في عصرنا الحالي أصبح الاهتمام بالمظاهر الخارجية أمرًا بالغ الأهمية في مختلف المناسبات حيث تطغى الصورة المادية على الجوهر الحقيقي للإنسان، هذا التركيز المبالغ فيه على الممتلكات المادية مثل أحدث السيارات أو الملابس الفاخرة والمجوهرات الثمينة، أصبح يشكل عبئًا ثقيلًا على الأفراد من ذوي الدخل المتوسط ! حتى صار من غير الممكن للشخص أن يحظى بتقدير المجتمع إذا لم يمتلك هذه الرموز المادية.
ومن هنا تبرز ظاهرة تستحق الدراسة كونها تعكس أثرًا سلبيًا على الأفراد الذين يضعون قيمةً زائدة على المظاهر على حساب الجوهر. فقد تؤدي هذه الظاهرة إلى الغرق في دائرة من الإنفاق المفرط الذي يتجاوز قدراتهم المالية نتيجةً للتقليد الأعمى والمنافسة المستمرة في إظهار ما يملكونه من أشياء باهظة الثمن في محاولة للتفاخر والتباهي.
وتعد هذه الظاهرة من الظواهر التي لا تقتصر فقط على التأثيرات المالية والنفسية بل تمتد إلى التأثيرات الاجتماعية حيث يساهم التركيز المفرط على المظاهر في تزايد الفجوة بين طبقات المجتمع ! فالشخص الذي لا يستطيع مواكبة هذا التنافس في المظاهر قد يشعر بالعزلة أو حتى بالخجل مما يؤثر على ثقته بنفسه ويخلق شعورًا بالانعدام الاجتماعي كما أن هذه الظاهرة تؤدي إلى تدهور القيم الإنسانية الأساسية مثل التعاون والمشاركة والاحترام المتبادل، فالأشخاص يظنون أن قيمتهم تعتمد فقط على ما يظهرونه من امتيازات مادية، بينما الحقيقة أن هذه الامتيازات لا تعكس أي شيء حقيقي عن شخصيتهم أو أخلاقهم.
تفاقمت هذه الظاهرة في ظل عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت هذه المنصات ساحةً لعرض الممتلكات والإنجازات المادية، مما زاد من الضغط على الأفراد للظهور بمظهر يتماشى مع المعايير التي فرضتها تلك المنصات. هذه الثقافة المادية تتناقض تمامًا مع القيم التي يزرعها ديننا الإسلامي، الذي يدعو إلى الاعتدال واليسر في العيش، حيث يبين القرآن الكريم في قوله تعالى: “إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينَ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا” (سورة الإسراء، الآية 27).
إن مسؤوليتنا تكمن في توعية أنفسنا ومجتمعاتنا بأهمية النظر إلى الجوهر وليس المظهر، وفي ضرورة احترام ظروف الآخرين وعدم الانجرار وراء السطحيات، يجب أن نُعلي من قيمة الإنسان في تفاعلاته وأخلاقه، بدلًا من أن نجعل من المظاهر وسيلة لتقييم الآخرين أو تقويم مكانتهم الاجتماعية.