آداب

جماعة الظّل

بقلم : هويده عبد العزيز

قيل لي يومًا إن هذا الطريق عامر بالأسرار، تسكنه الأرواح الهائمة، وتختبئ بين ظلاله أشباحٌ ووجوهٌ مقنّعة وملثّمون.

لم أكن يومًا من مؤمني الخرافات، لكنني كنت أُصغي بشغفٍ إلى من ينسجون الحكايات حوله، كأنّ أصواتهم تُغذّي شوقًا خفيًا في داخلي لمعرفة ما وراء الحكاية.

قالوا إن الطريق مأوى للثعابين والعناكب، وإن الحيّات تلتفّ حول العابرين، لكنّ شيئًا في داخلي كان يدعوني إلى السير فيه، كأنّ الفضول أقوى من الخوف.

تبا… ما زلت أصدّق قصة عرّاف قريتنا، ذلك الذي تهمس الريح بحكاياته وأسماء نسائه.

ربما تظهر لي إحداهنّ، تتسلّق جدار عزلتي، وتباغتني بنظرةٍ تشعل نار الحقد في عينيها الجاحظتين.

لم أستدعها، لكنّ إيماني بوجودها هو من أيقظها من غيابها، فانتزعتني اليقظةُ من بين أنيابها، وسرتُ معها إلى حيث لا أدري…

مللتُ الحياة ورتابتها، وكنت أحتاج إلى رصاصةٍ طائشة تقتلني أو تقتل العالم من حولي لأستعيد شيئًا من حقيقته.

لا أعلم من أين جاءتني تلك الجرأة على المجازفة، لكنّ إصراري كان أكبر من خوفي.

انكببتُ على دراسة عوالم الشيطان والعفاريت والجنّ والملائكة، ليالٍ طويلة، فاكتشفتُ أنّ ظلم الإنسان لنفسه أشدّ من ظلمهم له.

ومع ذلك، كنت أعلم أنّ الطريق إلى المعرفة يحتاج إلى زادٍ من الصبر قبل أن تنفد الأساطير ويهلك اليقين.

فسرتُ، غير آبهةٍ بما نسجوه من أوهام، وقد يحدث أن يسقط إلى جوارك طبقٌ طائر، أو قذيفةٌ، أو نيزكٌ متناثر، ومع ذلك تابعت المسير.

هدفي يسير معي، يتقدّمني حينًا ويختبئ في ظلي حينًا آخر، لكنّي ماضية إلى حيث شاء القدر.

يا صديقي، هذا العالم قد أصابه العمى، وغطّاه الصدأ، وأثقلته هواجس مخيّلاتهم.

يخشون الحاضر، ويرتعد الغد من أقوالهم، حتى صار البناء الذي شيدناه يهتزّ من رجفاتهم.

لقد أنهكنا ترميم الأطلال، ومع ذلك سنمضي دون التفاتةٍ إلى الوراء،


وسيرون كيف تمتدّ ظلالنا… وتُرهبهم.

تعليق واحد

  1. احلام الطفولة البريئة والهواجس الكاذبه فى عالم مليئ بالخزعبلات ولكن فى النهاية كان القرار الصائب
    يمضى دون التفاتةٍ إلى الوراء،
    يا لها من كلمات رائعة
    أرق تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى