مدرجات فيفاء الي أين؟
تُعد المدرجات الزراعية في فيفاء شاهداً على قصة كفاح إنسان هذه الجبال منذ عقود مضت، حيث نجح في التكيّف مع طبيعتها البيئية وتوظيفها في خدمة متطلباته المعيشية.
وظلت هذه المدرجات الزراعية شاهدة على حكاية عطاء وتناغم صاغ تفاصيلها إبن المنطقة وطبيعتها، وقصة كفاح خاضها طوال عقود، قام خلالها بتطويع طبيعتها وبيئتها الصعبة، وتوظيفها في خدمة متطلباته المعيشية، وجعل من إنحدارات هذه الجبال مصدر غذاء آمن،
يتناول منه قوت يومه ويدّخر ما يفيض تحسباً لسنوات عجاف قد تفرضها قلة الأمطار وشح المياه في بعض المواسم.
ولبناء المدرجات في فيفاء طُرق هندسية فائقة الإتقان . فبناء المدرجات يبدأ من الأسفل للأعلى لضمان تسلسل المدرجات في نسق واحد بحيث يبدأ أساس المدرج التالي من نهاية المدرج الحالي .
ويكون البناء من اصغر الحجارة وذلك ليتحمل المدرج الأسفل ثُقل ما ينهار من جدار المدرج الذي يعلوه فلايحدث إنهيارات للمدرجات في الأسفل .
فكان لهذه المدرجات فوائد بيئية جمة فهي تسهم إسهاماً فعالاً في صيانة التربة وحمايتها من الإنجراف والتعرية والانغسال، وكذلك في حفظ المياه والحد من انسيالها السطحي وزيادة معدل تسربها الداخلي،
وتسهم كذلك في تغذية الينابيع والجداول وزيادة تدفقها وإستمراريتها وفي دعم الإحتياطي المائي للخزانات الأرضية السطحية والجوفية.
كما تعمل المدرجات على تحسين خواص التربة الفيزيائية والكيمياوية ورفع خصوبتها، ولاسيما محتواها من المادة العضوية الناتجة من النباتات النامية فيها وبتأثير إحياء التربة، وتسهم في الحفاظ على التنوع الحيوي النباتي والحيواني ودعمه وإثرائه في المنطقة، والحد من الإطماء شتاءً وربيعاً والغبار صيفاً. وتفيد المدرجات أيضاً في حماية الطرقات في المناطق الجبلية من الإنهيارات والردم ومواسم هطول الأمطار.
وللحفاظ على المدرجات من الإنهيارت بفعل الإمطارالتي كانت تهطل على هذه الجبال بغزارة ، قاموا بإنشاء قنوات لنقل المياه الزائدة عن الحاجة بعد إرتواء المدرجات تسمي (ستروف ـ صروف ) ،تنقل المياة للشعاب بين الجبال والتي تم تجهيزها لإستقبال هذه المياه بشكل هندسي رائع حيث تقام مدرجات واسعة من كتف الجبل لكتف الجبل المقابل تسمي أشاطي تستقل المياة القادمة من عرض الجبال لتكون كسدود ترابية وقد حددوا لكل شط إرتفاع مناسب فوق مستوى التربة يعد معياراً لما يتحمله الشط من المياه وجعلوا في نهايته مكاناً الخروج الماء الزائد عن حاجة الشط الي الشط الذي يليه يسمي (محوال او منشر) الي أن يكتمل إمتلاء هذه الإشاطي ويذهب مازاد من المياه الي الأودية المحيطة بالجبل .
وفي عُرفهم وما أتفقوا عليه أنه يجب على الجميع المحافظة على هذه الصروف وتعهدها بالترميم والإصلاح ومن أهمل الجزء الذي يمر من أملاكة يتحمل كل الخسائر التي تنتج عن تحول المياه فتسبب أضراراً بالمدرجات التي تحته،
وللإستفادة من هذه المياه التي تم حجزها في هذه الشعاب أطول فترة ممكنة ينشؤون نهاية هذه السلسلة من الأشاطي حفرة أو أكثر ، أفقية وتسمي (مِعْيَن) أو عمودية وتسمي (فَقْوَه) لتستقل المياة المختزنة في التربة بالتقطير فتكون مياه صافية زلالاً تكون لهم مورداً لا يكاد ينضب فكثرة الأمطار تعيد التجدد دائماً لهذه الأودية والشعاب.
وقد أسهم هذا الإنجاز في الحفاظ على التربة من الإنجراف، وبهذا كان لفيفاء مظهراً إنفردت به عن باقي المناطق الجبلية المجاورة .
ونظرا للهجرة المتزايدة من سكان هذه الجبال إلى المدن الكبيرة وترك مزاولة الزراعة في هذه المدرجات وتحول كثير من الأراضي الزراعية إلى مناطق سكنية نتيجة للتوسـع العـمراني في المنطقة، بالإضافة إلى تدهور المدرجات بفعل التعرية والسريان الجارف للأمطار وفتح الطرق، كل هذه العوامل حدت من إستمرار إسغلال هذه المدرجات في الزراعة فهُجرت وأنهار معظمها وأنجرفت تربتها .
مبادرة السعودية الخضراء
فقدت المدرجات دورها الحيوي في الحفاظ على تربتها الجيدة. فنتمني أن نري من دولتنا الرشيدة لفتة تعيد لها نُظرتها من جديد ودعم المواطنين في هذه الجبال وتشجيعهم للعودة للاهتمام بهذه المدرجات وإعادة بنائها واستغلالها لتعود كما كانت في السابق منتجة وحافظة للمياه، وتشجيع إستثمارها من قبل مستثمرين يقومون بزراعتها بأشجار مثمرة وبطرق ري حديثة لتكون ذات عائد اقتصادي جيد لأي مستثمر .
والتغلب على كل المصاعب التي تسببت في الحدت من إستمرار إسغلال هذه المدرجات في الزراعة ، ولتسهم في مبادرة “السعودية الخضراء” والتي أعلان عنها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن إطلاقها والمتمثلة في زراعة 10 مليارات شجرة داخل البلاد خلال العقود القادمة، حققت القيمة الإضافية للمبادرة التي نعمل عليها،
كما أنها كانت مثابة القوة الداعمة للاستمرار في زراعة الملايين من أشجار الفاكهة الاقتصادية، التي ستحقق ارتفاعا بمؤشر الأمن الغذائي، وقيمة إضافية في زيادة المزارع السياحية بالمناطق الريفية، وستوفر فرص عمل جديدة وصناعات تحويلية”.
ولتسهم في تحقيق أهم أهداف هذه المبادرة هو العودة إلى المناطق الريفية، وبالتالي التمكن من تحقيق الهجرة العكسية من المدن إلى القرى وهذه أهم المكاسب التي تم تحقيقها وفق رؤية 2030″.
مدرجات فيفاء الي أين؟