مقالات

الصعود إلى الهاوية والسقوط من القمة

بقلم/محمد باجعفر

عبارة عميقة جدًا، تحمل في طيّاتها تناقضًا وجوديًا مرعبًا وجميلًا في الوقت نفسه.

أحيانًا يكون الصعود نفسه هو الهاوية.

كلما ارتفع الإنسان، كلما اقترب من حافة الفراغ الذي يحفره بنفسه: الكبرياء، الوهم بالسيطرة، الاعتقاد بأنه أصبح أكبر من قوانين الطبيعة والزمن.

القمة ليست مكانًا جغرافيًا، بل حالة نفسية؛ لحظة يظن فيها المرء أنه لم يعد بحاجة إلى أحد، ولا إلى الله، ولا حتى إلى إنسانيته.


والسقوط من القمة ليس دائمًا عقابًا… أحيانًا يكون رحمة.


لأن السقوط يعيدك إلى الأرض، إلى التراب، إلى التواضع، إلى ألم الوعي من جديد.


الهاوية التي ظننتَ أنك تصعد إليها تتحول فجأة إلى مرآة تُرجع لك صورتك الحقيقية: إنسان صغير، هشّ، محدود، لكنه حيّ.


في الأدب العربي والصوفي خاصة نجد هذا المعنى كثيرًا:
إبليس صعد بطاعته آلاف السنين… فسقط في لحظة كبرياء واحدة.


فرعون بنى الأهرامات ليصل إلى السماء… فابتلعته الأرض في البحر.


قارون جمع الذهب حتى ثقلت خزائنه… فخسف الله به الأرض وهو على قمة مجده.


وفي المقابل، نرى يوسف عليه السلام:
سقط في البئر، ثم في السجن، ثم صعد إلى عرش مصر… لكنه لم يسقط من القمة أبدًا، لأنه لم يعتقد يومًا أن القمة ملك له، بل كان يردد: «إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ».


ربما السر إذن ليس في تجنّب الصعود أو الخوف من السقوط، بل في أن تحمل في قلبك دائمًا وعي الهاوية وأنت على القمة، وأن تدرك أن كل صعود حقيقي لا يكون إلا بالسقوط المتكرر… سقوط الكبرياء، سقوط الأنا، سقوط الوهم.


فالصعود إلى الهاوية ليس نهاية،
والسقوط من القمة ليس نهاية،


كلاهما مجرد خطوة في طريق العودة إلى نفسك.


بقلم /محمد باجعفر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى