مقالات

جبل صماد ( بلغازي)

إعداد الشيخ : عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

كم سعدت اكثر من مرة بزيارة جبل صماد، المناظر لجبل فيفاء، والتجول فيه، ولكن مع كثرة ترددي عليه لم اعرفه كهذه المرة، وكما قيل في الامثال هو (قرب العينين)، فمع قربهما الشديد لبعضهما، لا تكاد إحداهما ترى الاخرى، فجبلي صماد وفيفاء متلاصقين، لا يفصل بينهما إلا وادي جورا، وهما يحملان هذين الاسمين منذ القدم ، ومنه ما ورد في شعر ابي عمرو الشيباني رحمه الله، الذي عاش ما بين عامي (110ـ 206هـ) حيث يقول :

والله لو كنتم بأعلى تلعة

من روس فيفا أو رؤوس صماد

لسمعتم من ثم وقع سيوفنا   

ضربا بكل مهند جماد

والله لا يرعى قبيل بعدنا   

خضر الرمادة آمنا برشاد

 وقد عقب على هذه الابيات ابن بليهد رحمه الله، في كتابه (صحيح الاخبار) بقوله (صماد لا أعرفه، بل أعرف الجبال التي عطف عليها، وهي جبال فيفاء في حدود المملكة مع اليمن، من ملحقات جيزان، ولا يكون صماد إلا قريبا منها)، وقد علق على ذلك الوالد الشيخ علي بن قاسم الفيفي رحمه الله، بقوله (صدق أبن بلهيد، فصماد أسم جبل مسامت لفيفاء، من جهة الشمال من مواطن بني الغازي، يفصل بينه وبين فيفا وأدي جورا).

  شرفت في صباح يوم السبت الموافق 5/4/1447هـ، بتلبية دعوة كريمة من الشيخ حسن بن مفرح الزيداني الغزواني (حفظه الله)، شيخ قبيلة آل سليمان ثالب، من آل زيدان الساكنة في هذا الجبل (صماد)، حيث اخذني بجولة تعريفية كاملة، على بقاع ومعالم هذا الجبل الشامخ، فالدليل من اهل البلدة ضرورة لتعرف البلدة على حقيقتها، لأن الزائر لأي بقعة من الارض مهما تعددت زياراته لها، لا يعرفها كما ينبغي.

وقد يعرف بعض طرقها ومسالكها، وشيء من معالمها الرئيسية، ولكنه لا يعرف كثيرا من التفاصيل عنها، فمع المرافق الخبير من اهل البلدة، تزداد المعرفة وتثبت المعلومة، وتختصر لك كثيرا من الوقت والجهد، وهذا ما حصل معي تماما، عندما سعدت برفقة الشيخ حسن بن مفرح الغزواني، والشيخ سلمان بن سليمان شريف الغزواني حفظهما الله، حيث زوّداني بالكثير والنفيس من التعريفات الوافية والدقيقة عن هذا الجبل العظيم، مما أسعدني وحفزني على أن اشارك الاخوة القراء في الاطلاع على هذه المعلومات، والتعريف بجبل صماد، في هذه العجالة المختصرة، وبالله التوفيق.

  جبل صماد ببلغازي، التابع لمحافظة العيدابي، من منطقة جازان، جبل شامخ، يتراوح ارتفاعه ما بين 1500م و2600م، وهو جبل ممتد من الشرق إلى الغرب، من وادي جورا ومنحنيات طية في الشرق، إلى وادي قصي في الغرب، وهو جبل معترض فاصل بين جبلي فيفاء ومصيدة، ومتصل مباشرة بجبل مصيدة، الجبل الثاني الاكبر من جبال بلغازي، يتميز بجمال بقعه، وتنوع تضاريسه، وقلاعه الكبيرة المتعددة.

بدأت رحلتنا في التعرف عليه من سفحه، من الجهة الشرقية الجنوبية منه، وابتدأ صعودنا* من سوق عيبان القديم، الواقع في ملتقى وادي القاط مع وادي جورا، بداية من مفرق على الطريق الرئيسي المعبد بعد عيبان، المتجه إلى محافظتي فيفاء والداير، بما مقداره نصف كيلو متر تقريبا، حيث تراه قبل وصولك إلى مدخل مستوصف عيبان، فيكون على يسارك هذا الطريق الفرعي، الذي تشير إليه لوحة ارشادية مكتوب عليها (صماد ومصيدة).

فأخذنا بهذا الطريق لنجد في بداية مدخله، مضيفنا الشيخ حسن بن مفرح ينتظرنا، ليكون هو معرفنا ودليلنا حفظه الله، لنبدأ هذه الرحلة الممتعة الجميلة النافعة.

 كانت البداية من هذا النقطة المعروفة (بصبران)، ندخل إليه بين بضع بيوت قليلة، نتجاوزها إلى الاعلى لنصل حديقة للبلدية، مطلة مباشرة على وادي جورا، تتربع على فسحة من الارض جانب هذا الطريق، مزروعة ومعدة بجلسات والعاب للأطفال، لنتركها على يميننا صعودا إلى بقعة الغنويين، ثم الى قرية الغافر المقر الاساسي لسكن شيوخ الشمل من بلغازي من آل الجرو.

وآخر من سكنها منهم الشيخ حسن بن مفرح الجرو رحمه الله، والد الشيخ السابق عبدالعزيز بن حسن رحمه الله، والشيخ الحالي علي بن حسن حفظه الله، وقد صعدنا منها بعقبة الغافر إلى جبل فوسان، من ديار آل حسن يحيى وقبيلة العمري.

وفوسان يطل على وادي طية في الشرق، وجنوبه وادي جورا، وفي غربه وأدي القاط، ويرى في الشمال الشرقي منه جبل بضع، وفيه قرى عامرة واستراحات على بعض قممه المطلة، وواصلنا طريقنا قليلا لنجد ضلعا مشرفا، فيما يعرف بعقبة العنكدة، ترى على اليمين منها في جهة الشرق وادي طية، ومن اليسار غربا ترى بدايات وادي القاط، وهنا ينتهي الطريق المعبد في هذه النقطة، حيث توقفنا برهة لنأخذ اطلاله على هذا المنظر في جهة الغرب.

وهو كما ذكرنا بدايات مصب وادي القاط، وكانت في الماضي تمر منه طريق المشاة إلى سوق عيبان، للذين يذهبون إليه من جبال صماد ومصيدة، ومن الجبال بعدها الحشر وغيره، ويذكرون أن في اسفل هذه المنحدرات، بئر مشهور قديم يسمى (بئر رامح)، يتخذه الناس استراحة لهم، ويستقون من مائه العذب، والغزير الذي لا يكاد ينضب.

   من هذه الموقع بالضبط تبدأ حدود جبل صماد، لنبدأ صعودنا في طريق ترابي، لنصل إلى ما يعرف بنيد الفلج، حيث توجد فيه تفرعات لطريق السيارة، أولها في جهة اليمين، يوصلك إلى جبال مصيدة، ولكنا واصلنا صعودنا يسارا، لنجد مباشرة الطريق يتفرع إلى فرعين، احدهما إلى اليسار يتجه إلى شرق الجبل، والاخر إلى اليمين، وهما يلتفان على الجبل من الشمال والغرب والشرق، ثم يلتقيان بعد ذلك في هذا المكان، حيث اخذنا بالطريق المتجه إلى اليمين، لنطل بعده مباشرة على بقعة فسيحة ممتدة امامنا، في اليمين والشمال ومن أسفل منا، لنقف قليلا نتملى بهذه المناظر الجميلة.

لوحة من الجمال، مليئة بالقرى والبيوت العامرة، منها القديم وغالبها حديثا، وفيها المدرجات الزراعية المرتبة من الأعلى إلى الأسفل، على امتداد النظر، محيطة بوادي غل، الوادي النازل من هنا إلى جهة مواقع، ومنه إلى غبره، وإلى الجو، وإلى اللج، ثم إلى وادي قصي المشهور، وهذه البقعة الجميلة متقوسة، وترى في يمينها شمالا ممتدا إلى جبل مصيدة، مجموعة قرى منها قرية نيد طلان، وقرية غبرة، وقرية المكيمن، وقرية دمّدرة،  وقرية مجحة، وهي قرية كبيرة، تمتد من حدود غبرة إلى مصيدة، وسكانها خليط من آل زيدان (صماد) ومن آل غالب (مصيدة).

ونعود بكم إلى الموقع الذي نحن فيه الآن مباشرة، فهذه البقعة تمتد من اقصى اليمين، حيث جبل آل حسنة، الذي يشمل العومري وعشبان، ثم تأخذ البقعة إلى اقصى الغرب في جبل المطارق، وتحتوي في داخلها على عدة قرى، منها الرزنة والعشة والشهير والغمرة، وقرية (الشهير) هي قرية الشيخ الفاضل على بن حسن رحمه الله، الذي عاش هنا قبل مئات السنين، وكان مشهور بالعلم والفضل، رجل صالح مصلح، يقال أنه أول من اسس سوق عيبان، واول من بنى مسجدا في هذا السوق.

وكان الطريق الرئيسي في هذه البقعة، يتخذ مساره من الشرق إلى الغرب، ويمر من اسفل ووسط القرى التي اشرنا إليه، لينتهي بنا في اقصى الغرب بطريق فرعي نازل، تركنا عنده الخط الرئيسي، لنتجه به إلى الاسفل، لنصل إلى جبل المطارق، وهو يشتمل على قرية الباصم، التي يوجد بها مجمع مدارس جبل صماد للبنين، وهو مبنى مسلح حكومي كبير، وهنا ايضا قرية عمم.

وفي الاسفل من هنا في السهول الغربية الممتدة إلى وادي قصي، مجموعة قرى منها قريتين كبيرتين، هما (بقعة الجوه) تتميز بأنها قرية منبسطة، وبجوارها الجبل المشهور (مشعر)، وجنوبها (قرية الغليلة) المشهورة بالكثير من الجبال الوعرة ذات الصخور، التي يكثر فيها خلايا النحل الطبيعية، وكان الناس قديما يتدلون بالحبال في اماكن خطيرة منها، ليصلون إلى خلايا النحل فيها، وتتميز بوجود العديد من الغابات، وفيها  اشجار اللبخ والضبر والسدر والنكرة، ويتردد عليه النحالون ورعاة الاغنام بكثرة.

ومن هذا الموقع تجد امامك في الغرب جبل معترض (جبل الشثاء)، جبل وعر المسالك كثير الصخور، خال من البيوت ومن المزارع، يحجب عنك الرؤيا لما بعده.

توقفنا قليلا ثم عدنا ادراجنا إلى حيث كنا من الخط الرئيسي، الذي اخذنا به طريقنا مواصلين إلى جهة اليمين، لنواصل جولتنا على بقية جبل صماد في الغرب.

بعد بضعة امتار وصلنا ذراع القذال، لنشاهد منه إلى الاسفل، بقعة فسيحة خضراء (بقعة الخوارم) يتربع في وسطها بيت الشيخ قاسم بن يحيى سلمان الزيداني رحمه الله، شيخ قبيلة آل زيدان السابق، وفي غربها جبل الفقر، ومن جنوبها نيد الموشمات، وقرية سر مخزومة.

واصلنا طريقنا لنمر بوادي المظلم، وجبل الحجوجم، ومن علوه جبل المحارب، وشمال المحارب قرية بني الفراح، ثم قرية حبيل هزف، التي تشمل على المعزابة، وجبل رحبان، ونيد الدخن، وقرية الجهو، وبها مدارس البنات، ويتلوها الطرف الذي يبدأ من نيد العنق.

وهو يشمل قرى الروبان، والصدة، والمجزاع، وسكانه خليط من قبيلة آل زيدان، وبيوتات من قبيلة الحيادي، ومن هذه القرية الروبان، الذي تطل منها على وادي قصي في الغرب، وترى في الجنوب نيد وقيع، وإلى القاط وعيبان.

ومن هذا المكان في الطرف، كانت بداية طريق المشاة الرجلي القديم (ذراع الصلبة)، المؤدي إلى وأدي القاط، الذي به سوق عيبان المشهور، حيث في اسفله يلتقي مع الطريق الاخر الذي سبق ذكره في العنكدة، ويلتقي الطريقان مباشرة بعد بئر رامح الشهير، وعند هذا البئر يوجد مسجد حجري قديم، وكانت به احدى مدارس فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي رحمه الله، عند انتشار مدارس فضيلته، في السبعينات الهجرية من القرن الماضي، وتعلم فيها كثير من ابناء هذه الجبال.

وصعدنا من هنا إلى جبل (مثّل)، حيث تقع فيه وعلى مكان مطل منه، استراحة مضيفنا الشيخ حسن بن مفرح حفظه الله، وتطل من هذا المكان على مزارع البن التابعة له.

حيث اكرمنا حفظه الله واخلف عليه، وارتحنا في هذه الاستراحة إلى أن صلينا العصر، ثم ودعناه وابنائه، وبعض الحضور الكرام من ابناء قبائل بلغازي، لنستأنف السير ونتعرف على بقية جبل صماد، في الجهة الشرقية منه، ونحن في طريقنا لمغادرة هذا الجبل الأشم.

  أخذنا بالطريق العام، متجهين شرقا في جبل صماد، لنمر بعدة قرى ومزارع عامرة، ومن هذه القرى قرية الصحصح، ثم قرية الضحية والجربة، إلى أن وصلنا بين القعادين، ومن بعده قرية غينة، ثم قرية الشعاطيط، لنصل بعدها إلى نيد المعلك، ويوجد به استراحة جميلة، تطل منها على فوسان وطية ووادي جورا في الأسفل، وامامك جبال فيفاء، وفي هذا المكان في نيد ذيبان، اكتملت دائرة طريق السيارة حول قمة الجبل، حيث بدأنا في الصباح من هذا المكان يمينا، في جولة ممتعة ونافعة لا تنسى، بارك الله في مضيفنا وفي ادلائنا، وفي جميع اخواننا من اهل جبل صماد الكرماء.

  وجدناه جبلا جميلا وعظيما، ملي بالجمال والاسرار، وبالشهامة والحفاوة والكرم، ولكن اكثر ما يلاحظ من احتياجاته الملحة، هو حاجته المتزايدة إلى استكمال طريقه المعبد، الذي للأسف لم يصل إلا إلى اطراف هذا الجبل، وهو متوقف هنا من عدة سنوات، حتى أن السيارات الصغيرة اتخذت لها موقفا في هذا المكان، ولا تتجاوزه إلا سيارات الدفع الرباعي، مما يجعل أهله وزواره، والمعلمين والمعلمات فيه، يعانون كثيرا بسبب ذلك، وبالذات عند نزول الأمطار وانجراف التربة، ويأملون في لفتة كريمة تزيح عنهم هذه المعاناة الطويلة، ويأملون أن يستأنف تعبيده واكتماله قريبا، ليخدم هذا الجبل وما بعده من جبال مصيدة.

  والله الهادي والموفق إلى سواء السبيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                               محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال

                                                                الرياض في 1447/4/27هـ

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك شيخنا وأديبنا الشيخ – عبدالله بن علي قاسم آل طارس، الكاتب المبدع في تدوين السير والزيارات التي يقوم بها داخل المملكة وخارجها، بأسلوب جميل متقن، وصياغة موثقة بالصور ودقة في الوصف والتصوير الكتابي..

    وقد جاءت زيارتكم الأخيرة تلبيةً لدعوة الشيخ حسن بن مفرح الزيداني، تخللتها جولة على جبل صماد وما حوله من مواقع جميلة أخّاذة .. لقد أخذت القارئ الكريم معك في رحلةٍ ماتعةٍ عبر كلماتك وصورك، فاستمتعنا بما سطره قلمك وما التقطته عدستك من مشاهدٍ رائعة..

    فبوركت أيها الكاتب والمؤرخ المتمكن، حفظك الله، ونفع بك وبما تكتب، وجعل ما تقدمه في ميزان حسناتك..
    أبو’ نبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى