك لم يتوقف كثيرا، بل انغمس في تحقيق مهمته وهدفه الذي حضر من اجله، وجد واجتهد في التغلب على كل المصاعب والسلبيات، وأبتدأ في اتقان اللغة الانجليزية التي كانت هي مفتاح كل الابواب، ثم اهتم بدراسته الاكاديمية والبحثية، إلى أن نال بفضل الله مراده وتحققت اهدافه، وحصل في نهاية المطاف على درجة الماجستير في الادارة العامة بتفوق، كما حصل على جائزة الملحقية الثقافية السعودية بواشنطن؛ لكون الجامعة التي تخرج منها تعتبر من الجامعات العشر الأول على مستوى الولايات المتحدة في تخصص الإدارة العامة، واثناء دراسته الاساسية سعى ايضا إلى الاستفادة من خارج اوقات الدراسة، حيث حصل على شهادة معتمدة في إدارة الموارد البشرية، وشهادة أخرى معتمدة في التنظيم الإداري، من جامعة بتسبرق في نفس الولاية، وكان ذلك بالتعاون مع جامعته(كارنيجي ملن)، ومدة كل دراسة منها كانت لفصل دراسي واحد.
وعاد بعدها رافعا رأسه بما يحمله من درجة علمية، وما اكتسبه من فكر وعلم وتميز، ومع ذلك لم يكتفي بهذا الحد، بل كان ديدنه وشاغله مواصلة التعلم، واحراز المعارف والمهارات، وكل جديد في تخصصه، والسعي إلى الرفع من قدراته العلمية والعملية والفكرية والابداعية، فلم يكن يدع دورة أو برنامجا يحقق له شيء من ذلك إلا وسارع إليه، وقد نال بتوفيق الله العديد من هذه الدورات، واكتسب كثيرا من الخبرات العلمية والعملية، ومن ذلك ما يلي :
- دورة في Deans Management Training Course لمدة أسبوعين عام ٢٠٠٦م.
- التقنيات الحديثة في التدريب بالكلية التقنية (edexcel) بجازان عام٢٠٠١م لمدة خمسة٥اسابيع.
- دورة المدربين لبرنامج تهيئة طالبي العمل للقطاع الخاص١٤٢١هـ لمدة أسبوعين .
- دورة تحضير المبتعثين عام 1409هـ ،ثلاثة أسابيع .
العمل الوظيفي:
كما اشرنا بعد تخرجه من الجامعة، رأى أن خياره الأول في الاعادة في الجامعة كان غير مضمون في القريب المنظور، وخشية أن يطول به الانتظار ثم لا يتحقق له المأمول، فقد استحسن البحث عن عمل وظيفي في مجال آخر يناسبه، حيث تم له بحمد الله وتوفيقه التعيين معلما في المؤسسة العامة للتعليم والتدريب التقني، في المعهد التجاري الثانوي بأبها، ولم يمضي طويل وقت حتى رقيت الدراسة في هذا المعهد، وحول إلى كلية تقنية جامعية، وبالتالي اصبح احد اعضاء هيئة التدريس المعتمدين في هذه الكلية، وعلى ضوء ذلك تم ابتعاثه إلى الخارج، ليحصل منها على درجة الماجستير، والتي عاد منها بنجاح ليمارس عمله فيها من جديد، وبقي جادا ومتفانيا في اداء وظيفته على اكمل وجه، واستمر في العمل في كلية التقنية بابها لأكثر من احدى عشر سنة، إلى أن قرر القرب من والديه وقد كبرت سنيهما، فسعى في عام 1421هـ إلى النقل إلى كلية التقنية المماثلة في جازان، واستمر في ممارسة عمله فيها بكل اخلاص وجد واجتهاد، وبقي على هذا المنوال الذي اختطه وتعود عليه، وعمل فيها لأكثر من عشرين سنة متواصلة، إلى أن قرر طلب التقاعد المبكر في عام ١٤٤١هـ، ليتفرغ لنفسه واهله ومهامه الجديدة، مما اوكل إليه من مسؤوليات تجاه قبيلته، وفي خدمة مجتمعه على الوجه المطلوب، وكانت قد بلغت خدماته في العمل الرسمي ما يقارب اثنين وثلاثين سنة، قام فيها بكل ما أوكل إليه من مهام واعمال بكل جد واخلاص، ومن اهم تلك المسؤوليات والمهام التي باشرها، ما نوجزه منها باختصار فيما يلي :
- رئيس شؤون الطلاب بالكلية التقنية بأبها لمدة عام واحد.
- عضو لجنة تأديب الطلاب بالكلية التقنية بأبها سابقاً .
- رئيس قسم التقنية الإدارية بالكلية التقنية بأبها لمدة عامين من 1417ـ 1419هـ .
- عضو مجلس الكلية التقنية بأبها لمدة عامين ١٤١٧ـ ١٤١٩هـ.
- عضو اللجنة المنظمة للملتقى العلمي الأول بالكلية في عام ١٤٢٠هـ.
- عضو اللجنة الأكاديمية بالكلية التقنية بأبها سابقاً.
- عضو اللجنة العلمية بقسم التقنية الإدارية بأبها سابقاً .
- رئيس قسم الدراسات العامة بالكلية التقنية بجازان لمدة شهرين .
- الأشراف على قسم التقنية الإدارية بالكلية التقنية بجازان عند افتتاحه .
- مشرف الشؤون التعليمية بالكلية التقنية بجازان من 1422ـ ١٤٢٤هـ.
- رئيس لجنة تنسيق الشؤون التعليمية بين الوحدات التدريبية التابعة للمؤسسة بمنطقة جازان خلال العام التدريبي 1422ـ ١٤٢٣هـ.
- وكيل الكلية التقنية بجازان للشؤون التعليمية والتدريبية من 1424ـ ١٤٢٨هـ.
- عضو مجلس الكلية التقنية بجازان وأمين المجلس من 1422ـ ١٤٢٨هـ.
- نائب رئيس مجلس التعليم التقني والتدريب المهني بمنطقة جازان من ١٤٢٥ـ 1428هـ.
- رئيس اللجنة العامة لتنظيم الاختبارات بالكلية التقنية بجازان من ١٤٢٢ـ 1428هـ.
توليه الشيخة:
الشيخة منصب متوارث في هذه الاسرة لما يقارب من مائة عام، حيث كان جده الشيخ جابر بن سالم قد نصب شيخ للقبيلة في حوالي عام 1355هـ، وكان حينها في شرخ شبابه واكتمال نضجه، وقام بمهام منصبه على خير وجه وافضله، وكان من انجح واقوى مشايخ قبائل فيفاء، ومثال الكرم والنجدة والشجاعة والصدق والوفاء، فلما توفي خلفه ابنه الاكبر الشيخ محمد بن جابر، الذي سار على نفس نهج والده وتنكب خطاه، بما يوافق العصر وتغيرات الحياة الاجتماعية، في ظل النهضة الشاملة والمعطيات الجديدة، ولما كبرت سنة وتعثرت صحته، ولم تعد تعينه على القيام بأعمال الشيخة كما ينبغي، تنازل عنها لولده الشيخ الاستاذ حسين، ورشحه ليكون شيخا للقبيلة من بعده، وبذلك صدر قرار سمو أمير منطقة جازان في 23/5/1440هـ، بالموافقة على تعيينه شيخاً لقبيلته (آل المشنية)، وكان لا شك اختيار موفق، ليكون خير خلف لخير سلف.
سعى من البداية جادا إلى بث التجديد في ما يخدم جماعته، مستعينا بخبراته العلمية والعملية في القيام بهذا المهمة، وعمل على الاستعانة بذوي القدرات والميزات من ابناء قبيلته، ومع اختلاف المهام والمسؤوليات في هذا الزمن الناهض، عصر التطور والتكنولوجيا والعلم والحزم، وقد تغيرت المسؤوليات، وتغيرت احتياجات الناس لمنصب الشيخة، فأصبحت الادوار مختلفة بحسب متطلبات الزمان والمكان، ولذلك ركز على ما يتناسب وهذا العصر، واهمها وفي مقدمتها السعي إلى الرفع من قوة التعاون والتعاضد بين افراد جماعته، وفي تقوية صلات التواصل والاخوة فيما بينهم، وفي تفعيل العديد من المبتكرات التي تتوافق وتساير العصر، وتحقق التعاون والتكاتف المطلوب بين افراد القبيلة، ومن ذلك:
- دعمه لفكرة إنشاء مجلس للقبيلة، وذلك منذ عام 1436هـ، في عهد والده رحمه الله، حيث عمل حينها على اقناعه بهذه الفكرة، وسعى إلى أن تم بحمد الله إنشاء هذا المجلس، وكان هو الجهة المنوط بها مناقشة كل ما يخص أمور القبيلة، وفي وضع المقترحات والتوصيات التي تراها، دون تهميش لدور الشيخ، بل له الكلمة النهائية، والرأي الاخير في الاخذ بهذه المقترحات أو ردها أو تعديلها، فتكون مقترحات المجلس مساعدة للشيخ وغير ملزمة له، ولكنها وسائل تنوير ومرتكزات يستعين بها في البحث عن بعض الحلول والافكار، وفي خدمة القبيلة، وفي تطوير الاساليب المعمول بها، وهي نقاط ومرتكزات سليمة ومدروسة، تبث التجديد والسعي إلى الافضل، وكان في تلك الفترة كثيرا ما ينوب فيها عن والده في رئاسة هذا المجلس، وفي إدارة جلساته وبالذات في فترة مرضه رحمه الله ، وبعد توليه الشيخة رسميا اصبح هو من يقوم برئاسة هذا المجلس، وقد أعاد تشكيله بما يتناسب مع التجديد والتطوير القائم، وتطعيمه باهل القدرات من الكفاءات المناسبة.
- شكل عدة لجان لإصلاح ذات البين بين أبناء القبيلة، في ما قد يقع من الخلافات والخصومات بينهم، وقد حققت هذه اللجان نجاحات كبيرة ملموسة ، وكان لها الفضل الكبير في حل كثير من الخلافات، التي قد مضى على بعضها سنين طويلة، وهو يتابع بنفسه كل ما تقوم به هذه اللجان اولا بأول، وقد يحضرها معهم إذا تطلب الحال في بعض الأمور والجلسات، ويكون حضوره الاساسي في الجلسة الختامية غالبا، ليكون حضوره داعما للاتفاق المتوصل إليه، وفي تشجيع الأطراف على فتح صفحة جديدة من التسامح والتصافي فيما بينهم، وفي نسيان الخلاف الماضي وآثاره.
- وجَّه أمين مجلس القبيلة بأن يعمل قاعدة بيانات لأبناء القبيلة، تضم كل افراد القبيلة، وبالذات من يقوم منهم بخدمة القبيلة وما يلزمها، وعمل لها قاعدة وآلية تكفل تحقيق التعاون بين جميع أبناء القبيلة، وفي تحمل الديات وارش الحوادث والمغارم وما شابه ذلك، بما لا يخالف الشرع المطهر والأنظمة المرعية.
- وجَّه أمين مجلس القبيلة بإنشاء قروب معتمد لأبناء القبيلة، يتم فيه إبلاغ الجميع بكل التوجيهات والتعليمات الصادرة من الجهات الرسمية.
ولاشك أن متطلبات الناس في هذا العصر المتطور، ومع وجود الوسائل الحديثة في كل نواحي الحياة، قد جعلت التفكير والعمل ومعالجة الامور مختلفا عن الماضي، ولا بد من مسايرة كل هذه المستجدات، والاستعانة بها على تسيير امورهم، والاستفادة منها على قدر الإمكان، فإن لم تتطور بنفسك وتطور قدراتك، فإنه يفوتك الركب وتبقى على هامش الحياة، وهو لا شك شخص مؤهل لقيادة هذه المرحلة، وفي نفع واصلاح قبيلته وجماعته ومجتمعه، وفقه الله واعانه وسدده.
الحالة الاجتماعية:
زوجته هي الفاضلة الاستاذة خيرة بنت احمد سلمان حسن المشنوي حفظها الله، خريجة معهد المعلمات، وعملت في التعليم لفترة محدودة، ثم تركته وطلبت التقاعد المبكر، لتتفرغ لزوجها وبيتها ولتربية أبنائها، وكانت لزوجها وما زالت خير معين في مسيرته العلمية والعملية، وقد رزقا بفضل الله بتسعة من الولد، اربعة ابناء وخمس بنات، هم على النحو التالي:
- هدى بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة جازان، متزوجة.
- ساره بكالوريوس رياض الأطفال من جامعة جازان.
- فيصل طالب في كلية الطب جامعة جازان.
- منار طالبة في المحاسبة جامعة جازان.
- ميساء الثانوية العامة.
- عبد العزيز طالب في المرحلة الثانوية.
- عبد المجيد طالب في المرحلة المتوسطة.
- نايف طالب في المرحلة الابتدائية.
- ميرال دون سن الدراسة.
بارك الله فيهم وحفظهم واسعدهم، وجعلهم بررة صالحين موفقين،
وحفظه الله وبارك فيه واعانه على خدمة دينه وقبيلته ووطنه وولاة الامر، وزاده فضلا وعلما وسدادا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم
سيرة الشيخ :حسين بن محمد جابر المشنوي الفيفي
الرياض في 1443/5/17هـ
بارك الله فيك ايها الأديب والمؤرح والكاتب لسير أعلام فيفاء الشيخ – عبد الله بن علي قاسم آل طارش الفيفي..
نشكر لك ما أوردته من السيرة الكريمة العطرة المباركة للشيخ – حسين بن محمد جابر المشنوي الفيفي – التي لخصت فيها سيرته التعليمية والعملية المشرفة حقاً..
لقد سعدنا كثيراً بهذا القصص والطرح الجميل المتمكن فلك منا الشكر الجزيل والتقدير والعرفان على ما تقدمه، والشكر موصول لصاحب السيرة العطرة حفظه الله وكثر من أمثاله يسرنا كثيرا مانراه من تفوق ورقي لأبناء فيفاء في كل مجال بارك الله في الجميع ونفع بهم البلاد والعباد..
.. والسلام عليكم ورحمة الله..