مقالات

سيرة العميد متقاعد: مبارك بن حسن شريف العبدلي الفيفي

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

سيرة العميد متقاعد: مبارك بن حسن شريف العبدلي الفيفي

الانسان الناجح هو الذي يستوعب الوضع الذي هو فيه، ويحسن التعامل معه بما يناسبه، فالعمل يختلف باختلاف موقعه وأهدافه، وأسلوب تأديته تتم بما يتوافق وتحقيق غاياته، وكما قيل (لكل مقام مقال)، فالعمل في أجهزة الامن العام تختلف عن بقية الأجهزة، والعمل فيها يختلف من جهاز إلى آخر، وذلك باختلاف أهدافها ووظيفتها وغاياتها، مع أن كل هذه الأجهزة مكملة لبعضها البعض، وتسير في نسق واحد متسلسل تكاملي، يسعى في النهاية إلى استتباب الامن، وصيانة المجتمع، وإصلاح افراده، ولذا فالعمل فيها من اصعب واهم المسؤوليات، ويتطلب كثيرا من الصبر وقوة التحمل والمثابرة، مع الثقة والدقة والاجتهاد في تنفيذ المهام الموكلة بكل منها، والالمام التام بالأنظمة المتعلقة بممارستها، ففي الشُرط التي تهدف إلى تطبيق الإجراءات الجزائية، والعمل على منع الجريمة قبل وقوعها، وفي القبض والتفتيش والتحقيقات، وفي توجيه الاتهامات، والتحقق من ثبوتها أو البراءة منها، فاذا ما ادين الشخص بفعلته، وحكم بتجريمه فيها، وصدر حكم شرعي بحبسه وتأديبه، فهنا يبتدأ دور السجون في تنفيذ هذا الحكم، وتفعيل إجراءات التأديب والاستصلاح، ويتغير الوضع وأسلوب التعامل في هذه المرحلة، لأن مهمة السجن الأولية، ووظيفته الأساسية، هي حجز السجين، في داخل بيئة صحية وامنية، إلى أن يقضي الحكم الصادر عليه شرعا، ومعاملته اثنائها وفق الضوابط الإنسانية، والعمل الجاد بطريقة مدروسة على تأهيله واصلاحه، وتهيئته للعودة بعدها عضوا صالحا في مجتمعه، والسعي إلى احداث التغيير الإيجابي في مسار حياته.

  عمل بكل نجاح في كلا الجهازين (الشرطة والسجون)، وكان مهيأ من قبل في كلية الملك فهد الأمنية، مزود بأساسيات ومهام العمل الأمني، إضافة إلى ما يتمتع به من الجدية، والعمل الدؤوب على تطوير ذاته، والاجتهاد في طلب الكمال في تأدية ما يسند إليه، وكلها كانت عوامل أساسية جعلته ناجحا ومتفوقا، وعنصرا مؤثرا في عمله وما يوكل إليه، فنال النجاح وحقق التميز في وظيفته، زاده الله توفيقا ونجاحا في كل مسارات حياته،  وكتب له الاجر والمثوبة في ما بذل وأعطى، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله وبارك فيه.

انه العميد متقاعد :

مبارك بن حسن شريف حسن سالم العبدلي الفيفي

حفظه الله ووفقه.سيرة العميد متقاعد: مبارك بن حسن شريف العبدلي الفيفي

والده الشيخ حسن بن شريف حسن سالم العبدلي الفيفي رحمه الله، من اهل (العلاج)، بشرقي جبل قبيلة آل عبدل بفيفاء، من مواليد عام 1348هـ وكان الثالث بين اخوانه الذكور، توفي والده ومازال شاب صغير السن،  في بداية العشرينات من عمره تقريباً ، فقام مع أخيه الأصغر منه الشيخ يحيى بن شريف حفظه الله، برعاية شؤون اسرتهم، والدتهم واخوانهم الصغار، فعملا في الفلاحة والزراعة، وحافظا على أملاك والدهما التي ورثوها منه، إلى أن كبر الاخوة وكل استقل بنفسه، واستقر بعد ذلك في بيته المبدا، الذي كان نصيبه من تركة والده رحمه الله، وتزوج حينها من الفاضلة عافية بنت سالم مفرح المخشمي رحمها الله، وانجبا أربعة من الولد (بنت وثلاثة أبناء).

 كان على قدر بسيط من العلم، قاصر على قراءة القرآن الكريم، وشيء بسيط من القراءة والكتابة، وسعى إلى كسب رزقه واعالة اسرته، بما يتوافق مع ذلك العصر، فسافر في بداية حياته إلى مكة المكرمة، ليعمل في مشروع توسعة الحرم المكي الشريف الأولى، في منتصف السبعينات الهجرية، وبداية الثمانينات من القرن الماضي، ولما عاد إلى فيفاء كان قد اكتسب بعض الخبرات، فأجاد بناء البرك(خزانات المياه)، مع بداية اهتمام الناس بهذه المرافق في حياتهم، ثم بعد فترة اضطر إلى معاودة الغربة من جديد، وسافر هذه المرة إلى مدينة تبوك، وعمل هناك موظف في الجوازات والجنسية (الأحوال المدنية)، وبعد أن استقرت اموره وهيء نفسه، اصطحب معه افراد اسرته، وسكنوا في بيت تملكه في حي المنتزه في تبوك.

     كان محبا للعلم شغوفا به، ولكنها لم تتهيأ له الأمور لطلبه في صغره، ولذا حرص على حث أبنائه على التزود منه، وقد أتيحت فرص العلم ومدارسه امامهم، في هذا العصر الزاهر المبارك، فكان يبين لهم دوما أهمية العلم والتعلم، وكيف أنه يرفع صاحبه في الدنيا والاخرة، ويذكر لهم أشياء من اخبار اخيه، العالم الفقيه حسين بن شريف رحمه الله، الذي يعتبره نموذجا وقدوة للأسرة في العلم والتدين.

    كان رحمه الله يتصف بصفات جميلة، واخلاق رفيعة، وكرم نفس، ويتميز بالقناعة، رغم قلة ذات اليد، يتحرى السلامة في كل ما يدخل عليه ويكتسبه، ولا يلهث خلف الدنيا إلا بما يرضى الله، وكمثال ملموس، أنه في اثناء اقامته في تبوك، في أواخر التسعينات الهجرية من القرن الماضي، كانت بجوار حيهم ارض فضاء، يتنزه فيها اهل الحي في العصريات،  وفي احدى الليالي انتشرت شائعة بين الناس حول هذه الأرض، وبأنها ارض بيضاء غير مملوكة لأحد، فتسارع القوم إليها ليلا يتوزعونها، وكل منهم يجتهد في حجز قطعة خاصة به، واسهروا ليلهم يكدحون حاملا كل منهم مصباحه ومعوله، يثبتون العلامات على اطرف ما قد اقتطعوه منها، وبعض منهم بات ليله يحرس قطعته إلى الصباح، واما هو فلم يلقي لذلك بالا، وكأن الامر لا يعنيه في شيء، رغم الحاح أولاده وبعض جيرانه عليه بالمسارعة مع الناس، فلم يتجاوب معهم ورفض ذلك رفضاً قاطعاً، وهو يقول باي حق أو مسوغ اتملك هذه الأرض، ولكن ما إن اصبح الصباح في اليوم التالي، إلا والبوليس الحربي (الشرطة العسكرية) قد طوقوا هذه الأرض، والقوا القبض على كل من قد احدث فيها، ولم يطلقوا سراحهم حتى اخذوا عليهم التعهدات بإزالة ما قد احدثوه، حيث اتضح أن هذه الأرض من أملاك وزارة الدفاع، وبقيت هذه الحادثة بعد ذلك فترة طويلة، وهي حديث الناس، ومثار تندرهم وضحكهم، ونوردها هنا من باب الاستشهاد على معدن الرجل، وقوة ايمانه وقناعته وتحوطه لدينه، فلا يدخل في ملكه إلا حلالا واضحا، وهذا هو ما ربّى عليه أبنائه بالقول والقدوة، رحمه الله وغفر له.

   بقي في عمله في تبوك إلى عام 1400هـ، ثم قرر الانتقال إلى مدينة الطائف، وفيها غير عمله إلى موظف في قطاع التعليم، واستمر فيه إلى ان بلغ سن التقاعد النظامية، وفي الطائف تملك منزلاً شعبياً في حي العقيق، وبنى لاحقاً مكانه بيتاً عن طريق صندوق التنمية العقارية، وبعد تقاعده استمرت اقامته في الطائف، ليرعى أبنائه ويتابع دراستهم، إلى أن كبُروا وتفرقوا في هذه الحياة، فمنهم من تزوج واستقل بنفسه، أو من غادر الطائف تبعا لوظيفته، حتى لم يبقى الا هو وزوجته، فقررا العودة إلى منزلهما المبدا في فيفاء، واستقرا فيها من عام 1420هـ سعيدين هانئين، واستمر عيشهما فيه إلى أن توفيت الزوجة في عام 1429هـ، رحمها الله وغفر لها، وكانت حينها قد كبرت سنه وقل حيله، واحتاج إلى من يرعاه ويهتم بأمره، فاقتنع بعد الحاح في الانتقال للعيش مع ابنه الأكبر موسى، في مدينة خميس مشيط، وعاش معه مرتاحا متفرغا لعبادته، إلى أن توفي رحمه الله في بداية عام 1439هـ، وقد بلغ الواحدة والتسعين من عمره، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه.

واما امه فهي الفاضلة عافية بنت سالم مفرح المخشمي الفيفي رحمها الله، من اهل الخشراء بآل مخشم،  من مواليد عام 1369هـ، وكانت اكبر أخواتها الاناث، تزوجها الشيخ حسن بن شريف، وعاشت معه مع تقلبات الأمور حلوا ومرا، وتنقلت معه اين ما استقر من فيفاء إلى تبوك والى الطائف ثم إلى فيفاء، وانجبت له أربعة من الولد (بنت وثلاثة أبناء)، ورعتهم واباهم خير رعاية وخير تربية، وصبرت وتحملت كثيرا من المشاق واعباء الحياة، وكانت على قدر بسيط من العلم وبالذات في القرآن الكريم، بما يعينها على العبادة والصلاة، وعاشت وفيّة صابرة مع زوجها، إلى أن وافتها المنية في حادث مروري، في شهر شعبان من عام 1429هـ، وكانت برفقة صهرها الأستاذ احمد بن يحيى شريف العبدلي، مدير مدرسة نيد آبار الابتدائية والمتوسطة حينها، رحمهما الله وغفر لهما وتجاوز عنهما.

ولد لهذين الفاضلين في بيتهما (المبدا)، ببقعة العلاج من شرقي جبل قبيلة آل عبدل من فيفاء، في عام 1389هـ، وكان ترتيبه بين اخوانه الثالث، حيث سبقاه اخت واخ، وعاش بداية حياته في هذا البيت، إلى أن بلغ الرابعة من عمره، وفيها انتقلت اسرتهم إلى مدينة تبوك، حيث يعمل والده، وكان في ذلك الوقت دون سن التمييز، ولم يعلق بذاكرته الكثير من ذلك السن، ولا يذكر إلا أشياء بسيطة صاحبت سفرهم، وبالذات عند نزولهم من الجبل إلى عيبان، الذي كان هو آخر نقطة تصل إليها السيارات حينها، فيذكر أن امه حملته في (مزباء)، جهاز خاص بحمل الأطفال الصغار، يصنع من جلد الماعز المدبوغ، وتخاط اطرافه على عيدان من الخشب كالعصي، ويربط بحبال (مشانق) تعين على حمله معلقا فوق احد الاكتاف، فيكون الطفل داخله راقدا على ظهره، مما يحافظ على سلامته ويسهل التنقل به، وهذا دليل على صغر سنه حينها، وأنه لا يستطيع السير لوحده، ولذا حملته امه طوال تلك المسافة، مما  يستغرق اكثر من ثلاث ساعات، في هبوط متواصل إلى عيبان، ومنه انتقلوا في اكثر من سيارة، ومن مدينة إلى أخرى، إلى أن وصلوا بعد أيام إلى مدينة تبوك.

   وفي هذه المدينة تفتحت عيناه ومداركه على حياة جديدة مختلفة، وابتدأ يميز ويستوعب الأمور من حوله، وكان حي المنتزه الذي سكنوا فيه عامرا بالكثير من أهالي فيفاء، متواصلين متحابين فيما بينهم، ويأنس بعضهم ببعض، ويذكر من أولئك الجيران الأعزاء، الشيخ جابر بن سالم المشنوي، والشيخ سليمان بن علي الخسافي ، والشيخ يحيى بن زاهر المشنوي، والشيخ مفرح بن احمد العمري وغيرهم، رحم الله من مات منهم وحفظ الباقين بحفظه، ومع الأيام تعرف على كثير من لداته من أبناء هؤلاء الجيران وغيرهم، وعاش طفولته الأولى سعيدا في هذا الحي،  يلعب ويلهو ويتعلم، في براءة وسعادة وهناء.

تعليمه:

  عندما بلغ سن الدراسة، واكمل ست سنوات تقريبا، الحقه والده مع أخيه الأكبر موسى، في بداية العام الدراسي 1395/ 1396هـ، في مدرسة زيد بن حارثة الابتدائية، الواقعة في حي الخالدية المجاور لحيهم، وكانوا يذهبون إلى هذه المدرسة ويعودون منها سيرا على الاقدام، وسارت معه الأمور على خير ما يرام، فما اسرع ما تأقلم مع الدراسة، والنظام المتبع في المدرسة، وارتاحت نفسه للمواد المقررة فيها، وتفوق في استيعابها، بل ونافس على المراتب الأولى فيها، وقد زامل فيها مجموعة كبيرة من أبناء فيفاء، ومعظمهم من جيرانهم في الحي، ويذكر منهم كل من  يحيى وعلي أبناء جابر سالم المشنوي، وساري يحيى محمد المشنوي، ومحمد مبره جابر المثيبي، ومحمد اسعد حسين المثيبي، وعبدالله بن فرحان المدري، وله العديد من المواقف والذكريات في تلك المرحلة، ويذكر انه عندما اوقفت التغذية المدرسية، التي كانت تصرفها وزارة المعارف لكل الطلاب، اتفق بعض الزملاء من الجيران في الحي، على أن يتعاونوا في احضار الفطور من بيوتهم، فكانوا يجتمعون في الفسحة مع بعضهم ليفطروا جماعيا، وعلى ما يبدو أنهم كانوا يبالغون كثيرا، بعد أن توزعوا احضار المتطلبات ، فيحضر بعضهم ثلاجة الشاي، والآخر يحضر التميس والاجبان، والبعض يحضرون الاكواس والسفر، فيفرشون السفرة في الفسحة ويتحلقون حولها، ولم يمضي طويل وقت حتى قلدهم كثير من الطلاب، وتزايدوا مع مرور الوقت بشكل لافت، حتى أصبحت ظاهرة بارزة في المدرسة، مما اثر سلباً على مقصف المدرسة، واضطرت المدرسة للتدخل في تقنينه، إلى أن منعت هذه الظاهرة نهائيا، وعاد المقصف والأمور إلى وضعها الطبيعي، وبما أن الطفل لا ينسى كثيرا من أساليب التعامل معه، أو ما يجري حوله ولو مع غيره، ويحتفظ عقله بكثير من الانطباعات، عن بعض الأشخاص سلبا أو إيجابا، واكثر ما يعلق بهذه الذاكرة هي التعاملات السلبية، ومن ذلك ما يذكره عن احد المعلمين اسمر البشرة، (غفر الله له ان كان حياً او ميتاً)، كانت مهمته مراقبة التلاميذ لضبط النظام داخل المدرسة، بين الحصص واثناء الفسحة الكبيرة، وكان مشهور بأنه يحمل عصا قصيرة مغطاة بالجلد، رأسها كرأس ثعبان (الكوبرا)، ويلبس على عينيه نظارة سوداء، فيشكل للطلاب رعباً كبيرا وشبحا مخيفا، وبالأخص عندما يستعمل تلك العصا مع احدهم، فهو يفرط ولا يرحم من كان بين يديه.

 درس في تلك المدرسة إلى نهاية السنة الدراسية من الصف الخامس الابتدائي، وكان في تلك السنة الخامسة الابتدائية، مشاركا في كثير من الأنشطة المدرسية، حيث قدموا في نهاية العام الدراسي، مسرحية مجتمعية هادفة، كانت بعنوان (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، ابدعوا في تقديمها كمجموعة موهوبة من الصغار، فنالت استحسان الحضور من أولياء الأمور والمعلمين، وفي ذلك العام 1400هـ، باشر سمو الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله)، عمله في امارة منطقة تبوك، فأعدت الأمارة حفلاً كبيرا لاستقباله، وطلبت من بعض المدارس المشاركة في هذه الاحتفالية، ومنها مدرستهم (مدرسة زيد بن حارثة)، ولما كان الوقت عطلة واثناء الاجازة الصيفية، ورغبت المدرسة في أن تشارك بعرض هذه المسرحية في الاحتفال، ولهذا بعثوا من يبحث عن هؤلاء الطلاب، ابطال هذه المسرحية في بيوتهم، وعندما حضروا الى منزلهم لإبلاغه، اعتذرت منهم الاسرة، لكونها قد تهيئت للسفر ومغادرة تبوك، للانتقال الى مدينة الطائف.

  بالفعل انتقلت الاسرة للاستقرار في مدينة الطائف، وفيها اكمل دراسته ملتحقا بمدرسة العقيق الابتدائية، مع بداية العام الدراسي 1400/1401هـ، حيث درس فيها الصف السادس الابتدائي، وما اسرع ما تأقلم مع وضعه الجديد، وانقضى العام على خير ما يرام، حيث نجح في نهاية ذلك العام من الصف السادس، متخرجا من المرحلة الابتدائية، ليتحفز إلى مواصلة دراسته، فكانت امامه خيارات متعددة، ففي مدينة الطائف كانت امامه عدة خيارات، ولكن ارتاحت نفسه للاتجاه إلى مدرسة دار التوحيد المتوسطة والثانوية، وكانت هذه المؤسسة العلمية (دار التوحيد)، مدرسة متميزة وحيدة، لا يوجد لها مثيل في غير الطائف، امر بتأسيسها الملك عبد العزيز رحمه الله في عام 1364هـ ، واختار لها مدينة الطائف، لتوسطها الجغرافي والاجتماعي بين الحجاز ونجد، وهيأت كمدرسة وسكن للطلاب، الذين معظمهم في ذلك الوقت من نجد، ويوكد المؤرخون إلى أن هذه المدرسة كانت النواة الأولى لكلية الشريعة في مكة المكرمة، التي أنشأت في عام 1369هـ، حيث التحق بهذه الكلية أول دفعة تخرجت من دار التوحيد، وكانت من اهم اهداف هذه المدرسة، هو تخريج  كوادر ناجحة تخدم البلد، ومن أوائل هؤلاء الخريجين الذين تولوا المناصب العليا في الدولة، كل من الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ محمد بن إبراهيم الجبير، والشيخ عبدالعزيز المسند، والشيخ عبد العزيز بن عبدالمحسن آل الشيخ، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبدالرحمن بن عبدالله المنيع، والشيخ عبدالله بن سليمان الخليفي، والدكتور راشد بن راجح الشريف، وغيرهم كثير رحمهم الله وغفر لهم.

  كانت المناهج الدراسية في هذه المدرسة، عند بداية تأسيسها تقوم على الكتب والمؤلفات الجامعية، وعلى نظام الدراسة المغلق، المشابه لنظام الدراسة الجامعية، بحيث يبقى الطلبة في مقر سكن المدرسة، ولكن هذا النظام الغي وطور فيما بعد بما يتوافق مع التطورات المتتالية، وتغيّر المنهج الدراسي القديم، واستبدل بالمناهج الحديثة، وكان التحاقه بمدرسة دار التوحيد المتوسطة، مع بداية العام الدراسي 1401/1402هـ، التي كان مقرها حينذاك في  حي (معشّي)، ويصل إليها سيراً على الاقدام في ذهابه وايابه، وارتاحت نفسه كثيرا لمنهجها ونظامها، وتدرج في فصولها بكل سلاسة إلى أن تخرج منها، ثم التحق بعدها بمدرسة دار التوحيد الثانوية، التي تقع في حي (العزيزية)، وسار على نفس نهجه السابق، حتى أنه يصل اليها سيراً على الاقدام، وترقى في فصولها إلى أن تخرج من المرحلة الثانوية، وكانت مناهج هذه المرحلة الثانوية مكثفة، خليط من المواد الدراسية المقررة في المعاهد العلمية، التابعة لجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، والمواد التي تدرس في الثانويات العامة (الأقسام الأدبية)، وتشمل المواد الشرعية، ومواد اللغة العربية، النحو(شرح بن عقيل)، والبلاغة والادب العربي، ومواد الاجتماعيات وعلم النفس، واللغة الإنجليزية، وكان في هذه المرحلة كوكبة فاضلة من المعلمين، ما زال يذكر معظمهم بكل خير ويدعو لهم، بما كانوا عليه من اجتهاد، وحسن سمت وفضل كبير علي الطلاب، فالجانب التربوي لديهم يغلب على الجانب التعليمي، ويعاملون الطلاب كأبناء لهم حنانا وتحنانا، يحرصون على نصحهم وارشادهم وتوجيههم، وكانت لهم ادوار تربوية هامة لا تنسى، ويخص بالذكر اثنين منهم، الأستاذ المربي محمد بن إبراهيم كنين (سوداني)، معلم مادة القرآن الكريم، والأستاذ المربي محمد بن علي حكيم (سوري)، كانوا يطلقون عليه لقب الشيخ الطنطاوي، نظراً للشبه الكبير بينهما (هيئةً وخِلقة)، وهو معلم مادة مصطلح الحديث، رحمهما الله احياء وامواتا، وكان هناك بين الطلاب تنافس شديد في التحصيل، وبالذات في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، لكونها اهم مرحلة في التعليم العام، يترتب عليها تحديد التخصص الجامعي، وتكون منعطفاً مهماً لتحديد المستقبل الوظيفي، وكانت أسئلة اختبارات هذه المرحلة النهائية (التوجيهي)، تصدر عن وزارة المعارف، مما يتطلب من الطلاب بذل جهد مضاعف، لكي يخرجوا بأفضل النتائج، وكانت في اولوياته الفوز بقصب السبق، والحمد لله فقد توفق في ادراك ذلك، حيث نال النجاح والتفوق بفضل الله وتوفيقه، وتخرج من الثانوية العامة بتقدير ممتاز، والترتيب الأول على جميع طلبة صفوف الثالث الثانوي، بمدرسة دار التوحيد الثانوية، في ذلك العام الدراسي 1407هـ.

  وخلال هذه الفترة وهذه المرحلة المهمة من حياته، وسكنهم كما اشرنا  في حي العقيق بالطائف، قد وفقه الله في صحبة زميل له من جيرانهم في الحي، هو الأستاذ: محمد بن عبده مدخلي حفظه الله، من اهل صامطة بمنطقة جازان، حيث انعقدت بينهما زمالة وصداقة قوية العرى، كان لها اكبر الأثر في حياته الدراسية، ارتبطا ولم يفترقا خلال المرحلتين المتوسطة والثانوية، درسا سوياً وفي فصل واحد، ولا يكادان يفترقان حتى عند عودتهما للمنزل، فيجتمعان بشكل شبه يومي، سواء لاستذكار دروسهما، أو حل واجباتهما المدرسية، ويشجعان بعضهما البعض في التحصيل العلمي، وفي التنافس مع الطلبة خلال المرحلة الثانوية، وفي تحصيل اعلى الدرجات، وكانت لديهما اهتمامات ومواهب متشابهة، حيث تميزا وبرزا في موهبة (الخط العربي)، واصبح المعلمون بالمدرسة يعرفونهما بتلك الموهبة، حتى أن المعلم الأستاذ محمد بن كنين (السوداني)، يستعين بهما في الفترة المسائية، ليساعداه في اعداد وكتابة بعض البيانات، التي تطلبها منه إدارة التعليم، فكانا يساعدانه بكل اريحية، ويجتهدان في إخراجها بالشكل المتميز، وبعد المرحلة الثانوية افترق الزميلين، وكل منهما اتخذ له مسارا في هذه الحياة، حيث اتجه المدخلي حفظه الله إلى مجال التربية والتعليم، واستمر في تطوير موهبته وقدراته في الخط، حتى اصبح أستاذا مبرزا في الخط العربي، وبلغ في التعليم درجة عالية، يشار إليه فيها بالبنان، وهو يعمل اليوم في احدى المدارس الثانوية بصامطة، حفظه الله ووفقه.

  وخلال هذه المرحلة الثانوية أيضا، تكوّن لديّه حب الاطلاع وادمان القراءة، وقام على إنشاء مكتبة مصغرة خاصة به في منزلهم، تحتوي على مجموعة متنوعة من الكتب القيمة، وكانت من نتائج هذه القراءة، ومن مردودها الإيجابي عليه، أن أصبحت له مشاركات ثقافية في بعض الصحف والمجلات، ومن ذلك ما نشر له في صحيفة (الندوة)، التي تصدر في مكة المكرمة، ومجلة (ماجد) للأطفال، التي تصدر من دولة الامارات العربية المتحدة، ومجلة (الرياضي العربي)، التي تصدر من دولة الكويت، كما أنه في تلك المرحلة، زاول العديد من الهوايات المحببة، ومن أهمها مزاولة لعبة كرة القدم، حيث تطورت معه إلى أن كوّن فريقاً رياضياً قويا، كان معظم افراده من أبناء فيفاء في الطائف، ومن الزملاء والجيران في الحي وغيرهم، وكانوا يزاولون هذه اللعبة في نهاية كل أسبوع، في ملعب مخصص لهم اتخذوه في طريق الحوية الرياض، يقع مقابل نادي الفروسية في الحوية، ويقيمون فيه مبارياتهم مع فرق رياضية مماثلة، ومع بعض فرق المدارس العسكرية، ولكن اضمحل وتبدد هذا الفريق تدريجياً، مع مغادرة لاعبيه وأعضائه الطائف، بعد تخرجهم من الثانوية العامة، لقد كانت هذه المرحلة العمرية والتعليمية، من اخصب وامتع مراحل الحياة.

ألا ليت الشباب يعود يوما 

فاخبره بما فعل المشيب

المرحلة الجامعية:

  ما إن تخرج من المرحلة الثانوية، حتى حان موعد الغربة والبعد عن الأهل، الذين يفترق عنهم لأول مرة، فكان لا بد له وقد رغب في مواصلة دراسته، أن يغادر ويتوجه إلى خارج الطائف، ولما استعرض الخيارات المتوافقة مع ميوله، قرر التوجه إلى مدينة الرياض، حيث سافر إليها متوكلا على الله عن طريق البر، وفي الرياض توجهت اماله إلى جهتين احب الالتحاق بأحدهما، الأولى جامعة الملك سعود، والثانية كلية الملك فهد الأمنية، ولتفوقه ودرجاته العالية، تم قبوله الأولي في كلا الجهتين، في الجامعة في كلية الآداب، واعلن كذلك اسمه ضمن المقبولين في كلية الملك فهد الأمنية، فوجد نفسه في حيرة بين الخيارين، وبعد الاستخارة والاستشارة، أكمل إجراءات قبوله في الكلية الأمنية، ولم يبدأ العام الدراسي 1408/1409هـ إلا وهو احد طلابها، وهنا وجد التحدي امامه في اثبات نجاحه وتفوقه، فالدراسة في هذه الكلية مختلف عن ما كان قد ألفه، ولكنه قد وطن نفسه مسبقا على التحمل والصبر، والرضى بكل الاحتمالات والقبول بها مهما كانت، فهو قد عرف مسبقا النظام الصارم في هذه الكلية وامثالها، لأنها تسعى إلى تغيير وإعادة برمجة الطالب بما يتوافق مع مستقبله، فالحياة العسكرية تقوم على مبدأ النظام والانضباط والجدية، وفي العادة أن البدايات هي المرتكز الأول للتأسيس، فالخطوات الأولى تكون هي الأقوى والاصعب، ولا يجتازها إلا الجاد والراغب الحقيقي في هذا المسلك، فهي تقوم على مبدأ القوة والصرامة والانتظام، والتقيد التام بتنفيذ الأوامر دون نقاش أو جدال، والكليات العسكرية تفرز طلابها في فترة المستجد هذه، التي تمتد ما بين شهر ونصف إلى شهرين، يتم فيها تكثيف التدريبات بشكل مبالغ فيه، حتى تعيد صياغة هؤلاء الطلاب، وتعدهم للحياة العسكرية، وتكون هي المحك وعنق الزجاجة لمعرفة الجاد المناسب بينهم، ممن يتحمل ويصبر ويواصل الانتظام والدراسة، أو من ليس كذلك فينسحب من البداية.

تكون الدراسة لمن اجتاز هذه العقبة الأولية، دراسة متخصصة فيما يؤهله لحياته الوظيفية، وتركز على مواد الاختصاص، وما يحتاج اليه في عمله مستقبلا، ويذكر انهم في بداية هذه المرحلة من عام 1408هـ، تشرفوا بالمشاركة في العروض العسكرية، في حفل افتتاح استاد الملك فهد الدولي بالرياض، والذي شرفه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، رحمه الله وغفر له واسكنه فسيح جناته، فكانت تجربة متميزة يخوضها لأول مرة، واما الدراسة المنتظمة في الكلية، فكانت تركز في معظمها على مواد الاختصاص، المؤهلة لهم كضباط في جميع فروع الامن العام، فكانت تصب في معظمها على دراسة العلوم الأمنية والعسكرية، وترتقي معهم في عمق التخصص، على مدى سنوات الدراسة الثلاث، وكانت الدراسة تنقسم إلى ثلاث مراحل متكاملة، القسم الاعدادي منها في فرع الكلية في شارع الوشم، والقسم المتوسط في مقر الكلية في شارع الغرابي، وفي ذلك العام كان قد اكتمل انشاء مقر الكلية الجديد، الواقع على طريق خريص، وفيه تمت دراسة القسم النهائي، الذي تخرجوا منه في منتصف شهر ذي القعدة من عام 1410هـ، حيث كانوا ضمن الدورة رقم (46)، وحصل فيها بحمد الله وتوفيقه على شهادة البكالوريوس في العلوم الأمنية، وشرفهم في حضور حفل تخرجهم، وزير الداخلية حينها، صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله وغفر له)، وبهذا النجاح استحق رتبة ملازم، مهيئ  للعمل في إحدى قطاعات قوى الامن الداخلي، في وزارة الداخلية.

  والحياة العسكرية كما هو معروف، تبقى في حراك تطويري لا يتوقف، يواصل فيها الضابط الترقي في العلوم، وزيادة الاطلاع، وفي مواصلة التدريبات والدورات والبرامج، وفي التطوير ومتابعة كل جديد بما يتواكب مع هذا العصر المتطور، وفي تأهيله المستمر ليكون دوما على قدر المسؤولية، ومن هذا القبيل وقبل توجههم للمباشرة في أعمالهم الجديدة، اقامت لهم مديرية الامن العام، دورة تأهيلية للتعريف بقطاع الأمن، كانت دورة مكثفة في مدينة تدريب الامن العام بالرياض، مدتها المقررة أربعة اشهر، ابتداء من شهر ذي الحجة من عام 1410هـ، إلا انهم لم يكملوا فيها إلا شهرين فقط ، نظرا لما حدث من اجتياح العراق لدولة الكويت، فكانت هذه الاحداث سببا في أنهاء هذه الدورة، وتكليف كل منهم بمباشرة عمله في الجهة التي عين فيها، ولكنه فيما بعد التحق بالعديد من الدورات التخصصية والتدريبية، في مجالات عمله الوظيفي  المهني، ومن هذه الدورات :

1 ـ دورة التخصص في العلوم الجنائية المنعقدة بالمعهد العالي للدراسات الأمنية بالرياض.

2 ـ دورة تحقيق الشخصية المنعقدة بمدينة تدريب الامن العام بالرياض .

3 ـ دورة إدارة امن السجون المنعقدة بالمعهد العالي للدراسات الأمنية بالرياض.

4 ـ دورة تدريبية في القواعد المنظمة لمكافحة المخدرات وغسل الأموال بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة ومنع الجريمة المنعقدة بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض.

5 ـ دورة إدارة الازمات المنعقدة بالمعهد العالي للدراسات الأمنية بالرياض.

6 ـ دورة دبلوم الحاسب الآلي التطبيقي المنعقدة بمركز المعلومات الوطني بالرياض.

7 ـ دورة مقدمة في الحاسب الآلي والانترنت المنعقدة بمديرية السجون بالرياض.

8 ـ دورة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي (ICDL) المنعقدة بمركز خدمة المجتمع والتدريب المستمر بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالرياض.

9 ـ دورة التخطيط لحالات الطوارئ المنعقدة بالمملكة المتحدة .

10 ـ دورة مهارات اعداد ودراسة المناقصات المنعقدة بدولة عمان .

العمل الوظيفي :

  كما ذكرنا أنه تخرج من كلية الملك فهد الأمنية، في نهاية عام 1410هـ برتبة ملازم، وتم توجيهه للعمل في قطاع الامن العام، وصدر قرار تعيينه في شرطة منطقة مكة المكرمة، (شرطة العاصمة المقدسة)، وقبل أن يباشر في هذا العمل، كانت قد عقدت لهم مديرية الامن العام دورة تأهيلية، لمدة أربعة اشهر يتم فيها تعريف الخريجين الجدد بقطاع الأمن، إلا انه كما اشرنا سابقا لم تكتمل هذه الدورة، بسبب غزو العراق لدولة الكويت، مما عجل بإنهاء هذه الدورة بعد مضي شهرين فقط، وكلف كل منهم بمباشرة عمله الذي عين فيه، ولذلك باشر عمله حينها في شرطة العاصمة المقدسة، في تاريخ صفر من عام 1411هـ، وفيها تم تكليفه بالعمل في الدوريات الأمنية، ولما تطلبته احداث الحرب القائمة في الخليج حينها، في عملية تحرير الكويت (عاصفة الصحراء) وما صاحبها، فبالإضافة إلى عمله الأساسي في الدوريات الأمنية، كان يقوم بالإشراف على المواطنين المتطوعين للعمل الأمني، وبالذات في نقاط التفتيش بأنحاء العاصمة المقدسة، واستمر عمله في الدوريات لما يقارب العام أو يزيد قليلا، وبعدها تم نقله إلى احد اقسام الشرطة بالعاصمة المقدسة، ووجه للعمل في مركز شرطة المنصور، وعمل في مجال التحقيقات الجنائية، ويعتبر هذا المركز من اهم المراكز في مكة المكرمة، نظراً للمساحة الجغرافية التي يشرف عليها، وطبيعة ساكنيه الخليط من مختلف الجنسيات، سواء نظامية أو غير نظامية، وكثرة القضايا التي يباشرها ضباط التحقيق فيه، قال تعالى (فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا)، لقد شكّل عمله في هذا المركز وفي هذا التخصص، منعطفاً هاماً في حياته العمليّة، حيث اكسبه بفضل الله مع كثرة الممارسة خبرات عالية، وبالذات في مجال التحقيقات الجنائية، حيث باشر فيه العديد من القضايا المتنوعة، منها الاعتداء على النفس (قضايا القتل والمضاربات وخلافه)، والاعتداء على الأموال (جميع أنواع السرقات)، والاعتداء على الاعراض ( جميع أنواع القضايا الأخلاقية)، وقضايا السطو والمسكرات وغيرها، مما يدخل في تخصص واعمال اقسام الشرطة حينذاك، لأنه لم تباشر حينها هيئة التحقيق والادعاء العام (النيابة العامة حالياً)، عملية التحقيق في تلك القضايا الجنائية كما هو الآن، بل كان ضباط الشرطة هم من يتولون التحقيق الكامل في جميع القضايا الجنائية.

    مرت به اثناء عمله في مركز الشرطة، كثير من المواقف السلبية منها والايجابية، ومما يذكره منها وهو في احد أيام موسم الحج، وكان مناوباً في المركز، وكان مقر بعثة الحج الفلسطينية في نطاق احد الاحياء التابعة لهذا المركز، حيث وقع خلاف بين افراد البعثة مع احد المواطنين، فحضر رئيس البعثة للمركز متقدما بشكوى ضد هذا المواطن، وكان في حالة غضب شديد، ويتوعد بتصعيد الموضوع للجهات العليا، ولما مثل امامه وسمع منه الشكوى، تفرس فيه فاذا هو يعرفه شخصيا، فقد عرفه من هيئته وحديثه، بل وذكر له اسمه قبل ان يخبره به، حيث تبين له انه احد اساتذته في مادة اللغة العربية، في الصف الأول متوسط بدار التوحيد في مدينة الطائف، وذلك في حوالي عام 1402هـ، ولكنه كان قد عاد إلى بلده منذ زمن بعد انتهاء عقده، وحضر هذا العام لأداء فريضة الحج، ورئيسا لبعثة الحج الفلسطينية، وعندما علم انه احد طلابه سرّ بذلك كثيرا، واستذكر معه الماضي بهذه المدرسة، فكانت المعرفة بين التلميذ ومعلمه سبباً في انهاء هذه القضية، حيث تم حل الخلاف بين الطرفين بسلام، وانتهى الموضوع وديّاً في الحال.

 امضى في هذا المركز ما يزيد عن سبع سنوات، ونجح نجاحا منقطع النظير، حتى أنه تم خلالها منحه مكافأة (نوط الامن)، من قبل وزارة الداخلية لقاء الجهود المميزة، التي فيها توصل إلى نتائج إيجابية في احدى القضايا الكبيرة والهامة، وبهذه القضية وامثالها لفت نظر المسؤولين عنه في شرطة العاصمة المقدسة، مما جعل مساعد مدير الشرطة للأمن الجنائي، ينقله من هذا المركز الى مقر المديرية، ليعمل في (إدارة التحقيقات الجنائية)، وكانت هي الجهة المشرفة على جميع مراكز الشرطة، وقد بقي يعمل فيها لمدة عامين تقريباً، ونظراً لمزاولته لهذا العمل الأمني الميداني بالشرطة، لهذه المدة الطويلة، وبالأخص في مجال التحقيقات الجنائية، وما يصاحب ذلك من جهد مضاعف، وتفكير عميق، فأصابه كثير من الإرهاق الذهني والنفسي، مما جعله يفكر في تغيير عمله في هذا التخصص، ولذلك وجد احد زملائه ممن يعملون في سجون العاصمة المقدسة، له رغبة في الانتقال للعمل في الشرطة، يسعى بذلك  إلى كسب الخبرات المتاحة في الشرطة، وتصادفت رغبتيهما في التغيير، ولذلك تم رفع أوراق التبادل بينهما في النقل، ليحل كل منهما محل الآخر، ولكن مدير الشرطة رفض في بداية الامر الموافقة على نقله، لكونه يرى انه لا ينبغي التفريط بالضباط المميزين والمتخصصين امثاله، ولكنه بعد محاولات وشفاعات لعدة اشهر، تمت موافقته على إتمام عملية التناقل، ورفعت اوراقهما لمعالي مدير الامن العام، وصدر قرار معاليه بنقله في بداية عام 1421هـ، ليعمل في سجون العاصمة المقدسة، بعد أن امضى في الشرطة حوالي عشر سنوات.

   باشر في عمله الجديد، ضابطا في سجون العاصمة المقدسة، وعمل ميدانيا في السجن العام في حي الشهداء بمكة، لمدة عام كامل، ثم عمل لعام آخر في إصلاحية مكة المكرمة، في حي النوارية طريق المدينة المنورة، واكتسب خلال هذين العامين كثير من الخبرات الجيدة، والمتعددة في مجال ومهام اعمال السجون، وبالطبع فلكل جهاز وموقع مسؤوليات ومهام وتعاملات خاصة به، فالعمل في قطاع السجون مختلف جدا عن كثير من القطاعات الأمنية، فالعمل في السجون يجمع بين العمل الأمني والعمل الإنساني، باعتبار ان أوضاع السجن والسجناء يتطلب التعامل معها بطرق وأساليب مختلفة، وبينها بون شاسع مع التعامل في تخصصات الشرطة السابقة، وبعد أن امضي هذين العامين في عمله بسجون العاصمة المقدسة، ونظراً لما كان يمر به من ظروف صحية لأحد أبنائه منذ ولادته، مما تطلب منه السعي إلى إلحاقه بالعمل في مدينة الرياض، ليكون قريبا من مستشفى قوى الامن، الذي تكثر مراجعته بأبنه فيه، وتم الموافقة على الحاقه من بداية عام 1423هـ تقديرا لهذه الظروف، ليعمل مؤقنا لمدة عام واحد في المديرية العامة للسجون بالرياض، ومع اقتراب انتهاء هذا العام، رغب المسؤولون في المديرية على بقائه لديهم، وتوافق ذلك مع رغبته الشخصية، لما وجده من الاستقرار الاسري بالرياض خلال هذا العام، ولذلك صدر قرار سعادة مدير عام السجون بنقله نهائيا في بداية عام 1424هـ، ليعمل رسميا في المديرية العامة للسجون بالرياض (الجهاز الرئيسي)، وكان حينها برتبة (رائد)، وفي خلال ذلك العام صدر قرار مجلس الوزراء بفصل السجون عن مديرية الامن العام، ورفع مستواها التنظيمي إلى مديرية عامة للسجون، وتكون المسؤولة في الاشراف على السجون وإدارة شؤونها، وتنفيذ أوامر التوقيف وعقوبة السجن، وفي تنفيذ برامج الإصلاح والتأهيل للمحكومين بالسجون، وتكون لها ميزانية مستقلة، وربطها مباشرة بوزارة الداخلية.

     بقي يزاول مهام عمله في السجون بالمديرية، وعمل في مجالات امن السجون والامن والحماية واعمال التحقيقات الإدارية، وتخللها المشاركة في العديد من اللجان الإدارية والأمنية والتفتيشية والتحقيقية، منها على مستوى المديرية، وفي اللجان الأخرى المشكّلة على مستوى وزارة الداخلية، والقطاعات الأمنية التابعة للوزارة، للتحقيق في القضايا التي تحدث في السجون، بمختلف مناطق المملكة، وكذلك المشاركة في اللجان المتعلقة بتطوير السجون، ومن ذلك على سبيل المثال المشاركة في عام 1428هـ مع وفد رسمي، كان برئاسة سعادة مدير عام السجون، لزيارة السجون بالجمهورية التركية، للاطلاع على تجاربهم في مجال منشآت السجون، وإصلاح وتأهيل السجناء، واستمرت هذه الزيارة لمدة (12) يوماً، تم خلالها زيارة معظم السجون التركية في المدن الكبرى، وعاد بعدها الوفد بمحصّلة مفيدة، تم تطبيق ما هو مناسب من تلك التجارب في سجون المملكة، واستمرت خدمته بالمديرية العامة للسجون بالرياض متواصلة، إلى أن صدر الامر الملكي، في منتصف شهر جمادى الأول من عام 1441هـ، القاضي بإحالته على التقاعد، وكان حينها على رتبة (عميد)، وقد بلغت مجموع خدماته الوظيفية ما يقارب اربع وثلاثين عاماً، منها سنوات الدراسة بالكلية الأمنية، لأنها تحسب لخريجي الكليات العسكرية ضمن الخدمة، ليتفرغ بعدها لشؤون اسرته وحياته الخاصة، فلله الحمد ومزيد من الشكر والامتنان.

ونال خلال هذه المسيرة المباركة، عدد كبير من شهادات الشكر والتقدير، والدروع التكريمية، في مجال عمله الوظيفي، وفي مشاركاته الإيجابية في مجتمعه، ومن ذلك:

1 ـ شهادة تقدير من صاحب السمو الملكي امير منطقة مكة المكرمة لجهوده المقدرة في أداء الواجب.

2 ـ شهادة تقدير من سعادة مساعد مدير الامن العام لجهوده بمناسبة يوم الشرطة العربية.

3 ـ شهادة شكر وتقدير من سعادة مدير شرطة العاصمة المقدسة لجهوده المخلصة في أداء الواجب.

4 ـ خطاب شكر وتقدير من سعادة مدير عام السجون، لجهوده في اعداد دراسة إحصائية، لنزلاء إصلاحية مكة المكرمة .

5 ـ شهادة شكر وتقدير من سعادة مدير عام السجون، لمشاركته في إنجاح المؤتمر الأول، لمديري إدارات سجون المناطق، المنعقد بمنطقة المدينة المنورة.

6 ـ خطاب شكر من سعادة قائد وحدات سجون المشاعر، لجهوده في نجاح خطة السجون لحج عام 1425هـ.

7 ـ خطاب شكر من سعادة مدير عام السجون، لجهوده المتميزة في إنجاح الاجتماع الخامس عشر لمسؤولي المؤسسات العقابية والاصلاحية، بدول مجلس التعاون الخليجي.

8 ـ شهادة تفوق في عام 1430هـ، من رئيس خدمة المجتمع والتعليم المستمر، بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لحصوله على الترتيب الأول، في دورة الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي (ICDL).

9 ـ درع تكريمي مقدم من أهالي فيفاء بالرياض، خلال حفل التكريم المقام بتاريخ 26/12/1423هـ.

10 ـ درع تكريمي من اللجنة المنظمة للدورة الرياضية السابعة عشرة لأبناء فيفاء بالرياض، لعام 1432هـ، نظير الدعم المميز لشباب الدورة.

11 ـ دروع تكريمية من بعض الأقارب والأصدقاء، مقدمة بمناسبة الترقيات، خلال المراحل الوظيفية.

الحالة الاجتماعية:

زوجته هي الفاضلة حليمة بنت علي محمد سالم العبدلي الفيفي، على قدر من التعليم، ربة منزل وام فاضلة، ساندته وقامت بكل نجاح على متابعة الأولاد في تحصيلهم العلمي، وبالذات خلال المراحل الأولية التأسيسية للدراسة، نظرا لكثرة انشغاله وطبيعة عمله، وقد رزقا بستة أولاد، ثلاثة أبناء وثلاث بنات، وهم على النحو التالي:

1 ـ آمال .. بكالوريوس أنظمة، من جامعة الاميرة نوره، موظفة في وزارة العدل.

2 ـ عبدالوهاب .. بكالوريوس جيوفيزياء من جامعة الملك سعود، موظف بالقطاع الخاص.

3 ـ ياسر.. طالب بالمرحلة النهائية في جامعة الأمير سطام بالخرج، تخصص علوم الحاسب .

4 ـ انفال.. طالبة بالمرحلة الثانوية.

5 ـ دانه.. طالبة بالمرحلة المتوسطة.

6 ـ اسامه.. طالب بالمرحلة الابتدائية.

حفظهم الله وبارك فيهم واصلحهم وجعلهم قرة عين لوالديهم ونفع بهم، وبارك فيها من اسرة سليلة مجد وخلق وصلاح، وبارك فيه ووفقه وكتب له اجر ما قدم في خدمة دينه و مليكه ووطنه، وكثر الله في مجتمعاتنا من امثاله العاملين المتفاعلين.

                 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                               

 سيرة العميد متقاعد: مبارك بن حسن شريف العبدلي الفيفي                    

      الرياض في 1444/7/17هـ

المقالات

تعليق واحد

  1. ماشاء الله تبارك الله لاقوة إلا بالله ..
    عدت لقراءة سيرتكم المضمخة برائحة الطيب ، والعود الأزرق ..
    سيرة بديعة ، وسرد تسلسلي أخّاذ ، وأحداث ملأى بالعبر والدروس ..
    ثناء عطر لوالدين فاضلين – عليهما رحمة الله – ، كانا مثالا يحتذى في حسن التربية والتوجيه والرعاية ..
    أستوقفتني نزاهة العم حسن – غفر الله له – وتعففه عن بسط يده على ماليس له ..
    آلمتني وفاة العمة والوالدة الغالية عافية – غفر الله لها- فكم أكنُّ لها من تقدير واحترام وإكبار ، متذكرا عطفها وحنانها وعطاءها ..
    أخذتني هذه السيرة لذكريات خالدة جمعتنا بالطائف ..
    أعترف بتأثري بشخصكم العظيم في رسم ملامح تكويني العلمي ، والأخذ بيدي لاكتساب مهارات شخصية رائعة كالخط والشغف بالقراءة والاهتمام بالرياضة مع الحرص على التحصيل العلمي ..
    زمالة خالدة لأعز صديق وفي كان لوجوده في حياتي أكبر الأثر في قادم أيامي ..
    شكرا لثنائك وإطرائك أيها الشهم النبيل ..
    وبوركت ووفقت في حياتك
    وتستحق كل ما نلته من احتفاءات وتكريم ..
    أسعدك الله وأدام عليك نعيمه وفضله وستره ، وحفظ لك أهلك وأبناءك وبارك لك فيهم وبارك لهم بك ..
    ودمت شخصا وقامة عالية تلتف حولها القلوب لما تتمتعون به من ذكاء وفطنة وحضور ولباقة حديث ..
    تحياتي أبا عبد الوهاب ،
    وأسعدك الله في الدارين ..

    🌹🌹🌹🌹
    أخوكم محمد عبده مدخلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى