
علي غروي… الرجل الذي حمل الكاميرا كنبض، والإرسال كقدر
في ذاكرة التلفزيون السعودي، يسطع اسمٌ لا يشبه إلّا نفسه…
رجلٌ خرج من ضيق الإمكانات إلى سعة الأثر، ومن مبنى صغير تحاصره الزواحف إلى فضاء شاشةٍ تصل كل بيت.
إنه المصوّر والممنتج علي غروي؛ أحد أوائل خريجي المعهد الملكي الفني بالرياض، وأحد أبرز روّاد العمل التلفزيوني في جنوب الوطن.
سبعٌ وثلاثون عامًا من العمل،
بدأت من أبها، وامتدت إلى جازان، ثم نجران، قبل أن يعود إلى أرض جازان عبر محطة بثّ القرآن الكريم، حيث أتم رحلته بهدوء يشبه هدوء الجبال.
كان علي غروي رجلاً بمهام فريقٍ كامل؛ عينٌ تلتقط الضوء، ويدٌ تُهندس الصورة، وذائقةٌ تُنحت الإضاءة والصوت والمونتاج، حتى غدا أحد أعمدة التلفزيون في المنطقة، وأول مسؤول يُشرف على تلفزيون جازان. منذ أواخر عام ١٣٩٩هـ، حين باشر في محطة تلفزيون أبها، حمل الرجل شغفاً يتجاوز حدود الوظيفة؛ شارك في تصوير وبناء برامج شكلت ذاكرة جيل:
نافذة على بلدي، ربوع بلادي، أطفال الجنوب، الندوات الدينية…
برامج وثّقت المكان والإنسان وصوت الجنوب الذي لا يخفت.
وحين تقدّم بطلب نقله إلى جازان عام ١٤٠١هـ، لم يكن يعلم أن مديرعام التلفزيون حينها، المهندس علاء الدين العسكري، سيمنحه اهتمامًا خاصًا، ويتعقبه بالتقدير، ويكلفه — في لحظة فارقة — بالإشراف على مركز تلفزيون جازان كأول مسؤول يقوده.
لكن المفاجأة الأكبر لم تكن في القرار، بل في الواقع:
مبنى صغير محاط بسور، غرفٌ للمرسلات والمولدات، خيمة للحراسة، وبيئة مكتظة بالثعابين والعقارب…
ومع ذلك، لم يتردد.
نهض بالمكان، كتب التقارير، تابع التشغيل، وتحمّل الانقطاعات اليومية، فيما كان البث يُستقبل من أبها عبر القناة ٥ ويُعاد إرساله عبر القناة ٧ لجازان.
كان يصل إلى مرسلات فيفا و الريث شهريًّا، يصعد الجبال الوعرة إلى النفيعة، يبحث عن الإشارة كما لو كان يبحث عن قلبه. وفي موازاة ذلك، شارك في إنتاج برامج موسمية:
الصيف والناس، الربيع والناس، الساعة الواحدة، مظاهر العيد، وتغطيات النادي الأدبي، وزيارات المسؤولين، وتقديم الأخبار مع الإعلامي محمد الرياني.
ترقّى، وتقدّم، وواصل العطاء:
المرتبة السابعة ١٤٢٠هـ
المرتبة الثامنة ١٤٢٨هـ
المرتبة التاسعة ١٤٣٦هـ
وفي العام نفسه، أنهى رحلته بالتقاعد، محتفظًا بشغفه نقيًّا…
رفض الإدارة، واكتفى بالعودة إلى فنه الأول: الصورة، كهوايةٍ وطنيّة لا تنطفئ.
لقد كان علي غروي — وسيبقى —
رجل مرحلة، وركنًا من أركان إعلام الجنوب، حمل عبء فريقٍ كامل،
وأضاء شاشةً كاملة بجهده، وإخلاصه، ودرجة نادرة من الوفاء للمكان



