
مذكرات ومواقف (9)
السيجارة
تمر الأيام وننسى كثيراً من حوادثها مع حوادث جديدة ، وتبقى معنا مواقف نذكرها لكل شخصٍ دون أن يصيبنا الملل ، في حين أن الشخص الآخر قد سئم من سماعها ، هذه طبيعة الإنسان ، فما نظنه مثيرًا لاهتمامنا نظنه أيضاً مهما للطرف الأخر : نحن فعلا نحتاج إلى السيطرة على هذه العادة متى عرفنا أننا نمارسها .
ليس هذا فحسب ، بل يتعدى ذلك إلى الممارسات ، فما نمارسه من أفعال نعتقد أن على الآخر أن يمارسه مثلنا ، بل قد نكون متجاوزين كثيراً إذا جعلناه يتحمل تلك الممارسات رغماً عنه ، دون مراعاة لظروفه ورغباته ، كيف لنا أن نكون هكذا ؟.
تأملات من حياتنا اليومية:
تأملت هذه العبارات كثيراً ، و وجدتني أمارسها في كثير من الأحيان ، بل الجميع تقريباً يمارسهًا دون شعور ، فالطبيب مثلاً نجده في مجلسه يتحدث عن الطب وقصصه مع مرضاه وزملائه في العمل ، والمعلم ، والفني ، والعسكري والمهندس …..وهكذا .
هذه طبيعة جُبِلت عليها النفسُ البشرية في الحديث عن اهتماماتها ؛ متى كانت بشكل متوازن يتناسق معها الكلام والإنصات دون الاستئثار بالحديث أو الفعل فقد يكون ذلك مقبولاً ، لكن المشكلة تكمن عندما نفعل دون مراعاة لأحد ، فكم من مرة أخرج أحدهم السيجارة وبدء يدخن وسط مجتمع لا يدخن . ونرى أحدهم يرفع صوت الأغنية في الشارع أو المتنزه دون مراعاة لحقوق الآخرين ، ولكم أن تقيسوا على ذلك ، عندما نمارس هذه الأفعال فنحن نتسم بعديمي الشعور بالآخر في هذه اللحظة ، فَظَنٌنَا أننا نحب هذه العادة ليست مسوغاً لنا أن نصادر رغبات وحاجات الغير ونفرضها عليهم ، مجرد تعودنا على هذا العمل يترسخ في الذهن بأنه شي عادي وطبيعي وعلى الآخر القبول به ، ثقافة تحتاج منا إلى مراجعة مستمرة .
العالم بين يديك:
مع تطور التكنولوجيا و وسائل التواصل الاجتماعي صار الناس يجتمعون حول هذه التطبيقات ، ولا زلنا نرى تلك الممارسات تطبق ، فهناك من ينشر صور فتيات ، وصور أغاني ،ومنشورات بشكل مستمر ومزعج دون مراعاة لأعضاء المجموعة ، في حين يرى أنه بذلك متفهم ومتفتح للثقافات ، وما عرف أنه بذلك يفرض رأيه ومشربه بالقوة على الآخر وهذا عكس الانفتاح والفهم .
لم أكن بعيداً عن هذا التصرف وقد نمارسه من وقت لآخر ، لكن علينا مراجعة المواقف وتحليلها حتى نستطيع النهوض والسمو بالعلاقات الإنسانية .
عندما اكتشفني والدي:
في الصف الرابع أو الخامس لا أذكر كنت قد بدأت التدخين ، تقليدا لأحد الأقارب الذي هو أكبر مني بسنوات ، وهكذا استمرأت العملية ، فبدأت أدخن في اليوم سيجارة أو اثنتين ، وكنت أخاف من والدي رحمه الله ، وفي يوم من الأيام اكتشفني والدي ولم ينكر علي ، فبدأت شيئاً فشئياً أدخن أمامه ، دون مراعاة له أو فهم أنني لازلت طفلاً وهو أبي الذي يخاف على ولده الصغير .
التمادي و نفاذ صبر أبي:
وفي إحدى الليالي ، كنا في منزلنا بفيفاء بعد صلاة العشاء تحديداً، وكنت قد تماديت كثيراً في التدخين لدرجة أنني أخذت حبة سيجارة وقمت بالتدخين داخل البيت وفي حضوره رحمه الله ، وجلست على حافة “القعادة” بجانبه أدخن ، ولكم أن تتخيلوا الموقف ، طفلٌ في سن التاسعة يدخن سيجارة بجانب والده كيف سيكون تصرفك مع ولدك لو حدث ذلك اليوم ؟
لم تكن ردة فعل أبي سريعة بل كانت مليئة بفنون التربية المعاصرة , وأنا في خضم التدخين قال لي : موسى أريد أن تناولني مصحفاً على الرف . قلت له : قل لـ حسن – أخي الأكبر – . قال لي : أريدك أنت أن تحضر لي المصحف . كررت نفس الإجابة بــ حسن – .
في هذه اللحظة وبحركة سريعة استخرج عصا من -الشوحط – شجرة ذات أغصان طويلة ومرنة – من تحت فراشه ، وقال لي وهو يؤدبني بما معناه : آخر سيجارة ولما أطلب منك طلب نفذه .
رحمك الله يا أبي وغفر لك ، كنت تستطيع ضربي بسبب سلوك مهين لم أراع فيه حق الأبوة وحق المجلس دون أن تبحث عن سبب ، لكنها التربية العظيمة التي علمتنا إياها صغاراً وكباراً .
آخر سيجارة :
كانت تلك أخر سيجارة في حياتي ولله الحمد ، وتم وأدها في الوقت والمكان والظرف المناسب قبل أن تستفحل ، شكرا لك يا أبي فقد حررتني من سلاسلٍ لا يمكنُ التخلصَ منها بسهولة .
للآباء والمربين التمسوا الأسباب
في تبصير الأبناء مع دعمها
بشيء من القوة الإيجابية .
مبدع يا ابا فيصل….
مقالات في غايت الروعه …مافي الشك ان الطفوله وسن الشباب تتخللها بعض التصرفات الغير متجانسه مع المجتمع مثل التدخين وما اشبه ذلك..وكل ماكبر الطفل وكبر معه التصرفات وتقليد الاخرين في الكثير …ولكن ملاحظة الوالدين ومتابعتهم للطفل وحسن التصرف والتربيه السليمه تحول التصرفات السيئه الي صرفات حميده وتعطي ثمار طيبه وتنتج جيلا واعي ومفيد لنفسه ومجتمعه …واليوم نحتاج للمزيد من حسن التربيه والتوجيه السليم.خاصه طفل اليوم امامه الكثير من الموثرات اكترونيا وفي محيطه الاجتماعي..لهذا التربيه والتوجيه السليم في حاضرنا اكثر اهميه مما سبق قبل نعرف هذه الوسائل الاكترونيه…اسال الله ان يحفظ ابنا هذا الوطن ويدلهم للعمل الصالح والمفيد