خالد الصميلي.. عودة من حافة الألم إلى ضوء الحياة

بين أروقة الجمارك في منفذ الطوال، كان خالد بن احمد قهّار الصميلي يؤدي عمله بإخلاصٍ وحرصٍ على أمن وطنه وحماية مجتمعه من السموم العابرة للحدود.

رجلٌ نذر نفسه للواجب، يراقب بعينٍ أمينة كل ما يمرّ من حدود بلده.
وذات يومٍ، باغته الوجع. ألمٌ خفيّ لم يجد له تفسيرًا، دفعه إلى صديقه الطبيب، ليكتشف أن خلف ذلك التعب تلفًا في الكبد يستدعي زراعة عاجلة.
وفي لحظةٍ واحدة، تغيّر كل شيء.جلس خالد في دائرة السؤال المرّة: من يُنقذ حياة الأب؟ تقدّم الأبناء واحدًا تلو الآخر، يحملون في صدورهم الحبّ والرجاء، لكنّ الفصائل لم تتوافق…
حتى نهضت الابنة البارّة، تشقّ طريق التضحية بقلبٍ مطمئن، لتتقاسم مع أبيها الحياة بنصف كبدها، وكامل حبّها وبقدرة الله، نجحت العملية.
نصف عامٍ مضى، وعاد خالد الصميلي إلى الحياة التي أحبّها، ينهض بخطاه الواثقة، يعود إلى عمله، وإلى متحفه الصغير الذي جمع فيه ذاكرة الناس والأماكن.

يعود بروحٍ جديدة، تحمل في داخلها امتنانًا عميقًا، وقطعةً من النور تسكن كبده… هي جزءٌ من ابنته، وجزءٌ من حياةٍ أُعيدت إليه.
هكذا تُكتب الحكايات التي لا تُنسى: حين يتقاسم الأب وابنته نبض الحياة… وتغدو المحبة أعظم من الألم، والحنان أغلى من الكبد ذاته خالد الصميلي بعود مرة اخري الي عشقه، حيث تسكن الحكايات وتتنفس الأيام القديمة، يمضي الأستاذ خالد بن أحمد الصميلي بهدوئه العميق وشغفه الأصيل، باحثًا عن الأثر في كل ما تخلّفه الأزمان من عملاتٍ ومخطوطاتٍ وطوابع، تحفظ بين طياتها عبق التاريخ وصوت الزمن.

ليس جامع مقتنيات فحسب، بل حافظٌ لروح المكان ووجدان الزمان، يجمع القطع النادرة كما يجمع العاشق لحظاته المفضّلة، يتتبعها في الأسواق والبيوت القديمة، فيتلقاها بشغفٍ يليق بمن يدرك أن الأشياء القديمة لا تشيخ، بل تزداد قيمة حين تُروى حكايتها.
يقول الصميلي إنّ جمع المقتنيات ليس ترفًا، بل هو فعل وعيٍ وامتنانٍ للتاريخ، ومؤشرٌ على رقيّ المجتمعات واهتمامها بما تركه الأسلاف من أثر. فكل عملةٍ يحملها بين يديه، هي رحلةٌ إلى حضارةٍ بعيدة وصوتٌ من زمنٍ ما زال ينبض بالحياة.
على رفوفه، لا تتجاور القطع المعدنية والورقية فحسب، بل تتجاور الثقافات والذكريات، وتلتقي الأزمنة في مشهدٍ واحدٍ من الوفاء والدهشة.
وهكذا، يواصل خالد الصميلي رحلته النبيلة في حفظ ما تبقّى من الذاكرة، ليظل شاهدًا على أن عشق التراث ليس مجرّد هواية… بل هو رسالة انتماءٍ وحبٍّ لا يصدأ.



