مقالات

سيرة الأستاذ: جبران بن جابر سليمان المدري الفيفي

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

سيرة الأستاذ: جبران بن جابر سليمان المدري الفيفي

  يستطيع الانسان أن يصنع نفسه، ولكنه يحتاج إلى قوة العزيمة والاصرار، وبذل الجهد والجلد والمصابرة، اكتشف امكانياته وميوله، وعمل جاهدا على تطويرها والترقي بها، ولم تحطمه تعثراته في بداية حياته الدراسية، وعرف انها لم تكن لضعف في قدراته، وانما هي بسبب تكاسله وتهاونه، فلذلك تجنب هذه المسالك وابتعد عنها، بل وجعلها تنبيهات دافعة له إلى الامام، وسلم يرتقي فوقه لبلوغ المرام،  صقلته الحياة بتجاربها ولم تحطمه، بل اضافت إليه قوة وصلابة، وسعى بكل حزم وعزم على تطوير هذه القدرات، بعد أن نمى معارفه وقدراته العلمية والعملية، ووصل بفضل الله إلى فهم متطلبات الحياة الاجتماعية، وسبل النجاح في اجتياز المعوقات فيها، واتخذ العلم التخصصي سبيل إلى استيعاب النظريات العالمية فيها، وادراك تشخيصها والتعرف على حسن التعامل معها، ثم لم يبخل بعلمه وخبراته في نفع الناس ومساعدتهم، بل سعى جاهدا إلى تعميم ما توصل إليه، وبذله وبثه بكل صدق وامانه بين الناس، (فالرائد لا يكذب اهله)، فقدم تجاربه وارشاداته بكل شفافية، لكل من يسترشد ومن ينشد النجاح والفلاح،  يقدم الاستشارات ويعقد الدورات، ويبث البرامج التي تصب في مجال النفع العام والخير لكل الناس، في صورة جميلة سهلة نافعة، يعصر فكره في انتقاء المواضيع النافعة والمفيدة،  ثم يحللها ويدرسها من كل جوانبها واحتمالاتها، ويقارن ويحضّر الطريقة المناسبة لحلها، ثم يختزلها ويقدمها مادة مختصرة مشوقة، (خير الكلام ما قل ودل)، سهلة الفهم قريبة التناول، تأسر المتلقي وتستقطب فكره واحاسيسه ليستفيد منها، وتنير دروبه ومسالك الحياة امامه، واشتهر في مجتمعنا بالذات ببرنامجه الناجح (بهروجنا)، الذي يقدمه بأسلوب مبسط، وبلغة قريبة لواقع الناس، في محتوى متكامل يتضمن الدرر والقلائد من النصائح والتوجيهات، وهو برنامج عظيم لا يقدر عليه إلا القلة النادرة من امثاله، ويندرج تحت مقولة السهل الممتنع، ويعتبر من اصعب التحديات في تقديم شيء متكامل في دقيقة واحدة، فماذا عساك تستطيع أن تقوله فيها، ولكنه نجح وتفوق واستطاع بكل جدارة، حفظه الله ووفقه ونفع به وزاده علما وفهما وفضلا.

إنه الاستاذ الفاضل:

جبران بن جابر سليمان قاسم المدري الفيفي حفظه الله.

والده كما ذكرنا في التعريف بالاسم اعلاه، هو جابر بن سليمان قاسم حسن المدري الفيفي رحمه الله، ابن اهل امزريبة الواقعة في بقعة امسرة في فيفاء، واما بيته الذي اختطه في الحقو وعاش فيه اكثر عمره فهو ما سماه غابطن، بمعنى (مريح)، كان على قدر لا باس به من العلم، يقرأ القران ويحسن القراءة والكتابة، بل كان خطيب الجمعة في جهتهم، وهو الكاتب شبه الوحيد في جهة (الحقو)، حيث يلجأ إليه معظم الناس في كتابة وثائقهم وظناتهم، وقراءة وكتابة رسائلهم، ويأتون إليه من عدة اماكن لهذه الغاية، حيث لا يوجد إلا هو واثنان آخران يحسنان ذلك، وكان شاعر مجيد من صغره، ودائم ما يسمع منه اولاده اشعاره  الجميلة، بل ويحفظون معظمها بسهولة، نشأ عصاميا والزم نفسه البعد بها عن كل قبيح، فجنبها العادات غير السليمة، وابعدها عن الولع الضارة بها، فلم يتعلق بأية ولعة تخالف الفطرة، لم يدخن في حياته أو يخزن أو يأكل الشمة وغيرها، فكان يجد في نفسه نفورا عنها، وعدم قبول لها، بل وينظر إليها بعين النقص والاحتقار، ويعاتب كل من يراه متعلقا بشيء منها، ويراها تقلل من مكانة الشخص ومروءته، فلذلك كان اشد حرصا على أن يبتعد ابنائه عنها، وسعى جاهدا في أن يتمسكوا بكل جميل من الاخلاق والعادات، وحفزهم على أن يكونوا مثالا حسنا في حياتهم، ويرتفعوا بأنفسهم عن كل ما يشين الواحد منهم، فأطرهم على السير الحسن في حياتهم وتعاملاتهم، وفي تجنب الاختلافات والمشاكسات والمشاكل، حتى أنه كان يحد من كثرة خروج الواحد منهم من البيت من غير ما حاجة، واذا ما خرج احدهم للعب مع اقرانه في فترة العصر، وجب عليه أن لا يصلي المغرب إلا معه في البيت، وبهذا حفظهم وحماهم عن اكتساب كثير من العادات الضارة، وتلك نعمة كبيرة وميزة عظيمة، حمدوا الله عليها كثيرا فيما بعد، ويثنون عليه فيما هم عليه، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه.

ولعل من اسباب هذا التشدد، وفي اسلوبه القوي الممانع في هذا المجال، عائد إلى قناعاته الشخصية، لكونه عاش يتيم الاب من صغره المبكر، وتنقل بين اهله واخواله ومع عمته المتزوجة في قبيلة اخرى، وكان معتمدا على نفسه في معظم اموره، وطبيعة الاعتداد القوي بنفسه، فسلك بها مسالك الفضائل، وابتعد بها عن كل ما قد ينقده فيه الاخرون، فليتمه وبعده عن جماعته الاقربين، جعله انسانا حساسا كثير التحفظ عن ما يشين، فآمن بذلك تمام الايمان، وتمسك به في سائر حياته، وسعى جاهدا في أن يتربى ابنائه على هذه التربية التي يؤمن بها، وأن يغرس فيهم كل ما هو جميل وحسن، ولم يكن يقبل التساهل والتهاون في تطبيقها، وكان ذو شخصية قوية، وذو مهابة وهيبة، مع أنه لا يستخدم وسائل العقاب إلا في حدود الحاجة والضرورة الملحة، يقول عنه أبنه في هذا الجانب، لا اذكر أنه ضربني طوال حياتي الا مرة أو مرتين فقط، وكنت مستحقا لذلك، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه.

واما امه فهي الفاضلة روحة بنت طالع بن مريع الخالدي المالكي من آل سلامة حفظها الله، اتصفت بالطيبة والرحمة والحنان، وكان (جبران) اكثر ارتباطا بها، ولعل ذلك لكونه اخر العنقود (كما يقال)، وكان يجد فيها الكثير من الحنان والعطف، وتأثر بها كثيرا وما يزال، فهي ام حنون، ومربية فاضلة واعية، حافظت على اولادها وقامت بكل ادوارها بكل نجاح، وزرعت فيهم الاخلاق والعادات الفاضلة الحسنة، حفظها الله واطال في عمرها.

ولد لهذين الفاضلين في عام 1403هـ، في جهة امطرقة، الواقعة في حدود قبيلة آل مدر، في الركن الجنوبي الغربي بعد نقيل امجربان، في احد ضفاف وادي ضمد من الغرب، فوق امرقة الواقعة في آخر حدود فيفاء مع بني حريص، وهي احد المراعي التي ترتادها اسرتهم لطلب الكلى، فهم أصحاب انعام وماشية كثيرة، يتنقلون خلفها لطلب المراعي الوافرة، فمناجعهم تمتد على حدود وادي ضمد من اعلاه إلى اسفله، وفي الحقو وفي حبط الجبل والدحر، فالأسرة في تنقل مستمر، فكل من اخوانه ولد في مكان مختلف عن الاخرين، حيث ولد هو في تلك السنة وهم مقيمون في هذا المكان (امطرقة)، وكان آخر العنقود لخمسة من الاخوة (ولدين وثلاث بنات)، وكان قد كبر والده عندما ولد، ورق حاله ولم يعد يطيق التنقل، حتى أنه اخيرا قرر الاستقرار والركون إلى الدعة والراحة، وسعى متدرجا إلى تخفيف ما يملكه من الانعام، ثم تحول بعدها إلى العمل في مهنة الزراعة، حيث أحيا اراضيه الزراعية الواسعة حول بيته في الحقو، الواقعة بين منطقتي الطحلة والكوابسة، قريبة من سوق فيفاء العام المحدث في الحقو، ولهذا لم يعاني كإخوانه من كثرة التنقل والانتجاع ، وفي مشقة العمل في الرعي والعناية بالأغنام، فكانت ذكرياته في هذا الجانب قليلة جدا، ولم يعلق بباله منها أي شيء ذو بال.

عاش طفولته الاولى في جهة الصماء، على حافة وادي ضمد، وكان بيتهم  قريب من الغيل، ويسمح له باللعب والسباحة في هذا الغيل، فكانت هذه الاماكن الرائعة والواسعة مراتع صباه وميادين لعبه، متنقلا في لعبه بين الغيل والرمال المحيطة، فكانت بحق طفولة ماتعة جميلة، فيها كثير من الحرية والحركة والانطلاق، لا يزاحمه فيها احد أو يضايقه، حتى أنه الف اللعب لوحده، فكانت حياة قاصرة على اهل بيته ومواشيهم، فالناس متباعدون بحكم طبيعة حياتهم الرعوية، كل مشغول بأموره الخاصة ومتابعة مواشيه الكثيرة، فلا يتلاقون في الغالب الا في المناسبات، أو في الزيارات المتباعدة، فعاش تلك الاجواء النقية الرائعة، التي تسودها الحرية والانطلاق والسعادة، لذلك كانت طفولته قبل المدرسة جميلة ماتعة، خالية من كثير من الهموم والمهام والمسؤوليات، فلا يوكل اليه شيء من مهام الأسرة واعمالها، لأن إخوانه الكبار هم من يقومون بكل هذه المهام، من رعي الاغنام او سقيها او متابعتها، ولا يبقى في الغالب ما يوجب تكليفه بشيء منها، حتى أنه لا يذكر أنه ورد الماء لأهله الا مرة واحدة، في رفقة أمه وهي تسوق حمارهم إلى الغيل، محملا بالجوالين الخاصة بالماء، وكان يسير بجانبها على قدميه، حتى أنه امتنع عن الركوب على الحمار خشية السقوط.

   كانت حياتهم حياة بسيطة بدائية، خالية من كل التعقيدات، وفقيرة من وسائل الراحة، حتى أن الاضاءة محدودة، قاصرة على السرج والاتاريك، وثيابهم يغسلونها بالأيدي على حافة الغيل، والطبخ على الحطب، وهذا الجانب اعطاه سعة البال، وخصوبة الخيال، والرضى بالحال وتقدير النعمة، وشكر الحال على أي حال، كانت حياة الناس في ذلك الزمان بسيطة، بعكس ما هي عليه اليوم وما آلت إليه، وما نحن فيه بحمد الله من خيرات ونعم لا تعد ولا تحصى، مما يوجب شكر المنعم المتفضل وعدم الغفلة والبطر.

تعليمه:

حرص والده على تعليمه منذ صغره المبكر، فاهتم بتعليمه مع بداية ادراكه ووعيه، وذلك ديدنه مع كل ابنائه من قبله، فيهتم بتلقينهم وتعليمهم القران الكريم، ومعرفة مبادئ القراءة والكتابة، وشيء من مبادئ الحساب، فلم يبلغ السن النظامية للدراسة إلا وهو يعرف الحروف ومبادئ الحساب، ويتقن قراءة قصار السور من القران، ولكنه ما إن بلغ السن المناسبة للدراسة، حتى حال مرضه عن التحاقه بالمدرسة، حيث اصابه مرض اقعده في الفراش، واستمر معه لما يقارب السنة، لم يترك اهله المراجعة به في كل مستشفيات المنطقة، في (فيفاء وصبيا وابو عريش وجيزان)، ثم اتجه به احد اخواله الى مدينة الرياض، وراجع به في مستشفى الامير سلمان (الملك حاليا)، وبعد فحوصات دقيقة طويلة، اكتشفوا انه مصاب بالحمى المالطية، ولم تكن حينها معروفة لندرتها، مع انها كانت مرضا خبيثا يعطل نمو اجزاء من الجسم، ويصاب المريض بالهلوسة الليلية، وكان معظم الناس يفسرونها بانها مس من الجن، وفي البداية كانت كل التقارير تفيد بانه سليم، ويصرفون له بعض المسكنات، فكانت تتعبه وتتعاوده من فترة إلى اخرى، ولكن بعد اربعة اشهر من الفحوصات والمراجعات لمستشفى الملك سلمان، تم تشخيص المرض والتعرف عليه من قبل طبيب سوداني، لكون هذا المرض معروفا في السودان، وكان سؤال الطبيب له هل انت من جازان، حيث اخبرهم أن هذه الحمى لا توجد الا في افريقيا، وفي المناطق المجاورة لها مثل جازان، وهو مرض يصيب المواشي، وينتقل منها إلى البشر الملاصقين لها، أو الذين يشربون من البانها دون تعقيم وغليان، وبالفعل يصعب التحرز من ذلك وهم يملكون مئات الرؤوس من الاغنام، ولكن بعدما تم تشخيص المرض سهل علاجه، وقد اكمل في الرياض ما يقارب العام، يتناوب على مرافقته فيها والده وخاله، ولذلك فات عليه العام الدراسي الأول، ولم يلتحق بالمدرسة إلا في بداية السنة الدراسية التالية، متأخرا عن اقرانه بسنة دراسية كاملة، ولذلك عندما التحق بالمدرسة كان اكبر طلاب الفصل، ولما كان عليه من التأهيل المسبق قبل المدرسة، من اتقان مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وحفظ بعض سور القران الكريم، فقد كان متميزا بذلك عن معظم زملائه.

 بالطبع اضطر ليكون قريبا من المدرسة، الانتقال من بيت والديه في الصماء، ليستقر عند اخواله المقيمين في الحقو، فوالداه مرتبطان بلبقاء مع انعامهم في مراعيها، وهي بعيدة جدا عن الاماكن المأهولة بالسكان، لكنه وجد في اخواله كل ترحيب وعناية، وهما محمد بن يحيى شريف الخالدي، ومفرح بن يحيى شريف الخالدي رحمهما الله، اخوة لأمه من الأم، عاشا من طفولتهما في حقو فيفاء، وتملكا فيها بيوتا واراض، ولهما اليوم ذرية صالحة مباركة.

   كانا والداه يتفاقدان احواله هو وأخواته عند اخوالهم، وهم يزورانهما في مكان اقامتهما في العطل المدرسية، وبعد عامين على هذا الحال، سعى والده إلى التخلص من كثير من مواشيه، ليستقر بعدها بصفة نهائية في بيته غابطن بالحقو، ويشتغل فيها بحرفة الزراعة والحرث، حيث استصلح اراضيه المحيط ببيته، وسارت بهم الايام والاعوام على خير حال، وهو يتدرج في دراسته إلى أن اكمل المرحلة الابتدائية، وحينها لم تكن في محيطهم القريب مرحلة تالية، ولرغبته ورغبة والديه في اكمال دراسته، فقد صحبه اخوه (الدكتور حسن)، إلى حيث يقيم في مدينة الخرج، والحقه فيها بأحد المدارس المتوسطة، مع بداية العام الدراسي 1416/1417هـ.

 في الخرج تغير عليه الوضع كثيرا، لابتعاده عن اهله وغربته، وبالذات واخيه مشغول عنه بعمله ودراسته، مما اشعره بكثير من الضياع والوحشة، وانعكس ذلك على تحصيله الدراسي، وعدم اهتمامه بمذاكرة دروسه، ولم يتنبه إلا في نهاية العام مع ظهور النتائج، عندما وجد أنه مكمل في اكثر من مادة، ولما عاد إلى اهله في العطلة الصيفية، مضت به ايامها ملتهيا بزياراته ولعبه عن المذاكرة، فلما حان موعد السفر لاقتراب اختبارات الدور الثاني، وقد لاحظ عليه والده ذلك الاهمال وعدم الاهتمام، فقرر حينها عدم السماح له بالسفر، خشية أن يواصل اهماله وضياع عمره دون فائدة، فلم يرى جدوى في بعده عنهم، فقد كانت تجربة فاشلة في جانب دراسته المنهجية، رغم أنه استفاد في جوانب اخرى لا تقل اهمية، وبالذات حفظه لثلاثة اجزاء من القرآن الكريم ( النبأ والملك والمجادلة)، عندما الحقه اخوه بإحدى حلقات القران الكريم، وهذه كانت من اكبر المكاسب، بقيت معه وقومت لسانه كثيرا.

   بقي مع اهله في فيفاء، والحقه والده مع بداية العام الدراسي 1417/1418هـ، في متوسطة العيدابي، ومعه مجموعة من طلاب منطقتهم يدرسون فيها، حيث يذهبون مع بعضهم ويعودون في نهاية كل يوم، وابتدأت معه تجربة جديدة، اعاد فيها دراسة الصف الاول المتوسط، وقد نجح في نهاية هذا العام الدراسي، ولكنه في السنة الثانية عاد من جديد إلى اسلوب اللعب والاهمال، بسبب ابتعاده عن الرقابة اللصيقة لوالده، لانتقل في ذلك العام للسكن مع اخته المتزوجة في العيدابي، فمضى به العام ليجد نفسه في نهايته راسبا، مما اضطره إلى اعادة دراسة الصف الثاني مرة ثانية، وهنا احتار والده في تفسير اخفاقاته المتكررة، واعاد ذلك إلى قصور في قدراته الشخصية، أو نقص في استيعابه العقلي، وإلا كيف به يأخذ السنة في سنتين، ورأى أنه لا جدوى من استمراره على هذا الحال، ولهذا وجهه إلى ترك الدراسة نهائيا، والبحث عن مجال اخر يتقنه وينفع به نفسه، وبعد مناقشة وتفكير توجه إلى منطقة عسير، و في ابها التحق بالمعهد المهني، وتخصص في قسم المكانيكا العامة (مخارط حديد)، وانتظم في هذا المعهد وانسجم فيه واحب هذا المجال، وواصل دراسته على مدى السنتين المقررة، إلى أن نجح في نهايتها يحمل الشهادة المهنية، وكان حينها قد استوعب الدرس، وندم على تفريطه السابق، لذلك سعى من جديد إلى التسجيل في الصف الثالث المتوسط، في احدى المدارس الليلية في حي الشرفية بالخميس، ودرس فيها الفصل الدراسي الاول ونجح، واكمل دراسة الفصل الثاني في مدينة الرياض حيث انتقل اليها، وواصل دراسته في مدرسة خالد بن الوليد بالدرعية، ونجح في نهاية العام الدراسي حاصلا على شهادة الكفاءة، ثم انشغل بعدها بالعمل الوظيفي وبالزواج، ومضت به السنين حتى استقرت اموره، وثبت عمله الوظيفي في مدينة الخميس، وهنا اصر على نفسه في اكمال دراسة المرحلة الثانوية، وسجل في احدى المدارس الليلية في الخميس، وجد واجتهد وثابر على دراسته وعلى انتظامه، ولم تقابله بحمد الله أي معوقات، إلى أن نجح من الصف الثالث الثانوي، وهنا ارتفعت معنوياته، وتطلع بشغف إلى اكمال مسيرته الجامعية، ولكنها تبدت امامه في تلك الفترة معوقات اخرت سرعة التنفيذ، والتي كان من اهمها انشغاله كعسكري بالمشاركة في عاصفة الحزم، بعدما تم تكليفه بالعمل على الحدود مباشرة، ولكن ما إن انفرجت الأمور وخف العبء، حتى سعى من جديد إلى استئناف مسيرته الدراسية، واستطاع بفضل الله اللحاق بفرصة الدراسة الجامعية عن بعد، لأنها الوحيدة التي تناسب ظروفه، وتم قبوله بحمد الله في جامعة الملك عبدالعزيز بجده، واختار التخصص الي يميل اليه ويحبه، ويشعر أنه يحقق له رغباته الذاتية، واختاره بعناية فائقة، وتفكير واستشارات مطولة، بعد أن جلس مع احد المستشارين في الرياض، وعرض عليه ميوله وامكانياته، واخبره بجوانب الضعف لديه، وبالذات في اللغة الانجليزية، واطلعه على تعلقه وحبه الكبير للقراءة والاطلاع، وميوله الاكثر في قراءاته إلى الجوانب النفسية والاجتماعية، ولذلك اشار عليه المستشار بأن يتخصص في علم النفس وعلم الاجتماع، ولكنه لما بحث عن امكانية التسجيل في هذا التخصص، وجد القبول فيه غير متاح، فدله على أن يتخصص في قسم التسويق، لكون اهم مرتكزات هذا القسم تتلخص في المهارة وحسن التعامل مع الناس، ولهذا لا بد أن من اهم مواده تتمحور في علم النفس وعلم الاجتماع، وسيكون تخصصا شاملا يتوافق مع ميوله، وبالفعل اتجه لهذا التخصص ولم يندم، حيث وجد فيه ضالته وما يميل إليه، ووجده تخصصا جميلا كاسمه، درس فيه مجال ادارة الاعمال، وتعمق في علم النفس وعلم الاجتماع، وتوسع بنفسه خارج المقرر، واستزاد منه في تطوير قدراته، فبدأ جادا في قراءة نظريات علم الاجتماع وعلم النفس المختلفة، واشتغل في تحصيل ما تميل إليه نفسه في هذه العلوم، واهتم بالقراءة الجادة المكثفة، وكان خير معين له في دراسته، طبيعة عمله العسكري على الجبهة، التي يعيش فيها العسكري في شبه عزلة، بعيدا عن الصوارف والملهيات، فلا يوجد ما يصرفه أو يشغله عن دراسته واستذكاره، حيث تحظر شبكات الاتصال وما تحمله من ملهيات، ثم طبيعة نفسه وعدم تعلقها بالألعاب والتسليات، فكان يقضي معظم وقته في المذاكرة والقراءة، وكانت من اكبر متعه وهواياته، فكان يأخذ معه ما يحبه من الكتب والمقررات، وينغمس في القراءة دون ما شاغل إلا واجباته، وبقي على هذا الوضع الجاد ينشد تحقيق الهدف، يتدرج صعودا في مستويات تخصصه، إلى أن تخرج بحمد الله من هذه الجامعة، حاملا شهادة البكالوريوس في التسويق، مع نهاية العام الجامعي1440هـ.

وكما لاحظنا بأنه لم يكتفي بدراسته للمواد المقررة فقط، بل سعى إلى زيادة معلوماته وثقافته في هذا التخصص بالقراءة الحرة، حتى أنه استوعب كثيرا من اساسيات العلم الذي يهواه، وصنع نفسه وهيئها التهيئة المناسبة، فبالإضافة إلى قراءاته المكثفة في كل جديد ومفيد فيها، كان يحرص على الالتحاق بالعديد من الدورات والبرامج المتخصصة، حتى أنه حصل على اعتمادين في التدريب، احدهما من الاكاديمية الكندية، والاخر من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، واصبح بذلك مدربا معتمدا، وشارك في بعض البرامج في الاذاعة والتلفزيون، ولديه كثير من الدورات في تخصص الاخصائي النفسي، ومع انها دورات قصيرة لساعات محدودة، ولكنه كان يسعى من خلالها إلى توثيق الاشياء التي يقرأها في هذا التخصص، ومن ذلك ما يختص بالاكتئاب ومعالجته، حتى أنه استفاد منها، وخرج بنتيجة ما يعرف بالنظريات المعرفية في السلوك، وهي نظرية يتوصل من خلالها إلى ايجاد افكار تغير نظرة المتلقي للحياة، وتفتح له باب الامل بما يتوافق مع الحياة الصحيحة، وبما يتوافق مع معتقدنا وديننا الحنيف، فالإسلام دين شامل على خيري الدنيا والاخرة، يجد فيه المسلم الغناة عن كثير من النظريات العالمية، التي لا شك تحتوي احيانا على شطحات قد تتعارض مع الدين، والمسلم يحرص على تقوية اعتماده الخالص على الله دون سواه، وفي اقراره الجازم بانه انسان ضعيف ببعده عن الله سبحانه وتعالى، ويسعى إلى تقوية ايمانه وحسن توكله على الله دون احد سواه، مع توجيهه إلى بذل الاسباب والمسببات، ليصل في النهاية بمشيئة الله تعالى إلى بر الامان والعافية، وقد اكمل في هذا المجال ما يزيد عن ثمان وعشرين دورة وبرنامجا, وما يزال إلى اليوم يترقى في شتى الجوانب والمعارف، والاستزادة من العلوم النفسية والاجتماعية، وفي تخصصه المال والاعمال .

احب كثيرا العلم واهل العلم والمشايخ الافاضل، ويحرص على حضور دروسهم، والاستماع إلى محاضراتهم، واستفاد من ذلك في كل جوانب الحياة، ولم يقتصر على ملازمة شيخ واحد بعينه، بل يسعى إلى الأخذ من الجميع، قال صلى الله عليه وسلم  (الحكمة ضالة المومن أنى وجدها فهو احق الناس بها)، وليس عنده (كما يقول) تعصب لأي شيء في الحياة سوى دينه، فيأخذ من الجميع كل نافع ومفيد، ويترك ما سوى ذلك مهما كان.

العمل الوظيفي :

بعد ان انهى الدراسة في المعهد المهني، اتجه للعمل الحر، وعمل أولاً في صناعية مدينة ابها، على مدى ستة اشهر تقريبا، مارس العمل في تخصصه المكانيكا العامة والمخارط، وكانت غايته اكتساب الخبرة وصقل مهاراته، وانتقل بعدها إلى مدينة الرياض، وتوظف هناك في مصنع حديد الراجحي، المصنع الخاص بتصنيع اسياخ حديد التسليح للمباني السكنية، و المصنع يقع على مخرج سبعة بين الرياض والخرج جهة الرفايع، ولكن راتبه كان قليلا لا يتجاوز الالف واربعمائة ريال، والدوام طويلا ومرهقا، يقارب التسع ساعات في اليوم، من السابعة صباحا إلى الخامسة مساء، يتخلله فترة راحة في الظهيرة لمدة ساعة، مخصصة للغداء والصلاة، ومع انه موفر لهم سكن داخل المصنع، ولكنه بالنسبة له نوع من الغربة، فمعظم العمال في المصنع وفي السكن خليط من الاجانب، غالبهم من العمالة الفلبينية، ومن عدة جنسيات (يمنية وافارقة ومن كل العالم) ولا يمثل السعوديون بينهم إلا نسبة قليلة، ولهذا لم يستفد من هذه التجربة شيء، حتى في اكتساب اللغة الانجليزية، إلا ما يتعلق بالتخاطب في التعاملات اليومية المحدودة، حتى أن توظيفهم انما كان خاضعا لقرار السعودة، الذي اقره حينها معالي وزير الصناعة الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، ولم يستمر فيه سوى سنتين ونصف تقريبا، لأن الوضع لم يتحسن كما كان يتوقع، فلم يستطع تكوين نفسه من خلال هذا الراتب المتدني، مما اضطره اخيرا إلى تركه والبحث عن الافضل.

  اتجه بعدها للعمل في احد الاسواق المركزية، في حي المرسلات شمال الرياض، وعين فيه على وظيفة  محاسب في القسم النسائي، ولم يرتاح من البداية في العمل في هذا الموقع، حيث اصطدم بأمور تناقض اخلاقه وفطرته النقية، وبما يراه منتشرا من كثرة الاختلاط والتبرج، ولهذا لم يستطع الاستمرار طويلا، رغم مصابرته وضغطه على نفسه لحاجته الماسة، ولكنه في الاخير قرر مضطرا إلى ترك هذا العمل، بعد أن امضي فيه حوالي السنة والنصف، وآثر البعد وتجنيب نفسه مواطن الفتن، وقد تعلم من هذه التجربة كثيرا من الدروس والخبرات، كان من اهمها أن الحياة ليست شرا محضا ولا خيرا مطلقا، وأن الخير قد يكون في باطن الشر أو العكس، وتعلم من خلال الممارسة وجوب المرونة، وحسن التعامل مع الاخرين، حيث تمر بك في الحياة كثير من نوعيات البشر، مما يجب عليك حسن التعامل السليم مع الكل، والتعامل المرن مع كل الحالات وكل التناقضات.

وبعد تركه لهذه الوظيفة اتجه لممارسة الأعمال الحرة، فنزل إلى السوق ومارس وجرب اكثر من مهنة، ابتدأها بالعمل في سوق الخضار، زاول فيه البيع والشراء لأكثر من ثلاثة اشهر، ووجده عمل مرهق فوق الاحتمال، ولهذا اتجه للعمل في مجال آخر، ووجد نفسه يعمل في مجال تجهيز الدورات التدريبية، وعمل فيها مشرفا ومنسقا داخل القاعات، ونجح واستمر في ذلك لما يقارب العام، وكان عمله يتلخص في تجهيز السبورات، واعداد ما يلزم من الوسائل التعليمية، ويكتب التعليقات ويقدم العروض، بل ويعد احيانا العروض الخاصة بالكمبيوتر والبورينيف، التي يقوم المحاضر بالشرح عليها، واكتسب من خلالها خبرات نافعة في هذا المجال، واستفاد منها الكثير وتعلم، مما نفعه عندما اشتغل بعدها في مجال التدريب.

وبعد هذه التجارب المتعددة في اكثر من مجال، اتجه  إلى طلب الاستقرار الوظيفي والمادي، وفيما كان يفكر ويبحث هنا وهناك، نبهه ودله الشيخ جابر بن يحيى الثويعي حفظه الله، على التوجه إلى السلك العسكري، وانه المناسب له اكثر من غيره، بل وعرّفه على الطريق الموصل لتحقيق ذلك، إلى أن تم قبوله في قسم التجنيد بالخرج، ووجه للعمل جنديا في حفر الباطن، وباشر هناك واستقرت حياته واطمأنت نفسه، واحب هذا العمل وتأقلم معه بكل حواسه، واستمر في حفر الباطن لحوالي ثلاث سنوات، ثم طلب نقله إلى خميس مشيط، لتعلقه بها وليكون قريبا من والديه في فيفاء، ولكن لم تلبث أن قامت المشاكل في اليمن بسبب الحوثيين، ونشبت الحرب الاولى في عهد الملك عبدالله رحمه الله في عام 2009م، وعمل على نقله مع من شارك في العمل حينها على الحدود، ولما انتهت الحرب عاد إلى وحدته في الخميس، وبعد خمس سنوات جاءت في عام 1436هـ عاصفة الحزم ، مع تجدد مشاكل الحوثيين مرة اخرى، واعتداهم على الاراضي السعودية، فكان من ضمن من كلف بالمشاركة في الدفاع على الحدود، حيث اتجهت الوحدة التي يعمل فيها إلى منطقة جازان، وبقي هناك مشاركا إلى عام 1440هـ، حيث تمت ترقيته ذلك العام على رتبة وكيل رقيب في الخميس، وباشر فيها على هذه الرتبة، وبقي هناك إلى عام 1443هـ، ثم كلف مرة اخرة بالعمل في منطقة جازان، وما زال فيها إلى هذا اليوم، يفخر بالرباط على حدود الوطن، وفقه الله وحفظه، ونصر ابطالنا وقواهم وثبت اقدامهم.

الانشطة الاجتماعية:

طور قدراته في مجال علم النفس وعلم الاجتماع، التي احبها ووجد في نفسه ميلا قويا إليها، ولما درس مقدماتها واساسياتها في الجامعة، وبدأ يقرأ ويتوسع ويتعمق في علومها، ويستوعب كثيرا من النظريات المختلفة فيها، زاد شغفه بهذه العلوم والتخصص فيها، وحرص على الالتحاق بالدورات والبرامج الخاصة بها، ثم فعّل قدراته وتعمق في الفهم والاستيعاب، وبعدها سعى جادا بكل اصرار على نفع الناس بما تعلمه، واجتهد في المشاركة الفاعلة في كل المحافل واللقاءات والمهرجانات المتاحة، في منطقة جازان وغيرها، وقدم كثيرا من الدورات المتعددة، بمبادرات منه أو بطلب من الاخرين، ويتجاوب بكل اريحية وبدون مقابل مع أي دعوة تقدم اليه، بل ويقدم الاستشارات في مراكز التنمية الاجتماعية، حيث تعاون لأكثر من اربع سنوات في مركز بطحان في محافظة العارضة، قدم خلالها وما يزال الاستشارات في برامج التواصل، فيما يتعلق بالحياة الاسرية والزوجية والشباب، وكانت بحمد الله بابا كبيرا للنفع والتأثير الايجابي للناس، حتى أنه كان يصادف احيانا اناسا يشكرونه ويدعون له، ويذكرون له ما افادهم به في احد هذه الاتصالات، عن طريق (الاستقرام أو تويتر)، مما يشعره بكثير من السعادة والغبطة، وهذا المردود الايجابي لا يقدر بثمن، ولا يعادلها أي مكسب آخر مهما كان، فكم بفضل الله ساعد في رأب صدع زوجين كادا يفترقا، وفي الحفاظ على اسرة من التشتت والضياع.

  لقد عمل بفضل الله عضوا فاعلا في لجنة اصلاح ذات البين في قبيلته (آل مدر)، ووجد مردوداتها تفوق كل نجاح، بل وتضفي عليه كثير من البهجة والسعادة، ولقد وجد أن في ما يقدمه الكثير من الراحة المتناهية، وشعر أن ما تعلمه وما تعب في تحصيله كان نافعا للناس فوق ما يتوقع، فهو يقدم الاستشارات بكل انواعها دون ما ملل، إلى أن انتشر بين الناس أنه مستشار اسري، ووثق به كثيرا لما وجدوا عنده من النفع، فيتواصل معه كثير من الشباب وكثير من الاسر، وهو يجتهد ويبذل جهده في نفعهم وافادتهم، وشارك في العديد من الفعاليات، في مسرح مهرجان البن بالداير، ومهرجان العسل في العيدابي، وفي مسرح ابو عريش والدرب، وغيرها من محافظات المنطقة، وقدم دورات ومشاركات في الجهات التعليمية في المدارس، وفي كلية التقنية في الداير، وفي مركز الحي بعيبان ببلغازي، وثانوية الفيصل بالخميس، وكثير من الجهات والمحافل، وفي جمعية البر الخيرية في العارضة، ومركز التدريب في بطحان بالعارضة (معهد تشكيل المستقبل)، حيث قدم فيها اشياء متعددة مما يهم الناس، سواء ارشادية واجتماعية وتوعوية، وهو يتكلم كثيرا عن الاسرة وعن التربية للأبناء، ويقدم النصائح التحفيزية للشباب، مما يدفعهم إلى خوض غمار الحياة بكل شجاعة، وفي مواجهة المشاكل دون خوف أو تردد، وفي كيفية الخروج منها باقل الاضرار، وفي كيفية الحصول على اكبر النتائج وانفعها، حيث يتحدث بطرق علمية عن الجوانب التربوية والشخصية والاسرية، في هذه المؤسسات والمهرجانات، وفي الاماكن التي تتاح له فرصة الحديث فيها، ويتم استضافته كثيرا في برامج الواتساب، حيث يجيب على الأسالة والنقاشات، ويحاور فيها بالنافع المفيد، وقد استضيف اكثر من مرة في برامج الاذاعة والتلفزيون، ويقوم بمبادرات شخصية منه في كثير من الأنشطة الاجتماعية والرياضية، في مثل مسابقات كرة الطائرة، وفي بطولة البلاستيشن، وفي المسابقات الثقافية والاجتماعية، وسبق له ان عمل مسابقة على مدى ثلاث سنوات، اسماها (نخبة فيفاء)، تشمل البنين والبنات، قدمها تحت مظلة مركز التنمية الاجتماعية بفيفاء، في قسم ومركز التواصل الاجتماعي بالغربي، وكان يعدها ويختار لها بعض الكتب النافعة المناسبة لفئة الطلاب، سواء منهم البنين او البنات، ويصوغ عليها بعض الأسالة، التي يقدمها لبعض المعلمين والمعلمات، المتعاونين معه في بعض المدارس، وهم يصححون ما يرد اليهم من اجابات الطلاب والطالبات، وبعدها تجمع وترسل إلى المركز، وفي المركز تطبع لهم شهادات باسم ادارة المركز، وهو الذي يشرف عليها، ويساعده القائمون على المركز في ذلك، ولا زال هذا النشاط والمجهود قائما إلى الان، ويعتمد له مركز التنمية الاجتماعية ميزانية مناسبة خاصة، واحيانا يتعاونون في جمع المبالغ التشغيلية، وفي توفير الجوائز التحفيزية، عن طريق بعض المتطوعين، والامور والحمد لله تسير على خير ما يرام، وكل ما يقدمه انما هو تطوع منه دون أي مقابل مادي، وما زال يقدم مساحات في تويتر وغيرها، يتكلم فيها عن امور اجتماعية، وكما هو معروف أن الناس تحب وتميل إلى الاشياء المختصرة والمركزة، بخلاف الاشياء الرتيبة والروتينية، فتجدهم يملونها ولا يتقبلونها، ولكن إذا كانت المادة تقدم في خليط متعادل من النافع والقصص والسوالف الجاذبة، فهي تجذب المستمع وينتفع منها بفضل الله وتوفيقه، ومنها برنامجه المشهور (بهروجنا)، الذي تميز به واشتهر كثيرا بين الناس، حتى وصلت حلقاته اليوم إلى ما يقارب المائة والثلاثين حلقة، وهي عبارة عن مقاطع مختصرة ومركزة، تخاطب اهالي فيفاء ومن حولها باللغة المتادولة بينهم، ونالت رضى كثير من المتابعين، لمحتواها الجميل ورسائلها التوعوية، (دينية واجتماعية واسرية)، وكانت فكرتها (كما يقول) قديمة من خلال الاصدقاء في الدراسة أو في الكرة، يقدمها في اللقاءات اليومية، وفي الدوريات الرياضية في فيفاء وخارجها، ووجد لها قبولا لكونها تحتوي على اجابات لكثير من الأسالة الحائرة لدى الشباب، فمع التحاور مع الاخرين، تجد أن لديك أو لديهم أسالة حائرة لا يجد الواحد اجابتها، ولا يتوفر له من يطرحها عليه، ففي العادة أن الصغير يحس أن بينه وبين الآخرين حواجز تمنعه عن السؤال، فيرى أن  المعلمين أو المشايخ وكبار السن حتى من اهله، صعب عليه أن يجرؤ في  طرح مثل هذه الأسالة عليهم، اما من باب الخوف أو الخجل، وتبقى معظم هذه الأسالة حائرة مغلقة امامه، ولذلك كانت هذه احدى اسباب التفكير في ايجاد مثل هذه النافذة، وفي العمل على ايجاد اجوبة لكثير من التساؤلات، التي في العادة قد تخطر على البال، ولتكون متاحة لكل من اراد الاقتباس منها أو الوصول إلى اجاباتها، وبعد تفكير وتجارب ومحاولات، توصل إلى أن الافضل هو تقديمها بهذه الطريقة المبسطة، وهي في الحقيقة من اصعب واشق البرامج، لأنها تحتاج إلى تحضير جيد ومركز للمادة، وتتطلب البحث عن المعلومة الصحيحة، مما يلزم الرجوع إلى المراجع والكتب المختصة، أو في اقتباسها من اهل الاختصاص والعلماء ومن كبار السن، ثم اذا ما اكتملت هذه المادة من جميع الجوانب، سعى جاهدا إلى تقديمها بأسلوب سهل ومبسط، وقد زادت مع الوقت والخبرة كثيرا من النضج والتطور، ولما وجد ان معظم المتابعين والمستفيدين منها هم من ابناء منطقة فيفاء وما جاورها، المتماثلين في البيئة والافكار والهموم والاهتمامات، فعمل من البداية التي كانت قبل حوالي ثمان سنوات، على انشاء هذا البرنامج، وكان حينها تحت عنوان(بلسان قومي)، الذي اقتبس عنوانه من قول الله تعالي( وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم)، وقد وجد تجاوبا مشجعا، حينما خاطب الناس بلسانهم المفهوم، بخلاف ما لو كان يخاطبهم باللغة الفصحى، فرى تقبل الناس الكبير، لهذا المحتوى العلمي والنقدي والارشادي بلهجتهم، وبالذات إذا كانت بخطاب غير املائي، بحيث يكون في شكل خطوات تطبيقية وليست تنظيرية، بل تكون خالية من التوجيه المباشر (افعل أو لا تفعل)، ولما كبرت الدائرة وكثر المتابعون، وبعد مضي ثمان حلقات ناجحة، تحدث فيها عن عدة مواضيع عامة وخاصة، منها عن المتقاعدين، وعن اختلاف الآراء، وعن تدبر القران والخشوع في الصلاة، وغيرها من الامور المهمة، حيث لاحظ أن العنوان بهذا الشكل (الفصيح) ما زال يشكل حاجزا، ولذا جاءته فكرة تغييره ليتطابق مضمونه مع اللهجة، فاختار هذا  العنوان الحالي (بهروجنا)، ومع صدور أول حلقاته بهذا العنون الجديد،  وجد أنها لاقت نجاحا مطردا، وانتشارا واسعا فوق ما كان يتوقع، وقبولا حسنا دفعه إلى زيادة الاهتمام والحرص والعناية به، وحفزه و شجعه على مواصلة الطريق، وكان اكثر ما يتعبه فيها هو اختيار الموضوع، ثم التحضير المناسب له، لأن الامر يتطلب حسن اختيار هذه المادة، بحيث تكون فكرتها مفيدة ونافعة، وبعد ذلك يأتي حسن انتقاء الكلمات الرديفة المطابقة (لهروجنا)، ثم اختصارها اختصارا غير مخل بالفكرة، و(خير الكلام ماقل ودل)، والناس يحبون هذا الاسلوب ويملون من التطويل، ولذا يكفي الاشارة الي الفكرة دون التوسع والاسهاب، ويمكن إذا كان الموضوع طويلا، العمل على تجزئته إلى  فقرات وحلقات متعددة، وعمل على أن لا يتجاوز ما يقدمه الدقيقة الواحدة، ويقدمه بكل اريحية بأسلوب مبسط خال من التكلف، وفي الغالب يسجل هذه الحلقات داخل السيارة، والسر في ذلك لما وجده من الميزات التي لا يجدها في أي مكان آخر، ولخص هذه المميزات في أربعة امور، الاولى توفر الهدوء داخل السيارة اكثر من غيرها، والثانية توفر الاضاءة المناسبة، فالمحيط حولك مظلما والاضاءة تأتي مركزة عليك من الأعلى، ثم الثالثة تحكمك بالتكييف من حار أو بارد، فلا تشعر بالضيق او التعب مهما طال بك الوقت، والرابعة سهولة تحصيل كل هذه العوامل في أي وقت تشاء، فمتى ما خطرت الفكرة على بالك، استطعت تنفيذها في الحال، فما عليك إلا التوقف على احد جوانب الطريق والتسجيل، وبالذات لمن كانت اوضاعه مماثلة له، لأنه كثير الاسفار والتنقلات بالسيارة، لحكم عمله العسكري البعيد عن مكان سكنه، ووجود اهله ووالديه في منطقة اخرى، لذلك فمعظم اوقاته تجده في سيارته مسافرا هنا وهناك، ثم أن من هواياته المحببة التنقل الدائم، اما للتنزه أو للمشاركات المتعددة، فهو عاشق للرحلات والتنزهات وغيرها، وفقه الله وبارك فيع ونفع به، مع أنه بعد مرور هذه السنوات، وما حققه من نجاحات مطردة في هذا البرنامج، اصبح يفكر في ايقافه، بحجة اكتمال اهدافه وغاياته، ويرى الاكتفاء بما قد تم وإعادة بثها من وقت إلى آخر، ولا ادري هل هو محق في هذا القرار، لذلك نرجو أن يعيد حساباته، وتقييمه قبل الاقدام على هذه الخطوة، نسال الله له التوفيق والنجاح وأن يجزيه خير الجزاء.

ومع أن له مساحات اخرى في تويتر وفي التكتك، يقدم من خلالها بثوثا توعوية وتثقيفية، بنفس الطريقة يعد مواضيعها ثم يعلن عنها، ويقدمها على الطبيعة من اماكن متعدد من الجبل أو غيره، تتطرق ايضا إلى مواضيع متعددة، منها عن الصحة النفسية، وعن تربية الابناء، وعن التوافق الزوجي، وغيرها وفقه الله وبارك في جهوده ونفع به.

الهوايات:

  له كثير من الهوايات النافعة جسميا وعقليا، وفي مقدمتها تعلقه وحبه الشديد للقراءة والاطلاع، ولهذا فهو مشترك في عدد من المكتبات، ويحرص على زيارة معارض الكتاب حيث ما اقيمت، بل ويحب المكتبات ويعشقها، ولا يمل البقاء والتردد عليها، وفيها ينسى تماما نفسه وكل شيء، حتى أنه لا يشعر بالجوع ولا بالوقت، وكم من مرة زار أحد المكاتب، وطال به التطواف فيها إلى أن تطفأ الأنوار احيانا، لانتهاء الدوام المحدد فيها، وهو لم ينتهي بعد مما حضر من اجله، ولم يكمل شراء ما يريده منها، ويخرج مكرها وهو يعلل نفسه بأنه سيرجع إليها في الغد، فالكتب وعالم القراءة والاطلاع من احب اولوياته وهواياته، يستهويه فيها القراءة في الشؤون الاسرية والاجتماعية والتربوية والنفسية، مما يلامس احتياج كل انسان، مهما كان لونه أو جنسه ولغته ودينه، وكذلك له اشتراكات في كثير من الكتب الصوتية، لأنه يستمع إليها شبه يوميا مع ما يقرأه منها، ثم من هواياته ممارسة كرة القدم، ويأتي من بعد هاتين الهوايتين حبه للقاءات والاجتماع بالناس، لأنه بطبيعته وجبلته انسان اجتماعي، وهو لذلك يعشق النزهات والطلعات والرحلات، ويحب الاطلاع على الاماكن الطبيعية، وبالذات في اعالي الجبال الباردة، فيحب الضباب والمطر والخضرة، واذا ما سمع صوت الرعود أو اخبره احدهم بنزول الامطار في مكان قريب، اندفع إليه دون تردد، يدفعه لذلك حب التمتع بهذه الاجواء، وهو في حقيقته انسان متوافق مع نفسه، لا يتكلف غير ما يحب و يتجنب ما لا يميل إليه، وفقه الله وحفظه وزاده علما وفضلا.

كلمة اخيرة:

يحب أن يفردها بإبراز الفضل الاكبر عليه لأخيه ابي هشام، الدكتور (حسن) حفظه الله ووفقه، فقد اكتسب منه كثيرا من الفضائل والفوائد والمنافع، فكونه الأخ الشقيق الاكبر، فقد وجد فيه القدوة والمثال والنموذج الامثل، وجده قارئ ومثقفا ومكافحا دؤوبا، قدوة شاخصة امامه بافعاله واقواله وتوجيهاته، فكان له نعم الاخ ونعم الناصح ونعم المعين، حفظهما الله ووفقهما وزادهما علما وفضلا.

الحالة الاجتماعية:

زوجته هي الفاضلة فايزة بنت سلمان قاسم جبران المدري حفظها الله، متعلمة تعليما عاما (الثانوية)، وتتميز بأنها ام فاضلة وربة بيت ناجحة، اعانته كثيرا في حياته، وهي من تدفعه دوما نحو البذل والنجاح، حفظت عليه بيته واولاده في غيابه، وهو كما راينا كثير الغياب، لطبيعة عمله العسكري، ثم لكثرة مشاركاته الاجتماعية المتعددة، وتعدد اسفاره ورحلاته المتواصلة، ولذلك فهو يعتبر أي نجاح حققه أو يحققه في المستقبل، يجب أن يجير لهذه المرأة الصالحة الفاضلة،  وكما قيل (وراء كل رجل ناجح امرأة)، قال صلى الله عليه وسلم( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا الزوجة الصالحة)، فهي ولا شك تلك الزوجة الصالحة حفظها الله ووفقها، وقد رزقا بأربعة اولاد، ابنان وابنتان، وهم على  النحو التالي :

  1. جوري تدرس في المرحلة المتوسطة.
  2. جواد يدرس في المرحلة الابتدائية.
  3. ورود تدرس في المرحلة الابتدائية.
  4. ضياء يدرس في المرحلة الابتدائية.

حفظهم الله ووفقهم، وبارك فيها من اسرة كريمة صالحة، وبارك فيه وفي جهوده، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله، وزاده علما وفضلا ونجاحا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال

توقيع الشيخ

                                                           الرياض في 1444/9/3هـ

سيرة-الأستاذ-جبران-بن-جابر-سليمان-المد

المقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى