مذكرات ومواقف
لماذا لا أكتب شيئا من تجاربي في الحياة ؟
هل من الضرورة أن أكون مشهورا حتى أكتب ؟
كتب كثيرة ألفها غربيون اطلعت عليها ، كتبت عن تجارب شخصية وقصص نجاح ثم ختمت بنصيحة أو جملة تعبر عن محتوى النص ، ثم ماذا بعد ذلك ؟ رأينا كتبهم تباع وأسمائهم تدون كعلماء !!!!
أؤمن تماما أن لدينا مخزونا هائلا من التجارب والقصص التي تطوي بين صفاحاتها دروس وعبر ، نستفيد منها وتقرأها الأجيال من أبنائنا وأحفادنا ، قصص كثيرة وتجارب عديدة ماتت بموت أصحابها ، ولن أكون بعيدا عن الحقيقة أذا ما قلت : بل أسرار وألغاز ذهبت بلا رجعة .
ليس بالضرورة أن تكون الكتابة الشخصية للمشهورين ، بل على النقيض من ذلك كل شخص منا يحتاج إلى أن يفتح كتاب حياته ، ويبدأ بتسطير مراحل مهمة من ذلك الكتاب ، حتى يستطيع الآخر مشاركته القراءة.
هنا ولدت فكرة هذه المقالات والتي هي مشروع كتاب بإذن الله لتكون الخاتمة ؛ اصنع لنفسك مجدا.
نشاهد مئات الأطفال يموتون حول العالم غرقاً ودهساً وجوعاً ومرضاً ، تنقصهم الكثير من مقومات الحياة الاجتماعية والتعليمية والصحية ، ولا نستطيع فعل أي شيء سوى مواساتهم في مصائبهم ، ثم الشكر لله على ما من به علينا من نعم الأمن والإيمان ، تلك الصور دائما تأخذني بعيدا إلى طفولتي التي عشتها قبل خمس عقود ونيف .
لكن طفولتي كانت جميلة ، لا حرب ، لا جوع ، ولا تشريد ، طفولة عاشت زمنها كأي طفل في زمني ، أحيانا أجد أن طفولتي لم تكتمل ، أو أنها كانت ناقصة ، لكنها في حقيقة الأمر من أسمى مراحل حياتي ، لازلت أذكر أول يوم ذهبت فيه مع أبي رحمه الله إلى سوق عيبان ، وكيف كانت دهشتي حينما رأيت السيارة الكبيرة التي كنا نسميها ( مرسدس) – سيارة نقل – وكيف أنني ركبت حماراً كان يقوم بنقل ( المقاضي ) – ولعل ركوبي الحمار هو من اعياء الطريق – لم أعد أتذكر غير هذين المشهدين لصغر سني .
لازلت أتذكر رائحة الطين في صباح كل يوم عندما تشرق الشمس بعد ليلة مطيرة ، هي فرصة للخروج من البيت لا أدري لماذا؟ لكن ما أتذكره أنني كنت لا أجلس فيه ، بل كثير الحركة في بلاد والدي ، اليوم وعند مرور مثل هذه الأحوال فإن ذاكرتي تعود بي لتلك السنين النقية ، وأخلو بنفسي بعيدا لأعيش تلك اللحظات .
في أحد الأيام اشترى لي أبي –رحمه الله – ثوبا بمناسبة العيد(مدرعة) ، فرحت به كثيرا ، المدرعة بقيت معي لأكثر من عام ، كنت دائما أُصْلِح الشِق وأرقعه – أمي حفظها الله هي من تقوم بذلك – وما تركته إلا بعد أن أصبح صغيرا!!
منزلنا يبعد عن منزل أخوالي تقريبا خمسة كيلو مترات مشيا، وكانت أمي – حفظها الله- تهيئنا لهذه الرحلة التي كانت مرحلتين ، الأولى مملة كوننا نعرفها وهي على مرأى من بيتنا ، الثانية ممتعة ، حيث أنها تقع في الجهة الأخرى التي لا نراها في العام إلا مرتين أو ثلاثة ، وكنا نمشيها رغم حداثة سننا ، ولا أذكر أنني قد تعبت وحملني أحدهم إلا مرة واحدة أذكر فيها أن خالي (علي يحي شريف ) حملني على كتفه وربما أنني نمت لأن ذاكرتي لم تعد تذكر شيئا قبلها أو بعدها .
في بقعتنا توجد الكثير من الوديان والعيون وما نسميه في ذلك الزمن ( فقوة – بئر – معين(كسر الميم وتسكين العين) ) ، فلدينا وادي المطلعة ، ووداي الزور ، وفي الجانب الأبعد قليلا وادي الغمر، ولم نكن نجد ما يمنعنا أن نذهب إليها لغسل ملابسنا كل يوم جمعة ، لشح الماء وصعوبة حفظه ، حيث لا توجد لدى أمي سوى قربتين للطبخ والشرب وأيضا لشرب الأبقار كعادة الأسر قديما حيث أن كل منزل لديه عدد ثلاثة إلى أربعة أبقار وبعض الأغنام .
الفقوة : هي عبارة عن حفرة -أعمق من المعين ,اقل عمقا من البئر- في الشط أو المدرج يحتبس فيها الماء عبر شقوق صخرية ، تحفر في موقع مناسب من قبل أهل المكان وذوي الخبرة في تحديد مواقع اتجاه المياه داخل الصخور ، كانت لدينا واحدة ( فقوة ) في وادي المطلعة ، هذه – الفقوة – تكفي أربع أسر تقريبا ، لازلت أذكر سقوطي المفجع داخلها ، حيث أن أخي الأكبر –حسن – وأخي من الرضاعة – يحي – قد اقترحوا أن يمسكوا قطعة خشب على حافة الحيفة – اسم المدرج – وعلي أن أمشي فوقها ، وبطبيعة الطفل الصغير صدقت ، وما أن بدأت المشي لم يستطيعا أمساك قطعة الخشب فوقعت إلى الأسفل مقابل – الفقوة- تماما ، السقوط ربما أنه يعادل ارتفاع أربعة أمتار ، والخامس هو حفرة -الفقوة -التي وقعت بداخلها ، صادف ذلك وجود أحدى النساء تقوم بجلب الماء فأمسكتني قبل أن أقع داخل الفقوة ، إلى هنا فقدت الوعي لكن ما أتذكره وقتها أن عمي – يحيى سليمان رحمه الله – قد أتى ليحلق علي ، مأخوذ من الحلقة ( عادة تقوم على أن من سقط من مرتفع يقوم أحد المختصين بإخال الإصبع في الفم من الناحية اليمنى واليسرى ليقوم بعمل فحص للرقبة فيخرج دم ، ايضا تستخدم هذه الطريقة لمن لديه حرارة مرتفعة وتسمى في بعض المناطق : تنغير أو ينغر له ).
في وادينا – المطلعة – لازلت أذكر شجرة – البراية – حيث كنا نسميها : العنبة ، بسبب وجود شجرة عنب كبيرة ملتفة حولها ، تثمر كل عام ، ولكن طعمها الحامض لم يجعلها مستساغة لنا ، عكس شجرة عنب أخرى كانت موجود في أعلى الوادي العائدة لممتلكات عمي – سالم – فكنا نجد طعمها حلو ، أو لعله عقدة حب ما لدى الغير .
كنت في طفولتي أحمل – فرسة – فاس حرث ، تقليدا لأبي – رحمه الله -، وكنت أخوض منافسة قوية مع أخي الأكبر – حسن – وكنت أغبطه لسرعته ، وبطئي ، وربما أن صغر سني هو كان سببا لذلك، لكني كنت أجد متعة عند تقليب التربة ورصها على الزبير ، وأراني أبدع في ذلك ، لكنني كنت أحتقر أدائي أمام أداء أخي .
الُلعب كنا نصنعها من خلال أوراق الأشجار وعيدانها ، وبعض العلب والصناديق الكرتونية ، وبقايا الشبشب – المداسات – فكنا نصنع الأقواس ، والسهم ، والسيارة والعجلات ، أذكر ذات مرة أن أبي – رحمه الله – اشترى لي سيارة ، لازلت أجد ريحتها في أنفي بعد هذه السنين ، وحافظت عليها كثيرا ، لأنها في ذلك الزمن شيء خيالي ولا يمكن تكراره .
طفولتي لم تختلف كثيرا عن طفولة ابناء جيلي بل لعلي كنت أفضلهم ، هي طفولة بريئة ورائعة ، لم تدنسها الحياة الصاخبة ، وكنا نعيش اللحظة باللحظة ، أنام وأنا أرسم شيئا ما لليوم التالي ، مثل منزل صغير من الحجر ، أو بيت في إحدى زوايا الصخور ، أو لعبة اقوم بصناعتها ، وأحيانا عند الصباح أذهب هنا وهناك لخلق شيء من اللا شيء .
في هذه المرحلة كنت صاحب القرار في شئون كثيرة من حياتي الطفولية ، أتخذ القرارات وأبدأ التنفيذ ، هذه القرارات كنت أتحمل تبعاتها ، نجاحا أو فشلا ، وفي مرات كثيرة لا أحدث بالقرارات الفاشلة أحد .
تقول لي أمي : عندما كنت صغيرا كنت جميلا ، ولكن تحول ذلك الجمال إلى نحافة شديدة جدا ، لدرجة أنها كانت تستحي من أن يراني أحد وأنا في – الهندول – قطعة قماش تربط في حافتي القعادة ويوضع الطفل بداخلها ليتمرجح فيها حتى يغفو – . وتقول لي أيضا أنني مرضت في صغري حيث أنني ولمدة أكثر من أربعة ايام لم أتبول . لا يوجد مستوصف قريب ، عطفا عن مستشفى ، بل هناك الصحة – كما كانوا يسمونها – في عيبان ، والمسافة مشيا على الأقدام تقارب ال 8 كيلو مترات في حال تم حسابها بكامل منعطفات الطريق ، وكنت في وضع صحي سيء ، وبفضل من الله تم علاجي وتقول أمي أنني تبولت في ملابس الطبيب ، وكانت فرحتها هي وأبي لا توصف ذهب معه تعب الطريق ، طبعا المسافة ليست قليلة ، وأبي رحمه الله هو من قام بحملي هو وأمي ، بالنسبة لي لم أعاني مسافة الطريق لأني لا أذكر شيئا ، لكنني وبكل تأكيد استشعرت حالهما في تلك اللحظات وقلقهما على ولدهما الثاني حينما كبرت واصبح لدي عائلة وأطفال .
لم أعاني في طفولتي كثيرا ولله الحمد فكل شيء كان متيسر ، لكن الحقيقة التي يجب ذكرها أن أبي وأمي عانيا الكثير الكثير ، في سبيل توفير سبل الحياة والرفاهية لنا دون أن نشعر بشيء مطلقا .
كثيرة هي المواقف والقصص الطفولية ، والعبرة هنا ليس بكثرة السرد فكل واحد منا قادر على سرد مئات المواقف والقصص لكن العبرة هنا لماذا هذا السرد المختصر ؟
لكي تبنى حاضرًا زاهراً عليك أن تفهم ماضيك ، ولكي تبقى قوياً مؤثراً عليك أن تحلل ماضيك ، ولن تصبح شيئا إذا لم تشكر الله ثم والديك أو من كان سببا في تربيتك وتأديبك ، ارفع رأسك وافتخر بذاتك ، واذكر اسم أبويك عاليا في كل محفل ، افتخر بأخيك الأكبر ومثله الأصغر ، وكل أقاربك ، كن دائما في قمة توهجك وارحل بذاكرتك إلى الوراء ما أمكن ذلك ، خذ منها الإيجابيات وأَطَّرها بـ برواز الفخر والعزة وما دونها من سلبيات فارمها في حفرة في مخيلتك ولا تحاول نبشها أو العبث بها .
رائع كل ما قدمت وكلماتك في البداية محفزة لان يبدأ الإنسان في مثل ذلك دائما مبدع ومتميز اسأل الله لك التوفيق والنجاح أينما حللت
ابدعت انت وقلمك في سرد هذه العبارات ففعلا كتاب حياتك كتاب رائع من سردك للسطور الموجوده في كتابك
كما ذكرت لابد من طرح او سرد سلسة مذكرات تتعلق بالماضي الجميل بالنسبه لنا ولم يكن جميلا لغيرنا كون ذلك كان في زمن صعب للغايه
فالاب والام هم القائمين على امور حياتنا اليوميه من زراعه ورعي وحرث وجلب الماء ناهيك عن مشقة الحصول على القوت اليومي بشتى الطرق المرهقه في ذلك الزمن
طاب يومك وسعدت بقراءة كتابك الجميل فالجميل يكون طرحه جميل
كنت محظوظا بمرافقتك برحلة الى المانيا
وقد عرفت فيك الصدق والمودة وحبك للطبيعة وانت تمشي في الغابة مقابل الفندق
ووجدت فيك الانسان المحافظ على وقته مهما كان قليلا بما هو مفيد. وفقك الله اخي ابو فيصل
رائع كالعاده ياابو فيصل وفقك الله
مبدع ابو فيصل كما عهدناك
الله عليك يابو فيصل مبدع كعادتك
اهنيك على السرد
حفظك الله وادامك .