مذكرات ومواقف (14)
الحلم
في مرحلة الطفولة تبقى ذكرياتنا هي من تحدد شخصياتنا في المستقبل، كثير من العلماء والمفكرين يعرضون سيرتهم الطفولية كنوع من تكوين شخصيتهم، ودائما ما يربطونها بأسماء شخصيات مرت بهم أو تأثروا بها، وهذه المرحلة تجعل من الطفل مقلداً لهم، ليس هذا فحسب بل إن ظروف المعيشة وحالة الأسرة المادية قد تصنع أشخاصاً بارعين يبحثون عن مكونات أنفسهم وامتيازاتها، عكس ما يحدث في كثيرٍ مع الأطفال في هذا العصر ما عدا من لا يزال يعيش ما عشناه قبل خمسة عقود وهم موجودين بيننا ولازالوا، ولكن ربما لا أحد يشعر بهم.
صعوبة الحياة
الحياة الصعبة، والحاجة للمادة، تجعلنا نبحث عن الخيارات المتاحة لنا ولا نبالي بما حولنا، المهم ما نحن قادرون على فعله، وما نستطيع إنجازه، فلا كلل ولا ملل ولا تعب، هدف نراه أمامنا فنسعى إليه، هكذا تعلمناه وتلقيناه من خلال تربيتنا وليس من خلال وعض أو محاضرة بل مكتسب عشناه وعايشناه ورأيناه فقلدناه ثم كبرنا فكتبناه.
لعل جيلي ومن كان قبلي أو بعدي كلهم هكذا، فلا ريب أن المبدعين في عصرنا هم من جيل كان معنا سبقنا أو لحقنا بفترات ليست بعيده، لا يعني هذا أنه لا يوجد ناجحين ومبدعين فهناك ناجحين في كل الأزمان، لكن ما عاصره جيلنا لن يتكرر لأحد من الأجيال.
طموح الطفولة
في المرحلة الابتدائية لم يكن طموحي سوى اللعب والدراسة، طموحي مرتكز على اللعب وصنع أشياءٍ نلعب بها، وأيضاً على التفوق في الدراسة وهذه طبيعة المرحلة، ما أجزم به أنه مختلف عن جيل اليوم هو: أنني لم أكن أفكر في المادة وقتها أبداً، وربما هذا طبعي -وسوف أتحدث لاحقاً عن تأثير هذا في مجال الأعمال وكيف نتخلص منها -.
لم ينتظرني أحد
في أحد الأيام وعند عودتنا من المدرسة مشيًا على الأقدام كعادتنا كل يوم، وعند نزولنا في المنحدر الصخري (الطريق) كنت متأخرًا عن بقية التلاميذ من الأقارب والسبب في ذلك حذائي المهترئ، وماكنت خائفاً منه وقع، فانقطع الحذاء (شبشب أبو إصبع)، لم يكن أمامي إلا الصراخ بأعلى صوتي: ارقبوا لي ارقبوا لي (بمعنى انتظروني انتظروني)، لكن لم ينتظرني أحد وأكملت السير إلى المنزل حافي القدمين.
وفي مساء ذلك اليوم ذهبت إلى ابن عمتي (يحيى سالم ) حفظه الله في منزلهم (ممشاق)ونمنا فوق السطح كما هو معتاد في فصل الصيف ، وفي منتصف الليل نهضت ماشياً وأنا نائم وكنت أصرخ ارقبوا لي ارقبوا لي ( كان يسمى : يحير أي يمشي وهو نائم ) ، وكنت متجها إلى حافة السطح الذي يرتفع عن الفناء ما مقداره 12 إلى 15 متراً ، في هذه اللحظة قام ولد عمتي وسحبني بقوة ، وأيضا عمتي فاطمة حفظها الله قامت من نومها هي وجدتي عافية رحمها الله على صوت الصراخ– ثم رجعت الى الفراش ( الغريب في الأمر أنني لم أصح من النوم ) ، وفي صباح اليوم التالي تم إخباري بالقصة كاملة ، وكانت حديث المجالس لهول ما كان سيحدث من نتائج مميته .
أثر هذا الموقف كثيراً على حياتي الطفولية، خاصة أنه تزامن هذا الحدث مع حدث مشابه لأحد الأقارب أيضاً، لكنه سقط من أعلى المنزل وهو نائم وتضرر كثيراً لكنه تعافى لاحقاً والحمد لله، ومع ذلك تعايشت مع الوضع فكنت عند زياراتي لأقاربي أربط قدمي بأي شيء قريب مني عند النوم ، واستمرت معي قصص المشي في النوم كثيراً في المرحلة الابتدائية.
كثيرة هي الأحلام التي تمر بنا سواءً كانت في المنام أو في اليقظة، قد تؤثر فينا وقد تمر مرار الكرام ولا نعير لها بالاً، لكن تبقى الأحلام بمثابة رؤية مستقبلية تدفعنا للعمل والتفوق والإبداع.
فما يمنع من السقوط في الحلم قد يمنع من الفشل والسقوط في الحياة، هكذا أراها اليوم، كم نحن بحاجة إلى سند يقف معنا في أوقات لا ندركها، كم نحن بحاجة إلى دعم معنوي أو علمي وحتى مادي، كما حدث من ابن عمتي عندما كان سببا لمنعي من السقوط.
استلهام قصص وأحداث النجاة من السقوط في الصغر تدفعنا للعمل لما نحن مقبلين له، فكما كان هناك أشخاصا في الماضي منعوا سقوطنا فهناك اليوم عشرات الأشخاص لذات الهدف، انطلق لهدفك هذا ما تحتاج للتفكير فيه دائما حتى تكتب اسمك من ضمن المبدعين.
نعم اذكر هذا الحدث المخيف … والحمدلله على سلامتك لان المكان بعيد ويوجد صخور في الفناء .. أعجبتني الخاتمه فيها كل ملخص الذكرى .. حفظك الله