
جبل عثوان والرقبة والحجفة والنشمة
نستأنف اليوم رحلتنا في جبال آل سعيد، في محافظة الداير بمنطقة جازان، لنكمل التعريف ببقية جبال آل سعيد، بعد أن طوفنا سابقا في جبل نعامة والقاعة وآل شبان، ولنأخذ هذه المرة طريقنا إلى شمال وغرب وشرق هذا الجبل، الحجفة والنشمة وعثوان والرقبة وقرى القرن والصد، فلنواصل سيرنا انطلاقا من اطراف جبل نعامة الغربية، ونحن نمر من تحت قرية (بداح)، متجهين إلى الغرب مباشرة، وبعد مئات الامتار نصل إلى الالتفافة الكبيرة في هذا الطريق العام، الذي يتجه معها الطريق إلى جهة الشرق مباشرة، ولكن من فوق طريقنا السابق.
وقبل اكتمال هذه الإلتفافة، نجد طريقا فرعيا إلى اليسار، نهبط به لنصل في اسفله القريب إلى بداية قرية الحجفة، قرية كبيرة وهذا جزء منها في هذا الموقع، وإلا فهي متوزعة على كامل هذا الجبل، الذي يمتد من فوق هذه النقطة، ليصل في جهة الجنوب إلى قرب وادي الجوة، في مقابل جوة آل سلامة، المناظر لجبل آل خالد (خاشر والقهبة)، ولذلك ما زالت تلاحظ بعض آثار الطرق (الجمّالية) في بعض من اجزاء هذا الجبل، كانت تستخدم في الماضي قبل طرق السيارات، يسلكها اهل هذه الجبال.
والمتسوقون إلى سوق الرقبة في اعلى جبل آل سعيد، سوق الرقبة (كان سوق من اشهر الأسوق في المناطق الجبلية)، وهذا الجبل (الحجفة) يشكل كتلة متصلة ببقية جبال آل سعيد، وإذا ما نظرنا من موقعنا هذا إلى المجمع العمراني في الخلف، من بين البيوت التي هبطنا من بينها قبل قليل، فهذه (قرية النغوة) المدخل إلى بداية الحجفة.

تغلغلنا بين البيوت في هذه الجهة، وكان هناك طريق يتفرع من هذا الطريق إلى الاسفل، يصل إلى بقع وبيوت ومدرجات كثيرة هناك، ومنها قرية (آل حسين) البيتين، ونرى من هذا المكان الجبال المجاورة المحادة لها من الشمال مثل آل النخيف، وهما يلتقيان في وادي المحمور تحتنا، وجزء من وادي حرّن، حيث توجد في اعلى هذا الوادي مزرعة العين للبن المشهورة، ولكن تحجبها عنا من هنا بعض التضاريس.
ويرى الذاري الأغبر في آل سلمى وقد واصلنا طريقنا متجهين جنوبا، ليصعد بنا الطريق لعدة امتار، ثم نتجه فيه إلى اليسار، لندخل في فناء بيت على يسارنا اسمه (عجام)، بيت مربع مبني من الحجارة، يتكون من ثلاثة ادوار ، ولكنه هجر قريبا كما يظهر.

كان فنائه مكانا استراتيجا، تشاهد منه كثيرا من جبال آل سعيد، حيث يتبدا امامك منظر شامل لقرية عثوان.

وامامك مباشرة في الشرق جبل نعامة، وفي المنحدرات القريبة اسفل منا تكوينات صخرية صعبة، ولكن من تحتها بعشرات الامتار تطل على مجموعة قرى عامرة، ومدرجات زراعية، فنرى تحتنا مباشرة الضحي، وبها المبنى القديم لمدرسة الحجفة الابتدائية، وعلى اليسار قليلا قرية (السليعة) وهي قرية عامرة، كانت قرية القاضي الفقيه احمد الحجفي رحمه الله، ويوجد بها أول مسجد في هذه الجهات.

وبعد أن استكشفنا معظم الاتجهات في هذا المكان، قررنا العودة من حيث اتينا، لنصعد من جديد إلى الطريق الرئيسي فوقنا، لنصل إلى منتصف المنحنى في الطريق ونأخذ به يسارا، متجهين إلى جهة الشرق، في طريق منبسط في هذا المكان، تابع لأهالي قبيلة النشمة، حيث استحدث على جنبات هذا الطريق كثير من المباني الحديثة، كان احدها مقر لمركز امارة عثوان، وتجاوزنا هذا المبنى قليلا ، لندخل بطريق فرعي محدث على اليسار، يتجه بنا صعودا إلى قمة هذا الجبل من هذه الناحية، وهو طريق فيه عدة تفريعات يمينا وشمالا، تصل إلى بعض البيوتات في هذه النواحي، ولكنه صعب الصعود وغير خاضع لمقاييس الطرق، ففيه ارتكاز شديد يتجاوز الخمسين في المائة.
وصلنا بالسيارة إلى نهايته في الأعلى ، لنعتلي على احد قمم جبل آل سعيد في هذه الجهة (النشمة)، واخذت بنا الطريق من فوق ظهره هبوطا خفيفا إلى الجنوب الغربي، لنصل بعد امتار إلى خزان كبير هناك، تابع (للشركة السعودية للقهوة)، حيث ينتهي هنا الطريق، ونصعد فوق هذا الخزان، الذي عمل ليسقي مزارع البن في المدرجات الواسعة من تحتنا، مدرجات كبيرة بدأ العمل على استصلاحها، وموقعها بين هذه القمة وإلى طريق السيارة العام في الاسفل.

ونشاهد تحتنا مباشرة مبنى مركز الامارة، الذي مررنا به قبل قليل، من هذا الموقع ترى على يمينك قرية النشمة الاثرية، ومن بعدها قرى الحجفة، وامامك جبل نعامة الغربي، وعلى يسارك قرية عثوان بمعظم مكوناتها، وفي الخلف في جهة الشرق قرية عثيقة إحدى قرى الرقبة، وينطلق نظرك في الافق في كل الاتجاه، وترى من هنا معظم جبال بني مالك وجبال فيفاء.
هبطنا من هنا بعد أن استمتعنا كثيرا بهذا المطل، وقمنا بإطلاله بسيطة على الجانب الآخر من هذه القمة، المتصلة في الجهة الثانية، لنرى كثيرا من قرى جبل آل سعيد، وترى الجبال شمالك على مدى النظر، كما هو في بقية الجهات، وكان رجوعنا بنفس طريقنا إلى أن عدنا إلى الطريق العام، لنأخذ به إلى جهة اليسار لنكمل جولتنا في بقية الجبل، لتعترض امامنا قرية عثوان، عاصمة قرى آل سعيد.
تمتد بين فجوة قمتين، هما الأعلى في جبال آل سعيد، القمة الأولى على اليمين جنوبا، قمة (منصية) وهي اعلى قمة في هذه الجبال، وفوقها بقية قلعة متهدمة، وإلى الشمال مباشرة قريبا من قمة (الرقبة)، التي كان بها السوق الأسبوعي قديما، تتمدد بينهما قرية عثوان، قرية كبيرة مزدحمة بالعمران قديمه وحديثه، وهي مقر مشايخ الشمل لآل سعيد، وهي حاضرة آل سعيد واكبر مجمعاته السكانية، فيها المدارس بجميع مراحلها (ابتدائي ومتوسط وثانوي) بنين وبنات، وروضة اطفال، ومستوصف حكومي، وفيها كل الخدمات، من محلات تجارية ومطاعم وورش وغيرها، واخترقناها من جهة الغرب في صعود تدريجي إلى الشرق، مع الالتفافات وتعرجات بين البيوت داخل القرية، وتشاهد طرق ومسالك تصل بين اجزائها في كل الاتجاهات، شوارع داخلية.
عبرنا إلى الجانب الأخر في الجهة الشرقية، حيث اتجه بنا الطريق إلى بقية القرى من بعد عثوان، وكان في بداية الملف الذي تتجه به إلى اليسار، تكتشف من بعده جوانب أخرى لهذه الجبال، كانت محتجبة عن الناظر خلف تلفيفات الجبل العديدة، حيث ترى في الاسفل القريب منك، منحدرات سحيقة خالية من البيوت، تشكل في الماضي شبه حصون طبيعية لهذه القرية من هذه الجهة، حيث يصعب اختراقها في الماضي، ومن اسفلها قرى منتشرة في كل الاتجاهات، فإذا ما نظرنا إلى الخلف.
في الجهة التي قدمنا منها، نرى قرية عثوان الكبيرة، متربعة في زوايا هذا الجبل، ومن خلفها ترى جبل نعامة، وقرى القاعة وما بعدها، وامامك في الأسفل تشاهد الطريق العام، النازل إلى السيح وما بعده، من هذه الاراضي ومنها السارة ووادي ضمد والصرفح، وآل يحيى وآل زيدان، وبقية الجبال الحدودية مع اليمن في هذه الجهة، وعلى يسارك قرى تابعة لآل سعيد مثل قرية الصد، وقرية القرن.
ولكننا قبل أن نواصل طريقنا في هذا الاتجاه، صعدنا قليلا بطريق فرعي على اليسار مباشرة، يصعد بنا لعدة امتار لنعتلي فوق القمة في هذا المكان، لنصل هنا إلى وسط قرية (الرقبة)، التي كان فيها مقر السوق الاسبوعي الكبير، المشهور بين معظم القبائل في هذه الجبال، ويفدون إليه من كل مكان ببضائعهم وسلعهم للتسوق فيه، ولكن لم يبقى في هذا المكان من معالم هذا السوق، إلا بقايا شجرة (تالقة) كبيرة، كانت تظلل وسط هذا السوق، واليوم غطيت معظم اجزاء الموقع بالمباني السكنية، حتى أنك لا تكاد تجد مكانا لتلتف فيه بالسيارة، وهذا القرية تمتد غربا لتتصل بالنشمة، وما اشرنا إليه منها بقرية عثيقة، ولم نمكث طويلا في هذا المكان، بل عدنا مباشرة من حيث اتينا، ورجعنا إلى الطريق الرئيسي في الاسفل.
اتجهنا بهذا الطريق إلى اليسار لنكمل طريقنا، وفي هذا الجانب نجد الطريق بعد قليل ينقسم إلى فرعين رئيسين، أحدهما يتجه إلى اليمين، نازلا إلى اسفل الجبل، لتصل به إلى السيح (السارة) وما بعدها، وعلى جنباته تمر بعدة قرى ومعالم، مثل قرية الفريحة ، ثم قرية الصد ، وبعدها قرية القريثة، وبعدها تجد قلعة اثرية تسمى (مبهره)، واسفل منها على يمينك داخل وادي ساعد، تجد على هضبة داخله قلعة أخرى اسمها (موفى). ولكننا بقينا في نفس المفرق في الأعلى، لنأخذ به إلى اليسار, لنكمل الالتفافة حول اعلى جبال آل سعيد، فكانت الاطلالة من هنا على جوانبه الشرقية ثم الشمالية.
وهذا الطريق يتواصل بسالكه إلى ما خلف قبائل آل سعيد، يأتي في نفس الاتجاه (آل النخيف) و(حبس) وما خلفهما، وكنا مع هذه الالتفافات نطل على عدة جهات امامنا، ممتدة على مدى النظر، فكنا نشاهد بوضوح منها جبال آل يحيى امامنا مباشرة، ونشاهد في اقصى اليسار منا جبل (ثهران) في آل تليد، ونرى اجزاء من اعالي وادي (دفا) الكبير، الذي يصب في وادي (بيش) العظيم، ونشاهد من دونه في جهتنا، بدايات منابع وادي ضمد الكبير، وفي احد الزوايا المطلة، توقفنا لنطل على امتداد الجبل من تحتنا، فكان هذا الموقع يكشف لنا في الأسفل مباشرة، على كل من قرى (القرن) و(الصد)، إحدى قرى آل غرسة التابعة لقبيلة النشمة.

وفي القرب من حيث وقفنا، كان هناك فرع للطريق يهبط إلى الاسفل، وعليه لوحة تعريفية مكتوب فيها (مزارع البن بقرية القرن آل سعيد)، ثم واصلنا طريقنا لنأخذ شبه التفافة كاملة من الجهة الشمالية من الجبل، وكنا في طريقنا نرى كثيرا من القرى على يسارنا، معظمها من التي ذكرنا تعريفها سابقا، من القرى التابعة لقبائل الرقبة والنشمة والحجفة، وسرنا لأقل من كيلوين لنصل بعدها إلى قرية بها مسجد حديث جميل (جامع رحب)، وكانت هذه القرية تابعة لقبائل آل النخيف، المجاورة لقبائل آل سعيد، وبجاور هذا المسجد توجد الطريق الموصلة في الأسفل الى مزرعة العين، ونكون من قبل هذه القرية بقليل قد انتهينا إلى حدود جبال قبائل آل سعيد.

لتنتهي رحلتنا التعريفية البسيطة بجبال آل سعيد وقبائلها، نرجو أننا وفينا بشيء بسيط من التعريف بها، فهو في حقيقته تعريف مختصر جدا، عبارة عن مشاهدات سريعة وعابرة، لا بد أن يكون قد اعتراها كثير من الخلل والنقص والثغرات، لم نتعمده ولكننا لم نستطع الاتيان بأفضل منه، وكما قيل (يكفي من القلادة ما احاط بالعنق)، وقولهم (ما لا يدرك كله لا يترك جله)، نرجو لمن لاحظ شيئا من هذا النقص أو القصور، أو لديه ملاحظة يرى أنها مهمة، سواء في اضافة معلومة أو تسمية، أو حذف أو تصحيح أو تعديل، أن يتفضل علي بذلك، وأكون شاكرا ومقدرا له، والى اللقاء في مكان آخر بمشيئة الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ أبو جمال
الرياض في 1447/5/27هـ
- لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تعقدُ لقاءً عاماً مع اللجان العاملة في الميدان ومنظِّمي البطولات
- تعليم مكة ينفّذ برامج متنوعة احتفاءً باليوم العالمي للطفل
- وزير الاستثمار: الولايات المتحدة أكبر مستثمر أجنبي في المملكة.. الفالح: إطلاق اتفاقيات جديدة بين السعودية وأميركا بمئات مليارات الدولارات.
- لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تعقدُ لقاءً عاماً مع اللجان العاملة في الميدان ومنظِّمي البطولات
- الشؤون الإسلامية بجازان تُنفّذ (177) فرصة تطوعية بأكثر من 13 ألف ساعة لخدمة بيوت الله خلال الربع الثالث لعام 2025م



لا يسعني في هذه العُجالة، شيخنا وأديبنا وكاتب سير وأعلام فيفاء المتألّق الشيخ عبدالله بن علي آل طارش، من العائلة المعروفة برجالها المتميزين علمًا ودينًا وخلقًا وذكراً حسنًا أينما حلّوا وارتحلوا، إلا أن أعبّر عن بالغ الشكر والتقدير لقاء ما تقدمه..
لقد أجدت وأفدت في جولاتك وزياراتك لمدن وجبال وقرى المنطقة، وفي عرضك المتقن لها، فكانت زيارتك الأولى في الحلقة الماضية لجبل آل سعيد (1)، وها أنت اليوم تُتحف القارئ بجولتك الثانية لآل سعيد (2)، حيث قدمت صورة تفصيلية وتوثيقية مدعّمة بالصور، اصطحبتنا من خلالها بين المعالم والمسميات والمناظر البديعة والبيوت الأثرية التي تعكس الإرث التاريخي والثقافي لتلك الجهة..
نشكر لك جهودك الكبيرة، وما تبذله من عمل قيّم تقدمه لنا على طبق من ذهب، من معلومات تعريفية ثرية ومشجعة لزيارة تلك الأماكن الجميلة التي أخرجتها لنا بهذا الإخراج المميز..
نسأل الله أن يكتب أجرك، ويبارك سعيك، ويمدك بعونه وتوفيقه..
أبو/ نبيل