
قرية المُشْرِف بفيفاء قرية حجرية في شرقي فيفاء بقبيلة الدفرة، علم بارز وشاهد حاضر وصفحة من تاريخ فيفاء العظيم تنقل للأجيال عظمة وإصرار من سكنوا هذه الجبال على تطويع ماحولهم للعيش والبقاء في هذه الجبال النائية. أُختير موقعها بعناية بالغة، لتجتمع بها عدة مهام فكانت سكنا أمناً من تقلبات الطبيعة وحصنا أمناً من هجمات الأعداء وأُختير أسمها من موقعها (المشرف _ امشرف) وهو المكان العالي والمشرف على ما حوله، وفي اللغة. (الشَّرَفُ : الموضع العالي يُشرف على ما حوله).

زرتها أكثر من مرة قديماً وحديثاً لما تربطني بملاكها الحالين من روابط صداقة وإخاء، و لما تحمله من أثر تاريخي هام فهي تعد من المصادر المهمة التي تدعم إهتمامي في حفظ وتوثيق التراث في محافظة فيفاء.
ولقلة المعلومات عن تاريخ هذه القرية كغيرها من المعالم في فيفاء، وللحرص على تدوين ما يمكن أن نصل اليه من معلومات حول هذه القرية. تواصلت مع الأخ العزير الشيخ /احمد محمد مفرح الدفري أحد ملاك هذه القرية، فأحالني لإبن أخيه سعادة الدكتور محمد يحيى محمد الدفري والذي سبق وأن قام بإعداد بحث تاريخي عن هذه القرية.
وما كانوا إلا كما عرفناهم خير خلف لخير سلف في الكرم والجود والبذل والعطاء. فلم يتردد في تزويدي بما طلبت، فكان بحث تاريخي قيم جداً مستوفي لكل الجوانب التاريخية لهذا الأثر التاريخي المهم.
يسعدني ان أشارك به عبر هذا الموقع المتميز (بصمة) لتكون هذه المعلومات القيمة في متناول كل مهتم بتاريخ فيفاء والتي تحوي الكثير من المعالم التاريخية التي تحتاج إلى مثل هذا الجهد من البحث والتقصي والتدوين وتعرف الاجيال الحالية والقادمة بهذا التاريخ المشرف.
مع شكري الجزيل لملاك هذه القرية على الجهد الذي بذلوه في ترميم هذه القرية الأثرية للحفظ عليها وكذلك تدوين وحفظ تاريخها.
ونتمني من الجهات ذات العلاقة في بلدنا المعطاء ان تكون لهم إسهامات وجهود لدعم ملاك هذه الموقع التاريخي والسياحي ليكون وجهة سياحية في محافظة فيفاء.
قلعة المُشْرِف في جبل الدَّفْرَة بِفَيْفَاء معلم وشاهد تاريخي على قوة وعظمة أبناء فيفاء
تحتل قلعة المُشْرِف مكانة بارزة بين قلاع جبال فيفاء التاريخية والأثرية، فهي ليست مجرد بناء؛ بل شاهد حي على براعة أهالي فيفاء في فنون البناء واستخدام الموارد المحلية المتاحة. ومن ناحية ثانية، تقف القلعة شاهداً على العظمة والقوة والتكاتف والتعاون بين أبناء قبيلة الدفرة في الأزمنة الغابرة، حيث يستحيل أن يقوم شخص أو مجموعة قليلة من البشر ببناء مثل هذه القلعة، وإنما هو عمل جماعي قامت به القبيلة، وربما بالتعاون مع قبائل أخرى، من أجل إيجاد سكن آمن وكبير يليق بشيخ القبيلة، وفي نفس الوقت يكون قادراً على استيعاب اجتماعات القبيلة ووفود القبائل الأخرى. فهي شامخة بطوابقها المتعددة، وأبراجها العالية.
تاريخ بناء القلعة وتطورها
من المؤسف أنه لا يوجد، ولا يُعرَف، تاريخاً محدداً لبناء القلعة؛ وذلك بسبب انعدام الوعي التاريخي، وتفشي الجهل بين سكان المناطق الجبلية وعزلتهم لقرون طويلة ماضية، ولذلك ليس أمامنا إلا الاجتهاد في اقتراح تاريخ تقريبي للبناء. من المرجح أن تشييد القلعة كان على مراحل، وليس في مرحلة واحدة؛ حيث يُعْتَقَد أن اللبنات الأولى للقلعة قد وضعها الشيخ أسعد بن حسن، شيخ القبيلة خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري (القرن التاسع عشر الميلادي)، ثم تتالت الزيادات والتوسعات في البناء خلال مشيخة الشيخ حسن بن أسعد بن حسن خلال النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، ومفرح بن حسن بن أسعد، الذي أكمل بناء القلعة وأخذت وضعها الحالي في عهده، وذلك في العقد الأول من القرن الرابع عشر الهجري.
من حسن الحظ أن لدينا روايات شفوية عديدة وشبه متواترة عن مشيخة الشيخ مفرح بن حسن، وخلاصتها تفيد بأنه تولى المشيخة بعد وفاة والده في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وأنه كان ميسور الحال، ومولعاً ببناء القرى، والقلاع، وامتلاك الأراضي، والمزارع. والحق أنه يمكن الاطمئنان إلى صحة تلك الروايات بالنظر إلى ما خلَّفه من أملاك منقولة وغير منقولة؛ حيث شكلّت مساحات الأراضي والمزارع – على سبيل المثال – التي خلَّفها وراءه حوالي الثلث من أجمالي أملاك القبيلة، بالإضافة إلى العديد من المنازل والقلاع العالية. وعلى الرغم من امتلاكه للعديد من المنازل – لا زالت معظمها قائمة حتى اليوم – إلا أنه اتخذ من قرية-قلعة (المشرف) مقراً رئيساً لإقامته، فاهتم بتوسعتها وتحصينها، ومنها كان يدير شئون القبيلة. وقد توفي في العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري.
القلعة بعد الشيخ مفرح بن حسن
في العقد الرابع من القرن الرابع عشر الهجري توفي الشيخ مفرح بن حسن، مخلّفاً ورائه تركة وعائلة تعدان الأكبر في القبيلة، فكانت قرية-قلعة (المشرف) من نصيب ابنه الشيخ محمد بن مفرح، الذي اتخذ منها مقراً لسكنه مع عائلته -الكبيرة أيضاً- وظل محافظاً عليها ومتعهدًا لها بالترميم والإصلاح طوال حياته. وبعد وفاته سنة 1385هـ، بقيت القلعة مسكناً لأسرته حتى أواخر تسعينيات القرن عندما تم هجرها اما بسبب الانتقال لمساكن أخرى حديثة، أو بسبب الانتقال لخارج المنطقة من أجل الوظيفة.
ترميم القلعة

مع مرور السنوات ونتيجة لعدم السكنى بها، تعرضت القلعة لبعض التصدعات والتهدم في بعض الأجزاء، مما دفع أفراد العائلة للاجتماع في عام 1431هـ لمناقشة وضعها وكيفية الحفاظ عليها، حيث تقرر حينها ترميم القلعة وإعادة بناء ما تهدم منها مهما كلَّف الأمر، باعتبارها رمزاً وإرثاً تاريخياً للعائلة من ناحية، واستشعاراً لأهمية الحفاظ عليها كقلعة ذات قيمة تاريخية وأثرية معتبرة، ليس فقط على مستوى جبل وقبيلة الدفرة، بل على مستوى المنطقة كلها. وبناء عليه، فقد هبَّ جميع أفراد العائلة للمشاركة في جمع الأموال اللازمة لترميم القلعة وإصلاحها، وإجراء بعض الإضافات الضرورية، مثل بناء السور وإدخال الكهرباء وتوفير خزان مياه معدني متوسط.
وظائف القلعة
تميزت قلعة المُشْرِف بتعدد وظائفها؛ حيث كانت مقراً للسكن والمعيشة، وملاذاً آمناً في أوقات الحروب. تتكون القلعة من 12 غرفة، تتفاوت في مساحتها وفقاً لوظيفتها؛ فالغرف المخصصة للضيوف والمعيشة – على سبيل المثال – كبيرة نسبياً، حيث تتراوح ما بين 4 و5 أمتار طولاً، وما بين 3 و4 أمتار عرضاً، هذا بالإضافة إلى العديد من الملاحق؛ مطابخ، وحمامات، وحاويات لتخزين الحبوب والأعلاف، وغرف سفلية لإيواء المواشي. كما كانت في الفترات المتقدمة وحتى وفاة الشيخ مفرح بن حسن مركزاً لمشيخة القبيلة وتدبير شئونها.
بقلم : علي أحمد العبدلي
وثقت وأجدت وابدعت أستاذ علي كعادتك يعطيك العافية وبوركت جهودك