خل بالك الفجوة التي تزداد إتساعا (2)

خل بالك الفجوة التي تزداد إتساعا (2)
إلحاقا وإستكمالا للمقال السابق تحت عنوان (الفجوة التي تزداد إتساعا بين (ماهو كائن وما ينبغي أن يكون) بالنسبة للشرعية الدولية والقانون الدولي والسيادة الدولية للدول والشعوب على دولها واراضيها، وما يُراد من السعي الحثيث والجاد لتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء الدولة الفلسطينية وطمسها،في ظل اعتماد سياسة الإنقلاب على الشرعية الدولية والقانون الدولي والنظام العالمي، وسياسة الإنتهاكات الإنسانية وجرائم القتل والتطهير العرقي والتهجير والإخفاء القسري للشعب الفلسطيني وغير ذلك من الجرائم الارهابية والوحشية، المعتمدة من قِبل كل من (ترامب ونتنياهو) مع التهديد المستمر والمتكرر بإستراتيجية فتح أبواب الجحيم على الفلسطينيين وعلى كل من يلزم بدول الشرق الاوسط تحت مرأء ومسمع وصمت العالم المطبق والمخجل والمعيب والمُجرَّم والمنقطع النظير تجاه اي قضية اخرى بالعالم.
رغم عدالة القضية الفلسطينية ورغم أن هناك قرار للمحكمة الدولية ينص ويقضي بملكية كل الحرم الشريف (القدس الشريف) للمسلمين وهي حقيقة قانونية وتاريخية لا يعرفها أغلب العرب والمسلمين مع الاسف الشديد.
تخيل لو كانت مثل هذه الوثيقة القانونية لصالح دولة الكيان المحتل ؟
أعتقد جازما لو كانت لصالح اليهود لترجمت إلى جميع لغات العالم، ولسمع بها كلّ الناس، القاصي والداني.
كما اعتقد وأراهن بأن (٩٩٪) من المسلمين عامَّة، والعرب خاصَّة لم يسمعوا بها !؟؟.
هناك قرار محكمة دولية قبل 93 عاماً وأثناء الانتداب البريطاني لفلسطين، عندما تقاضى المسلمون واليهود حول قضية القدس والمسجد الأقصى:-
هل هو حقٌ للمسلمين، أم هو الهيكل المزعوم ؟!
فماذا قال المحكِّمون الأوربيون والقضاة المحايدون والمحامون وعلماء التاريخ والآثار الدوليون الذين لم يكن بينهم عربي ولا مسلم واحد عن المسجد الأقصى وعن الحائط الغربي العتيق للمسجد الأقصى.
هل هو حائط المبكى، وهل هو حق لليهود أم هو حائط البراق وهو حق وملك للمسلمين؟!
وماذا كان قرار تلك اللجنة القضائية والمحكمة الدولية؟!
اثناء الانتداب البريطاني على فلسطين..(اندلعت ثورة البراق عام 1929 ضد المستعمر البريطاني) احتجاجاً على تسهيلات قدمها الانجليز لليهود للوصول والصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى ولم تهدأ الثورة أبداً، إلا بعد أن قبل الانجليز إحالة النزاع إلى محكمة دولية للبت في :-
هل الحائط هو حائط البراق الإسلامي، أم هو حائط المبكى اليهودي ؟!
قامت بريطانيا العظمى آنذاك! بتعيين لجنة قضائية برئاسة وزير الشؤون الخارجية السابق في حكومة السويد رئيساً، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف، ورئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق وعضو ببرلمان هولندا، وهي لجنة قضائية دولية محايدة وعلى أعلى مستوى قضائي وتحكيمي دولي..
وصلت اللجنة إلى القدس في 19 يونيو 1930 حيث أقامت (شهراً كاملاً) في فلسطين، وكانت في كل يوم تعقد جلسة أو جلستين.. أثناء الجلسات التي عقدتها اللجنة وعددها 23 جلسة استمعت إلى شهادة 52 شاهداً، من بينهم 21 من حاخامات اليهود و30 من علماء المسلمين،وشاهد واحد بريطاني.
وقدم الطرفان إلى اللجنة 61 وثيقة،
منها خمس وثلاثون مقدمة من اليهود،
وست وعشرون وثيقة مقدمة من المسلمين.
وثبت للمحكمة الدولية ما يلي:-
أن (حجة المسلمين كانت هي الغالبة)،إذ استطاع دفاعهم أن يثبت أن جميع المنطقة التي تحيط بالجدار وقفٌ إسلاميٌ بموجب وثائق وسجلات المحكمة الشرعية، وأن نصوص القرآن وتقاليد الإسلام صريحة بقدسية المكان عندهم..
وأن زيارة اليهود للحائط ليست حقاً لهم، بل كانت منحة محددة بموجب (أوامر الدولة العثمانية)، وبموجب (أوامر الحكم المصري للشام)، ولم تكن إلا إستجابة للألتماسات المتكررة بزيارة المكان (ودون السماح لهم بإقامة شعائر الصلاة في هذا المكان)، ويكتفى بالدعاء بلا صوت ولا إزعاج، ولا أدوات جلوس أو ستائر..
وكان ذلك منحة من الحكومات المسلمة كنوع من التسامح الديني (وليس حقاً تاريخياً ولا دينياً ولا عقارياً)!
جاء قرار المحكمة بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، وبعد أن استمعت إلى ممثلي العرب المسلمين وممثلي اليهود، وأطلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان وزارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين.
وعقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من 28 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 1930م، حيث انتهت اللجنة القضائية بالإجماع إلى قرارها الذي استهلته بالفقرة التالية، وهي التي تهمنا كمسلمين:
*“للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف،و للمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير”.*
ونصت أيضاً :-
“إن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يجلبها اليهود ويضعونها بالقرب من الحائط لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له”.
وتضمن القرار عدداً من النقاط الأخرى، من أهمها:-
“منع جلب المقاعد والرموز والحُصُر والكراسي والستائر والحواجز والخيام، وعدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط”..
وقد وضعت أحكام هذا القرار والأمر موضع التنفيذ اعتباراً من 8 يونيو 1931، وأصدرت الحكومة البريطانية (كتاباً أبيض) عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه.
وقد حمل كل من الحكم الدولي والكتاب الأبيض اليهود على التزام حدودهم،
ولم تلبث أصوات اليهود أن خفت ظاهريا بالنسبة لموضوع الحائط..
كما أصدر ملك بريطانيا على أساس ذلك المرسوم الملكي المعروف باسم
(”مرسوم الحائط الغربي لسنة 1931”)، الذي نُشر في حينه في الجريدة الرسمية لفلسطين.
رحمكم الله واحبكم وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبع هداه والحمد لله رب العالمين.
المستشار /محمد احمد يحيى الفيفي.
18 فبراير 2024
19 شعبان 1446هـ