صباحات الحنين
أشرقت الشمس بنورها وأسدلت أشعتها الذهبية على الكون لتعلن بداية يوم جديد ،
يا الله كم كان جميل ذلك الصباح في قريتي الهادئة الجميلة ،سكينة هدوء لا تُسمع إلا أصوات الطبيعة ،
زقزقة العصافير ، مداعبة الرياح الهادئة لسعف النخيل ، سمفونية تُشنف الآذان ،
ونسمات باردة مُنعشة ترد الروح ،
رائحة حشائش المزرعة تنشر عبقها في أرجاء المكان ، كل شيء جميل في ذلك الصباح ،
لكن ثمة شيء مزعج يربك هدوئي وإستكناني ، إنها ذاكرتي التي استفاقت من سُباتها العميق
لتذهب بي إلى صباحات الزمن الجميل والبعيد البعيد جداً ،
في مزرعتنا وفي قريتنا الصغيرة
استرجعت شريط الذكريات كأنه بالأمس القريب ،
تذكرت ملامح وجه والدي وابتسامته وبياض لحيته وتجاعيد وجهه البشوش ،
صوته حينما يوقظنا لصلاة الفجر لازال يتردد على مسامعي ،
رائحة دخان شبة النار تخترق حواسنا وكأنها تخبرنا بولادة صبح جديد ، صوت دق النجر
وعلى جانب شبة النار معاميل القهوة وبراد الشاي ، ولازالت تفوح عبق روائح الصباح ،
رائحة رغيف خبز أمي المدهون بالسمن وطعمه الذي لازال راسخاً في مخيلتي ،
ورائحة فروة والدي التي لازالت عالقة في دهاليز روحي ،
كنا نتسابق للجلوس بقرب والدي لنحظى بدفء فروته ، ظناً منا أنها مصدر دفأنا.
أشرقت الشمس بنورها وأسدلت أشعتها الذهبية
أشرقت الشمس على الكون لتعلن بداية يوم جديد ،
يا الله كم كان جميل ذلك الصباح،
في قريتي الهادئة الجميلة ،
سكينة هدوء لا تُسمع إلا أصوات الطبيعة ،
لكن عندما كبرنا اكتشفنا حقيقة أن مصدر الدفء ليس من الفروة
بل من قرب والدي الذي كان حنانه وحبه مصدر الدفء والأمان لنا ،
في فروته نشتم رائحة طيبه المُحبب إليه دهن العود
الذي لا تقارن رائحته بورود وأطياب العالم كله ، صوت مذياعه ، كل هذه الذكريات.
امتزجت برائحة عبق الماضي الجميل ،
ماكينة الماء وصوتها الصاخب
كان (رجف ) الماكينة وصوتها الصاخب و اندفاع الماء إلى البركة
جريان (السريان ) أصوات تطرب مسامعنا وكأنها
تعزف ألحان البشائر والأمل ببداية يوم جديد ،
والدي يرتب أحواض النخيل ويسقيها
ونحن نلعب من حوله يراقبنا وعينه لا تغفل عنا ،
نبني لنا من الطين بيوت ، ونحلم متى نكبر ،
كان أكبر طموحاتنا أن نذهب (للدكان ).
تقدم بنا العمر ولازلنا أسرى لذكريات الزمن الجميل ،
قد تتوارى الذكريات ،
تتراجع لبعض الوقت،
قد تُنسى ، حتى نحسبُ أنها تلاشت ،
لكن مجرد المرور بالأماكن القديمة.
قد يوقظها من سباتها العميق ويجرفنا لهاوية الحنين والاشتياق،
وينبش الذكريات المدفونة داخلنا ،
ليترك في أعماقنا مشاعر مختلطه ،
ما بين الاشتياق والحنين.
لأشخاص ولأشياء ولذكريات ،
جمعتنا بتلك الأماكن فنكتفي
حروف تتكلم بعبق الماضي .. تنقل بين الذكريات يجعلك تعيش تلك الحقبة من الزمن الجميل