مقالات

كفشناك

بقلم: الإعلامي والمستشار حامد محمد الطلحي الهذلي

في الموروث الشعبي تتسلل بعض الكلمات من بيئة الناس اليومية لتصبح مرآةً لطباعهم وفطرتهم ومن تلك المفردات البارعة في خفة ظلها وصدق معناها كلمة «كفشناك» التي تنطلق عادةً من فم المستمع حين يكتشف زيف حديث المتحدث أو حين يدّعي الإنسان ما ليس له، فيُقال له بلهجةٍ حجازيةٍ ساخرةٍ «كفشناك!»

أي: أمسكناك متلبسًا بالكذب أو المبالغة أو التجميل الزائد عن الحد

أصل الكلمة الشعبي مشتق من الفعل «كفش» أي أمسك أو قبض عليه، فيقال في اللهجة: كفشته متلبسًا وهي تقابل في الفصحى قولهم أمسكته متلبسًا بالفعل.

ومع مرور الزمن تحولت هذه الكلمة إلى رمز اجتماعي ساخر يُستعمل لفضح الكذب بخفة دم وفضح التزييف بذكاءٍ فطري فهي تحمل رسالة تصحيح دون أن تُحدث جرحًا وتُواجه الخطأ بابتسامةٍ لا بعنف

حين يُقال لشخص «كفشناك»
فهي ليست مجرد مفردة عابرة
بل حكم شعبي بليغ يختصر في ثلاث حروف حكايةً كاملة من التصنّع والادعاء إنها سيف لغوي مغلف بالضحك يضع المتحدث أمام مرآة الحقيقة دون أن يُهينه، ويُعيد التوازن بين القول والفعل والظاهر والباطن وفيها من الفطنة ما يجعلها أقرب إلى درسٍ في فن كشف الزيف بابتسامة

تعكس «كفشناك» في مضمونها سلوك المجتمع تجاه المتفاخرين أو المتجمّلين بغير حق فهي تنبههم برفق وتعيدهم إلى جادة الصدق دون توبيخ.

إنها جزء من منظومة أخلاقية غير مكتوبة يمارسها الناس بفطرتهم لحماية القيم فهي تمثل ما يُعرف في علم الاجتماع بـالرقابة الاجتماعية الناعمة التي تُصلح الخطأ دون عقوبة وتردّ المبالغ إلى الاعتدال بالابتسامة لا بالعقاب

ومن ذا الذي تُخفي عليه ملامحُ الصدقِ حين تَغيبُ الحقيقة فالكذبُ مهما تزيّنَ بالزخرفِ يفضحُه اللسانُ قبل الزمانِ وهكذا تفعل «كفشناك».

تُسقط الأقنعة بضحكةٍ بريئة وتُعيد للمجالس صدقها وللكلمة هيبتها، وللناس متعة الحقيقة المغلّفة بالفطنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى