الدكتور: اسعد بن فرحان شريف العبدلي الفيفي
إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الدكتور: اسعد بن فرحان شريف العبدلي الفيفي
ما إن عاد ذات يوم من مدرسته، وكان الجو صيفا حارا، وقد تعود أن يتناول غداءه في هذه اللحظة، ثم يتجه إلى تحضير دروسه لليوم التالي، فلما أطل من شرفة البيت، إذ به يشاهد والده يعمل داخل المزرعة، فحز في نفسه أن يراه يعمل وحيدا، بعد ما سافر جميع اخوانه الكبار، ولم يعد هناك من يساعده في هذا العمل المجهد، فاستشعر أن من الواجب عليه الان أن يقوم بهذا الدور، فلم يتردد بل ترك في الحال دروسه جانبا، وانطلق مسرعا ليلحق بابيه في المزرعة، وما إن اقبل عليه مشمرا عن ساعديه، اذ بوالده يقابله بوجه صارم، ويخاطبه متسائلاً عنما جاء به، فأخبره أنه حضر لمساعدته في العمل، وعندها زادت ملامح ابيه صرامة وشدة، وترك كلما في يديه، واقبل عليه يخاطبه قائلا، لا اريد منك مساعدتي في هذا العمل، وإنما (مساعدتك لي تكمن في اجتهادك في دراستك)، وأمره بالعودة إلى البيت لاستذكار دروسه..
وقرت هذه الكلمات في قلبه ووجدانه، ولم ينساها طوال مسيرته وحياته، بل اصبحت مع الوقت هدفا ثابتا لا يتزحزح عنه، كلما تذكرها تحولت إلى دافع داخلي قوي، يعمل به ويطبقه في كل مراحل حياته، فاذا ما انشغل أو همدت شعلة العزيمة في نفسه، احس بها تجلجل من جديد في كيانه، وتشعل جذوة النشاط والحماس في داخله، تحفزه إلى استئناف المسيرة ومواصلة الطريق، من مبدأ طموحه ومبدأ بره بوالده حيا وميتا، حتى أنه بعد ما تخرج من الجامعة، وانشغل بالعمل الوظيفي المرهق، كأنه نسي نفسه وطموحه حتى مضت به السنين، وغفل لفترة عن مواصلة مسيرته العلمية، فأيقظته تلك الكلمات من جديد، وحركت كوامن الركود في قلبه، فقام مفزوعا يبحث هنا وهناك عن القبول، إلى أن استكمل كل الشروط، وازاح كل المعوقات في سبيل ذلك، ولم يرتاح حتى اخذ درجة الماجستير مرتين، من جامعتين مختلفتين، وفي منطقتين متباعدتين، في وقت واحد متزامنا، وبتقدير عام ممتاز مرتفع، وكذلك كانت طريقته في نيل درجة الدكتوراه، لقد جمع بين الدراسة ومع العمل الرسمي، متميزا بهمة عالية متوثبة، وعزيمة صلبة قوية، وهذا هو اسلوبه وما سار عليه طوال حياته، وفي جميع ادوار حياته ومراحلها، يتطلع دوما إلى الاعلى وإلى الأمام، ولا يلتفت نهائيا إلى الخلف، وطموحه يزداد قوة وثباتا، وفقه الله وبارك فيه، وزاده علما وفضلا وتوفيقا، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله.
إنه الدكتور أسعد بن فرحان بن شريف بن يحيى العبدلي الفيفي، حفظه الله ووفقه.
والده هو الشيخ فرحان بن شريف يحيى العبدلي الفيفي رحمه الله، من أهل امجميمه من آل غنية من قبيلة آل عبدل بفيفاء، عرف بمهارته في معالجة الانزلاقات في الظهر(المستوخ)، وكل يقصده لأجل ذلك من كثير من أنحاء فيفاء ومن القبائل المجاورة، لم تتح له فرصة التعلم في صغره، لعدم انتشار التعليم حينها في محيطهم، ولكنه ثقف نفسه في أمور دينه وفي أساسيات الحياة، من خلال ما يسمعه من خطب الجمعة، ومن ملازمته لسماع إذاعة القرآن الكريم، وحضور الدروس والمحاضرات في المساجد وغيرها، ولذلك حرص أشد الحرص على تعلم أولاده، ما دامت الفرص متاحة أمامهم، وكان يشجعهم ويصرف عنهم كل ما يشغلهم عن طلبه، ولا ينسى موقفه معه، عندما حضر ذات مرة ليساعده في المزرعة، بعدما أصبح وحيدا لسفر جميع أبنائه الكبار، فصرفه بقوة ولم يسمح له بالعمل معه، وهو يقول له(مساعدتك لي في اجتهادك في دراستك)، ولا ينسى عندما انتقلوا لا حقا للسكن في مدينة جدة، وقد التحقت زوجته ام اسعد في إحدى مدارس محو الأمية، فكان يقوم بنفسه على إيصالها إلى المدرسة واعادتها منها، ولا يقبل أن ينوب عنه أحد في هذا المهمة، قائلا بكل وضوح ويقين(أريد أن أكسب أجر تعلمها وقراءتها للقرآن).
تزوج أكثر من زوجة ، الأولى كانت الفاضلة جميلة بنت سالم يزيد الثويعي الفيفي رحمها الله، ورزق منها بولده البكر(يحيى) حفظه الله، وبعد انفصالهما تزوج من الفاضلة عافية بنت يحيى محفوظ العبدلي الفيفي رحمها الله، وانفصلا ولم يرزقا بالولد، ثم تزوج من الفاضلة مريم بنت سلمان جبران العبدلي الفيفي حفظها الله، وهي والدة اسعد حفظه الله، كان مدركا بقوة أساليب التربية الناجحة رغم اميته، لأنه كان واسع الثقافة ثاقب الفكر سريع البديهة، يحسن التوجيه في الوقت المناسب، بعد أن يترك مساحة للآخر في أن يتعلم بنفسه، ويكتسب الحل بالتجربة والخطأ، فيدله بكل سهولة على الحل الأمثل، كان في تربيته لأبنائه يربطهم بالتقوى وخشية الله، وتجده في كل تعاملاته رحيما ودودا لطيفا، مع ما يتحلى به من الحزم إذا اقتضى الحال، صادقا واضحا لا يجامل في هذا المبدأ، وهي صفة ملازمة عرفه بها كل من حوله، رقيق القلب عطوفا في تعامله مع الصغار، وينصح من يراه على خلاف ذلك بقوله (علموهم فهم رجال الغد)، لذلك أحبه الصغار وتعلقوا به، مثل ما كان يحبهم، ويسمعون لحديثه ونصائحه بكل أريحية.
اشتغل في بداية حياته بمهنة الزراعة، وتغرب شابا ليحسن اوضاعه المعيشية، حيث عمل اثناءها في مشروع توسعة الحرم المكي الشريف، وزادت من خلال اسفاره مداركه وثقافته، وإذا ما حضر لزيارة اهله أحضر معه كل جديد ومبهر، من الأجهزة الحديثة والأواني وأدوات الإضاءة، لمحبته للتطوير والتغيير إلى الأفضل والأحسن، ولما كبرت سنه وقد تفرق ابناؤه، انتقل للسكن في مدينة جدة، وتنقل عند بعض ابنائه في المدن الاخرى، إلى أن توفي رحمه الله في تاريخ 13/10/1420هـ، في حادث دهس وقع عليه في مدينة تبوك، أثناء قطعه لأحد الشوارع لأداء صلاة الفجر، وكان قد أوصى أولاده من قبل، بالتنازل عن من قد يصدمه لا سمح الله، بعدما حذروه بضرورة الانتباه عند قطع الشوارع العامة، فكان رده لهم حينها أنه لن يتعمد احد أن يصدمه، وإذا ما حصل فإنما هو ابتلاء من الله لنا جميعا، فإذا قدر الله ذلك فاعلموا اني مسامح له في الدنيا والآخرة، ويجب عليكم انتم العفو والمسامحة عنه، والتنازل وعدم مطالبته بالحق الخاص، وسبحان الله فهذا ما حصل فيما بعد، فلم يدفن رحمه الله حتى تم تنازل جميع الورثة عن صاحب السيارة المتسببة، عملا منهم بتطبيق تلك الوصية، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه، وكتبه في الشهداء، وقد اقتبس من شخصيته كثير من الصفات النبيلة، يأتي في مقدمتها حسن الخلق، والتحلي بالحلم والصبر والأناة، وفي بعد النظر والتروي في كل الامور، رحمه الله وكتب اجره ومثوبته.
أما أمه فهي الفاضلة مريم بنت سلمان جبران العبدلي الفيفي حفظها الله، من (أهل الموبرة) في غربي جبل آل عبدل، كان والدها رحمه الله كثير الاسفار والاحتكاك بالمجتمعات، مع تميزه بالحفظ ورواياته للتاريخ والوقائع التي عاصرها أو سمع عنها، ويزوره الناس بكثرة للاستشارات، أو الاستمتاع باحاديثه واخباره وقصصه التاريخية، وقد اخذت منه ابنته الكثير من هذه المواهب، ومع أنها لم تتعلم في بداية حياتها، لانعدام المدارس في حينها، ولكنها بادرت للتعلم عندما أتيحت لها فرصة ذلك، بعدما استقر سكنهم في مدينة جدة، فالتحقت بإحدى مدارس محو الأمية، واستطاعت إكمالها والحصول على شهادة المرحلة الابتدائية بتفوق، ثم التحقت بحلقات تحفيظ القرآن الكريم ولازمتها، كانت أما قوية حازمة حريصة على متابعة كل ما يخص أولادها، وفي مقدمة ذلك تحصيلهم العلمي، فكثير ما تتابعهم في هذا الجانب، ولم تتوقف عند مرحلة معينة في المتابعة، بل يذكر من اهتمامها به وهو يدرس في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، أنها كانت تسأله دوما كم أنهى من الرسالة، ومتى الإنتهاء منها، وتحرص على جميع أولادها، وتحذرهم من عدم التأثر بالأصحاب من رفقاء السوء، ومما اقتبسه منها ما يتعلق بالجدية والاهتمام، وفي الحرص على الدقة وحسن المتابعة الإيجابية، حفظها الله واطال على الخير عمرها.
ولد لهذين الفاضلين في بيتهما القعاد، في بقعة الضحي غربي جبل آل عبدل، في عام 1395هـ، وكان ترتيبه بين اخوانه السادس، سبقه أربعة إخوة وأخت واحدة، فهو اخر الاحياء، حيث تلاه مجموعة من الإخوة لم يعيشوا، رحمهم الله وجعلهم فرطا وشفعاء لوالديهم، عاش طفولة بريئة وعادية كبقية اطفال تلك الفترة، يقوم على المشاركة كأحد افراد الاسرة، عضوا ايجابيا يساعد أهله في ما يلزم من أمور البيت والزراعة والرعي، وبما يتناسب مع عمره وإمكانياته، وتربى على هذا الوضع كأمر طبيعي عادي، وكان بصفته الأصغر في الأسرة، لا يسند إليه إلا القليل من المهام، حيث يقوم بمعظمها أخوته الكبار، إلى أن غادر هؤلاء الأخوة البيت بعدما شبوا وكبروا، لاستقلالهم والتحاقهم بأعمال وظيفية خارج المنطقة، فأصبحت توكل إليه بعض المسؤوليات، في احضار بعض متطلبات البيت، والتسوق وجلب بعض المصالح وغير ذلك، وقد اكسبته تلك المهام الخبرة والثقة في إمكانياته، وفي تحمل المسؤوليات من سن مبكرة، ولا شك أنها من أساليب التربية النافعة، التي حرصا والداه على أن يكتسبها بنفسه، كبقية اخوته من قبله.
تعليمه :
ما إن بلغ السن المناسبة للدراسة، حتى ألحقه والده بمدرسة نيد الضالع الابتدائية، وكانت اقرب المدارس إلى بيتهم، وإن لم تكن بذلك القرب في الواقع، لأنها تبعد عنهم عدة كيلوات، في طرق جبلية صعبة المراقي، يصعب قطعها مشيا في كل يوم، ولذلك استأجر له وبقيت الطلاب من نفس الجهة سيارة تنقلهم من وإلى المدرسة، ولكن قد يضطرون احيانا للمشي، إما لتعطل السيارة أو انقطاع الطريق، بسبب الأمطار أو الانهيارات، مما يتطلب من أحدهم جهدا مضاعفا، في صعود أو هبوط لأكثر من ساعة، لأن مبنى المدرسة يقع في نيد الضالع، وقد انتقلت المدرسة تاليا إلى قمة القعبة، أبعد قليلا.
مضت به الأيام والسنين منسجما تمام الانسجام مع مدرسته ودروسه، ينجح بتفوق في نهاية كل عام، ويتدرج بكل سلاسة في فصولها، وكانت المدرسة متميزة بنخبة فاضلة من المعلمين، كانوا على قمة المسؤولية والاهتمام، أنزلوا الطلاب منزلة الأبناء والإخوة، يحرصون عليهم أشد الحرص، في جميع الجوانب التعليمية والتربوية والأخلاقية، مع ما يصاحب ذلك من أخذهم ببعض الشدة أحيانا، سواءً في التعليم والتربية أو المتابعة، وكان هو السائد في اساليب المعلمين في تلك الفترة، مع ما يصاحب ذلك من اهتمام وحرص من البيت، فكان الأبوان والإخوة الكبار هم خير مشجع ومحفز، وهم القدوة الصالحة له في التحلي بالأخلاق، والجدية في الطلب والترقي فيه، ولم يواجه أي مشكلة أو تعثر طوال مسيرته التعليمية، بل كان متفوقا في دراسته، منتظما في حضوره ومشاركاته، وتميز بحسن الأخلاق وجميل التعامل، وقد واصل دراسته في نفس هذه المدرسة، إلى أن تخرج من المرحلة الابتدائية، ثم التحق بالمرحلة المتوسطة في نفس المدرسة، وسار على نفس نهجه وأسلوبه لا يحيد عنهما، ولما نجح من الصف الثاني المتوسط، قرّر والداه الانتقال للأستقرار في مدينة جدة، وفيها بدأت معه رحلة جديدة مختلفة لاختلاف البيئة والمجتمع.
كان والداه حينها قد تقدم بهما العمر، واصبحا يتعبان لطبيعة البيئة الجبلية من حولهما، واحتياجهما المتكرر إلى مراجعة المستشفيات، ولهذا شجعهما وجود ولدهما (فرح) موظفا في مدينة جدة، فارتاحا في مقر سكنهما الجديد وتأقلما، وكل منهم وجد فيها أنسه وراحة نفسه، فالوالد وجدها في قربه من المساجد المجاورة، وسهولة حضور الجمع والجماعات، وحضوره الدروس والمحاضرات العلمية، مما كان يفتقده في محيط بيئته الاولى، وأما الوالدة فقد سعت لتحقيق حلمها في التعلم، والتحقت بإحدى مدارس تعليم الكبيرات ومحو الأمية، وداومت على حضور حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وأما بالنسبة له فقد كانت له نقلة مختلفة قليلا، التحق فيها بمتوسطة القادسية، والواقعة بجوار كلية الاتصالات والمعلومات، تبعد عن بيتهم مسافة لا تزيد على كيلوين، يصلها في صحبة اخيه بالسيارة في طريقه إلى العمل، أو سيرا على الاقدام، يسيرها على رصيف الشارع الرئيسي وبعض الشوارع الفرعية، وقد استطاع التأقلم مع كل ذلك سريعا، بعد أن وجد في البدأ شيئا من الاختلاف، في النواحي الفكرية والثقافية والحضارية، وفي اختلاف طبيعة الطقس والبيئة، وحتى في المجتمع داخل المدرسة، ولكن ما أسرع ما تعرف على محيطه، وعلى غالب زملائه، وقد وجد شيئا من المنافسة من البعض، وكان غالبهم يشككون في قدراته الشخصية، ولكنه مع الأيام أثبت لهم قدراته وبأنه منافس قوي، واتضحت بالذات مع الاختبارات الشهرية، التي كان يحرز فيها المركز الأول على كامل الصف، مما خلق له شيئا من الحسد وبعض المضايقات البسيطة، ولكنه لم يهتم بها أو يلقي لها بالا، بل زادته حماسا واصرارا على الاجتهاد وإثبات التفوق، وما أسرع ما تغيرت نظرتهم إليه في نهاية المطاف، وتحولت تلك العداوة إلى صداقة حقيقية، وبالأخص عندما حصل على الترتيب الأول على مستوى المدرسة، وكان هذا التفوق من اكبر العوامل الدافعة له إلي الأمام، وزيادة الإقبال والجد والاجتهاد، حتى أنه أنهى هذه المرحلة بنفس التفوق، حاصلا على الترتيب الأول فيها، لينتقل مباشرة لإكمال المرحلة الثانوية، في ثانوية الصديق المجاورة وفي نفس الحي، وزادت ثقته بنفسه، وتحسنت علاقاته مع زملائه، وتأقلم مع اجواء المدرسة، ومع كل ما حوله من البيئة، ومرت السنوات الدراسية على خير ما يرام، ناجحا متفوقا في كل عام على حسب عادته، ولكن حصل معهم في المدرسة وهم في الصف الثالث الثانوي بعض التغييرات، كان لها تأثيراً سلبياً وبالذات وهذا الصف يعتبر الذروة والثمرة النهائية لهذه المرحلة، لأنه على اساسها يقيّم كل الماضي، ولذلك يحسب لها الطلاب كل حساب، والذي حدث أنه في بداية ذلك العام، تم ضم مدرستهم مع ثانوية أخرى مجاورة لها، وأصبحتا تشكلان مدرسة واحدة كبيرة، اصبحتا تمثلان كلية جامعية، بكثرة فصولها وأعداد طلابها ومعلميها، حتى أن فصول الصف الثالث الثانوي القسم العلمي، بلغت لوحدها (17) فصلا، والمعلمين تجاوز فيها مائة معلم، مما اضطر المدرسة في السنة التالية إلى تعيين مدير عام للمدرسة، ومعه أربعة وكلاء، وبالطبع كان لهذا الضم كثير من السلبيات، واثر على كامل الطلاب، بل واشغل الادارة والمعلمين عن التواصل الايجابي مع الطلاب، والمتابعة المطلوبة وفي التعاملات وقلة الاهتمام، وما ترتب من اضافة اعداد هائلة من الطلاب والمعلمين الجدد، فاختلط الحابل بالنابل، واختلفت اساليب التدريس، وفي الاختبارات الشهرية والفصلية، حتى ان معظمها اصبح يشكل تحديا ظالما، يعتريه كثير من الصعوبات المتعمدة، بحجة تمييز الطلاب بشكل اكبر، حتى أنه في إحدى المواد لم يستطيع تحقيق النجاح فيها إلا ما يقارب (25%) فقط، ويتضح جليا في مقارنتها مع ما يرد من الوزارة من الأسئلة في نهاية الفصل الثاني، فهناك فرق شاسع بينهما، لذلك كان عاما من أشد الاعوام التي مرت به دراسيا، ولكنه بحمد الله تجاوزها بكل تميز وتفوق.
الدراسة الجامعية:
ما إن اجتاز المرحلة الثانوية، حتى تطلع بكل قوة ورغبة إلى مواصلة دراسته الجامعية، وبدأت معه رحلة التسجيل والمعاناة، خلال البحث عن الجامعة الأنسب، مع قلة المعلومات لديه عنها، وكذلك قلة الخيارات المتاحة حينها، إذ لم يكن يوجد في تلك الفترة إلا سبع جامعات، وترجحت رغبته الاولى في كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لما يسمعه عنها من القوة في العلم والتلقي، وبما يتوفر فيها من أعداد كبيرة من كبار المشايخ المتميزين، وكان عليه لكي يضمن القبول التقدم لأكثر من جامعة، فقدم في كل من جامعة أم القرى بمكة، وجامعة الإمام بالرياض، وفي فرعها في أبها، وفرع جامعة الملك سعود بأبها، وكانت كل منها تحتاج إلى المتابعة والمراجعة، والسفر والتردد المستمر عليها، مع إعداده مجموعة كبيرة من الأوراق والمعاملات الطويلة، والاستعداد للمقابلات المتعددة، ومع ذلك فقد تقبل أو لا تقبل، ولكن كانت بحمد الله معه النتيجة على أفضل ما تمنى، حيث تم بتوفيق الله قبوله في كلية الشريعة بالرياض، جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، وكان أعداد المقبولين فيها ذلك العام كبير جدا، حيث قبل في نفس دفعته ما يقارب (1200) طالبا، ولكن لقوة التدريس حينها وشدته في الكلية، لم يتخرج من كل هؤلاء إلا حوالي (200) طالبا، وكانت لا شك مجموعة من أميز الدفعات، حتى على الكلية نفسها، بشهادة بعض أساتذتها، فيقول أحدهم: (على مدى أكثر من (18) سنة من التدريس في هذه الكلية، لم يمر علي مثل هذه الدفعة تميزا)، وبالفعل فقد كانت كذلك، والدليل قوة النتائج، حيث كان من بين الخريجين، قرابة (36) قاضيا، و(7) كتاب عدل، و(4) معيدين، وغالبهم أكملوا دراساتهم العليا في الماجستير والدكتوراه، وجزء منهم انتقل إلى التدريس في الجامعات، وإلى قطاع المحاماة.
بعد قبوله في كلية الشريعة، انتقل للعيش في مدينة الرياض، ولم يكن غريبا عليه التنقل من بيئة إلى أخرى، بل أصبح شيئا مألوفا، إلا في اشياء بسيطة وميسورة، كان من اهمها بعده لأول مرة عن والديه، ولكنه كان مدركا تماما لكل الحقائق والأمور، وأصبح في سن مناسب ونضج عقلي، وله هدف وغاية واضحة يسعى لتحقيقها، أعانته على جمح عواطفه، وزادت من قوة عزيمته، فسعى في البداية على التعرف على الأنظمة وقوانين الجامعة، وكل ما يتعلق بدراسته في هذه الكلية، ثم فرغ نفسه من كل ما قد يشغلها عن مهمتها الأساسية، وقنن فيها حتى كل علاقاته مع كامل محيطه، وجعل العلاقات انتقائية، وقاصرة إلا في حدود الضروريات، بعد أن نظر إلى أن هناك أعداد كبيرة جدا من الطلاب، مختلفي الطباع والعادات والثقافات، يمثلون هنا غالب مناطق المملكة، ولذلك من باب الحرص على وقته، وفي حسن استغلاله لما ينفع، فقد قننه ورتبه على ذلك بكل حزم ودقة، ووزعه بين دراسته وبحوثه واستذكاره فقط، ولم يشغله بغير ذلك من الأمور الجانبية، لأنه ادرك أن الجامعة مرحلة مهمة ومختلفة عن كل ما سواها، ومطلوب فيها كامل الجدية والاجتهاد، وتخصيص كل وقته لكل ما هو نافع ومفيد، فاقبل على دراسته، وفرغها لهذا الهدف دون سواه، لقد كانت الكلية في تلك الفترة، زاخرة بمجموعة فاضلة من كبار العلماء، يذكر منهم معالي الشيخ الدكتور سعد الشثري، ومعالي الشيخ الدكتور عبدالله الركبان، وغيرهما من الافاضل الكرام ، ومضت به السنين ينهل من معين العلم والمعرفة، متدرجا بكل ثقة في مستوياتها عاما بعد عام، إلى أن تخرج بتوفيق الله وفضله مع نهاية العام الجامعي1420هـ، حاملا درجة الليسانس في العلوم الشرعية.
الدراسات العليا :
لم يتوقف أو يهدئ له بال، فما زالت طموحاته في أوج نشاطها وقوتها، أحلامه وآماله ليس لها حدود، ولأجل تحقيقها صبر وصابر وغالب كل المعوقات، فانشغل في البداية بعد تخرجه، بأداء عمله في مجال التدريس، ولم يسترد انفاسه إلا بعد انتقال عمله إلى مجال الإشراف التربوي، بعد حوالي ثلاث سنوات، كانت كلها كدح وعمل مجهد، ومن هنا بدأت معه رحلة البحث عن مواصلة الدراسات العليا، والتقديم على الجامعات لتحقيق ذلك، مع ما كان حينها من الصعوبات في التقديم، لقلة التخصصات وندرة الفرص، ثم وهو الأهم عدم موافقة مرجعه على تفريغه للدراسة، حتى أنه سعى وبعض زملائه لمقابلة معالي وزير التربية والتعليم حينها، يشكون له معاناتهم في هذا القبيل، فكان رده لهم صادما، عندما قال لهم إن الوزارة لا تحتاج لأكثر من البكالوريوس، فمن يريد منكم إكمال دراسته فلينتقل إلى أي كلية، اجابة محبطة وموجعة حطمت كثيرا من آمالهم، ولكنه مع ذلك لم ييأس أو يتراجع، بل سعى للبحث عن القبول حتى في خارج المملكة، وقد تحصل على قبول للماجستير من جامعتين دوليتين، ومع ذلك حالت بينه وبينها عدم موافقة الوزارة على تفريغه.
ويذكر أنه في عام 1427هـ جلس مع احد زملائه، ممن يماثله في الرغبة والطموح، وتناقشا في الحلول الممكنة لتجاوز هذه المعوقات، واستعرضا كثيرا من الخطط المناسبة لوضعيهما، وكان الحل الوحيد الأمثل أمامهما، يتمثل في البحث عن إحدى الكليات المناسبة للانتقال إليها، بعد أن وجدا أنه الخيار الأمثل المتاح حينها، وسعى بالفعل للانتقال إلى كلية التقنية في نجران، لكونها الوحيدة في نفس المنطقة، ولديها احتياج للمتخصصين، وأخذت المعاملة لما يقارب العامين، بين أخذ ورد مع الوزارة، إلى أن تمت الموافقة على انتقاله في نهاية عام 1428هـ، ولكنه للأسف ما إن تم انتقاله حتى تقرر إيقاف الموافقة على الدراسات العليا للتخصصات العامة في الكلية، وهنا بدأت المعاناة معه من جديد، فأصبح الحاجز أمامه هو تغيير تخصصه إلى تخصص عملي، لذلك اتجه دون تردد إلى تحقيق هذا الشرط، واختار التخصص في الحاسب الآلي، ولكن كان ذلك لا يكفي، فلا بد من أن يكون حاصلا فيه على الدبلوم، أما في تقنية الحاسب، أو في أحد تخصصاته، ولذلك سعى جادا في توفير هذا الشرط، وتقدم للقبول في دبلوم شبكات الحاسب الآلي، واستمرت دراسته فيه لسنتين ونصف، بالإضافة إلى عمله في الفترة الصباحية، ليتخرج بعدها بمؤهل الدبلوم في شبكات الحاسب الآلي بتقدير ممتاز، وبنسبة 98%.
وهنا استأنف من جديد رحلة البحث عن الإبتعاث، واختار التوجه إلى استراليا، واكمل جميع الإجراءات والمتطلبات، وحينها جاء الاعتذار من إدارة الابتعاث، لسبب عجيب غريب لم يخطر على باله، وهو عدم وجود بديل له حينها في تدريس مادته، وقد شكل له صدمه واشعره بكثير من الاحباط، ولكن إيمانه لم يتزحزح في أن الخير دوما فيما اختاره الله وقدره، ولم يخب أمله فقد كانت الخيرة في كل ذلك، حتى أنه حينها كان أحد أفراد عائلته يمر بظرف صحي، لم يكن ليسمح له بالسفر إلى خارج المملكة، ولم يطل انتظاره حيث فتح وقتها التقديم لبرامج الماجستير في أغلب جامعات المملكة، ويسر الله له القبول في تخصصين مختلفتين، وفي جامعتين مختلفتين، ومنطقتين مختلفتين، وفي وقت واحد، الأولى كانت في السياسة العامة، جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، في كلية الاقتصاد قسم العلوم السياسية، والثانية كانت في السنة وعلومها، كلية الشريعة جامعة نجران، والدراسة فيهما تستغرق كامل الاسبوع، الأربعة الأيام الاولى في جامعة نجران مساء، وفي اخر الاسبوع في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ولصعوبة الجمع بين هذين البرنامجين في وقت واحد، فقد سعى إلى تأجيل الدراسة في واحدة منهما، ولكن لم يتم له الموافقة في أي منهما، وجعله في خيار وتحد لا بد منه، وقبل التحدي ويسر الله له خوض هذا المعترك، مع ان ثالثة الاثافي عمله في الكلية، فكان لزاما عليه الدوام فيها صباحا، لأداء عمله رئيسا لقسم الدراسات العامة، وفي المساء يحضر للدراسة في جامعة نجران، طوال الأربعة الايام (الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء)، ويوم الخميس يسافر ظهرا إلى جدة، ليحضر الدراسة في جامعة الملك عبدالعزيز إلى يوم السبت، وهكذا صبر وتحمل وضغط على نفسه، وتيسير له بفضل الله سبحانه وتعالى، حيث تخرج من البرنامجين مع بعض وبتفوق، فحصل على ماجستير السنة وعلومها، من كلية الشريعة جامعة نجران، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وبمعدل (4.98 من 5)، والتوصية بطباعتها وتداولها بين الجامعات للإفادة منها، وحصل كذلك على برنامج الماجستير في العلوم السياسية، من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، بتقدير ممتاز وبمعدل (4.64 من 5)، مع أن هذا البرنامج الاخير كان صعب جدا، لأنه كان يعتبر البرنامج الأول في مجاله على مستوى الشرق الأوسط، وكانوا الدفعة الأولى المقبولة فيه، مما شكل لهم كثيرا من الصعوبات والتشديد، والضغط عليهم من القسم لإنجاح هذا البرنامج، وفي إحراز النجاح والتفوق بكل المقاييس، لكونهم الدفعة الأولى التي تمثل النموذج المطلوب، وكانوا بحمد الله على قدر المسؤولية، حيث كانت كل هذه الدفعة متميزة، نالت التفوق ونال القسم الإشادة من بعض الدول، مضمنة بطلب ترشيح بعض هؤلاء الخريجين للتدريس في الأكاديميات العلمية لديهم، أو في تقديم بعض الدورات والمحاضرات لمنسوبيها، وقد تم لاحقا ترشيح مجموعة منهم للتدريس في بعض هذه الأكاديميات.
وعلى نفس المنوال والهمة العالية بدأت معه رحلة التقديم للدكتوراه، وسار على نفس النهج والطريقة، ومرت به نفس المتاعب التي واجهها عند سعيه للحصول على درجة الماجستير، فكليات التقنية حينها لا تتيح الموافقة على دراسة الدكتوراه، إلا في تخصصات معينة، وبأعداد قليلة محدودة جدا، وكانت بداية التقديم معه على الجامعات الخارجية، ليهرب من تعقيدات التقديم على الجامعات الداخلية، ولكن كل من استشاره ينصحه باستبعاد فكرة الدراسة الخارجية، ويصرون عليه بأن يقدم على الجامعات المحلية، ومع ذلك فلم ييأس أو يتعب، فقد صبر وتحمل البحث والمحاولات، إلى أن يسر الله له القبول في قسم السنة، بكلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومع أن عمله لم يوافق له على تفريغه للدراسة، بنفس الحجج والأعذار التي ألف سماعها، رغم محاولاته العديدة في هذا الجانب، وزياراته المكوكية للمسؤولين لأقناعهم، ولكنه لم يجد التجاوب المطلوب، ومع ذلك واصل سعيه وانتظر إلى أن تيسر له القبول من الجامعة، وهنا بدأت الدراسة على هذا الأساس، ولما كانت الدراسة مسائية فقد كان فيها الفرج، وكم كان يواجه كثيرا من الصعوبات، وبالأخص في الجمع بين عمله ودراسته، فعمله خارج مدينة الرياض، في كلية التقنية بحوطة سدير، يلزمه السفر إليها يوميا لأكثر من أربع ساعات ذهابا وإياباً، إضافة إلى كثرة البحوث والواجبات والتكاليف، ولكنه صابر وجاهد وتفوق، ومما يذكره أن فكرة الرسالة كانت فكرة نوعية ومميزة في بابها، ولأجل ذلك واجه بعض التعنت في قبول اعتمادها، حتى أن أحد أعضاء القسم اعترض على هذا الموضوع، بحجة أنه موضوع مميز ودقيق ويصعب على الطالب الإيفاء بحقه، ولكن جاءه الرد من أحد الأعضاء (أستاذ دكتور بروفيسور)، سبق وأن درس الطالب في الفصل التمهيدي، حيث اطلع علي تمكنه في التخصص، واكد لهم على قدراته، بدليل أنه هو الذي ابتكر الموضوع بنفسه، وهو الذي أعد كل ما يتعلق به من متطلبات، ولذلك تمت له الموافقة واعتمدت الرسالة، وقد تيسر له الانتهاء منها بتوفيق الله وفضله، حيث حصل على الدرجة العليمة (الدكتوراه)، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وبمعدل (4.99 من 5)، والتوصية بطباعتها وتداولها بين الجامعات للإفادة.
وتخلل مسيرته من بعد تخرجه من الجامعة، وإلى هذه الساعة الترقي في الطلب، والتزود بكل جديد، مشمرا ساعديه في دروب العلم والمعرفة، والاستزادة من المعلومات، وتوسيع قدراته ومداركه، فلا يفرط في كل فرصة تدريب تتاح أمامه، لإيمانه القوي وقناعته التامة، بأن التدريب هو أحد ممكنات العلم والعمل والتطور، فقد التحق بعدة دورات وبرامج، تجاوز عدد ساعاتها (2500) ساعة تدريبية، في داخل المملكة وخارجها، وفي عدة مجالات حيوية، (استراتيجية وتخطيط وقيادة وإدارة وتقنية وعلاقات وغيرها)، ومنها على سبيل المثال، (التخطيط الاستراتيجي، تخطيط وقياس كفاءة الأداء، المهارات الإدارية والإشرافية، ادارة المشاريع PMP، بناء فرق العمل، القياس والتقويم، تقنيات التعليم والتدريب الحديث، اكتشاف الموهوبين ورعايتهم، إدارة مراكز الموهوبين، أساليب التفكير، سكامبر لتنمية التفكير، صناعة الريبوت، مبادئ تريز لحل المشكلات، إنتاج الوسائط التعليمية، تدريب المدربين TOT، تصميم الحقائب التدريبية، المدرب المعتمد في التدرب الإلكتروني، مهارات التواصل باللغة الإنجليزية، بناء السياسات واللوائح، نظام العمل ولوائحه، إدارة الجودة الشاملة، الاتجاهات الحديثة في تطوير التدريب وطرق القياس والتقييم، المهارات الإبداعية في رفع الكفاءة الإنتاجية، التحول الرقمي والمستقبل التقني، مهارات التحول الإداري وإدارة التغيير، إدارة الأزمات لمواجهة التحديات في المؤسسات التعليمية، الأزمات ومرونة التغيير في مستقبل صناعة التدريب التقني والمهني، احتياجات المملكة المستقبلية من الموارد البشرية التقنية، تنظيمات مشاريع الطاقة المتجددة والفرص الواعدة، إعداد الخطط التشغيلية وصياغة مؤشرات الأداء، الابتكار في التحول الرقمي، منهجية لين سيجما، قياس العائد على الاستثمار في التعليم والتدريب، الإختراق المعلوماتي ومكافحة الجرائم الإلكترونية، رحلة التحول الرقمي وحوكمة الأمن السيبراني، إدارة تطوير الموارد البشرية)، زاده الله علما وفضلا.
العمل الوظيفي :
لما كان قد تزوج وهو في الفصل الأول من الجامعة، فقد اضطر إلى البحث عن عمل ومصدر رزق يعينه على متطلباته الحياتية، ولكن بشرط أن لا يتعارض هذا العمل أو يؤثر على دراسته، ومن هذا القبيل كان يلتحق بما يتيسر من الاعمال البسيطة المؤقتة، حيث عمل مؤذنا، وكذلك إماماً وخطيبا، واما بعد انتهائه من الدراسة الجامعية، فسعى جادا إلى البحث عن عمل رسمي ثابت، مع ندرة الوظائف الحكومية في تلك الفترة، وبحمد الله بعد جهد جهيد تيسر له التعيين معلما على بند (105) المؤقت، في منطقة نجران التعليمية، وإن كان راتبها بسيطا ومقطوعا، إلا أنه يؤمل التثبيت رسميا على هذه الوظيفة، وهو ما حصل له بعد مضي سنة وبضعة أشهر، حيث ثبت فيها على المستوى الثاني، وكان تعيينه الأول في مدرسة متوسطة، في محافظة تبعد عن مدينة نجران بحوالي (70كم)، جزء من الطريق إليها معبد وغالبه صحراوي رملي، ناله وزملائه منها كثير من المعاناة، بسبب تغريز عجلات السيارات في هذه الرمال، لكنه أقبل على عمله بكل تفان وجديه، حتى أنه اسند اليه مع التدريس الارشاد الطلابي في المدرسة، وكانت بالنسبة له تجربة ثرية ناجحة لا تنسى، ومرت به خلالها العديد من التجارب والقصص والأحداث، وناله كثير من الإرهاق والتعب، فلم يصدق أن العام الدراسي انتهى، ممنياً نفسه بالانتقال إلى بيئة أفضل وأسهل، ولكن كم كانت خيبة أمله عندما أعلنت حركة النقل، إذ لم يكن أسمه ضمن المنقولين فيها، مع تيقنه بتميزه وبشهادة الجميع والمشرفين التربويين، والتزامه التام بالأداء والانتظام، ولذلك عند مراجعة إدارة التعليم والبحث، اكتشف أن تميزه هو السبب، لأن مدير المدرسة رفع باسمه يطالب بتثبيته في المدرسة، ورشحه ليكون وكيلا له فيها، ولكنه اعترض ولم يقبل نهائيا، مما جعلهم ينقلونه إلى احدى الثانويات داخل مدينة نجران، التي عمل فيها معلما لمدة سنة دراسية، ثم كلف وكيلا لمدة نصف سنة أخرى، ليتنقل بعدها على مدى ثمان سنوات في اكثر من مهمة، ومن ذلك (معلما، ووكيلا، ومرشدا طلابيا، ومشرف اختبارات تحصيلية، ورئيس قسم التربية الإسلامية، ومساعد مدير الإدارة، ومشرفا لمواد التربية الإسلامية، بقسم الإشراف التربوي بالإدارة العامة للتعليم بنجران، وشارك في العديد من اللجان والملتقيات المرتبطة بالتعليم).
وفي نهاية عام 1428هـ، انتقل بطلب منه للعمل في الكلية التقنية في نجران، واستمر فيها إلى عام 1436هـ، مع الاحداث المصاحبة للحرب في اليمن، عندما تأثرت الدراسة في الكلية بسبب هذه الاحداث، فانتقل برغبته إلى المركز الرئيسي للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بالرياض، وشغل فيها منصب مدير إدارة القبول والتسجيل، وبقي فيها لمدة سنة، حيث في عام 1437هـ طلب النقل إلى كلية التقنية بالخرج، وفي العام التالي 1438هـ انتقل إلى كلية التقنية بحوطة سدير، وما زال فيها إلى اليوم، وتدرج أثناء عمله في كليات التقنية في عدة مهام ومسؤوليات، ومنها : (محاضرا للثقافة الإسلامية، مشرفاً للنشاط الثقافي، مشرفاً للنشاط التقني، رئيسا لمركز رعاية الموهوبين، رئيسا لنادي الحاسب الآلي، عضوا في لجنة التأديب، رئيسا لمركز النشاط، مشرفا عاما للنشاط بمجلس التدريب التقني والمهني، عضوا لمجلس صندوق المتدربين، مديرا لمكتب رئيس مجلس التدريب التقني والمهني، عضوا للجنة التوجيه والإرشاد، عضوا للجنة التدريب الإنتاجي والصيانة التطوعية، رئيسا لفريق دراسة التقويم، رئيسا لقسم الدراسات العامة).
وقد عرض عليه أثناء هذه الرحلة، عدة فرص للعمل في جهات أخرى مختلفة، ومنها (مستشارا لدى ثلاثة وزراء، في ثلاث وزارات مختلفة) وكذلك في (إحدى الجامعات الحكومية بالرياض) وفي (شركتين من القطاع الخاص)، ولكن كانت جهة عمله تتمسك به ولا تتخلى عنه، نظرا لتميزه وحاجتهم إلى بقائه لديهم، وكان في كل ذلك الخير بحمد الله وتوفيقه، وفقه الله وبارك فيه.
وهو كذلك يقوم بالعديد من الانشطة المرادفة، في مجالات تخصصه مما لا يؤثر ولا يتعارض مع عمله الرسمي، ومن ذلك :
- تقديمه الاستشارات الإدارية والفنية، لمجموعة من الجهات الخاصة وغير الربحية والمانحة.
- إشرافه على بناء وتأليف وتصميم مجموعة من الوثائق والمناهج العلمية والشرعية.
وفقه الله وبارك فيه ونفع به، وقد قدم عددا من الدورات التدريبية، ومن ورش العمل المتخصصة، تجاوزت في مجملها (500) ساعة تدريبية، كانت في عدة مجالات وتخصصات، ومنها : (التخطيط الشخصي، الإدارة الإستراتيجية، بناء وتقويم الاختبارات، إعداد الصف الثاني، حل المشكلات، سنة أولى جامعة، تحليل المحتوى الدراسي، الأهداف السلوكية).
وهو بطبعه انسان اجتماعي، ومؤثر ايجابي، كانت له العديد من الانشطة والمشاركات الاجتماعية والتعاونية والتطوعية، في مجتمعه خارج نطاق عمله الرسمي، حيث شارك بإيجابية في تأسيس مجموعة من الجمعيات الخيرية، وعمل كذلك في بعض منها، وتولى فيها عدة مناصب إدارية وقيادية، وفي العضوية في مجالس الإدارة، ومن ذلك :
- عضو الجمعية العمومية لجمعية البر بنجران.
- عضو الجمعية العمومية لجمعية الأسرة بنجران.
- عضو الجمعية العمومية لجمعية رعاية الأيتام بنجران.
- أمين عام الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران.
- نائب رئيس الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام بنجران.
- مدير عام الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بنجران.
- رئيس مكتب الإشراف على حلقات النور المبين الإلكترونية بفيفاء.
- عضو الجمعية العمومية لجمعية البر بفيفاء.
- عضو الجمعية العمومية لجمعية التنمية الاجتماعية بفيفاء.
- رئيس لجنة اختبارات السجناء بتكليف من صاحب السمو الملكي وزير الداخلية.
- وله مجموعة من العضويات العامة :
- عضو الجمعية السعودية للإدارة.
- عضو الجمعية السعودية للعلوم السياسية.
- عضو الجمعية السعودية للسنة النبوية.
وهو بفضل الله موفق في كل دروبه، يجد في كل مرحلة وفي كل خطوة العون والتوفيق من الله، ويلتقي بالعديد من الرجال المخلصين المحفزين، فقد يسر الله له الالتقاء بكثيرين من هؤلاء، ممن توحدت اهدافه واهدافهم، واتحدت غاياتهم واتجاهاتهم، ففي نجران التقى بنخبة من الخيرين من ابناء فيفاء فيها، تظافرت جهودهم والتقت آمالهم وأحلامهم، وتعاونوا على تأسيس ملتقى لأبناء فيفاء في نجران، كانت غايته زيادة اللحمة والتعاون فيما بينهم على الخير، والتكاتف والتواصل على ما يرضي الله، وبعد تشكل الملتقى اجمعوا على أن يكون هو رئيس له، واستعان بالله ثم بمساندتهم وتعاونهم بلغ الغالية والنجاح المنشود، وحقق بحمد الله للجميع كل الأهداف والغايات النبيلة، واستمر ذلك نهجه ومنهاجه وما زال، وبقي يؤدي مهامه فيه إلى أن انتقل إلى خارج المنطقة.
وأما على مستوى مجتمعه المصغر(الأسرة)، فقد تظافرت جهودهم على تأسيس ملتقى خاص بالعائلة، شمل كل الأخوة وأبناء العمومة، حيث خططوا لأن يكون لهم ملتقا في كل عام، يقام في إحدى المناطق التي يتواجد فيها بعض من أفراد الأسرة، وقد أقيم أول مرة في محافظة الطائف، ولكنه انقطع بعدها بسبب ازمة كورونا، ولكنه استأنف نشاطه في هذا العام، واقيم بشكل مصغر في منطقة عسير، والأمل في استئنافه بشكل أوسع خلال الاعوام القادمة بمشيئة الله.
نجده انسانا مجتهدا وعمليا، يسعى دوما إلى بلوغ اقصى درجات النجاح، عملا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، وتميز بذلك ونال بفضل الله في كل اعماله الرسمية والتطوعية، كثير من التقدير والعرفان، مع ما يجده في نفسه من الرضى والقناعة، والشعور التام بالسعادة والراحة والاطمئنان، وتحصل على الكثير من التقدير والعرفان، ونال العديد من الدروع وشهادات الشكر، من عدة جهات ومؤسسات حكومية وخيرية واجتماعية، ومن ذلك :
- خطاب شكر من سعادة مدير عام السجون بالمملكة.
- خطاب شكر من سعادة مدير سجون منطقة نجران.
- خطاب شكر من فضيلة رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني.
- مجموعة خطابات شكر من الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة نجران.
- مجموعة خطابات شكر من سعادة رئيس مجلس التدريب التقني والمهني.
- خطاب شكر من سعادة رئيس مجلس التدريب التقني والمهني بالدمام.
- خطاب شكر من فضيلة مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية.
- خطاب شكر من سعادة رئيس مجلس التدريب التقني والمهني بالمدينة المنورة .
- خطاب شكر من سعادة مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات.
- خطاب شكر من مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- مجموعة شهادات شكر من المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.
بعض هواياته :
تستميله من صغره القراءة، وحب الاطلاع والثقافة، وهو طالب علم متمكن، يسعى دوما إلى تنمية مهاراته، وزيادة معلوماته، وفي اكتساب كل جديد، وكان لتعلقه الشديد بحب الكتاب، وإدمانه على الاطلاع والقراءة، بما يمثل جزءا كبيرا من وقته ومن حياته، فقد يستغرق منه في كل يوم قرابة عشر ساعات، وخاصة في الإجازات والعطل المدرسية، ويدخر جزءا لا باس به من ميزانيته لتملك الكتب، وشراء كل جديد منها في كل العلوم، ويحرص على حضور معارض الكتب أينما أقيمت، ولا يتعب أبدا من التطواف على المكتبات، أينما توجه، بل يشعر بالسعادة الغامرة، وفقه الله وزاده علما وفضلا وتوفيقا.
الحالة الاجتماعية :
تزوج في بداية حياته الجامعية، وهو في نهاية الفصل الدراسي الأول، من الفاضلة الاستاذة مريم بنت سليمان أسعد العبدلي الفيفي، وهي حاصلة على البكالوريوس في الشريعة، من جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، حيث شجعه على الزواج حينها، وسانده ودعمه والديه وإخوانه، ويسر له هذه الخطوة عمه الفاضل الشيخ سليمان بن أسعد العبدلي، (الداعية في قيادة الحرس الملكي)، وكانت بحمد الله زوجة فاضلة صالحة، ومدبرة حصيفة صابرة، أعانته في كل مراحل حياته، وقامت على تربية الأبناء ومتابعتهم، أثناء انشغاله وفي أسفاره ودراساته، وقد رزقا بفضل الله بستة من الولد، أربعة أبناء وابنتان، وهم على النحو التالي :
- البتول حاليا في سنة الامتياز في كلية الطب، تخصص الصيدلة الإكلينيكية، بجامعة الأميرة نورة.
- أنس طالب في السنة الثالثة كلية الحقوق، جامعة الملك سعود.
- عمار طالب في السنة التحضيرية كلية الطب، جامعة الملك سعود.
- البراء طالب في المرحلة الثانوية.
- جنى طالبة في المرحلة المتوسط.
- سليمان دون سن الدراسة.
بارك الله فيهم وحفظهم، وبارك فيها من أسرة صالحة ناجحة، وحفظه الله ووفقه وأعانه على كل خير، وكثر في مجتمعاتنا من أمثاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الدكتور: اسعد بن فرحان شريف العبدلي الفيفي
الرياض في 1445/4/3هـ
اسعد فرحان انسان تعجز عن وصفه فالوصف يفوق ما يمتاز به من خلق ودين وحسن تربيه واباه رحمه الله العم فرحان عرفته بذلك الرجل الطيب القلب سريع البديهة يسمع اكثر مما يتكلم فهو انسان يصغ كثيرا لصغار السن ويسمع اليهم ويوجههم الى الطريق الصحيح
اما اخوانه فهم من خيرة من عرفت فقد اخذوا من اباهم الاخلاق الحميده ونخوة الرجال في اضيق المواقف واصعبها ناهيك عن كونهم مثل حبات اللؤلؤ ناصعي البياض في افئدتهم
حفظهم الله جميعا وحفظ الله لهم والدتهم الفاضله التي احسنت تربيتهم على فضائل الاخلاق
شكر الله لك أبا سلطان
وأنعم وأكرم بك وبجميع إخوانك ورحم الله العم مفرح حسن ومتعكم الله بصحة الوالدة الكريمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله تبارك الله كلمات نيرة مباركة لرجل كريم من رجل كريم
تحية للفاضل والاخ العزيز فضيلة الدكتور أبو انس وتحية للرجل الفاضل رمز فيفاء العلم أبو جمال
وتحية للفاضل صاحب الصحيفة المتألقة أبو أحمد
حياك الله أبا عبدالكريم وجزاك الله خيرا
وشكر الله لرجل فيفاء وعلمها الأستاذ الفاضل أبو جمال
ماشاء الله تبارك الله..حفظه الله وسدده ورحم والديه
اللهم آمين وإياك أخي الكريم وجزاك الله خيرا