مقالات

سيرة العقيد ركن متقاعد: خالد بن حسن يحيى الثويعي الفيفي

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

سيرة العقيد ركن متقاعد: خالد بن حسن يحيى الثويعي الفيفي

التحق اثناء دراسته بالمرحلة المتوسطة، في فرقة الكشافة في مدرسة نيد آبار المتوسطة، وكان مشاركا نشطا في هذا المجال داخل المدرسة وخارجها، ويشارك في كل انشطتها وما يتطلب منه عمله فيها، وكان يحس في ذلك بالزهو والسعادة، وينتشي وهو يتحرك بين الطلاب بالبدلة الخاصة بالكشافة، مع شعور بالفخر واوسمة الفرقة تلمع على صدره وعلى كتفيه، وكم احب الانضباط والنظام من خلال ما يقومون به، مما زرع في نفسه محبة هذا الجانب، وتعلقه بروح الجدية والانضباط، وفي العمل الجاد في سبيل القيام بواجبات النظام، لذلك احب هذا المسلك، وبالتالي احب العسكرية وتمنى أن ينخرط فيها إذا كبر، ولذلك كانت اول خياراته واولوياته بعد تخرجه من الثانوية، بل كانت هي الخيار الوحيد على بقية المجالات، فاتجه للالتحاق بكلية الملك عبدالعزيز الحربية، وصبر على تدريباتها القوية إلى أن تخرج منها، ثم انخرط بكل رغبة وجدية وافتخار في عمله فيها، يطور قدراته ويرفع من خبراته، متنقلا بين وحداتها والوياتها، ويخدم بكل اعتزاز وفخر في معسكراتها، وترقى في مهامها وفي رتبها إلى أن بلغ رتبة عقيد، مشاركا بكل اخلاص وتفان في ما يوكل إليه فيها من مهام، سواء في السلم أو في الحرب، مضحيا براحته وحياته، مقداما في كل اموره، صابرا محتسبا رغم ما لحق به من اصابات، وما بذله  من تضحيات جسدية ومعنوية، وهكذا تتشكل مسيرة الانسان في هذه الحياة، وكل ميسر لما خلق له، فاذا آمن الانسان بذلك، ورضي بما هو عليه وبما يسره الله له، واخلص العمل الذي اوكل إليه، وبذل الاسباب الموصلة إلى تحقيقه، وجد السعادة والتوفيق، والجزاء والاجر العميم، من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والاخرة.

انه العقيد ركن متقاعد:

خالد بن حسن يحيى اسعد آل عتمة الثويعي الفيفي حفظه الله ووفقه

والده هو الشيخ حسن بن يحيى اسعد آل عتمة الثويعي، شيخ قبيلة آل الثويع بفيفاء حاليا حفظه الله، على درجة لابأس بها من التعليم، طلب العلم من صغره، على قدر توفره الشحيح في ذلك الزمن، حيث التحق بمدرسة الخشعة الاهلية، التابعة لمدارس فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله، ثم كان من اوائل طلاب مدرسة النفيعة الابتدائية بفيفاء، عند افتتاحها لأول مرة في عام 1377هـ، ولكن لبعدها الكبير عن بيتهم، حيث يسكنون في بيت (صعوان) في اطراف جبل آل الثويع، والمدرسة تقع في ما بعد سوق النفيعة بأعلى جبل فيفاء، بينهما مسافة بعيدة جدا، يحتاج لقطعها سيرا على الاقدام اكثر من ساعة، في صعودا شاق ومتعب، والعودة مثلها، فلا توجد حينها طرق للسيارات، ولا تتوفر أي وسيلة للمواصلات، ولذلك لم يستطع مواصلة دراسته إلى نهايتها، فقد اضطر إلى تركها بعد حصوله على الصف الرابع الابتدائي، ولما اتيحت له الفرصة عندما افتتحت لاحقا مدرسة ليلية في ابتدائية نيد ابار المحدثة، واصل دراسة المرحلة الابتدائية فيها، ثم اثناء عمله الوظيفي في مدينة الرياض، واصل دراسته المتوسطة، في احدى المدارس الاهلية هناك، وعمل في بداية شبابه موظفا عسكريا، في الامن العام في الرياض، ولم يستمر فيه طويلا، ولم يتأقلم في الاستقرار هناك، ولذك سعى للحصول على وظيفة كتابية، في المحكمة الشرعية بفيفاء، واستمر يترقى فيها إلى أن بلغ سن التقاعد، اتصف بالحزم وقوة الشخصية وحسن القيادة، وهو ما اخذ به ابنائه، في حسن تربيتهم ومتابعتهم، ولهذا نجحوا وتفوقوا، وحققوا الكثير لأنفسهم.

فقسا ليزدجروا ومن يك حازما 

 فليقس احيانا على من يرحم

 هو قدوة لهم في الانتظام، والصرامة والحزم، حفظه الله ووفقه، واطال على الخير عمره.

واما امه فهي الفاضلة عافية بنت علي يحيى آل حيان الثويعي حفظها الله، ربة بيت من الطراز الاول، تنقلت بجميع ادوار المرأة في فيفاء، قديما وحديثا، وتأقلمت بكل جدارة، مع تغيراتها الهائلة، كانت صاحبة بقر وغنم، تحطب وتجلب الماء والعلف بنفسها، ثم تعايشت مع الحاضر الزاهر، بتطوراته الهائلة، ونجحت في كل الاحوال والتغيرات، حفظها الله ووفقها، ام رحومة عطوفة، مكملة لزوجها في التربية، وحسن الاعداد للأولاد، فهي الملجأ من شدته إذا اشتد، وهي الحضن الحنون مع صرامته، فكانا متكاملين، اخرجا جيلا ناجحا متميزا، بأخلاقه وحسن تعامله، حفظهم الله ووفقهم.

ولد لهذين الفاضلين في بيتهما (اللحج)، في بقعة صعوان بجبل آل الثويع، في تاريخ 1/7/1397هـ، وكان ترتيبه بين اخوانه الخامس، وعاش طفولة سعيدة هانئة، بين ابوين واعيين واخوة متحابين، فكانت طفولته سهلة سعيدة ، يشارك في بعض متطلبات البيت البسيطة، من اعمال المزرعة عند الحرث والقلع وغيرها في تلك الفترة، أو في المساعدة برعي عدد بسيط من الأغنام، كانوا يقتنونها من حين إلى آخر، وكانت له في ذلك متعة وتعليم، ومشاركة وجدانية داخل اسرته, فكانت هذا حاضنته الأولى، القوية والسليمة من المنغصات.

تعليمه:

عندما تجاوز السادسة من عمره بقليل، وهي السن المناسبة للدراسة النظامية، الحقه والده مع بداية العام الدراسي 1403/1404هـ، في مدرسة نيد آبار الابتدائية، وهي قريبة من بيتهم، وما اسرع ما تأقلم مع هذه المدرسة، واحبها وتأقلم مع زملائه ومعلميه فيها، ويذكر أن من الأشياء الجميلة التي وجدها في تلك المدرسة حينها، ما كانت تصرفه وزارة المعارف في ذلك الوقت، من التغذية المتكاملة لكل الطلاب، في معظم مناطق المملكة، وكذلك ما يصرف لهم  من الملابس الرياضية، وكم كانت تبهجهم كثيرا، ويفرحون بها لندرة توفرها في الأسواق لديهم حينها.

   كان معظم معلمي المدرسة في تلك الأيام من المتعاقدين، من الدول الشقيقة، من الأردن وفلسطين ومصر والسودان، وفي كثير منهم شدة وغلظة في التعامل والتأديب، ويستخدمون اشد الأساليب في ذلك، وكان مدير المدرسة حينها الأستاذ اكرم (فلسطيني).

    وكانت المقررات قوية ومركزة، وكمثال على هذه القوة، ما كانت عليه مادة الخط، وكيف كانت تركز على تعويد الطالب على تحسين خطه، من اجادة مسك القلم، وفي حسن الخط والمهارة فيه، وسعى من البداية إلى التفوق، وكان لمتابعة والده المنتظمة، في البيت وفي المدرسة، دور كبير وموثر في مسيرته، مما جعله متفوقا ومن الأوائل، في كل سنوات هذه المرحلة وما تلاها، وكانت حصيلته من هذه المرحلة جيدة، اعانته كثيرا على التفوق فيما بعدها، ويذكر من ابرز معلميه في هذه المرحلة، الأستاذ سامي (فلسطيني)، والأستاذ محمد بن احمد خواجي (رحمه الله)، والأستاذ يحي بن جابر حسن الثويعي (رحمه الله)، الذي يذكر منه شدة حرصه عليهم، مع غلظته في معاقبة المقصر منهم، وكانت من أساليب عقابه الرهيبة، أنه يضع القلم بين الأصابع ثم يضغط عليها، او يقوم بالضرب على الاظافر، وكم كانت مؤلمة جدا (عفا الله عنه وسامحه وغفر له)، ولكن مردودها في الغالب إيجابيا، حيث يحرّم الطالب تذوقها مرة أخرى، ومن الأشياء التي لا ينساها في هذه المرحلة، عندما ركض مسرعا إلى خارج المدرسة، ليسبق الاخرين في اللحاق بالكرة، عندما خرجت اثناء اللعب بها، ولم يتنبه لإحدى السيارات العابرة في الشارع، مما أدى إلى أن تصدمه، ولكنها بحمد الله كانت خفيفة، ولم يتأثر منها كثيرا، ولكن الظريف في الأمر أن هذه السيارة كانت(سيارة الإسعاف)، وكانت حياته في هذه المرحلة، حياة جميلة ملية بالذكريات والمواقف، ومرت سنواتها سريعة كلمح البصر، ولكنه تعلم فيها المعارف والعلوم والتربية، واكتسب كثيرا من حسن التعامل مع الحياة، ومع الناس في خارج البيت والاسرة، واشياء ما زالت قواعد ثابتة وراسخة في حياته وشخصيته.

 انتقل مباشرة بعد نجاحه، إلى المرحلة المتوسطة، ومن حسن حظه أنها كانت مشتركة مع الابتدائية في نفس المبنى، فكان احد طلاب هذه المرحلة من بداية العام ١٤١٠هـ، وطبعا فالدراسة فيها مختلفة، والتغيرات الحسية كانت كبيرة، فلاختلاف بالطبع كان في المواد الدراسية، مواد مكثفة وبعضها جديدة، ومن ذلك كمثال مادة اللغة الإنجليزية، حيث يواجه فيها الطالب صعوبة في الفهم والاستيعاب، لما ترسب لدى الناس من دعاية غير صحيحة، من صعوبة تعلمها والمهارة في اتقانها، ثم لعدم توفر وسائل مساعدة على تعلمها، فكان على الطالب أن يتابع بكل دقة وتركيز معلم المادة فقط، وكان معلمها الأستاذ شعبان (مصري) متميزا، يبذل جهدا مضاعفا، ويمضي غالب وقت الحصة في شرحها باللغة العربية، وهو أسلوب غير مجد في تعلم اللغة، وبالطبع لم يكن الاستيعاب بالدرجة المطلوبة.

   كان مدير المدرسة في تلك الفترة، الأستاذ احمد بن يحي شريف العبدلي (رحمة الله)، وكان على قدر كبير من حسن الإدارة واللطف بالطلاب، وكان من المعلمين الافاضل في هذه المرحلة، كل من الأستاذ على محمد الداثري، المعلم المتميز في مادة الرياضيات، الذي باجتهاده وبذله حبب إلى الطلاب هذه المادة، وكذلك من ابرز المعلمين الأستاذ موسى بن يزيد العبدلي، معلم مادة العلوم التي بطريقته المثلى، وحسن تعامله واسلوبه المتقن في ايصاله المعلومة، جعله يحب هذه المادة، حتى أنه من تعلقه وفهمه لهذه المادة، نفذ من خلال الأنشطة غير الصفية، لوحة تحت عنوان (دورة الحياة للحيوانات)، ومن اتقانه لها وجمالها وحسن التنفيذ باكتمال مكوناتها، وجد عليها الثناء التام من المعلم، ومن إدارة المدرسة، مما جعلهم يعلقونها في ساحة المدرسة، حيث بقيت معلقة لعدة سنوات طويلة، حتى أنه وجدها في مكانها بعد تخرجه من الكلية الحربية، وقد بقيت احدى تعليقات المدرسة لم تجد منافسا، وبقي هو يعتز ويفتخر بهذا العمل، الذي استمر مرفوعا لفترة طويلة داخل المدرسة، إلى أن تلاشت وتلفت مع مرور الوقت، وتعاقب العوامل الجوية والبيئية الطبيعية عليها.

  ومن المعلمين الكرام حينها، عمه الأستاذ موسى بن يحي اسعد الثويعي (رحمه الله)، وكذلك الأستاذ هشام (مصري)، الذي كان مبدعا في رواية القصص والحكايات الجميلة، وكان يبحر بطلابه في صور خيالية ممتعة، حتى أنه من خلال سرده ووصفه البديع فيما يورده، وما يتميز به من فن في اللقاء،  للروايات وبعض القصائد الشعرية، التي كان يتغنى ببعضها في لحن غريب وجديد عليهم، مما يشدهم بقوة، بغرابته وجماله وعذوبته، ومن جماليات هذا المعلم الأخرى وحسن ذاته، وقد كان يسكن في بيت قريب من بيتهم، وكان بحكم الجوار، يشاهده أحيانا وهو يرعى بعض الأغنام، فكان عندما يحضر في صباح اليوم التالي للمدرسة، يخبر الطلاب بان لدى (خالد) زعابة (شاة)، تعمل حركات بهلوانية، وكان المرشد الطلابي في المدرسة ذلك الوقت، الأستاذ الفاضل احمد بن هادي آل خفشة الابياتي، انسان متألق بجمال خلقه وادبه، وفي حسن مظهره وهندامه، رحم الله من مات من هؤلاء الافاضل، وحفظ بحفظه الباقين منهم، وجزاهم كل خير.

   ولما كانت تلك السن في هذه المرحلة، هي فترة التغير والنمو في الجسم والعقل والمعرفة، وفيها الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الشباب والنضج، ولهذه العوامل في تلك السن وهذه المرحلة، اعجب بفرقة الكشافة القائمة في المدرسة حينها، وسعى إلى الانضمام في عضويتها، (والكشافة عبارة عن حركة تربوية تطوعية، مفتوحة للجميع دون تفرقة، هدفها التنمية البدنية، والثقافية للفرد، ليكون عضوا صالحا، مساهما في بناء مجتمعه)، هذا هو تعريف مختصر للكشافة المدرسية وأهدافها.

  وبعدما انضم إلى هذه الفرقة وهذا النشاط، احس بكثير من التميز والزهو، وغمرته مشاعر السعادة والحبور، وهو يحقق من خلالها ذاته واحلامه وشخصيته، بل اعتبرها من اجمل الأشياء المحفزة في حياته، حتي أنها غرست في داخله الميل إلى الانخراط في السلك العسكري، وقوت هذه الرغبة عما سواها في مستقبل أيامه، فكم كان يشعره بالغبطة عندما يرتدي البدلة الخاصة بها، ويشعره بالزهو وهو يلبس منديلها، والحزام والقبعة، والشارات الكشفية على صدره، ويعيش معها أحلام اليقظة، في مستقبل أيامه، ويتخيل نفسه ضابطا حقيقا في الغد القريب، وكانت من مهام هذه الفرقة الكشفية في المدرسة، أن  تساعد في النظام داخل المدرسة ومحيطها، اثناء الفسح والمناسبات التي تقام فيها، ولذلك كان الكشاف يعتبر نفسه قدوة ومثالا، ويلتزم قبل غيره بالأدب والتخلق به، وفي تطبيق واحترام أنظمة المدرسة، وكانت شرطا أساسيا في العضوية الفاعلة، مع انها كانت خلقا اصيلا قد نشئ عليه، وتربى على مبادئه، مما يأطره كثيرا على الالتزام به، في المدرسة وكل اموره وتعاملاته، وكم كان خوفه من أن ينقل إلى والده شيء يخالف ذلك، فكان عقاب ابيه في هذا الجانب شديد جدا لا يرحم، وقد يبلغ اضعافا مضاعفة مما قد تعاقبه عليه المدرسة، فكان طوال دراسته في هذه المرحلة وما سبقها على احسن الاخلاق، ويسعى دوما إلى النجاح والتفوق، ويحرص على ان لا ينزل عن الأوائل في ترتيبه في كل الفصول، وقد نجح من هذه المرحلة في نهاية العام الدراسي 1411/1412هـ.

   لينتقل بعدها إلى مواصلة دراسته في المرحلة الثانوية، فالتحق مباشرة بمدرسة فيفاء الثانوية، الواقعة في نيد الدارة من الجبل الأعلى، وكانت هذه المدرسة حينها في اوج قوتها وازدهارها، تحت قيادة المربي الكبير الفاضل، الأستاذ الشاعر الشيخ حسن بن فرح الابياتي (رحمه الله)، كان قياديا يتمتع بشخصية متميزة، وكاريزما قوية متفردة، وله هيبة كبيرة بين جميع منسوبي المدرسة، كان يغرس في طلابه وجوب التقيد التام بالأنظمة، وفي الانضباط والمواظبة على الحضور، وفي حسن السمت وكمال الادب، كانت هذه المرحلة نقلة مختلفة له عن كل ما سبق، التقى فيها بطلاب جدد، يأتون إلى المدرسة من شتى مدارس فيفاء، ومن بعض مدارس المناطق المجاورة (بني مالك وبلغازي)، مما زادت في معارفه وفي حصيلته الثقافية والمعرفية، ووجد فيها مجال للتنافس اكبر، حيث احتك فيها بمواهب مختلفة، وتعرف على لهجات ومفردات مختلفة، وعلى ثقافات وعادات متنوعة ومتباينة، وبدا التنافس الحقيقي معه في بيئة غير ما الفها، ولما كانت المدرسة بعيدة عن منزلهم نسبيا، وليس الأمر كما كان معه في المرحلتين السابقتين، حيث يصل إلى المدرسة فيهما سيرا على الاقدام، اما في هذه المدرسة فهي بعيدة نسبيا، لذلك كان يترصد لبعض زملائه ممن يملكون السيارات ليركب معهم، واحيانا يركب مع العابرين من أصحاب السيارات، وقد يضطر في فترات محدودة وقليلة إلى السير على الاقدام، فكانت الأمور تسير بحمد الله بيسر وسهولة، وكلها بتوفيق الله وفضله.

 واما الدروس والمناهج فهي مختلفة ومكثفة، واكثر ما كان يعاني فيها هو شدة التنافس بين الطلاب، فهناك عقليات فذة ومجتهدة وجدها، فلا بد أن يكون على قدر كبير من الاجتهاد والتحدي، وقد اثبت جدارتها في هذا الجانب، وترقى بحمد الله في فصولها عاما بعد آخر، ليحقق بفضل الله مراكز متقدمة، ودرجات عالية، وكانت المحطة الأساسية في الصف الثالث الثانوي، عندما كانت أسئلة الاختبارات تردهم  من الوزارة، فلذلك كان يحرص على البحث عن أسئلة السنوات السابقة، ليراجعها ويتعرف على طريقة صياغتها، وكيفية الإجابة عليها، ومع ذلك فلم تكن تتكرر الا في النادر، ولكنها تحفزه وزملائه وتلهب الحماس في وجدانهم، فقد كانوا يواجهون كثيرا من الصعوبة في المذاكرة، حيث يشعرون أنهم في مرحلة مصيرية، يترتب عليها صياغة المستقبل امامهم، وبه تفتح لهم أبواب المستقبل الجامعي والمهني، وكما لكل جيل فكره وثقافته واحلامه واهتماماته، فيذكر أنه في هذه المرحلة وبالذات في نهايتها وقبيل التخرج، أنهم تلقوا في المدرسة معلومات مختصرة، ونبذ بسيطة عن بعض الجامعات الكبيرة، والتعريف القليل ببعض الكليات بشتى أنواعها، وتعريفات محدودة عن بعض التخصصات المتاحة، حيث كان معظم الطلاب ليس لديهم ادنى فكرة عن هذا المراحل التالية، وهذا ما اعانهم كثيرا وفتّح مداركهم، لاستشراف المستقبل امامهم، وما إن اكتمل العام الدراسي 1414/1415هـ، إلا وهو يحمل بين يديه شهادة نجاحه وتخرجه من هذه المرحلة، حاملا الشهادة الثانوية العامة، بتقدير مرتفع، والحمد لله والشكر له سبحانه.

الدراسة الجامعية:

 بعد تخرجه من المرحلة الثانوية، وحصوله على شهادتها، حملته اماله واحلامه إلى الطيران إلى المستقبل الواعد، تحدوه الاحلام إلى عدة اتجاهات، ورغبة في تحقيق بعض الامنيات، فقدم أوراقه لطلب القبول في كلية المعلمين في ابي عريش، ومن هناك سافر مباشرة إلى مدينة الرياض، كحلم اخر كان يراوده، وبادر إلى التقديم على بعض الجامعات فيها، ولكنه كان قد تأخر على الموعد المحدد، وقد فاته التسجيل في هذه الجامعات، فطرى له حينها حلمه القديم من ايام الكشافة في المرحلة المتوسطة، حيث اسرع بالتقدم لطلب القبول في كلية الملك عبدالعزيز الحربية، واكمل فيها جميع متطلبات القبول، وتم بحمد الله قبوله النهائي فيها، وتزامن مع قبوله كذلك في كلية المعلمين في ابي عريش، وحينها دخل في حيرة من امره، وفي تردد شديد في اختياره، ولكنه بعد الاستخارة والمشاورة، واخذ النصيحة والتوجيه من والده، ترجح لديه التوجه إلى المسلك العسكري، وتوافق مع رغبته وميوله الكامن في نفسه.

  لم يبدأ العام ١٤١٦هـ إلا وهو احد طلاب هذه الكلية العريقة، بل كان تحضيره فيها كطالب مستجد من تاريخ 4/4/1416هـ، ضمن طلاب الدفعة رقم (56)، وهنا ابتدأ في خوض تجربة جديدة، وتحد كبير لم يمر عليه من قبل نهائيا، وبالذات فترة ما يسمى بالإستجداد، وهي الفترة الأولى للطلاب المستجدين في الكلية، وتعتبر فترة فحص وتمحيص، تصفي وتغربل المقبولين، فلا يجتازها في العادة إلا الجادين والصامل منهم، فيكثر فيها الانسحاب من الطلاب غير الجادين، الذين معظمهم لا يتحمل كل هذه المتاعب والمصاعب، ولا تبقى إلا النخبة المنتقاة، الذين سيكونون هم الأنسب لخوض هذا المسلك القوي الصلب، وفي النجاح بعدها في هذه الحياة الجادة التي تنتظرهم، فهي تعتبر نقلة مهمة للطالب، من الحياة المدنية العادية المرفهة، إلى الحياة العسكرية الجادة الشديدة، ولذلك سميت هذه الكلية ومثيلاتها بمصانع الرجال، فلا يثبت فيها ويستمر إلا الصامل الجاد.

   كانت هذه الفترة (المستجد) تستمر لمدة (٤٥) يوما، يقضيها الطالب في تدريبات مكثفة جدا، من رياضه ومشي، واعمدة وحواجز، وتدريبات مكثفة ومتواصلة، ويقضيها الطالب في تدريبات على الحركات العسكرية الأساسية، وما يتبعها من الحزم والانضباط، وتلقي المعلومات واستيعابها، وإجادة المشية العسكرية، وتنفيذ الأوامر العسكرية بحذافيرها دون تردد، وغيرها من الضروريات التي خلاصتها العمل على تغيير برمجة الطالب بالكامل، ليتحول إلى العسكرية الصرفة بكل متطلباتها، مع ما يرافق ذلك من الضغط البدني الرهيب، والضغط النفسي الأشد، فلا يترك الطالب اثنائها للخلود إلى الراحة، إلا لساعة قليلة محدودة، وهذه المرحلة هي من اصعب مراحل الدراسة في الكلية وأفواها، حتى أنه يمنع عليهم خلالها الخروج من الكلية نهائيا، وكأن الطالب يعيش داخل سجن قوي الحراسة، لذلك ما إن تنتهي هذه الفترة التي كأنها دهرا، حتى يصبح كل ما بعدها سهل ويسير في نظرهم، بناء على مقارنته بهذه الفترة الصعبة.

اما الدراسة المتخصصة فهي مرادفة تاليه لهذه المرحلة، وتكون الدراسة بعدها شبه عادية، تركز على تعلم الأنظمة، وما يخص الحياة العسكرية القادمة، فيبدأ الطالب بعدها التوجه إلى قاعات الدراسة، ويبدأ في التعرف على متطلبات حياته القادمة، فيأخذ الطالب بعض الدراسات المتعددة عن الأسلحة بأنواعها، ويأخذ مواد مرادفة، ومنها دراسة اللغة الإنجليزية، والمواد العلمية (كيمياء وفيزياء للأقسام العلمية)، وتسمى هذه السنة الأولى (المرحلة الإعدادية)، وفي السنة الثانية التي تسمى (المرحلة المتوسطة)، يدرسون فيها مواد عسكرية فقط، وبعض التكتيكات الحربية، بدراسة أوسع من المرحلة السابقة، اما في السنة الثالثة والأخيرة، فهي المرحلة النهائية، التي تشمل أيضا الدراسات العسكرية، والتكتيكات بشكل مكثف، اكثر عن المرحلتين السابقتين، وهناك بعض التمارين العسكرية القوية، الشبيهة بالحرب، بل فيها مناورة تستمر لأكثر من أسبوع قبيل التخرج، وعلى العموم تتخلل هذه السنوات بعض الأنشطة الرياضية القوية، ومنها اختراق الضاحية، والسير الطويل، ولكن هذه السنوات التالية بعد التمحيص الاولي، تعتبر عادية وسهلة بعد أن هيأوا لها من البدايات، فتمضي  بهم سنواتها سريعة متعاقبة، يتنقل ويتدرج الطالب بين مستوياتها بسلاسة، وهكذا سار معه الحال إلى أن تخرج من هذه الكلية العريقة، يحمل شهادة البكالوريوس في العلوم العسكرية، متخرجا منها ضمن الدفعة (56) في عام 1419هـ بتقدير جيد جدا، فرحا رافعا راسه بما تحقق له من حلم حياته، يزهو بما يحمله فوق كتفه من رتبة ملازم، منخرطا في شرف العمل ضمن منسوبي قوات الجيش السعودي العظيم.

إن الحياة العسكرية كلها حياة جادة، وتدريبات متواصلة، وتعلم لا ينتهي ولا يتوقف، فهي تعد العسكري دوما ليكون على أهبة الاستعداد في كل حالاته، ولذلك فقد نال طوال حياته العسكرية الاعداد المتكامل، وانخرط في الكثير من الدورات والبرامج التدريبية والتعليمية، ومن اهم ذلك :

١ دورة تأسيسية مشاة.

٢ دورة هاونات محمولة.

٣ دورة لغة انجليزية، اخذها في المنطقة الجنوبية.

٤ دورة متقدمة مشاة، أخذها في المنطقة الجنوبية.

٥ دورة تعلم لغة فرنسية، في معهد اللغات بالرياض.

٦ دورة أسلحة مشتركة، في المنطقة الجنوبية.

٧ دورة لغة فرنسية مكثفة ، في عام٢٠١٠م في فرنسا.

٨ دورة قادة وحدات مستقبليين، في فرنسا في نفس العام 2010م.

٩ دورة حاسب آلي، في المنطقة الجنوبية.

١٠ دورة امن سبرآني، في كلية المعلمين في مدينة صامطة.

١١ دورة القيادة والاركان، ونال درجة الماجستير بتقدير جيد جدا، من كلية القيادة والاركان في الرياض عام 1436هـ.

12 دورات تخصصية في جميع الأسلحة.

العمل الوظيفي :

  بعد تخرجه مباشرة تم تعينه في 1/3/1419هـ، على رتبة ملازم، في الكتيبة الثانية في مجموعة لواء الامام سعود الكبير (الحادي عشر) في منطقة جازان، وكلف بالعمل قائد لفصيل الشرطة العسكرية، واستمر فيها لمدة سنة، وبعدها تنقل وتدرج في عدة وظائف ومهام عسكرية، فمن قائد فصيل، لمساعد قائد سرية، في نفس اللواء، وبعدها عاد اللواء من جازان إلى مقره الأساسي في خميس مشيط، وتم نقله هو في عام ١٤٢٦هـ إلى منطقة تبوك، وكلف فيها بالعمل على وظيفة قائد سرية، وفي هذه المنطقة الجميلة بدأ حياة جديدة، وكلف فيها بالعمل قائدا لقطاع الشرف، الذي يضم سرية القيادة، وسرية اسناد قتال، وسرية مناورة (مشاة) اثناء الحرب، وبدأ في تطوير قدراته ومهاراته، والرفع من امكانياته وخبراته، وذلك بالسعي إلى الحصول على الدورات العسكرية الرئيسية، وكذلك دورات اللغات، وتدرج بعدها في المناصب والرتب من مهمة إلى أخرى، الى أن بلغ مساعد قائد سرية، ثم قائد سرية، ثم ركن إدارة في الكتيبة الأولى، مجموعة اللواء الثامن، وبعد حصوله على دورة الأركان، التي تعادل درجة الماجستير في العلوم العسكرية، تم نقله للعمل في ركن العمليات في نفس الوحدة، ليحل محل زميله الذي استشهد حينها، وامضى في هذا اللواء لمدة سنة كاملة، في اثناء بداية الحرب في اليمن عام ١٤٣٦هـ، ثم رجع إلى مقره الرئيس في تبوك، ولذك سعى شخصيا إلى طلب  النقل مرة أخرى الى المنطقة الجنوبية، وبعد الموافقة على نقله إليها، شارك في العمل على الحد الجنوبي مباشرة، وعمل ركن عمليات الكتيبة الأولى، مجموعة اللواء الثامن عشر، وشارك في العديد من العمليات العسكرية، بكل بسالة واقدام، وتعرض للإصابة مرتين، (احداها تعرضه لفقد جزئي للسمع، وذلك نتيجة انفجار مقذوف معادي، سقط بالقرب من موقع الرقابة المتواجد فيه، والثانية تعرضه لحادث مروري اثناء العمل، أصيب بكسور في اربع أصابع من القدم والترقوة والانف)، وبعدها تم نقله للعمل مساعد قائد كتيبة، وامضى فيها قرابة السنة، ثم كلف بالعمل قائد الكتيبة الثالثة في اللواء الثامن عشر، وامضى فيها قرابة سنة، وكلف بعدها للعمل ركن عمليات اللواء الحادي عشر، وهو على رتبة عقيد ركن، وتم تكليفه قائد قوات الشرعية، التي تضم ثلاثة الوية يمنية من قوات الشرعية، وبقي في تنقلاته وتكليفاته المشرفة، إلى أن تم احالته على التقاعد في عام ١٤٤١هـ، بعد خدمة تقارب ٣٢ سنة، تحسب كذلك مع الاضافيات، ولله الحمد من قبل ومن بعد، اكتسب اثناء هذه الخدمة التي يشرف بها، العديد من المهارات والخبرات، منها ما يتعلق بإدارة الموارد البشرية، وإدارة العمليات الميدانية، ثم شرف المشاركة في الذود عن الوطن الغالي، والتضحية في سبيل ذلك، وقد تحصل بحمد الله على العديد من الاوسمة والانواط، التي يفخر ويعتز بها كثيرا، ومنها:

  1. وسام الملك فيصل من الدرجة الثالثة.
  2. نوط الخدمة للمرة الثانية.
  3. نوط الإدارة.
  4. نوط الامن.
  5. نوط المئوية.
  6. نوط عاصفة الحزم.

   وكلها يرفعها تاجا فوق رأسه، يفخر ويعتز بها كثيرا، زاده الله رفعة وفضلا ونجاحا.

وبعد تقاعده بقي لما يقارب العام، إلى أن اتعبه الركود والفراغ، وقد تعود على العمل والبذل والنشاط، مما اشعره بكثير من الملل، ولذلك فكر في البحث عن عمل مناسب يشغل به وقته، ويستفيد منه ويفيد به وطنه وأهله، وبعد البحث والتقصي، والاستعانة ببعض المعارف والأصدقاء، وجد وظيفة تتوافق مع خبراته وامكانياته، حيث عين مديرا لفرع شركة حراسات امنية في منطقة جازان، وتفاعل مع عمله الجديد، ووجد فيه ذاته، وجدد به نشاطه، وهو راض فيها تمام الرضى، حيث اشغل الكثير من وقت فراغه، واستشعاره المشاركة الإيجابية في مجال يناسبه، ويخدم من خلاله اهله ووطنه، نسال الله له دوام التوفيق والنجاح.

الحالة الاجتماعية :

كان متزوج من ابنة عمه، الفاضلة داليا بنت عبدالله يحي اسعد الثويعي الفيفي، تزوجا في عام١٤٢١هـ، وافترقا للأسف بعد عشرة تقارب واحد وعشرين سنة، وقد رزقا اثنائها بخمسة أولاد، ثلاثة أبناء وابنتين، وهم على النحو التالي :

  1. رائد بكالوريوس اعلام واتصال، كلية العلوم الإنسانية، جامعة الملك خالد بابها.
  2. رياض متخرج من الثانوية العامة.
  3. راكان يدرس في المرحلة الثانوية.
  4. العنود تدرس المرحلة الابتدائية.
  5. الغلا دون سن الدراسة

                              حفظهم الله وبارك فيهم وجعلهم صالحين بارين بوالديهم.

 ونسال الله له التوفيق والنجاح، وان ينير دروبه وييسر امره، ويكتب له اجر ما قدم وما بذل، وأن يجعل ذلك شاهدا له لا شاهدا عليه.

                              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيرة العقيد ركن متقاعد: خالد بن حسن يحيى الثويعي الفيفي

  محبكم

الرياض في 1444/10/27هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى