مقالات

الأستاذ :محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي

إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الأستاذ :محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي

المواهب الشخصية منحة من الله، تتكون في جينات وخلد الانسان، وتتولد من قلب المعاناة والحرمان، يعبر بها للآخرين عما في نفسه، وينفس من خلالها عن بعض حرمانه، ويفصح بها عن شخصيته ومتطلبات حياته، وكل انسان لديه موهبته الخاصة، هبة من الله له ليكون له دور فاعل، ووظيفة تميزه عن غيره في هذه الحياة، ويضفي من خلالها لمسة خاصة به، فلكل انسان تميز وبصمة ينفرد بها، ويكمن سر التميز في حسن استخدام هذه الموهبة، فيما ينفعه وينفع غيره، وكل ما اعطانا الله وكوّنه في كياننا فهو موهبة، وهي منح ونعم لا تعد ولا تحصى، فالمتعارف منها بين الناس كمواهب متميزة، الشعر والرسم والصوت والخط والخطابة، وإلا فكل ما في الانسان موهبة متميزة إن احسن استخدامها.

والموهبة وحدها لا تكفي، فكم من موهبة ذبلت وتبخرت، لأن الموهبة إن لم تجد من يؤمن بها، ويعمل على تنميتها وصقلها اضمحلت، والدور في ذلك يقوم على المحيط الذي يعيش فيه هذا الموهوب، وتكون البداية في مجرد اكتشافها، ثم في تنميتها وتحفيز ودعم صاحبها، وتشجيعه إلى أن يؤمن بها شخصيا، ثم ليعتز بها ويفخر بها، ويبرزها على هذا الاساس، إلى أن تصبح له مع الوقت عنوانا وهدفا وغاية، وتكون شيء ثابت ومعتقد لا يتخلى عنه، بل يعمل ويسعى جاهد إلى تحقيقه، وتفعيله بكل قدراته، ليصبح ذو جدوى ونفع محمود.

   أتضحت موهبته في الرسم، من الصفوف الاولى، من المرحلة الابتدائية، ولا حظ تميزه معلم مادة التربية الفنية، ولفتت نظره لمساته الفطرية، واسلوبه المختلف عن بقية الطلبة، واهتمامه وتركيزه في تنفيذ رسوماته، وعنايته بأدق التفاصيل فيها، حتى في اجادته لمسك القلم، وفي حسن تمريره له على الورق، وانسجامه وتفاعله مع توجيهات المعلم، مما يدل على موهبة متميزة، تفصح عن مستقبل واعد له في هذا المجال، فأولاه معلمه جل رعايته واهتمامه، ودله على القواعد الضرورية النافعة، فتحسن ادائه وتطور اهتمامه، وارتفعت معنوياته، فتشجع على اخراج كوامن موهبته وابداعاته، وهنا كانت البذرة الاولى في طريق تميزه، ثم هيء الله له بفضله في مستقبل مراحل دراسته،

من أخذ بيده وطور قدراته، من المعلمين المتخصصين، ممن نفحوه بكثير من توجيهاتهم وتجاربهم وخبراتهم، وما اسرع ما عرف طريقه بنفسه، واتقن وطور موهبته، وجد واجتهد في استيعاب اسرارها، والتعمق في خصائصها وخباياها، حتى استحكمت على كل فكره وخططه لمستقبله، فاتجه للتخصص فيها بالطريقة الصحيحة، وما إن أخذ شهادة الكفاءة المتوسطة، إلا وقد حدد اتجاهه بكل وضوح وثبات، واتجه مباشرة إلى معهد التربية الفنية للمعلمين في الرياض، وهو المدرسة المتخصصة الوحيدة في المملكة، واقبل ينهل ويطور قدراته على الاصول المعتبرة، ليتخرج منه معلما متخصصا يواصل العطاء، واصبحت له الريادة والتميز في مجتمعه، وفقه الله وبارك فيه وزاده علما وفضلا وابداعا.

أنه الاستاذ الفنان: محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي

حفظه الله ووفقه.

والده هو الشيخ يحيى بن هادي حسن اسعد آل يزيد مسعود الابياتي رحمه الله، تعلم في بداية حياته حسب المتاح، في بعض الكتاتيب المتوفرة في محيطه، وتركيزها ينصب على تعليم القران الكريم، واتقان شيء من القراءة والكتابة، وسافر في بداية شبابه والتحق بالعسكرية، جنديا في (سلاح المدرعات)، ولكن لم يمكث بها إلا حوالي أربع سنوات، ولكن تأثيرها عليه كان كبيرا، فقد اخرجته إلى عالم فسيح من التغيرات، وعاد بعدها ليستقر في فيفاء، وفي اثنائها اشتغل بالتجارة البسيطة، وتملك دكانا متميزا في سوق النفيعة، واضفى عليه شيء من ابداعاته، فكان الوحيد الذي يضع التسعيرة على المعروضات، وكان ذكي مبدع في كل اموره، وأذكر أن الوالد الشيخ علي بن قاسم رحمه الله، كان يستعين به في التقاط بعض الصور، التي يشارك بها في حلقات تعريفية عن فيفاء، ينشرها في مجلة المنهل الشهرية، في اواخر الثمانينات الهجرية، من القرن الماضي، وقد ترك التجارة في أواخر التسعينيات الهجرية، وتوظف في مدرسة تحفيظ القران الكريم الابتدائية بالنفيعة، كان فنان بالفطرة، يعشق النجارة ويمارسها كهواية خاصة، نفذ من خلالها بعض الاعمال البسيطة، من (دواليب وطاولات وابواب ونوافذ).

أما بالنسبة لعلاقته بولده محمد، فبالطبع محمد غادر فيفاء مع خالته، بعد موت أمه وهو دون سن التمييز، فمعرفته بوالده محدودة ومتقطعة، ولم يتعرف عليه كما ينبغي إلا بعد أن كبر وبلغ الحلم، ويقول عن ذلك (لم اعرفه في صغري المبكر إلا لماما، ولم اعش معه عن قرب إلا أثناء دراستي في الصف الثالث المتوسط، ولفترة قصيرة، فوجدته حريصا على انتظامي في دراستي، وكان يعاملني بكل طيبة وحنان، ثم قضيت معه فترة عندما ترافقنا في رحلة خارج المملكة لمدة شهر، عرفته من خلالها تمام المعرفة عن قرب، فوجدته ابا حنونا ، يتميز بالطيبة المتناهية)، رحمه الله وغفر له.

  أما أمه فهي الفاضلة مريم بنت علي بن حسن آل داوود المثيبي رحمها الله، والدها كان من كبار تجار فيفاء حينها، وعريفة عشيرته آل داود، وتوفيت في حوالي عام 1384هـ تقريبا، ولديها ثلاثة اولاد ابنان وبنت، كان محمد اكبرهم، وهو لم يعرفها ولم يميز صورتها كما ينبغي، إذ كان عمره حين وفاتها لا يتجاوز الثالثة، رحمها الله وغفر لها وتجاوز عنها.

ولد لهذين الفاضلين في عام 1381هـ، في بيت جده لأمه (المفارج)، في وسط بقعة آل داود، وبعد فترة انتقلت امه إلى بيت زوجها خيران، واما هو فكان يقضي معظم وقته في بيت جده، حيث تعلق به جده، حتى أنه كان قد اسماه حسن، وحمل هذا الاسم لما يقارب ثلاثة اشهر، حتى أقنع والده جده بتغييره إلى محمد، ولد لهما بعده ابن وبنت، ثم توفيت والدته وجميعهم صغارا رحمها الله، وبقي هو ربيب جده لا يكاد يفارقه، يجد منه كل الدلال والحنان، ويجد من خالته خيرة الرعاية والاهتمام، وقد تعلق بها وتعلقت به، واحسنت تربيته وتنشئته، ومن عمق محبتها له وحدبها عليه، أنها عندما خطبت اشترطت أن تأخذه معها، ووافق زوجها على هذا الشرط، ثم اقنعت ابيها (جده) فلم يعارض في ذلك، واستأذنوا من والده ولم يمانع، من مبدأ أنه الاصلح للطفل، واحتياجه في هذه السن إلى الرعاية والحنان، ولا شك ستتوفر له عند خالته.

انتقل مع خالته ومع زوجها الشيخ موسى بن حسن المثيبي رحمه الله، واستقر وعاش معهما في مدينة الطائف، كانا له بفضل الله وتوفيقه والدين حنونين، عوضاه عن فقد امه، وفي بعده عن أبيه، واولياه جل اهتمامهما، وكامل رعايتهما، وعاش معهما إلى أن تجاوز سن الرشد، وقرر بنفسه الاستقلال عنهما بحياته، وهو حينها طالب في الصف الثالث المتوسط، ولم ينسى لهما فضلهما عليه، ويعتبرهما في منزلة والديه الفاضلين، جزاهما الله عنه كل خير، وثقل بما فعلاه في موازين حسناتهما.

وجدير بنا بسط التعريف بهما كوالدين له، فخالته هي خيرة بنت علي حسن آل داود (أم خالد) حفظها الله، احبته وتعلقت به كأم من صغره المبكر، وحدبت عليه كثيرا بعد موت امه (شقيقتها)، ومن باب هذا الوفاء لها رحمها الله، كان لا يفارقها في معظم الوقت، بل ويشعر بالفقد إذا ما غابت عنه ولو للحظات، ويعبر عن ذلك بشدة انفعاله وغضبه الكبير، ومما اخبرته به في هذا الجانب، عندما اضطرت ذات يوم إلى التبكير إلى المورد لجلب الماء، وتسللت بخفة وهو نائم في حضنها، حتى تبقيه نائما ولا تزعجه، ولما افاق ولم يجدها بجواره، غضب غضبا طفوليا شديدا، وليعبر عن غضبه وجد (مسكتيها)، على منضدة بجوار الفراش، (والمسكتان سواران من الفضة، تلبسهما المرأة في ساعديها)، فأخذهما ورمى بهما بكل قوة من نافذة البيت، مما تسبب في فقدهما نهائيا، حيث لم يعثر عليهما أبدا، وهذا مما يدل على تعلقه بها، وفرط تدليلها الزائد له.

ولهذا عندما تزوجت لم ترضى أن تتخلى عنه، بل كان شرطها الوحيد في قبول الزواج، أن تأخذه معها اينما حلت، لكي تقوم على رعايته وتربيته والعناية به، وهو ما تم الموافقة لها عليه من زوجها، ومن والدها ووالد محمد، فصحبته معها إلى مقر سكن زوجها في مدينة الطائف، وقد احسنت تربيته وتعليمه، والاهتمام به كأحد اولادها، ولم تفرق بينه وبين واحد منهم في تعاملها وعطفها، ولم تقصر في حسن تربيته والعناية به، حفظها الله واطال على الخير عمرها، واصلح لها ذريتها.

واما زوجها فهو الفاضل الشيخ موسى بن حسن المثيبي (أبن أهل النقيل) رحمه الله، كان يعمل عسكريا في الجيش السعودي في مدينة الطائف، فقبل بشرط زوجته في أن تأخذ محمد معها، ولم يقلّ عنها في العناية به وتربيته، وحتى في تدليله، فقد اولاه جل اهتمامه وكامل رعايته، حتى لم يشعر في يوم من الايام بأنه غير والده، عامله كبقية أولاده دون تفرقة، وكان هو وزوجته حريصان على مصالحه، وعلى تعليمه وحسن تربيته، حتى أن موسى كان يدفع له كل المصاريف، وكل ما يلزمه في كل شؤنه، بل وزيادة كان يدفع عنه الرسوم الإضافية مقابل بعض دروس التقوية، التي كان يتطلّبها وهو في الصف الخامس والسادس الابتدائي، التي اقامتها المدرسة في الفترة المسائية، ومما يدل على قوة العلاقة بينهما ما يذكره وهو في الصف الرابع الابتدائي،

عندما سمع أحد اخواله يخبر اخته خيرة، بوفاة والدها (جده علي)، ولكنه لم يسمع من هذا الخبر إلا قوله (يبقى الله فقد توفي)، ولم يستوعب الطفل من هو المقصود بهذا الخبر، فظن أن المخبر به هو خاله موسى، فانطلق في بكاء شديد، وصراخ وعويل مرتفع، وهو يردد خالي موسى مات، خالي موسى مات، ويجري داخل البيت بشكل هستيري، فاذا بخالته تمسكه، وتهدئ من روعه، وتقول له هذا الميت ليس خالك موسى، انما هو والدي (علي) رحمه الله، أما خالك موسى فهو بخير، وسيأتي بعد قليل من السوق، ولكنه لم يقتنع إلى أن وصل خاله موسى، يحمل بعض الأغراض من السوق، فلما رآه نسي ما به وفرح بخاله، مما يدل على منزلة خاله موسى في نفسه، وهو لا شك رجع صدى لحسن معاملته له، وايضا نستشف مدى غلاته عند خالته، حتى أنها نسيت حزنها وفاجعتها بأبيها، وانشغلت بتهدئته والأخذ بخاطره، ولم تتركه إلى أن عاد خاله موسى من السوق، وأطمئن قلبه عليه.

عاش مع هذين الفاضلين، طفولته الكاملة وبداية شبابه، يهتمان به تمام الاهتمام، ويعطفان عليه كأحد أولادهما، بل لا يفرقان بينه وبين واحد منهم، ويرعيانه في كل حالاته وأموره، وكمثال عندما كانت تعاوده من طفولته المبكرة الحلقة (العذرة)، وفي أثناء إقامته في رعايتهما، كانت تلم به في العام أكثر من مرة، فكانا في كل مرة يذهبان به إلى عجوز من اهل فيفاء، تسكن في حي الشهداء بالطائف، لتحلق عليه وتزول عنه اعراضها، وبقيا كذلك إلى أن كبر وبلغ اشده، وشفي منها تماما بحمد الله.

تعليمه :

عندما بلغ سن الدراسة، وهو في كفالة خالته خيرة، وزوجها موسى في مدينة الطائف، وكان يسكنان في حي الفيصلية (أم الخبز)، فالحقاه بأقرب مدرسة ابتدائية، تقع في حي الريان المجاور لحيهما، وسجلاه في مدرسة محمد بن القاسم الابتدائية، وكانا يهتمان بإيصاله إلى هذه المدرسة وفي اعادته منها، ويتفاقدان دراسته وانتظامه، حتى ألف المدرسة وانسجم مع دراسته، وترقى في فصولها عاما بعد عام، ولما أحدثت مدرسة (النصر الابتدائية) في حي الفيصلية، نقلاه إليها، وكان يدرس حينها في الصف السادس، حيث أكمل فيها دراسة المرحلة الابتدائية، وبعدها أتجه إلى الالتحاق بالمرحلة المتوسطة، وسجل في متوسطة دار التوحيد، وهذه المدرسة (دار التوحيد)، تعتبر من المدارس العتيقة المتخصصة، امر بإنشائها جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله، في عام 1364هـ، كأول مدرسة نظامية، وجعلها مرتبطة مباشرة بالشعبة السياسة، التابعة للديوان الملكي، إلى أن ربطت لاحقا بمديرية المعارف، وكان من اهم اهدافها تخريج طلاب متخصصين في العلوم الشرعية والعربية والقضاء، واستقطبت الطلاب من جميع مناطق المملكة، وهيأت لهؤلاء الطلاب المغتربين، السكن والاعاشة وكل ما يلزمهم، وصرفت لهم المكافآت الشهرية، واختيرت الطائف مقر لها، لتميز هذا المدينة بطبيعتها الجميلة، وأنها عاصمة المملكة الصيفية، وتوسط موقعها بين نجد والحجاز، ولقربها من مكة المكرمة، التي أنشأت فيها لاحقا كلية الشريعة، حتى أن خريجو هذه الدار، كانوا أول دفعة التحقت بها، وقد تخرج من دار التوحيد، على مدى عمرها المديد، عدد من ابرز العلماء والشخصيات، ممن تقلدوا مناصب عليا في الدولة، ومن أشهرهم (الشيخ محمد بن جبير، والشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، والشيخ عبدالعزيز المسند، والشيخ عبدالله بن خميس، والشيخ محمد بن عثيمين، وغيرهم كثير رحمهم الله وغفر لهم).

التحق هو بهذه المدرسة، وكانت تقع حينها في حي الشرقية، القريب من سكنهم بحوالي كيلوين، وواصل كعادته تميزه في دراسته وانتظامه، واستهوته كل المواد، ولكن ميله أتجه كما كان في المرحلة الابتدائية، إلى مادتي الخط والرسم، وبالذات عندما وجد فيها الاهتمام والتوجيه والتشجيع، من معلمي هاتين المادتين، حيث برزت موهبته وتطورت وتشكلت، بسبب اهتمامهما به، وسعيهما إلى تنمية مواهبه، ولا ينسى فضلهما، وأثرهما الإيجابي عليه، وهما كل من المعلم ماهر نصار، معلم مادة التربية الفنية، والمعلم جلال أمين صالح، معلم مادة الخط العربي، اللذان اعتنيا بها، ووجهاه التوجيه السليم، ومن حسن عناية معلمه الاستاذ جلال به، وحرصه على أن يتقن الخط العربي، ويلم بقواعده الصحيحة المعتبرة، ويتعرف على كل أنواعه وأسراره، قام بإهدائه مذكرة خاصة به في الخط العربي، كان قد نفذها بخط يده، ففرح بها كثيرا، وقلد معظم ما وجده فيها، وما زال يحتفظ بهذه المذكرة إلى اليوم، اعتزازا منه بهذا المعلم الفذ، ووفاء منه له، جزاه الله كل خير ومثوبة.

 اضطر في نهاية العام الدراسي 1396هـ، وقد نجح من الصف الاول المتوسط، إلى مغادرة مدينة الطائف، في رفقة خالته عندما انتقلت إلى فيفاء، بعدما صدر قرار نقل عمل زوجها، خاله موسى بن حسن إلى مدينة تبوك، ولظروف معينة في تلك الفترة، لم يستطع اخذهم معه مباشرة إلى مقره الجديد، وكان يصعب عليهم البقاء لوحدهم في مدينة الطائف، فرأوا أنه من المناسب العودة إلى فيفاء مؤقتا، إلى أن  يستطيع تدبر أموره وأوضاعه في تبوك، ويهيئ لهم السكن المناسب فيها، ثم بعدها يلحقون بها إلى هناك بمشيئة الله.

استقروا في فيفاء في بيت جده لأمه، علي بن حسن رحمه الله، المفارج في بقعة آل داود، والتحق هناك بمتوسطة فيفاء الاولى، الواقعة بجوار السوق في النفيعة، وما اسرع ما انسجم مع زملائه ومدرسته ودراسته، وكان مدير المدرسة حينها الاستاذ المتميز الشيخ حسن بن فرح رحمه الله، فواصل انتظامه ودراسته فيها على خير وجه، وارتاحت نفسه واطمأن باله، واحب فيفاء وطابت نفسه بها، حتى أنه قرر في وجدانه العيش فيها نهائيا، ومضى به العام الدراسي وقد حقق النجاح في آخره، ولكنه اضطر في نهاية العام للمغادرة مع خالته، للحاق بخاله موسى في مدينة تبوك، بعد أن هيء لهم السكن المناسب فيها، واستقروا هناك في حي الخالدية، والتحق فيها مع بداية العام الدراسي 1398هـ، في متوسطة علي بن أبي طالب في نفس الحي، ولكنه افتقد فيفاء ولم يناسبه العيش في تبوك، وما زال قلبه معلق بفيفاء،

ولذلك لم تمضي بضعة اشهر حتى صارح خالته بمشاعره، وطلب منها أن تسمح له بالعودة إلى فيفاء، ليواصل العيش والدراسة فيها، ولم تمانع خالته ما دام هذا اختياره، وقد بلغ سن يؤهله لتحديد مصيره، واختيار الصالح لنفسه، وعاد مباشرة يحمل ملفه إلى متوسطة فيفاء، واكمل فيها دراسة الصف الثالث المتوسط، ليتخرج منها في نهاية ذلك العام الدراسي 1398هـ.

ووجد في كلا المدرستين ما ينسجم مع ميوله، وينمي موهبته وقدراته، ففي متوسطة فيفاء كان لمعلم مادة التربية الفنية، الاستاذ صفوة التهامي، التأثير الكبير عليه في هذا المجال، وفي متوسطة علي بن أبي طالب في تبوك، وجد المعلم سليم سالم البلوي، الذي منحه الكثير من عطائه وتوجيهاته، فلقد تناولته بفضل الله الايدي المباركة، من المعلمين الفضلاء، طوال مسيرته التعليمية، بالعمل على صقل مواهبه، وزيادة المامه وتعلقه بهوايته، وهم كثيرون يذكرهم دوما بالشكر والتقدير، ولكن يخص منهم بالذكر، الاستاذ عبد الله الغامدي مدرس التربية الفنية في المرحلة الابتدائية، في مدرسة محمد بن القاسم الابتدائية بالطائف، والاستاذ كمال ابو الخير مدرس التربية الفنية، في متوسطة دار التوحيد بالطائف، والاستاذ الخطاط جلال امين صالح مدرس الخط العربي، في متوسطة دار التوحيد بالطائف، والاستاذ صفوة التهامي (مصري) مدرس التربية الفنية بمتوسطة فيفاء، والاستاذ سليم سالم البلوي مدرس التربية الفنية، بمتوسطة علي بن ابي طالب في تبوك.

ما إن تخرج من المرحلة المتوسطة، إلا وقد استأثرت ميوله الفنية بغالب وقته، واستحوذت على كامل فكره، حتى أنه لا يجد نفسه وراحته إلا فيها، فكان لا يفتر عن متابعة كل جديد، ولا يمل من التجديد والتطوير والابتكار، واستفاد من توجيهات معلميه، ومما يطلع عليه في هذا الفن، ومن خلال البيئة الجميلة التي عاش فيها، سواء في الطائف أو في فيفاء، وكان يكرر كل ما يتعلمه أو يكتشفه لعدة مرات، لكي يزيد من مهارته وإبداعه فيما يقوم به، ولذلك تطورت قدراته وتشكلت إمكانياته، بشكل متفوق وكبير، وأصبح حلمه الأبرز هو التخصص في هذا المجال، مع أنه كان يجهل حينها الوسيلة لتحقيق هذه الأمنية، ولا يعرف كيفية الوصول إليها، ولم يكن يخطر على باله هذا السؤال، بل لم يكن يدري أساسا أن هناك اختصاصا مستقلا في هذا المجال، إلى أن كان يستمع ذات ليلة إلى الإذاعة، فاذا بالمذيع فيها يقدم أحد ضيوفه، طالبا منه التعريف بنفسه، فكان من ضمن هذا التعريف، بعد أن ذكر اسمه، وأنه معلم للتربية الفنية، متخرج من (معهد التربية الفنية للمعلمين بالرياض)،

ثم استطرد في التعريف بهذا المعهد، وأنه يقبل الحاصلين على شهادة الكفاءة المتوسطة، ومدة الدراسة فيه ثلاث سنوات، ليتخرج بعدها معلما للتربية الفنية، وسرح به الفكر حتى أنه لم يعد يسمع ما ورد في بقية المقابلة، حيث اكتفى بحصوله منها على هذه المعلومة الثمينة، لينطلق بعدها خلف أحلامه وافكاره، ويتخيل مستقبله في قادم أيامه، فقد فتحت له هذه المعلومات افاق من الرؤى، في المستقبل الذي يتمناه ويحلم بتحقيقه، فمن ساعتها اصبح هدفه ومبتغاه الالتحاق بهذا المعهد، ولا يفكر في مجال غيره، بل ينتظر انقضاء ذلك العام بفارغ الصبر، فقد كان يدرس في آخر صف من المرحلة المتوسطة، لكي يسارع إلى إنزال هذه الأحلام على أرض الواقع، وينغمس حقيقة في التخصص الذي عشقه، حيث تملكت عليه كل فكره ووجدانه، وكان يحس بأن الوقت يمر ببطيء لا يكاد ينتهي، ولذلك ما إن اعلنت نتائج النجاح في نهاية ذلك العام، إلا وهو يحمل شهادته وآماله مسافرا إلى الرياض، لا غاية له إلا الالتحاق بهذا المعهد، وفي الرياض سارع إلى مقر المعهد، راجيا قبوله ضمن الطلاب المتقدمين، وقد استكمل جميع المتطلبات، والشروط الأساسية، وانهى كل الفحوصات، والمقابلات الشخصية، ولسانه يلهج بالدعاء إلى الله بالتوفيق والقبول.

وضع رجله على بداية السلم، بعد أن تم بحمد الله قبوله ضمن المقبولين، ولم يبدأ العام الدراسي الجديد 1399هـ، إلا وهو احد الطلاب المنتظمين في فصول هذا المعهد، وكان موفر لهم فيه السكن والاعاشة والمواصلات، وانسجم تماما مع الدراسة التي وجد فيها ضالته، ووافقت وحققت طموحاته ورغباته، وكانت الدراسة فيها سهلة ممتعة بالنسبة له، والمواد والمقررات فيه مواد تأسيسية عامة، تنقسم إلى قسمين نظري وعملي، والمواد النظرية هي (التربية الاسلامية، واللغة العربية، وطرق التدريس، وعلم النفس، وتاريخ الفن، والوسائل التعليمية، واللغة الانجليزية)، واما المواد العملية التخصصية، فمنها (التصوير التشكيلي، والرسم، والزخرفة، والتصميم، والطباعة، والخزف، والنسيج، والرسم الهندسي، والنجارة، وخامات البيئة، وكذلك التصوير الفوتغرافي، والموسيقى)، مع أن هاتين المادتين الاخيرتين (التصوير والموسيقى)الغيتا لاحقا، عندما كان يدرس في الصف الثاني, فواصل ترقي دراسته في هذا المعهد سعيدا بما يحصّله، وبما يطبّقه ويتعلّمه، وبما يتوافق مع موهبته وميوله، وهكذا كل يوم يتعلم شيئا جديدا، وينمى مواهبه، ويصقل قدراته، ويرفع من معلوماته ومعنوياته، وعلى مدى الثلاث السنوات التالية، مدة الدراسة المقررة في المعهد، التي احس أنها انتهت بمنتهى السرعة، وانقضت كالحلم أو كالطيف العابر، لا يكاد يمل ولا يشبع منها، لأنها كانت النواة الحقيقية له، في الإلمام بكافة الفنون التشكيلية، بكل انواعها وفروعها واطيافها، ووجد في المعهد نخبة من المعلمين المتخصصين، الحريصين على نفع طلابهم، الذين بقي ذكراهم عالق في فكره وكيانه، بكل عرفان وأثر جميل لا ينسى، وتحصل على العديد من العلوم والأساسيات، التي اشبعت نهمه، ووسعت مداركه، وأجابت على كل تساؤلاته، في ما يتعلق بالفنون التشكيلية وعلومها، حتى تخرج من هذا المعهد المتخصص الجميل، في نهاية العام الدراسي 1402هـ، حاملا منه شهادة الدبلوم في التربية الفنية للمعلمين.

اتاح له هذا المعهد كطالب، العديد من العلوم والخبرات المكتسبة، وكثير من المهارات وفرص التعرف على اسرار هذه المادة، والتعارف مع العديد من أمثاله، تجمعهم الهواية والموهبة، من كل مناطق المملكة، مع اكتسابه الخبرات المتعددة، والمشاركات في العديد من الانشطة المتخصصة، المتوافقة مع هذا التخصص، فكان المعهد يشركهم في كل المعارض التي يقيمها، وبالذات في نهاية كل عام دراسي، ومن خلاله ايضا أتيحت له العديد من الفرص الانمائية، ففي عام 1401هـ اصبح عضوا عاملا في جمعية الثقافة والفنون، ومن خلال هذه العضوية كانت له مشاركات متعددة، في كثير من المعارض التي تنظمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ما كان منها في مدينة الرياض، كالمعرض المعاصر، وفي معرض المقتنيات، التي أقيمت ما بين الاعوام 1401هـ وإلى 1404هـ، وحصل من خلالها على كثير من شهادات الشكر والتقدير، والعديد من المكافآت والجوائز، وامتدت مشاركاته إلى وقت قريب، حتى أنه شارك في عام 1438هـ، في المعرض الذي اقامته جمعية الثقافة والفنون، في المركز الثقافي بجازان.

اشبع رغباته وحقق ذاته، واكتسب العديد من الخبرات والمهارات، وبقيت نفسه تتطلع دوما إلى الاستزادة من هذا العلم وهذا التخصص، ولكن للأسف لم يجد الفرصة متاحة له فيما بعد، فكم حاول بعد انتظام وقته، مع مرور البدايات الصعبة، في خوضه غمار مهنة التدريس، لأنها مهنة ليست باليسيرة على الجاد فيها، بل تحتاج إلى جهد كبير في التحضير والشرح والتجديد، وفي تلمس الطريق الصحيح الناجح، وفي بناء الشخصية وأثبات الجدارة، مع احتياجه الشخصي إلى تهيئة متطلباته الأساسية في الحياة، من الزوجة والسكن ووسيلة النقل وغيرها، فلم تكتمل على ما يريد إلا بعد مضي ما يقارب من اربع سنوات، وبعدها اتجه بكل جدية ورغبة، إلى البحث عن اكمال دراسته التخصصية، فتواصل أولا مع الكلية المتوسطة في جازان، ولكن للأسف لم يكن موجود فيها تخصص (التربية الفنية)،

وبعد البحث والتقصي علم بوجوده فقط في الكلية المتوسطة بالمدينة المنورة، ولم يتردد في طلب نقل عمله ليقترب منها، وتم نقله في عام 1406هـ إلى مدينة جدة، راجيا أن تكون الفرصة هناك متاحة امامه لإكمال دراسته، ومع اول مباشرته فيها سعى للحصول على هذه الفرصة، وبعد تردده المتواصل على ادارة التعليم، اقنعه مشرف التربية الفنية في الادارة، بصعوبة ترشيحه في القريب العاجل، ولا شك سيطول انتظاره، لأن هناك من هم اقدم منه، فتحطمت حينها آماله وتكسرت مجاديف احلامه، لذلك ما إن انتهى ذلك العام الدراسي، إلا وهو يسعى إلى عودته من حيث أتى، وبالفعل اعيد نقله مرة اخرى لتعليم صبيا، ومنها باشر مرة ثانية في فيفاء، ولم يستطع بعدها تحقيق رغبته وطموحه، في مواصلة دراسته، لكنه لم يفتر من زيادة معلوماته، وتوسيع ثقافته، وتثبيت خبراته، وفقه الله وزاده علما وفضلا وتوفيقا.      

العمل الوظيفي :

بعد تخرجه من معهد التربية الفنية، في عام 1402هـ وهو يحمل شهادة الدبلوم، تم تعيينه مباشرة، معلما في ادارة التعليم بمنطقة جازان، وفيها تم توجيهه إلى مدرسة تحفيظ القرآن الكريم الابتدائية بفيفاء، مع الاشتراك بالتدريس في متوسطة فيفاء، في نفس الموقع بالنفيعة، فكان هو المعلم الوحيد المختص في المدرستين، في تدريس مادة التربية الفنية، واستمر يؤدي عمله فيهما لأكثر من اثنتي عشرة سنة، مع ما تتخللها في عام 1406هـ من انتقاله للعمل في احدى مدارس جدة، ليعود في العام التالي مرة أخرى إلى عمله السابق في فيفاء، ثم تم نقله لاحقا للعمل في متوسطة نيد الضالع، والتي بقي فيها إلى أن تم تقاعده المبكر، الذي صدر بناء على طلبه في عام 1423هـ. 

عشق العمل الفني واخلص له، لأنه وجد فيه راحة نفسه، والمجال الذي يعبر من خلاله عن مشاعره وافكاره، فكان شغله الشاغل في المدرسة وفي البيت، حتى أنه اعد له في بيته معملا فنيا خاصا متكاملا، يحتوي على مرسم وورشة عمل فنية، ويقضي فيه غالب وقته، واجمل ساعاته وامتعها، ونفذ من خلاله العديد من الاعمال الفنية التي يعتز بها، اخرج بعضها للناس وبذله لهم، وشارك ببعضها في كثير من المعارض، ما كان منها في المنطقة، أو في بعض مناطق المملكة، وكثير من أعماله يحتفظ بها لنفسه، وذلك لعدم توفر المعارض المختصة، ومن الاعمال التي نفذها ويعتز بها كثيرا، ما يلي :

  • طلب منه عمل لوحة فنية، قدمت هدية لفضيلة قاضي فيفاء، الشيخ علي بن قاسم آل طارش رحمه الله، في الحفل الذي اقامه اهالي فيفاء عام 1407هـ، بمناسبة ترقيته إلى قاضي تمييز في مكة المكرمة، وقدمت هذه اللوحة باسم أهالي فيفاء.الأستاذ :محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي
  • كان يستعين به الاستاذ الشيخ حسن بن فرح الفيفي رحمه الله، في تصميم وإخراج وكتابة بعض من قصائده.
  • طلب منه تصميم مجسم، مستوحى من التراث العمراني في فيفاء، وأشرف على تنفيذه في إحدى المؤسسات الفنية، وقدم هدية لمعالي امير منطقة جازان، الاستاذ محمد بن تركي السديري، بإسم أهالي فيفاء، بمناسبة انعقاد مجلس المنطقة في فيفاء عام 1418هـ.
  • طلب منه الاستاذ حسن بن جابر الحكمي الفيفي (أبو سامر)، صاحب كتاب الموسوعة الميساء لجارة القمر فيفاء، أن ينفذ له بعض الرسومات ضمنها كتابه، ومنها رسمه تخيلية عن شط الصبايا.
  • اثناء انتقاله إلى جدة في عام 1406هـ، طلب منه رجل الاعمال الشيخ فايز سالم باعبيد، أن يعمل له تصميما لهدية، قدمها لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله.
  • وله هواية في التصوير الفتوغرافي، وقد وثق كثيرا من صور طلابه في الفصول الاولى، من المرحلة الابتدائية في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم، بلقطات لهم في فصولهم، ما زالوا يفخرون بها ويعتزون بها إلى اليوم، والعديد منهم نجحوا في حياتهم ودراستهم، وتبوؤوا مراكز مرموقة.الأستاذ :محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي

الأستاذ :محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي

الحالة الاجتماعية :

تزوج من الفاضلة آمنة بنت حسين شريف آل صبحان الابياتي، ربة بيت مدبرة، اعانته وشاركته في كل ادوار ونواحي حياته، وهيأت له اسباب الراحة والطمأنينة، وقد رزقا بسبعة من الولد، ثلاثة ابناء واربع بنات، وهم حسب الولادة على النحو التالي :

  1. فريد ثانوية عامة، ويعمل في الاعمال الحرة، ومتزوج.
  2. مريم مرحلة متوسطة، متزوجة وربة بيت.
  3. فهد دبلوم في الادارة العامة، يعمل في احدى المؤسسات للمقاولات في جدة.
  4. لطيفة الثانوية العامة، متزوجة وربة بيت.
  5. فارس دبلوم الإدارة العامة، يعمل في احدى شركات المياه في صبيا.
  6. فاطمة دبلوم محاسبة، متزوجة وربة بيت.
  7. رهام طالبة في المرحلة المتوسطة.

وفقهم الله وبارك فيهم ونفع بهم، وبارك فيها من اسرة كريمة ، وزاده الله توفيقا ونجاحا وفضلا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم:

عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

الأستاذ :محمد بن يحيى هادي الابياتي الفيفي 

     الرياض في 1445/4/13هـ

المقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى