الإعلام السعودي واللغة العربية في رؤية وطن
اللغة بوابة النجاح، والعرب قديمًا وعلى مر العصور حفظوا لنا إرثًا لغويًا شعرًا ونثرًا وصل إلينا عبر مخطوطاتهم وحفرهم للنقوش في الحجارة حتى لا تضيع هوية اللغة العربية ومفرداتها، اللغة عشق وهوية واعتزاز وارتباط بجذور الأرض، حتى جاء الإسلام وكرم اللغة العربية فكان الكتاب السماوي الخاتم بلسان عربي مبين وتكفل رب العزة والجلال بحفظه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
كتبت كثيرًا عبر هذه المنصة الإعلامية عن اللغة والاعتزاز بها وتعظيم شأنها في نفوس الأبناء والجيل الجديد الذي يبحث عن المختصرات في زمن متسارع نحتاج فعليا لمن يعمق مفهوم الثقافة اللغوية وحصيلة المفردات وسلامة النطق والمنطق لا يكون الا عبر التزام حقيقي بالقراءة المستمرة وملازمة جادة لورد يومي في كتاب الله، التقيت بالمفكر السعودي والمتحدث بلغة عربية سليمة تبهرك الأستاذ علي الهويويني -رحمه الله- على هامش فعاليات برنامج تلاحم في نجران وفي لحظات من الزمان لا تنسى وخلدتها في ذاكرتي قال لي إن لغته واستقامة نطق لسانه الذي يتحدث به هو نتاج قراءة مستمرة للقرآن والبحث في علومه.
ولأنني انتمي لوزارة التعليم أعي جيدًا أن جيل اليوم لم يعد كما كان سابقًا في اهتمامه باللغة العربية وفي ظاهرة مجتمعية تحتاج للدراسة يحرص الآباء والأمهات على تعليم أبنائهم اللغات الأخرى وإتقانها قبل اللغة العربية وتلك والله مصيبة كبرى تحتاج الى إعادة برمجة عقول الكبار قبل الصغار عن الأولويات في التعليم.. القرآن واللغة ومهارات الإلقاء والخطابة ولغة الجسد والمنطق والرياضيات ومنظومة القيم ومهارات التفكير أولويات لابد من الأخذ بها في المراحل الأولية عند إعداد الجيل الجديد.
في رحلة الفضاء لرائدي الفضاء تمت تغطية الحدث إعلاميًا من قبل هيئة الإذاعة والتلفزيون وتم رصد عدد التغطيات التي لاقت استحسانًا كبيرًا من معالي وزير الإعلام الذي غرد في حسابه عبر تصميم انفوجرافيك وثق عدد التغريدات والمشاهدات على منصات التواصل الاجتماعي محليًا ودوليًا وارتفاع نسبة المشاهدة للقناة السعودية والإخبارية.. وتلك والله جهود تذكر فتشكر وتستحق الإشادة وخلف هذا الحضور الإعلامي فرق عمل احترافية وتابعت بشغف برنامج الشارع السعودي وتم استضافة طفل مهتم بعلوم الفضاء وعندما تمت محاورته من قبل المذيع المتمكن من لغته وإذ بالطفل تضيع منه مفرداته وتوقعت حينها أنه من خريجي المدارس العالمية أو لم يتلق جرعات لغوية كافية للحديث بطلاقة وهو في نهاية المرحلة الابتدائية فلم يتمكن من الحديث بطلاقة ولم يعبر عن طموحاته بلغة قومه فختم المذيع معه الحديث بعبارة انجليزية آلمتني كثيرا لأن اللغة تعني لي الكثير قال له أتتحداني فرد عليه أتحداك بمفردة ليست من مفرداتنا.
لننهض بلغتنا كان هذا اسم مشروع ومبادرة من مؤسسة الفكر العربي قبل سنوات لنعمل معًا من أجل إحيائه في نفوس الجيل الجديد وليشارك الإعلام السعودي عبر كل منصاته بالشراكة مع وزارة التعليم في ابتكار برامج تواكب العصر لنعيد للغة العربية مكانتها وحتى تجري على ألسنتنا مفرداتها العذبة.
تعلمت اللغة عبر بوابة الإعلام تحدثا وكتابة -رغم تخصصي العلمي الدقيق في مجال الفيزياء- وكان هناك مسلسل بعنوان مدينة الإعراب فكرة إبداعية من ممثلين عراقيين ابتكروا بناء مدينة تسمى شوارعها بأسماء قواعد اللغة العربية كنت أتابعه بشغف كبير وسجلت معظم حلقاته على أشرطة الفيديو ومازلت احتفظ بها في مكتبتي وتعلق قلبي بالإعراب على وجه الخصوص كانت زميلاتي في حصة القواعد يتهربن من إعراب ما تحته خط وكنت أتصدى لهذه المهمة وبكل ثقة يكون جوابي صحيحًا.. ثم عشقت نغمة الحرف وصداها ووقعها في القلب والعقل معًا من خلال أصوات عملاقة حفرت لها مكانة في الإعلام السعودي الصبيحي والنجعي والنجار والشبل وبدر كريم والذيابي والشبل.
أما مخارج الحروف تعلمتها من تعلم أحكام التجويد لإعطاء كل حرف حقه ومستحقه عند النطق به فيفهم المتلقي الحديث الذي نتحدث به بيسر وسهولة.. وهنا يتضح العمل التكاملي بين وزارتي التعليم والإعلام في نفوس النشء. من هذا المنبر الإعلامي أطمح لشراكة نوعية وتفعيل الفكر الخلاق كي نستثمر أفكار شبابنا الواعد في تأليف قصص وروايات وأفلام تفاعلية واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعظيم شأن اللغة العربية والمبادرات التي تتسم بالاستمرارية والتفاعلية والتشاركية هي التي تؤتي ثمارها، لا نريد برنامجًا وقتيًا ولا يومًا عالميًا نحتفل فيه باللغة بصورة شكلية نريد أيامنا كلها احتفالات باللغة وهي تستحق كل الاحتفاء.
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي هكذا تحدث الشاعر العربي الكبير حافظ إبراهيم عن لغة العرب.
اللغة العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة وهي لغة كل عصر.