
فن إدارة الأزمات صناعة سعودية
بادرت حكومةُ خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بمكافحة فايروس كورونا (كوفيد-19) بجهود مكثفة وموفّقة، وجعلت جل اهتمامها صحة المواطنين والمقيمين في هذه البلاد المباركة على حد سواء. فقد قامت بسن الأنظمة والإجراءات والبروتوكولات الوقائية للحد من تفشي هذه الجائحة، وبذلت الغالي والنفيس لتجاوز هذه الأزمة.
وقد أضافت تجربة المملكة في مواجهة جائحة كورونا المستجدة مفاهيم مبتكرة في إدارة الأزمات، وقدّمت للعالم أنموذجًا فريدًا في تعاملها مع تداعيات الموقف صحيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، متفرّدًا بقيمه الإنسانية، فلم تفرّق بين مواطن ووافد على أراضيها. بل امتدت جهود المملكة خارجيًا لتساند الأسرة الدولية، حمايةً لملايين البشر من خطر الجائحة.
واتسمت إدارة الأزمة في المملكة بالنهج التكاملي لمنظومة العمل الحكومي والأهلي والتطوعي، وكان الهدف الأول هو الحفاظ على الصحة العامة وفق المعايير المعتمدة، إلى جانب دعم جهود الدول والمنظمات الدولية، وبالأخص منظمة الصحة العالمية، لوقف انتشار الفيروس ومحاصرته والقضاء عليه، وهذا ما حصل – ولله الحمد.
وتميزت الجهود بالتقصّي والتدقيق في مهددات الصحة، وتقييم درجة المخاطر، والتأهب بتدابير وقائية حازمة في تنفيذها. وقد صدر الأمر السامي بتاريخ 26 يناير 2020م بتشكيل “اللجنة العليا الخاصة باتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والتدابير اللازمة لمنع انتشار الجائحة”، والتي تضم في عضويتها 24 جهازًا حكوميًا.
ويُحسب للمملكة استباقها في اتخاذ الإجراءات اللازمة، فقد جاء قرار تعليق السفر إلى الصين، وتعليق دخول المملكة بالتأشيرات السياحية في فبراير 2020م، تفاديًا لوصول الوباء إلى أراضيها، مما يدل على وعي مبكر بخطورة الفيروس والتحديات التي يفرضها.
واستندت المملكة في استراتيجيتها لمواجهة الجائحة إلى خبراتها المتراكمة على مدى عقود في التعامل مع الأوبئة والحشود البشرية، خصوصًا خلال مواسم الحج والعمرة، في مجالات التنظيم والرعاية الصحية، مستفيدةً من بنيتها التحتية المتقدمة في القطاع الصحي، الذي يضم أكثر من 494 مستشفى موزعة في مختلف مناطق المملكة.
كما أسهمت تجربة المملكة في مكافحة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) عام 2012م في رفع جاهزية المستشفيات، وإنشاء وحدات عزل منفصلة لأمراض الجهاز التنفسي، مزودة بأنظمة تهوية مختصة لحماية الكوادر الطبية من العدوى.
وإدراكًا للأثر السلبي الناتج عن إجراءات مكافحة الفيروس على المواطنين والشركات، نفّذت المملكة حزمة من الإجراءات التحفيزية، منها تغطية 60% من دخل المواطنين المتضررين في القطاع الخاص، وتأجيل دفع ضرائب القيمة المضافة والدخل والإنتاج لمدة ثلاثة أشهر، وتقديم دعم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة بلغ 177 مليار ريال. كما ضخت 47 مليار ريال لوزارة الصحة، وأمرت بتوفير العلاج المجاني لجميع المصابين، إلى جانب إجراء فحوصات واسعة النطاق للكشف المبكر، وإطلاق تطبيق إلكتروني لعرض نتائج الفحوصات.
ودعمًا للقطاع الصحي وزيادةً في القدرة الاستيعابية، تم تجهيز مستشفيات متنقلة جديدة بسعة مئة سرير لكل منها، يمكن نقلها حسب الحاجة، إضافة إلى تجهيز 25 مستشفى لاستقبال الحالات المؤكدة، وتوفير 80 ألف سرير في جميع القطاعات الصحية، و8 آلاف سرير للعناية المركزة، و2,200 سرير عزل، وتعزيز إجراءات الرصد والمراقبة في منافذ الدخول للمملكة.
كما أُنشئت مراكز ثابتة ومتنقلة للكشف، تُحجز مواعيدها عبر تطبيق “صحتي”، للوصول إلى الأحياء المكتظة بالمواطنين والمقيمين بغض النظر عن أوضاعهم القانونية.
وتمكّن المختبر الصحي الوطني من تطوير القدرات المخبرية اللازمة لاكتشاف المرض في وقت قياسي منذ ظهور أولى الحالات في الصين. كما عمل المركز العالمي لطب الحشود بوزارة الصحة على تطوير أداة “سالم COVID-19” لقياس المخاطر الصحية في التجمعات والفعاليات، وتقديم توصيات لتعزيز السلامة العامة، وقد نُشرت الأداة على موقع الوزارة.
وشملت جهود المملكة مختلف الجوانب الإنسانية والصحية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. ومن أبرز القرارات: تعليق العمرة، وتعليق الدراسة، وإيقاف جميع الرحلات الجوية الدولية والداخلية، والبدء في المسح الميداني الموسّع، وتوسيع سعة المختبرات، إضافة إلى فرض حظر تجول جزئي ثم كلي على مختلف مناطق المملكة. كما صدر قرار علاج جميع المواطنين والمقيمين وغير النظاميين مجانًا وبدون أي عواقب.
وفي موسم الحج لعام 1441هـ، أقيمت المناسك بأعداد محدودة جدًا من داخل المملكة من مختلف الجنسيات، حرصًا على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًا، وتحقيق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي، حفاظًا على النفس البشرية، وتحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية.
وسعيًا من المملكة لتوحيد الجهود الدولية لتجاوز الأزمة، دعا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – إلى عقد قمة استثنائية لمجموعة العشرين.
وأكد – رعاه الله – خلال القمة الافتراضية أن دول مجموعة العشرين وشعوبها تواجه تحديات مشتركة، وأن التعاون الدولي أصبح ضرورة ملحّة. وأضاف أن المملكة تؤمن بفاعلية العمل متعدد الأطراف، للتوصل إلى توافق ذي منفعة متبادلة، ومواجهة التحديات، وصنع فرص للبشرية. وقد خرجت القمة بقرار ضخ أكثر من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، كجزء من التدابير المالية والاقتصادية وخطط الضمان، للتصدي للآثار السلبية للجائحة. وأعلنت المملكة – بصفتها رئيس مجموعة العشرين لعام 2020 – عن إسهامها بمبلغ 500 مليون دولار لدعم الجهود الدولية.
وقدّمت المملكة أيضًا دعمًا بقيمة 10 ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية، استجابة للنداء العاجل الذي أطلقته المنظمة، كما قدمت مساعدات صحية لجمهورية الصين الشعبية، شملت أجهزة تنفّس صناعي، مضخات محاليل، أجهزة صدمات قلبية، وأجهزة مراقبة المرضى، وملابس واقية وكمامات.
وفي ذات السياق، دعم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الجمهورية اليمنية بأدوية ومعدات طبية بقيمة 3 ملايين دولار، إلى جانب مشروع مشترك مع منظمة الصحة العالمية بقيمة 10 ملايين دولار لتعزيز التأهب وتشخيص الحالات وتجهيز غرف العزل. كما قُدّمت مساعدات لفلسطين تجاوزت قيمتها 3 ملايين دولار.
ومع عودة الحياة بشكلها الطبيعي تدريجيًا مع الإبقاء على بعض الإجراءات الاحترازية، استطاعت المملكة تجاوز أزمة جائحة كورونا المستجد بأقل الخسائر، في ظل الجهود التي بذلتها الدولة – رعاها الله – لحماية المواطنين والمقيمين.
فن إدارة الأزمات صناعة سعودية