مفهوم الأمن الفكري (3):
الأمن في القرآن الكريم له أهمية عظيمة فإن الله سبحانه قد امتن على الناس بالأمن، وهذا يدل على كونه نعمة كبرى، تستحق الشكر والمحافظة، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. (1).
أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا:
قال الحافظُ ابن كثير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى مخبراً عن اعتذار بعض الكفار في عدم إتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله ^: ﴿إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ أي: نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى، وخالفنا مَنْ حولنا من أحياء العرب المشركين، أن يقصدونا بالأذى والمحاربة، ويتخطفونا أينما كنا، فقال الله تعالى مجيبا لهم: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ يعني: هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل؛ لأن الله جعلهم في بلد أمين، وحَرَم معظّم آمن منذ وُضع، فكيف يكون هذا الحرم آمنًا في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟(2).
أصحاب الحجر والتطور الصناعي:
وامتن على أصحاب الحِجْر بالأمن والتطور الصناعي فقال: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ (3).
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ﴿وَكَانُوا﴾ من كثرة إنعام الله عليهم ﴿يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾ من المخاوف مطمئنين في ديارهم، فلو شكروا النعمة وصدقوا نبيهم صالحاً عليه السلام لأدرَّ الله عليهم الأرزاق، ولأكرمهم بأنواع من الثواب العاجل والآجل (4).
بل إن القرآن جعل الأمن المطلق ثواباً وجزاءً وإكراماً منه لأوليائه من أهل الإيمان فقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ (5) وهذا يشمل الأمن في الدنيا والآخرة.
مفهوم الأمن والأمان:
وجعل الله الأمن قريناً لأهل الإيمان في الدنيا والآخرة، إن هم قاموا بشريعة الله على الوجه الأكمل ففي الحياة الدنيا قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ﴾ (6).
وفي الآخرة قال الله أيضاً عن المؤمنين: ﴿مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ (7).
وقوله تعالى: ﴿وَهَٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ (8) أي: الأمن يعني مكة وهو من الأمن.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾ (9).
المصادر:
(1) ـ سورة القصص الآية رقم (57).
(2) ـ تفسير ابن كثير الجزء 6، ص 247.
(3) ـ سورة الحجر الآية رقم (82).
(4) ـ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان الجزء الأول، ص (434).
(5) ـ سورة الأنعام الآية رقم (82).
(6) ـ سورة النور، الآية رقم (55).
(7) ـ سورة النمل، الآية رقم (89).
(8) ـ سورة التين الآية رقم (3).
(9) ـ سورة قريش الآية رقم (4).
مفهوم الأمن الفكري (3)