
غُيِّب الموت، مساء الثلاثاء الماضي، الشاعر والمربي القدير الأستاذ عمر بن يحيى دوم المدخلي عن عمر يناهز 63 عامًا، بعد وعكة صحية امتدت شهورًا أدخلته العناية المركزة في مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة المكرمة، لترحل روح نقية أفنت عمرها في تعليم الأجيال وتزيين الوجدان بالشعر الصادق.
وشُيِّعت جنازته عصر الخميس 27 نوفمبر 2025م في مقبرة الشهداء بصامطة، في موكب مهيب غصت به الساحة بآلاف المشيعين من المسؤولين والمشايخ والأهالي وتلاميذه عبر أربعة عقود من منطقتي جازان ونجران، ومحبي الشعر والأدب من كل أرجاء منطقة جازان، وهم يرددون الدعاء لفقيد ترك في قلوبهم بصمة لا تُمحى.
من صامطة العريقة انطلق نوره
ولد الراحل – رحمه الله – في صامطة عام 1382هـ (1962م)، وتلقى تعليمه الأول في ابتدائية صامطة الأولى (الملك خالد حاليًا)، ثم تخرج من معهد صامطة العلمي عام 1402هـ، وحصل على بكالوريوس الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها عام 1406هـ.
ثلاثة وعشرون عامًا من زرع الأمل
بدأ الأستاذ عمر مسيرته المهنية عام 1406هـ/1986م معلمًا في منطقة نجران، التي شهدت آنذاك نهضة تعليمية مدعومة بالجهود الوطنية لتطوير التعليم.
عمل في متوسطة الأندلس، ثم في مجمع إسكان قوى الأمن الداخلي، ومن بعدها في متوسطة الخوارزمي، حيث أسهم في تعليم وتأهيل أجيال من الطلاب.
وفي عام 1409هـ/1989م، كُلف بإدارة متوسطة الحسن بن الهيثم خلفًا للأستاذ شجاع بن ذعار الذي تولى لاحقًا منصب مدير تعليم جازان.
وأظهر الأستاذ عمر كفاءة إدارية عالية، إذ جمع بين الحزم والتوجيه الأبوي في قيادته، وساهم في تطوير العملية التعليمية.
لاحقًا، تولى إدارة ثانوية الملك فهد، وساهم في تعزيز مكانتها كمؤسسة تعليمية متميزة بعد انتقالها إلى مبناها الجديد.
وتقديرًا لجهوده، طلب أهالي نجران تأجيل نقله عامين، في شهادة حية على تأثيره الإيجابي.
عاد إلى منطقة جازان عام 1415هـ/1994م، فعمل معلمًا في متوسطة وثانوية أبي حجر لمدة شهر، قبل أن يُكلف مديرًا لابتدائية الملك خالد بصامطة.
واصل عطاءه مديرًا لابتدائية الأمير نايف – التي تُعرف اليوم بمدرسة الملك سعود – حتى تقاعده المبكر عام 1430هـ/2009م، بعد خدمة امتدت 23 عامًا، ترك خلالها إرثًا تربويًا أثر في أجيال من الطلاب أصبح العديد منهم قادة ومثقفين في المجتمع.
صوت الوطن الذي لم يخفت
لكن التقاعد لم يكن نهاية العطاء؛ فقد ظل صوتًا شعريًا مميزًا يصدح بحب الوطن والقيم الأصيلة، يمزج ببراعة بين أصالة التراث ونبض العصر.
ومن ألمع محطاته الوطنية مشاركته في أول أوبريت وطني ضد الإرهاب أُقيم في جازان، حيث علت قصائده رافضة التطرف، داعية إلى التلاحم والوحدة.
تكريم الملوك والأمراء يتوج المسيرة
نال الفقيد تكريمات رفيعة، منها شهادة تقدير من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، وتكريمات من الأمير محمد بن فهد والأمير خالد بن عبدالله وغيرهما؛ تقديرًا لدوره التربوي والثقافي الاستثنائي.
رحل جسده وبقي في القلوب
أعرب عدد من المشيعين عن خالص التعازي لأسرة الفقيد، مشيدين بإرثه الذي «أثرى الحياة التعليمية والثقافية في جازان».



