فجأءة دون سابق إنذار توقفت عجلة الحياة ،أُغلقت المحلات ،تعطلت المدارس ، فُرض حظر التجوال ، أغلقت المساجد ، الشوارع مُظلمة صمت رهيب ومُخيف ، إنهار لاقتصاد العالم بأسره ، سويعات فقط يُسمح للناس بقضاء حوائجهم ثم الرجوع إلى منازلهم ، أياماً عصِبية مرت بنا ، حتى روحانية رمضان لم نستطيع أن نعيشها ،الأعياد كنا نجتمع فيها بخوف وحذر ، مرت أيام وشهور ثقيلة علينا ،نترقب نشرات الأخبار عن نسب الإصابات ، نفرح حينما نرى تناقص حالات الإصابة ، ونحزن حينما نرى تزايد الحالات ، افتقدنا أشياء كثيرة كنا نعيشها ولم نستشعر أهميتها إلا حينما فقدناها ، تتفطر قلوبنا حزناً حينما نشاهد على القنوات التلفزيونية قلة المصلين في الحرمين ، يشدنا الحنين إلى أحبتنا لكننا لا نستطيع الاجتماع بهم ، روتين الحياة أصبح مُمُل ،الكثير تذمر من هذا الروتين ، لكن خلف كل هذه المأساة كانت هناك حكمة خفيه يعلمها الله تعالى ، كنا في زحام من النعم التي لم نكن نقدرها إلا بعد هذه الجائحة ،التجأنا إلى الله بالدعاء، تضرعنا له بأن يرفع عنا هذه الغمة ، كورونا أظهر لنا أسمى معاني التكافل الاجتماعي ،المُقتدرين يساعدون ممن انقطعت بهم السبل بسبب توقف حركة البيع والشراء وعدم وجود دخل لهم يسد حاجتهم ، كنا نسمع كلمات ثناء وشكر من إخوة مقيمين ونشعر بالفخر والاعتزاز ، المتطوعين في كل حي يقومون بتوزيع المؤن والمساعدات ،فهذا ليس بغريب على أبناء هذا الوطن المعطاء ،بل هو واجب الإخوة الذي يفرضه علينا ديننا الحنيف ،كورونا كان درس لِتأديب وتهذيب البعض ، لقد أجبروا على الالتزام بأمور لم تكن في حسبانهم ، لمة العائلة كان لها أجوائها الخاصة ، تقنين ميزانية الأسرة بالاستغناء عن أشياء لا ضرورة لها ، التمعن والتفكر في بعض سلوكياتنا الخاطئة والسلبية ، كالبذخ والإسراف ،استغنينا عن أشياء لم تكن ضرورية لحياتنا ، أصبحنا أكثر دراية بالتقنية واستخدمناها في إنهاء وتخليص معاملاتنا ونحن في منازلنا ،التقنية أصبحت ملازمة لكورونا الذي كان درس رباني علمنا كيف نستصغر النعم أمام عظمته وجبروته ، وكيف أن فيروس لا يمكن رؤيته بالعين المجردة نشر الرعب وقلب موازين العالم بلحظة ، إنها قدرة الله وعظمته ، بعدها بأشهر تأتي البشائر وتنفرج سرائر البشرية بالإعلان عن لقاح لهذا الوباء ، بدأ التنافس بين شركات تصنيع اللقاح ، وانطلاقا من حرص حكومتنا الرشيدة بادرت على وجه السرعة لتوفير اللقاحات المُعتمدة والآمنة للمواطنين والمقيمين وبالمجان ،وسخرت كل جهودها لتنظيم مواعيد اللقاح بكل سهولة وسلاسة لحماية المجتمع من إستشرى عدوى هذا الفيروس ، تهافت الناس لأخذ اللقاح إيماناً منهم بأن التوكل على الله ومن ثم الأخذ بالأسباب هي وقاية لهم من هذا الوباء ، هناك جنود مجهولون خلف هذه الجائحة نرفع لهم القبعة شكراً وعرفاناً لما قدموه لنا ، لقد خفت حالات الإصابة ،وخُففت الإجراءات الاحترازية ، بدأت الحياة تعود لطبيعتها رويداً رويدا ،بحول الله وقوته ستزول هذه الغمْة وترجع الحياة لطبيعتها ، ستبقى هذه الجائحة مجرد ذكريات عصيبة عشناها، سنرويها للأجيال القادمة ،سنروي لهم عن رحمة الله ولطفه بنا ، وأن كل ابتلاء سيخبئ الله ورائه ألطافاً خفية ، وأن إحسان الظن بالله والتوكل عليه هي أسباب تؤدي إلى طمأنينة النفس، وأن الرضى بأقدار الله سَيعقبه الفرج وزوال الغمة ، سيزول كورونا بحول الله وقوته لكن ستظل دروس كورونا باقية نستلهم منها الكثير من الدروس والعبر .