وطن الوفاء في يوم الوفاء
اليوم الوطني السعودي 93
كانت دعوة الخليل إبراهيم عليه السلام وطلبه من الله تعالى أن يمنَّ على هذا البلد بنعمة الأمن قبل نعمة المأكل والمشرب، لأهمية الأمن في الحياة، فكيف يستسيغ الآكل لذة أكله وسد جوعه وبين جوانحه خوفٌ يحيط به ترتعد منه فرائصه، ولن يطيبَ له المقام بها أبداً ولن يهنأ له عيشٌ بتاتاً وهو يعاني الخوف، فقدم خليل الله إبراهيم عليه السلام نعمة الأمن على نعمة العيش، فاستجاب الله دعوة خليله وجعل هذا البلد آمناً بفضله، فهو بدعوته وطن آمن بفضل الله تعالى، والوطن الآمن تهفو له القلوب، وتهواه النفوس، وتعشقه كل الناس، وطنٌ آمن بحرمة الحرمين الشريفين وأمنهما، وطنٌ به قبلة المسلمين ومهد الرسالة، ومهوى الأفئدة، وطنٌ يضم جسد أطهر الخلق ﷺ، وطنٌ يحتضن مقاسات الإسلام وملايين الحجاج كل عام، ويرفل بنعيمها وأمنها ملايين الناس غير أهلها من جميع الدول، وطنٌ آمن – ولله الحمد والمنة – والأوطان تتهاوى وتتساقط من حولنا على مرأى ومسمع من العالم كله، “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ” [سورة العنكبوت] الآية 67.
بلادٌ تحكِّم بشرع الله تعالى منذ قيامها على يد الإمام محمد بن سعود والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمة الله عليهما.
ثم جاء بعدهما مؤسسها وباني وحدتها الملك عبدالعزيز-رحمه الله- وأرسى قواعدها على النهج القويم والطريق المستقيم، وجعل دستورها كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فلا تحيد عنهما.
بلادٌ أقامها المؤسس -رحمه الله- بالسيف ونَشْر الخير وضحى بروحه وبجنوده من أجل بقائها صامدة في وجه الأعداء، وفي وجه كل من سولت له نفسه سوءً بها وفيها، وجعل قواعدها راسخة على الشرع المطهر فلن يضرها شيء بإذن الله، وقامت على بطولاتٍ وملاحمً تاريخية مسطرة في دواوين التاريخ، ولها ماضٍ عريق يضرب في عمق التاريخ، فمن يقرأ تاريخ المملكة العربية السعودية في الكتب والمؤلفات يرى العجب، تاريخٌ مجيد وبطولاتٌ وانتصاراتٌ ومعاركَ عظيمة وتوحيد لشتات البلاد، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، وفتح للرياض واستيلاءٌ على المصمك قصر الحكم السعودي العريق واستعادة ملك آبائه وأجداده، وتطهير لمكة المكرمة والمدينة المنورة من المستعمر، وتأليف بين القبائل المتناثرة والمتحاربة، وتأمين عيشها ومعاشها، وتأمين لحدود الوطن المترامية الأطراف، تاريخٌ عظيم مسطَّر، فقد سخر الله هذا المؤسس لتوحيد هذه الجزيرة ولمِّ شتاتها، وجمعهم على دين الله تعالى، وتنقية عقيدتهم من الشوائب والشركيَّات، وتأمين طرق الحج والحجاج، وتأمين فريضة الحج العظيمة، لو بقيت أعدد هذه النعم، لن أستطيع، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).
وطنٌ كل همه وهم قيادته الرشيدة المباركة القيام على خدمة الشرع وخدمة المسلمين في أصقاع الأرض المعمورة شرقاً وغرباً، وتوحيد كلمة المسلمين، وجمعهم على كلمة واحدة، ألا يستحق منا التضحية والفداء بكل غالٍ ونفيس ليبقى عزيزاً شامخاً، كما هو دائماً وباقٍ في شموخه وعزته، وطن عزيز وغالٍ على قلوب أهله ومحبيه.
وطنٌ نحتفي به كلّ عامٍ في يوم الوفاء، وطنٌ هو الماضي والحاضر والمستقبل، وطنُ الفخر، وطنُ المنجزات، وطنُ الأمن والأمان، وطنٌ لن ينثني عزمه القوي الشامخ، الشديد البأس على أعدائه بفضل الله وتوفيقه، وبعزم رجاله الأوفياء وقادته الأقوياء، وطنُ الوفاء وطنُ العزة والكرامة، وطن الخير والنماء، وطن الإسلام والمسلمين، وطنٌ وفرَّ لشعبه كل ما يحتاجه، وكل ما أراده من سبل الراحة لينعم بالعيش الهانئ، وطنٌ يرفل كل من بداخله بنعمة الأمن والأمان وسلامة الأوطان والعيش الرغيد، رغم أنف كل حاسد وحاقد من الشرذمة الفاسدة التي لقيت حتفها على أيدي رجال أمننا البواسل وفقهم الله وثبتهم.
فيجبُ علينا الوفاء بالعهد لوطن الوفاء، وأن نقدم أرواحنا رخيصة من أجل بقائه ورفعة شأنه، من أجل حماية الإسلام ومقدساته وحماية الوطن ونذود عنه لنعيش ونفخر به.
فهذا الوطن الغالي الذي تربينا على ثراه واستنشقنا عبيره وهواه، وشربنا من ماءه العذب الزلال، ونسمع كل يوم منادي الإسلام (حي على الصلاة) لا بدَّ أن نكونَ له جنوداً أوفياء، مخلصين له ونذود عن حماه وعن كل شبرٍ منه، ونضحي بالغالي والنفيس من أجله، كل في مجال عمله وتخصصه، فالشرطي بالميدان يحمي الأمن ويحرسه، وأهل العلم من منابرهم يرشدون الناس ويوجهونهم بالحجج والبراهين، والمجاهدين بالثغور يقاتلون العدو ويدحرونه، والكاتب بقلمه يدافع عنه وينشر محاسنه، والإعلامي خلف كاميرته يوثق بطولاته التاريخية، والمعلم بمدرسته يغرسُ في نفوس طلابه حقوق الوطن والمواطنة والدفاع عنه وحقوق ولاة الأمر من السمع والطاعة لهم، فهم قادة هذه السفينة التي تمخر بنا عباب الحياة، ولا ننجرَّ وراء الأفكار الهدامة التي تعادي أمننا وعقيدتنا وقيادتنا سواء بحسن نيّة أو بغيرها، لأن وراءها شرٌّ مستطير وخسارة في الدنيا والآخرة، ونكون صفاً واحداً مع قيادتنا الرشيدة قلباً وقالباً وبالدعاء لهم، لأن بصلاحهم صلاح البلاد والعباد.
قال أحد السلف: ”لو علمت أن لي دعوة مجابة لجعلتها للسلطان، فقيل له في ذلك، فقال: لأن بصلاحه صلاح العباد والبلاد”.
ونرى الشهداء يتساقطون ويقدمون أرواحهم رخيصة دفاعاً عن دينهم ووطنهم وما ذاك إلاّ مصداقاً لحبهم ووفاؤهم له ورجولتهم التي جعلتهم يفوزون بالشهادة وبالمنزلة العظيمة عند الله تعالى: ”مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”. [سورة الأحزاب] الآية 23.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك وأيده بتأييدك وسدده في أقواله وأعماله، اللهم وفقه وولي عهده الأمين وأعوانه ووزرائه لما فيه صلاح العباد والبلاد، اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وعقيدتنا وقيادتنا ورجال ديننا ورجال أمننا وحدود بلادنا وانصر المجاهدين على الثغور يا حي يا قيوم.
وطن الوفاء في يوم الوفاء
بقلم
عيسى بن سليمان الفيفي
6 ربيع الأول ١٤45هـ
ما يستغرب الولاء والانتماء منك يا استاذ عيسى🤍