التربية الإيجابية للطفل

يوميات مختارة

المهارة الأولى :

• وجه طاقة طفلك بدلاً من صدها :

قال أبوخالد لإبنه كم مرة قلت لك ألا تكتب علي الجدار سوف أحبسك في الغرفة يا شقي وقال أبوخالد هذا الطفل أتعبني وأنا لم أعرف كيف أتعامل معه ولكني كالعادة سأحبسه في الغرفة ليتعلم هذا المشهد يتكرر في كل بيت وبصور متعددة . تخيل أن هناك تياراً مائياً هائجاً فاض علي قرية فدمرها عن بكرة أبيها وتخيل أن هناك ريحاً قوية اتجهت نحو أشجار حتى اقتلعتها وتخيل أن هناك أشعة شمس أتت علي أرض زراعية فأفسدتها .

والآن سنتعامل مع هذه الطاقات الثلاث بالمفهوم الذي تكلمنا عنه وهو توجيه الطاقة وهو ما فعله الإنسان المعاصر فجعل للتيار المائي الهائج قنوات ومجار ونواعير يستفاد منها وجعل من الريح القوية مصدراً للمراوح الهوائية لتسيير المراكب الشراعية وجعل من أشعة الشمس الشديدة أداة لتغذية الخلايا السوداء وتشغيل المحركات .

إن الإنسان بكل بساطة قد أتقن فن التعامل مع هذه الطاقات ووجهها بدلاً من التذمر منها أو إهمالها وهذا بالضبط ما يملكه الطفل من طاقة متفجرة تكمن بداخلة ويعبر عنها بالصراخ والشقاوة والبكاء والجري بل وحتى بالتكسير والتخريب ونجد الأب والأم بدلاً من توجيه هذه الطاقة فإنهم يكبتونها ويصدونها بمطرقة من حديد لذلك فإنك عندما تجد ابنك مشاغباً داخل البيت أو كثير البكاء فحاول أن تفهم أنه يعبر عن طاقته بهذه الطريقة وأنه يستوجب عليك تفريغها بطريقة مناسبة عليك أن تجدها .عندما دخلت البيت ذات مرة وجدت طفلي قد أستغرق بالبكاء دون سبب واضح وقام بأعمال فوضوية في البيت وافتعل معركة طاحنة مع أخيه الصغير وحارت أمه ماذا تفعل علمت أن به طاقة عالية وهو متضايق إذ كيف يخرجها وبعيداً عن التفكير في نفسي وراحتي بعد عناء العمل أخذت الولد إلي نزهه بالسيارة واشتريت له حلوى وأرجعته إلي البيت وكم كانت دهشة أمه كبيرة عندما رأت طفلها وقد سكنت جوارحه وهدأت نفسه حاول أن تجد طرقاً لتفريغ طاقة طفلك وتوجيهها خذه معك في نزهه جميلة أو مارس معه لعبه يحبها أو اجلس معه واحكي له قصة يحبها ولا حاجة لأن توبخه علي صراخه وبكائه فإن ذلك سيذوب تلقائيا بمجرد أن تعرف الدافع وراء هذا السلوك إن الخوف كل الخوف أن تتحول هذا الطاقة لدى الطفل المكبوتة من قبل الوالدين بالجهد والقسوة وتتحول إلي امتدادات سلبية تؤثر علي نفسية الطفل فتظهر علي شكل أفعال لم يكن الطفل يمارسها مسبقاً مثل قرض الأظافر أو التبول اللا إرادي أو حتى التأتأت عند الحديث لأنه وقع بين مطرقتين هما  الدافع الداخلي ما يريد وعامل الضغط الخارجي وهي شدة الأهل عليه فظهر ذلك علي ذاته .

المهارة الثانية : إصنع ثقة الطفل بنفسك :

شدني مشهد رأيته في إحدى الحدائق العامة لأم توبخ طفلها بالسب والشتم فدعاني ذلك للتفكير في العقلية التربوية القاصرة لدى كثير من الأمهات إن التربية لشخصية الطفل بطريقة الإهانة والتحقير بقصد أو بدون قصد خطر كبير ترتكبه كثير من البيوت بل يتعدى ذلك إلي الضرب المبرح ولكن من أجل ماذا من أجل التربية بذاتها أبداً ولكن للاستشفاء بسبب استفزاز الطفل لوالديه فيفرغ الوالدان غضبهما بضرب الطفل لأنها الطريقة الأسرع  لخنوعه وانكساره وهي طريقة من أعيته الحيلة فلجأ إلي البتر.

هذه الطريقة لا تصنع أطفالاً غير أسوياء فحسب بل تصنع أطفالاً فقدوا الثقة بأنفسهم يهتزون لكل من صرخ بوجوههم وينقادون لكل من يريد قيادتهم أو تصنع أطفالاً عدوانيين لزملائهم ليس عندهم إلا استعراض قوتهم بضرب أو شتم أو إهانة لماذا لأنهم يعكسون ما تعلموه وما تعرضوا له من قبل ولا عجب أن تري هذه الفئات بكثرة في شوارع المدينة بالمقابل إن الطفل الذي ربي علي التوبيخ بهدوء واحترام والتوجيه بالنظرة والكلمة والإشارة إن هذا الطفل تتعزز لديه ثقته بنفسه فلا يستطيع أحداً أن يهزه بل يتعزز لديه احترام الآخرين لأنه تعلم أن يكون محترماً في بيته يتقبل النقد في حدود العمل ولا يرضي أبداً أن يجرح أو يهان  لأنه لم يعتد ذلك في صغره وبالتالي هو لم يصدرها لغيره وما أجمل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه حين قال خدمت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عشر سنين فما قال لي أف قط . إنه التقدير الذي يصنع الرجال ويعطي الإعتبار لشخص الطفل كيف لا وهذا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد أوتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي فيك علي أحد فوضعه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )  في يده .

هل استأذنت من طفلك يوماً ليتعلم منك هذا الخلق هل كنيت طفلك يوماً كما كنا رسول الله طفلاً فقال له يا أبا عمير هل لقبت طفلك يوماً بلقب إيجابي لتصنع هويته منذ الصغر كالصادق أو الشيخ أو الدكتور أو المهندس أو الصالح وإلى الآن لازلت أصادف في حياتي من يبخث ذاته في تقديرها فأرى من غلام مثلاً من تصميم بالكمبيوتر أو خط عربي جميل أو كلمة يلقيها أمام الجمهور فإذا قلت له لقد كنت مبدعاً ورائعاً يرد علي بتقهر قائلاً أبداً لقد كنت مرتبكاً ولم أكن جيداً أو ما قدمته كان بمساعدة وليس مني يتكلم بعبارة تنم عن عدم الثقة بنفسه فأعرف أن من كل كان يربيه قد طمس تقديره لذاته كان من المفروض أن يقول عندما مدح الحمد لله هذا من فضل ربي وسأطور من نفسي أكثر إن شاء الله فهو يقر تفوقه ويرجع أمره لله تعالي وما أكثر المربين عندما يروا أن طالب قد برزت شخصيته وتميز يضعونه في أخر الركب وعندما تسأله يقول به إعجاب بنفسه وعلينا تقليله وربما قال له أنت مغرور ولا يعرف أنه يحطم شخصية هذا الطالب بهذه الكلمة بدلاً من أن يقول له أنت متميز وذكي ومتفوق على أقرانك وأقتراح عليك أن توظف هذه الصفات بالتواضع وحب مساعدة الأخرين .

وإني لأتسائل عن دور الأمهات هل الأم في أثناء تربيتها لأطفالها تدرك أنها تريد فعلاً أن تعزز الثقة لديهم أم أن الثقة بأنفسهم متروكة لتجاربهم وأحداث الزمن . أعجبني أحد الأباء عندما ركب ابنه لعبة للتسلق فقال الطفل خائفاً أبي لا أستطيع فرد عليه الأب بحزم بل تستطيع وستصل عندها تشجع الطفل وأكمل مسيره حتى وصل بسبب ماذا ؟ بسبب الكلمات الإيجابية التي قالها الأب لطفله بالمقابل تجد بعض الأمهات يكثرون من عبارات أخاف أن يقع طفلي أو أخاف  أن يجرح طفلي أو لا تركب فتؤذى نفسك . إذا كان ثمن تعلم مهارات الحياة والاعتماد علي النفس ثمنه أن يجرح الطفل أو أن يقع فليكن إذاً ومن بطون الأشواك ينبت الورد .

 المهارة الثالثة : مارس مهارة التنشيط الذهني لدى طفلك :

عندما يصاب الإنسان العادي بفقد عزيز أو بضياع مال كثير أو هم مغدق تجده يمر بحالات شرود ذهني ملاحظ إلا أنه بعد مرور الوقت فإن هذا الرجل يعود لطبيعته مرة أخري ولكن ما أريد الحديث عنه هنا أن هناك أشخاص مصابين بحالات من الشرود الذهني الخفيف يأتيهم بين فترة وأخرى ودون سبب واضح فتجد هذا الرجل لا ينتبه لأمور تحدث حوله أثناء عمل ما فيشرد أحياناً ويسرح أحياناً أخرى وإذا سألته لماذا سرحت وبماذا كنت تفكر يقول لك لا شئ سرحت فجأة وربما كلمه شخص فأستمع له وسرح عقله شيء قليل وعاد له مرة أخري وربما قرأ كتاباً فنعس . هذا النوع بسبب شرود ذهنه المستمر ينسى بعض الأمور التي أمامه مثل المفاتيح أين وضعها أو عندما يقود سيارته فإنه يريد أن يذهب إلي مكان فيسرح فيجد نفسه في مكان أخر هذه الحالة تسمى الانكفاء الذهني المؤقت ولكن ما الأسباب التي تؤدي إلي هذا السبب يعود إلي مرحلة الطفولة وإهمال من قبل الوالدين ولكن كيف هناك ما يسمى بالأطفال البيتـاتيون الذين يمكثون فـترة طويلة داخل البيت طوال فترة يومهم الأب مشغول والأم مشغولة ولا تدري أخي الأب أختي الأم ما هو الضرر الذي يحصل للطفل البيتوتي علي المستوى البعيد إبقائه بداخل جدران المنزل فترة طويلة إن من أهم مصادر النشاط الذهني العالي وجعل الطفل يصحو ذهنياً هو التفاعل مع الطبيعة وتوظيف الحواس الخمس في الاتصال مع ما هو حوله من جمال وإبداع . رتب جدولاً إسبوعياً وخذ طفلك إلي البحر واجعله يرى زرقة السماء وهدير الأمواج وأصوات النورس خذ طفـلك إلي الحدائق واجعله يشم رائحة الزهـور ويلمس الأوراق ويرى خضرة النبات . جرب أن تتناول طعام الغذاء مع أطفالك خارج المنزل في أي منطقة خلوية هادئة وأجعل طفلك يرى بهدوء واسترخاء تام سماء الليل والنجوم اللامعة بصمت وسكينة واتلوا عليه قول الله تعالي : ( تبارك الذي جعل فى السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً ) . أضمن لك أن طفلك منذ نعومة أظفاره سوف يتمتع بنشاط ذهني عالي جداً تجعله يدرك ما حوله بشكل حاد ويكون حاضر القلب سريع البديهة سريع التقاط المعلومة وتسمي هذه الحالة ( النشاط الذهني العالي ) إنني أريد أن أوجهك إلي مسألة مهمة جداً تسبب الانكفاء الذهني لدى الأطفال إذا تعرضوا له مدة طويلة ألا وهو التلفزيون تجد كثيراً من الأمهات من يبحثن عن الثمرة الآنية ويردن أن يتخلصن من إزعاج الطفل بوضعه أمام التلفزيون طوال مدة وجودهم في البيت ليفرغ لهم الجو وربما وضعت له هذه الأم الشريط تلو الشريط ليكون أسير هذا الجهاز وهو أمر قد يسبب له الانكفاء الذهني في المستقبل ويسبب له فقد المهارات الإجتماعية بحيث أنه لم يعرف كيف يتعامل مع من هم بالخارج فيتحول التلفزيون بالنسبة له في الكبر إلي عادة قهرية يصعب الفكاك منها فلابد من وجوده أثناء الطعام وقبل النوم وفي جلسة العائلة والأصدقاء مما يقتل الحوار الأسري بينهم أعود للطفل فأقول إن النشاط الذهني العالي يعتمد علي التفاعل المتبادل فهناك فعل وردة فعل فينقصر الذهن . بينما الطفل التلفزيوني لديه فعل ولا توجد هناك ردة فعل فالتفاعل من طرف واحد فهو يستقبل فقط فيظل يستقبل ويستقبل دون إرسال حتى يحدث له الانكفاء الذهني وتظهر لديه روح المبادرة .

دعوني أحكي لكم عن قصة عائلة عاشت دون هذا الجهاز لمدة عامين وهي قصة جديرة للتأمل هذه العائلة ليست موجودة بالسعودية  أو مصر ولكنها موجودة في ولاية كلورادو بأمريكا تقول المؤلفة ماري وين  في كتابها الرائع الأطفال والإدمان التلفزيوني وهي تحكي تجربة هذه العائلة فتقول لي ثلاثة أبناء بنت عمرها 8 سنوات أما الولدان فهما في سن 5 ، 6 وكنا نعيش في كلورادو قبل أن ننتقل إلي منطقة ذييل بسبب عمل زوجي وكان الأطفال مدمنين علي مشاهدة التلفزيون ولقد كنت قلقة جداً بشأن مشاهدتهم إياه وكنت أشاهد ابنتي تغيب في شبه غشية ما دام التلفزيون يعمل وبدأ في البداية أن الولدان أقل تحمساً للتلفزيون علي أنه وبمرور الزمن ظهر أنهما أيضاُ صارا سلبيين بالكامل أمام هذا الجهاز وفي نوفمبر بعد أن ذهبنا إلي منطقة ذيل وتحديداً بعد 5 أميال  منها عرفنا أن بيتنا يقع خارج نطاق الكبل التلفزيوني ظننا في البداية أن الحالة مؤقتة أملين إحياء التليفزيون  ذات يوم وقبل أن يمر وقت طويل بدأنا ندرك أننا قد لا نرى خدمة الكبل التلفزيوني تصل إلينا فاستسلمنا لمصيرنا بعد ذلك بدأت الحياة تستقر وتأخذ طابع عادى أكثر وبدأنا نقرأ الكتب وليس القصص والمجلات فقط وكنا نلعب مع الأطفال ما يزيد علي الساعة في كل مرة وكانوا الأطفال يلعبون معاً لفترات طويلة وكنا نلهو مع بعضنا البعض علي نحو يفوق ما تعودنا عليه من قبل وصارت أبنتنا بارعة حقاً بالرسم والألوان والتصوير والتشكيل الصلصال وكانت تعاوني عدة مرات في كل أسبوع في عمل الكعك المحلي في قوالب وكنت أقرأ لأبنائي قصة يومياً وكان لدينا كتاباً عن الحرف وهوايات  الأطفال فنتنحى جانباً بعد الظهر لنتسلى بهذا الكتاب . لقد تغيرت حياتنا إلي الأفضل وظهرنا  أكثر حيوية ونشاطاً وقويت الروابط الأسرية بيننا أكثر وتعلمنا أشياء لم نكن نعمل بها من قبل وبعد مرور عامين أضطررنا  للرجوع مرة أخرى إلي كلورادو بسبب عمل زوجي . لم تعد الأمور كما كانت من قبل منذ أن رجعنا لم يلعب الأطفال مع بعضهم البعض كما كان من قبل لم يعد البيت ذات لعب صاخب كما كان من قبل فقدنا تلك الحيوية والنشاط فقد وقعنا أسري للتلفزيون مرة ثانية .

 أخي الأب أختي الأب أعتقد أن ساعة واحدة تكفي أمام التلفزيون كل يوم فيما عدا ذلك حاول تنمية قدرات طفلك ذهنياً عن طريق اللعب .

     المهارة الرابعة : مارس مهارة الإشباع العاطفي مع طفلك :

يشتكي كثير من الآباء والأمهات من جفاء تعامل أبناءهم معهم فلا توجد الكلمة الطيبة والشعور الدافئ من قبل الإبن نحو والديه ويجد الوالدان من الولد أو البنت الابتعاد والخصوصية  المتكلفة وعدم تقبل النصيحة والملام في الحقيقة هم الوالدين إذ لم يكن للولد أن يصل إلي هذه المرحلة لولا أعمال الوالدين في مرحلة الطفولة. أحد الأباء كان يشاهد برنامج تلفزيونياً فما كان من الطفل إلا أن أقترب من التلفزيون وأطفأه فما كان من الأب إلا أن وبخ الطفل بقوة وأبعده واكمل برنامجه التلفزيوني , المشكلة هنا أن الأب فهم ابنه فهماً سطحياً وكان الواجب عليه أن يفهم ما وراء سلوك طفله بدلاً من النظر إلي الظاهر إن الطفل إذا شعر بجوعه عاطفية  فإنه يتجه إلي أبويه فإذا وجد الأب منشغل عنه فإنه يفعل أي شئ لجلب انتباه أبيه دون فهم الصح من الخطأ  بفعله وعندما كنت أقرأ جريدة في بيتي جاء طفلي ذو أربع سنوات وضرب الجريدة بيده وسحبها في هذا الموقف كان يفترض علي أن أوبخه علي فعلته هذه ولكني لم أفعل التفت إليه مبتسماً وقلت له هل تريدني أن ألعب معك فأومأ إلي برأسه فرحاً لفهمي إياه  فثنيت الجريدة وجعلتها جانباً ولعبت مع إبني لمدة  ربع ساعة فقط ثم تركته ورجعت لإكمال قراءتي وأكمل طفلي اللعب مع نفسه ولم يعترض . لقد كان طفلي جائع عاطفياً فسددت جوعته باللعب معه وضمه والمسح علي رأسه وتقبيله حتى رضي إنه الإشباع العاطفي من جانب أخر في موضوع الإشباع العاطفي كثيراً من الأمهات يعتقدن أن من أسرار الرضاعة الطبيعية هي القيمة الغذائية فقط وهذا صحيح إلا أنه ما لم ينتبه له الكثيرون أن من أسرار الرضاعة الطبيعية العميقة هو احتضان الرضيع من قبل أمه أثناء الرضاعة إنها الضمة وما يصاحبها من الحنان المتدفق إنه التواصل بلغة ليست بالكلمات وإنما بالحب والدفء والعاطفة لهذا فإنني لا أشجع كثيراً من الأمهات رضاعة أطفالهم بالحليب الصناعي  فإن ذلك يفقد الرضيع الكثير من حنان أمه وربما التوازن العاطفي في المستقبل يعجبني تصرف أحد الأصدقاء الذي كان يقول رغم رجوعي إلي البيت منهكاً بسبب العمل إلا أنني بمجرد دخول البيت وسماع الأطفال صوت المفاتيح وأنا أفتح الباب فإنهم يتراكضون نحو الباب فقلت له كل يوم قال كل يوم قلت ولما يفعلون ذلك قال لأنني عندما أدخل البيت أبتسم في وجوههم وأمسح علي رؤسهم وأضمهم وأحملهم أحياناً فالكل يريد هذا فيتسابقون إلي قلت له أحسنت . وتذكرت مسيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه إذا مشي في طرقات المدينة يتراقض إليه الصبيان بين يديه ويقولون أبتاه أبتاه لما يعلمون من رحمته ورقة قلبه . عجبي لا ينتهي من هؤلاء الآباء الذين إذا دخلوا بيوتهم كأنهم قد دخلوا قاعدة عسكرية يسكت الأبناء ويكفوا عن اللعب ويشيع في البيت جو من الرهبة والخوف من العواقب ويتحرك الأب داخل البيت والكل يترقب خطواته لقد سمعت من هذا النوع من الأباء أنه يفخر أن أبناءه يحترمونه وأنه إذا دخل لا يسمع همساً ولا يدري المسكين أنه ولد لدى أبناءه اعتقاد راسخ أن راحتهم ولعبهم في عدم تواجده في البيت ولك أن تتصور أخي كيف ستكون العلاقة مستقبلاً .

 إن الآباء الذين يجدون جفاء أبناءهم في الكبر هم قد جفوا آباءهم في الصغر إسأل أي واحد منهم متي آخر مرة ضممت ابنك . سيجدون صعوبة في التفكر وسيجدون صعوبة أكثر في التذكر عندما تسألهم متي آخر مرة  قلت لأبنك كلمة أحبك . نظرت ذات مرة لطفلي طويلاً وقلت له أتعلم لماذا أنظر إليك قال لماذا ؟ قلت لأني أحبك والآن وفي كل مرة أنظر لطفلي طويلاً يقول لي أعرف انك تحبني فأبتسم . لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس إذا جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد فأطال السجود بالناس حتى ظنوا أنه قد حدث أمر فلما قضى صلاته قالوا قد أطلت السجود يا رسول الله حتى ظننا أنه قد حدث أمر فقال إن ابني قد ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته . إعلم أخي الكريم أن الطفل يقتدي بمن يحب لا بمن هو قدوة وأفضل ما تقوى محبة طفلك بك هو أن تكثر اللعب معه وقد كان من مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من كان له صبي فليتصابان .

 المهارة الخامسة : أظهر محبتك لزوجتك أمام أطفالك : 

سئل النبي صلى الله عليه وسلم من أحب زوجاتك إليك قال على مرأى ومسمع من الجميع عائشة إن من الحاجات الأساسية للطفل حاجته إلي الانتماء وحاجته إلي الأمن وإن أي شرخ في الحياة الزوجية ينعكس علي سلوكيات الأطفال ولو شاهدت الإحصائيات التي تتكلم عن انحراف الأطفال لوجدت أن السواد الأعظم قد عاشوا في بيئة متفككة أسرياً ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف هل يكفي بأن الزوجان تحت سقف واحد وتجري حياتهم بشكل اعتيادي هل يكفي أن يحقق ذلك التوازن العاطفي والاستقرار النفسي لدى الأطفال . الإجابة لا . إذ أن القصور في الحياة العاطفية بين الزوجين ينشأ بسب انعكاس الحياة التي كان يعيشها الزوج أو الزوجة من قبل في بيوت آبائهم وأمهاتهم وذلك بسبب عدم وجود الخبرة المسبقة في تعامل أحدهما للأخر فالزوج مثلاً لم يرى مواقف عاطفية بين والديه من قبل والزوجة كذلك وما أريد قوله هنا أنه توجد بعض التصورات الذهنية المبالغ بها والتي يظن أنها عيب أولا يصح إظهارها أمام الأبناء واسمحوا لي أن أقول أن رؤية الأبويين يمسكان بأيدي بعضهما له شعور رائع أمام الأبناء وإن رؤية الأطفال لوالدهم وهو يقول لزوجته بعض الكلمات العاطفية  له شعور رائع أيضاً ولا تسأل عن مشاعر الغبطة والسرور لدى الطفل عندما يشاهد ذلك وهذه الأمور تجعل الطفل يقول بلسان حالة إن لي حياه آمنه وسعيدة إنني أؤكد لك وبكل ما تحمله كلماتي من ثقة أن الطفل الذي يعيش في هذه البيئة العاطفية الموزونة لهو مستقر عاطفياً مستقر نفسياً بحيث أنه لا يبحث عن مكان أخر من أجل إشباع عاطفته ولن يفهم الحياة الزوجية مستقبلاً علي أنها طبخ وكوي للملابس وأوامر فقط وسيعامل زوجة المستقبل بما تعلمه في بيت أمه وأبيه من حب وطفولة وعاطفة عملية عاقلة ألا يرق قلبك وتدمع عينك لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة  تلك المحبة  التي لم يكن يملك عليه الصلاة والسلام إلا أن يظهرها في أكثر من موضع ومنها حادثة أسرى معركة بدر وذلك عندما أسر أبو العاص زوج ابنته زينب رضي الله عنها فما كان من زينب رضي الله عنها إلا أن بعثت بقلادة لتفتدي بها زوجها وما أدراكم ما هذه القلادة إنها قلادة الذكريات فما أن وقعت بين القلب الكبير محمد صلي الله عليه وسلم حتى هاجت لديه الذكريات إنها قلادة خديجة فقد تذكر مشاهد زوجته في بيت الزوجية الأول في بدايتها في تلك الأيام الأولى فرق قلبه رقة شديدة  وقال لأصحابه إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها الذي لها . ما كانت زينب رضي الله عنها لتفعل ذلك لولا علمها العميق لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة وما كانت تفعل ذلك لولا أنها رأت وسمعت ولمست عن قرب هذه المحبة الزوجية الخالصة .

 عززي الاستقرار العاطفي لدى أبناءك من خلال إظهار المحبة لأبيهم :  

قولي لطفلك إن أباك متضايقاً فتعالى نخفف عنه اجعلي طفلك يحمل هديتك المغلفة إلي زوجك بمناسبة ذكرى زواجك ولسان حالك يقول أغار عليك من نفسي ومني ومنك ومن زمانك ومكانك ولو أني خبأتك في فؤادي إلي يوم القيامة ما كفاني .

المهارة السادسة : تعلم المهارات الذهنية في تنمية عقلية الطفل :

عند دراستي للهندسة النفسية وطرق التفكير وما هو السلوك الإنساني والنفسي لدي البالغين وجدت أن إستراتيجية التفكير لدي البالغين والتي تؤثرعلي سلوكهم وحياتهم اليومية والتي تكونت أول ما تكونت خلال مرحلة الطفولة وتسمى هذه الإسترتيجيات البرامج العقلية ولكن ما هي البرامج العقلية .

دعني أوضح لك لعلك لا تستطيع أن تكتب نصوصاً باستخدام الحاسب الآلي دون برنامج معالج لنصوص مايكروسوفت مثلاً ولعلك عندما تود استخدام الإنترنت فإنك تستعمل برنامج إكسبلورر عند أستعراضك للشبكة وكذلك عقلك فإن أفعالك وسلوكياتك تعمل عن طريق برامج عقلية تتمتع أنت بها وهذه البرامج  إما مكتسبة أو وراثية ولنستعرض  بعض هذه البرامج المدهشة .

أولاً برنامج التشابه والفروق :

الإنسان التشابهي : يميل إلي ملاحظة التشابهات فيقول مثلاً هذه المحاضرة تشبه محاضرة الأمس وهذا الرجل يشبه الرجل الأخر وتتشابه لديه درجات اللون الواحد فيظنها واحدة ويميل إلي تمرير الأمور دون الوقوف عليها بدقة وربما ظن البيت الذي أمامه هو ذاته البيت الذي مر به بالأمس رغم أنهما مختلفين .

أما الإنسان الفروقي: فهو الإنسان الذي يدقق كثيراً ويلاحظ الفروق دائماً ويلاحظ الجديد في الأماكن التي يزورها والأشياء التي يلمسها فإذا قلت له هذا الرجل يشبه ذاك الرجل يرد عليك مستغرباً ألا ترى خطوط التجاعيد في الوجه تختلف عن الأخر وهو يقف عند الأمور ولا يمررها بسرعة  لدية ميزة التعلم لأنه يلاحظ أكبر قدر من المعلومات ويجمعها . كل طفل يولد فإن برامجه العقلية تخضع لتأثيرين إما جزء الوراثة وإما جزء البيئة فإذا كان الطفل فروقياً مثلاً وعاش في بيئة تشابهية فإنه يصبح  فروقياً مع بعض التشابه والعكس صحيح والمشكلة هنا إذا كان تشابهياً أو عاش في بيئة تشابهية فإن الفروق لديه تضعف مما يعرضه  لكثير من القصور في حياته من حيث الملاحظة والإدراك والتعلم لذلك فإن عليك أن تنمي الفروق لدي طفلك . مثلاً أن تري طفلك قلماً وتقول له ما لون هذا القلم فيقول ذهبي فتقول أحسنت ولكن ألا ترى أن هناك نصاً مكتوباً علي القلم ما هو لونه فيقول أسود فتقول له إذن ما هو لون القلم مرة أخرى فيقول ذهبي وأسود .

مثال آخر: عندما تمشي مع طفلك في المدينة وتريه بعض البيوت وتقول له ما رأيك بباب هذا البيت فيقول جميل فتقول له ما فرقه عن باب بيتنا فيقول لونه مختلف فتقول وماذا بعد ؟ فيقول النقش يختلف وإطاره أعرض ولكن باب بيتنا أكبر وهكذا .

أرجو أن تكون فهمت المعنى الذي أريد أن أوصله إليك وهو نقل الطفل من التفكير التشابهي إلي التفكير الفروقي الدقيق بالحوار المستمر. بالمقابل إذا كان الطفل فروقي ونشأ في بيئة فروقية فإن التشابه لديه يضعف وللعلم فإن البرنامج التشابهي مفيد جداً في تكوين العلاقات والألفة مع الآخرين بسرعة خاصة في العلاقات الزوجية إذ أن الإنسان الفروقي يجد صعوبة في الانسجام مع الآخرين فهو يدقق في كل كلمة تخرج ولا تفوته سقطات الآخرين وهفوات من حوله سواء مع أصدقائه أو زوجته فيتعب ويتعب من حوله لذلك فإن تعزيز مفهوم  حسن الظن بالأخرين ومفهوم كلنا ذو خطأ والكمال لله وحده في لغتنا الحوارية لهو أمر مفيد جداً مع الطفل الفروقي الذي يعيش في بيئة فروقيه واسمحوا لي أن أنتقل إلي برنامج عقلي أخر يتمتع به البالغون ومنشأه من الطفولة وهو برنامج المرجعية الداخلية والمرجعية الخارجية فانتبه معي: يعتمد منشأ القرارعلي مرجعية نتكئ عليها هذه المرجعية تأسست منذ الصغر ومثال علي ذلك : أراد أحد الأخوة أن يتخصص في إحدى الدراسات الجامعية فتجده يتأثر جداً بكل توجيه حوله ولربما اتخذ قراره وعزم علي المضي في تخصص ما وقبل دقائق فقط من الإقدام كلمة أحد أصدقائه ونصحه بالتراجع فاضطرب وتراجع رغم قناعته المسبقة . إذن هذا الإنسان هو صاحب مرجعية خارجية يتحفز للعمل بمؤثر خارجي . شخص أخر أراد شراء سيارة مثلاً واقتنع بها ونصحه من حوله بعدم الإقدام علي شراء هذه النوعية من السيارات تجده لا يأبى كثيراً بهذه المعارضات ويقرر ما يريد وينفذه ولربما تجده بعد ذلك قد أكتشف أنه أخطأ . هذا الإنسان هو صاحب مرجعية داخلية إن كثيراً من الأباء والأمهات ينمون المرجعية الخارجية لدى أطفالهم بطريقة غير متوازنة فهم يقررون له ماذا يلبس وماذا يأكل ومتي ينام وين أأأين يجلس فينشأ الطفل معتمداً في قراراته علي الغير. بالمقابل فإن كثيراً من الأمهات والأباء ينمون المرجعية الداخلية لدي أطفالهم بطريقة غير متوازنة أيضاً فهم وبسبب التدليل الزائد والحب المفرط يقرر طفلهم ملابسه حتى وإن كانت غير مناسبة له  ويقرر موعد نومه حتى ولو أدى ذلك إلي سهرة ويقرر ماذا يأكل حتى وإن كان الأكل غير مفيد له فينشأ الطفل وقراراته بيده . فما الذي أريد أن أصل إليه إن ما أريد الوصول إليه هو محاولة الحفاظ علي استقلالية الطفل في مرجعيتة الداخلية دون الخروج عما بيد الوالدين من مصلحة أكيدة لطفلهما خاصة في هذه المرحلة العمرية وذلك باستعمال سياسة الإحتواء أو ما أسميها بسياسة الخيارات المفتوحة . كيف يا ترى عندما يأتي موعد طعام طفلك تقولين له هل تريد أن تأكل سندوتش الجبن أم طبق البيض هذا السؤال بهذه الطريقة يحفز الطفل نحو الإختيار وسيغيب وعي الطفل عن الرفض . انتبهي أن تقولي للطفل هل تريد أن تأكل سندوتش الجبنة الآن أو هل تريد أن أضع لك العشاء.

إن الطفل في هذه الحالة إن لم يختار الخيار الأول وهو الموافقة فسيختار الخيار الثاني وهو الرفض .أنتي طبعاً فتحتي له المجال ليفعل ذلك وبعد أن وافق عن تناول العشاء تقولين له هل تريد مع العشاء الحليب أم العصير وبعد انقضاء وجبه العشاء وتريدين دفع طفلك للنوم تقولين له هل تريد لبس ملابس النوم أولاً أم تنظيف أسنانك . افرضي أنه رد قائلاً أريد اللعب فقولي له هذا ليس من الخيارات وكلامي واضح جداً وأعيدي عليه الجملة مرة أخري بحزم مع الضغط علي الحروف علي أن تكون حالتك هادئة . وعند ذهابك إلي السوق فبإمكانك أن تضعي لطفلك ثلاث أطقم من الملابس ترتضينها وأن تقولي له بعد ذلك أيهما تختار .

إن استعمال هذه المهارة من الوالدين لدى أطفالهم كفيل بأن ينمى المرجعية الداخلية لديهم في اتخاذ القرار مع الموازنة للمرجعية الخارجية . هل تريد الاستماع للمزيد من المهارات الذهنية في تعاملك مع طفلك . إستمع معي إلي مهارة مميزة وفعالة جدا وأعطيني كامل تركيزك بما سوف أقول لك الآن مارس مع طفلك التربية علي الخيارات المفتوحة لا الخيارات المحددة .

 أبو سالم صاحب وظيفة تتعلق بالمشتريات والتسويق وقد مضى عليه في هذه الوظيفة سنوات عدة وهو متقن لعمله ومحب له وفجأة يقرر مجلس الإدارة تطوير العمل وإدخال نظام الحاسب الآلي واستبدال جميع الأجهزة القديمة وإدخال طرق جديدة في نظامهم لم تكن معروفة من قبل وللأسف لم يتكيف أبو سالم مع الوضع الجديد ولم يتقبله واضطر للتنحي جانباً الذي حصل هنا أن أبو سالم كان يتمتع بقدر عالي من برنامج الطرق المحددة إذ أنه طوال سنواته كان العمل يقوم عبر خطوات محددة ومعروفة وهذا التغيير الذي حصل وهذا التجديد لم يتوافق مع عقلية أبو سالم لذلك فضل الإبتعاد .

إن صاحب الخيارات المفتوحة لم ينتظر إلي التغيير لكي يأتي  إليه بل هو يبحث عن التغيير وعندما تأتيه مشكلة ما فإن صاحب الطرق المحددة  يبحث عن حل واحد فإن أفلح وإلا تراجع . بينما صاحب الخيارات المفتوحة فإنه يجرب الحل الأول فإذا لم ينفع جرب الحل الثاني فإذا لم ينفع جرب الحل الثالث وهكذا . ولكن كيف نربي أطفالنا علي إستراتيجية الخيارات المفتوحة . للأسف إن ما أراه في تربيتنا لأبنائنا هو العكس فعندما يأتي طفل ويقول أن ولداً في المدرسة ضربه فقد اعتدنا أن تقول له من ضربك اضربه ولكن ليس هذا صحيحاً  أولاً أنت تربيه علي النظر للمشكلة من خلال خيار واحد ثانياً أنت تعطيه الحل بشكل جاهز. ولا تدع له مجالاً  للتفكير أرجو أن تصغى لما أقول

إذا عرض عليك طفلك مشكلة ما  لا تعطيه الحل مباشرة ولكن أنصت إليه وتعاطف معه وخذ فترة في التعاطف معه وبعدها قل له وما رأيك أن تفعل الآن هنا سيخبرك بأحد الحلول وهو الرد بالضرب مثلاً قل له أحسنت وماذا بعد سيقول لك حلاً أخر وهو إخبار الأستاذ قل له أحسنت ثم الحل الثالث بعد ذلك اطرح علية ما تعتقد أنه مناسب .

صدقني أخي الكريم إذا استمريت معه علي هذا المنوال ستدهش لتطور طريقة تفكير طفلك الصغير ولا تستغرب إذا وجدته يبحث عن أكثر من طريقة لتشغيل جهاز ما أو تجده يبتكر طرق جديدة لتحسين ما حوله من صعوبات قد تعترضه بل وسوف تجده يتكيف مع المتغيرات حوله بكل سهوله ويسر أما الآن  وقد استمعت إلي البرامج العقلية التي تؤثر في الإنسان منذ طفولته فاسمح لي أن أنتقل بك وبكل الحماس الذي  يعتريك إلي المهارة الأخرى فكن معي .

 المهارة السابعة : تعلم الحوارات الذكية مع أطفالك :

بسبب الفارق الزمني الكبير بيننا وبين أطفالنا قد لا نوفق أحياناً إلي إدارة حوار ناجح معهم ويترتب علي ذلك عدم فهمهم وأحياناً الحيرة في التعامل معهم وكثرة الجهل بالدوافع ورأيت تصرفات وسلوكيات الطفل الذي يعيش في عالمة الخاص والتي أحياناً  من الصعب فهمها . هناك خمسة أفكار بإمكانك أن تتبناها في الحوار مع طفلك جربهاً في بيتك إن كنت أباً وفي مدرستك إن كنت مدرساً وأنا متأكد أنكم ستجدون نتائج ناجحة وستلحظون الفرق الإيجابي في حواركم مع أطفالكم . 

 أ – أستعمل مع طفلك أسلوب الموافقة بدلاً من إنكار المشاعر :

يأتي الطفل إلي الأب ويكون هذا الحوار السلبي ويقول الطفل أبي أبي جرحت إصبعي أثناء اللعب . قال الأب تستاهل من قال لك أن تلعب بالأدوات الحادة .

أما الحوار الإيجابي : يأتي الطفل ويقول أبي أبي جرحت أصبعي أثناء اللعب قال الأب دعني أرى قال الطفل قفزت ووقعت بقوة لا تبكي هذا خدش بسيط الحمد لله علي سلامتك هيا أكمل لعبك .

التعليق : لاحظ معي الانتقال من موقعنا إلي موقع الطفل في تفهم مشاعره يعطي للطفل شعوراً بالدعم والمساعدة  الطفل ترك البكاء وتفاعل مع أبيه بعد ما لمس منه الإصغاء والاهتمام . 

ب- تفاعل مع مشاعر الطفل وأعطها إسماً  بدلاً من الشرح والمنطق :

 إستمع معي إلي الحوار السلبي : قال الطفل أريد كيكة بالكاكاو الآن . قال الأب لا يوجد لدينا كاكاو الآن ولكن غداً إن شاء الله فقال الطفل أريد كاكاو أريد كاكاو أريد كاكاو قلت لك غداً ألا ترى أن الوقت متأخراً الآن لنشترى لك الكيك فبكي الطفل .

أما الحوار الإيجابي : قال الطفل أريد كيكة بالكاكاو الآن فقال له الأب أنت جوعان صح ؟ فقال الطفل صح  قال الأب والكيكة لذيذة وحلوة صح  ؟ فقال الطفل صح قال الأب من أين يشترونها فقال الطفل من البقالة قال الأب والبقالة فيها ألعاب صح ؟ قال الطفل نعم مثل الألعاب التي في غرفتي فقال الأب جميل أين هي أريد أن أراها .

لاحظ أن الحوار أخذ شكلاً آخر وهذا إبداع من المحاور والطفل يستجيب للكلمات التي تعبر عن معاناته وما يعتلج في نفسه فتسهل قيادته .

ج- عندما ترغب أن يفعل الطفل شيئاً إستعمل الدومى بدلاً من التوجيه المباشر :

 إستمع معي الآن  إلي الحوار السلبي : هيا يا بني حان وقت العشاء قال الطفل لا أريد أن أكل أريد أن ألعب قال الأب لقد قلت لك اللعب ممنوع يجب أن تأكل فبكي الطفل .

 إستمع معي الآن إلي الحوار الإيجابي : هيا يا بني الدبدوب الصغير يريدك أن تأكل معه فقال الطفل هو يريد أن يأكل ؟ قال الأب  وانظر إلي اللقمة الكبيرة . فقال الطفل ماذا يقول الدبدوب قال الأب يقول أن الطعام لذيذ جداً . قال الطفل  صحيح أنا أريد أن آكل أيضاً .

 التعليق : تذكر أن الطفل يستجيب لمن يحب لا لمن هو قدوة وإن من أحب الأشياء لدية ألعابه وبإمكانك أن تعد تمثيلية رائعة مليئة بالحوار البناء والأخلاق والتصرف السليم من خلال الدومى التي يلعب بها طفلك .

تستعمل بعض الأمهات أسلوب الإستشهاد بطفل آخر للمقارنة والتحفيز كالأخ  أو إبن الجيران أو إبن الخالة أو إبن العمة ولكن بسبب الغيرة الشديدة قد لا يستجيب الطفل لما تريده الأم فتحدث نتائج عكسية وعموماً المقارنة بين الأخوة ليست بالضرورة طريقة جيدة للتحفيز .

د- صف المشكلة بدلاً من التوبيخ المباشر وستحصل علي نفس النتيجة .

 أستمع معي الآن إلي التوجيه السلبي : حامد أدار مفتاح دورة المياه وخرج دون أن يغلقه يراه الأب فيقول موبخاً كم مرة قلت لك أطفئ ضوء الحمام بعد أن تستخدمه .

 إستمع معي الآن إلي التوجيه الإيجابي : حامد أدار مفتاح دورة المياه  وخرج دون أن يغلقه يراه الأب فيقول حامد لا زال ضوء الحمام مضاءً . التعليق بهذه الطريقة أنت تنجح في لفت انتباه طفلك نحو خطأه دون الحاجة إلي إحراجه وتقليل ذاته إضافة إلي تحفيز عقله نحو الحل دون إعطاءه إياه مباشرة . 

هـ- أعطي معلومات عن المشكلة بدلاً من الملاحظة والتأنيب :

صالح أخرج الحليب الطازج خارج الثلاجة وشرب منه ولم يرجعه مرة أخرى .

 التوجيه السلبي : من شرب الحليب وترك العلبة خارج الثلاجة .

التوجيه الإيجابي : يا بني يصبح الحليب فاسداً إذا بقي خارج الثلاجة .

التعليق بهذه الطريقة تحصل علي نفس النتيجة من استجابه الطفل عند التحدث معه من زاوية أخرى . وقبل أن أنتقل معك إلي المهارة الأخرى دعني أعطيك فوائد من اللفتات السلوكية اللطيفة في علم الهندسة النفسية .

عادة تلاحظ أن الإنسان عندما يحزن فإنه ينظر للأسفل والذي يبكي تجد عينيه متجهتان إلي الأسفل فإذا رأيت طفلك غارقاً في البكاء فإن التوجيه السليم للتخفيف من حالته أن توجه نظره للأعلى مثل أن تقول له أنظر إلي النجوم . أو هل رأيت الطائرة هناك ستعجب عندما ترى طفلك قد وجد صعوبة  في إكمال بكائه وذلك كلما نظر للأعلى  .

لطيفة أخري من اللطائف التي أود أن أبوح بها إليك إن كثيراً من الآباء عندما يوجه أطفاله وينصحهم فإنه يمارس ذلك دون إحداث ألفة في وضعه الجسماني معهم . إن من أفضل الإقتراحات لتوجيه طفل ما لتكون الكلمات اكثر تأثيراً .

أولاً : أن تكون قامتك في مستوي قامة طفلك أثناء التوجيه .

ثانياً : لمسه أثناء الحوار بوضع كفك بكفة أو بوضع كفك علي كتفه ستجد أن مدى تقبل الطفل لكلامك سيكون قوياً.

أمر أخر: أود أضافته هنا وهو الإبحار مع الطفل في الحوار الخيالي معه . يأتي الطفل وقد رسم بقرة تطير فوق الغيوم وحباً لأبيه يريه إياها كثيراً من الآباء تكون ردود أفعالهم منطقية مثل أن يقول لإبنه ما هذا الذي رسمت خطأ الأبقار لا تطير وإنما تمشي علي قوائمها الأربع وكأن الطفل مثلك أيها الأب يفكر بطريقة حقيقية عاقلة ربما لا تعلم أخي الأب أختي الأم أن أخصب فترات الخيال لدى الإنسان هي فترة طفولته والطفل لا يفرق بين الحقيقة والخيال والأفضل في هذه الحالة أن تشجع طفلك علي ما صنع وتزيد عليه فتقول وأين الأسد لماذا لم يحلق مع البقرة وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بعائشة وكانت صغيرة وهي تلعب بفرس له أجنحة فضحك منها وأقرها وتذكر إذا جاريت خيال طفلك اقتربت منه .

المهارة الثامنة : مارس الإرساء الإيجابي واحذر الإرساء السلبي لأطفالك :    

كانت الساعة تشير إلي الرابعة عصراً عندما دق جرس باب منزلي ولم يكن الضيف سوي أحد زملائي الذي بدأ الصوت متهدجاً وعيناه بهما لمحة من أسى وحزن فما كدت أن أجلسه وأستوضح الأمر منه حتى أنطلق يحكي تجربته مع إبنه ويقول حكى أحد الزملاء  تجربته مع إبنه ويقول : كنت أغدق علي طفلي ذو الثلاث سنوات الكثير من العطف والحنان وهو إبني البكر ولم يراني قط إلا ضاحكاً ولم يك قط إلا في أحضاني ومرت الأيام ورزقنا الله بطفل أخر ودبت الغيرة بطفلنا البكر ويوماً بعد يوم بدأ يتحامل علي أخيه الصغير إلا أننا لم ننتبه إلى ذلك كثير الإنتباه وفي مرة من المرات دخلت البيت فرأيت طفلي البكر وقد أخذ رأس أخيه وضربه ببلاط الأرض وهو يكيل بالضرب والصفع له حتى أخذت الطفل الصغير غشية وعندها جن جنوني وانهلت علي طفلي المعتدي ضرباً وحملته وقذفته داخل الغرفة كما تقذف الكرة وأخذته ورفعته وقذفته على الأرض وحالت أمي بيني وبينه وأخذته لينام فما إن أصبح الصباح حتى أسقط في يدي وتملكني الرعب إذ فقد طفلي البكر النطق الصحيح وأخذ يحاول جهده نطق الحروف ولكن بكلمات متقطعة يا إلهي ما الذي فعلته بولدي ومر علي شريط الذكريات وعادت إلي مشاهد الضرب بالأمس وتذكرت نظرات الرعب التي رأيتها في عينيه ورعبه في ملابسه وتملكته حالة من الصمت والإنزواء عجيبة وبدأنا أنا وزوجتي رحلة العلاج مع أخصائي النطق وتوجيهات المعالج النفسي وتحسنت حاله إبني والحمد لله إلي الآن ورغم تحسن حالة إبني وعندما يفعل فعلاً خاطئاً يستوجب التوجيه وعندما أنظر إليه معاتباً لا زلت أرى في عينة لمحة من نظرات الرعب تلك لديه وكأني أدركت أني في عامة نفسه لم أعد ذلك الإنسان الآمن بالنسبة  إليه . وأسفاه  من نوبة غضب شيطانية.

هناك مصطلح إسمه الإرساء :

ما هو الإرساء ؟ إنتبه معي الإرساء هو إرتباط صفاء ذهني عالي بمشاعر حسية قوية مكثفة فإذا التقى هذان الإثنان يحدث الإرٍساء وهي الذكرى التي لا تنسى إما بالسلب أو بالإيجاب .

أعطيك أمثلة : أحياناً يمر الواحد منا بمكان فيشم رائحة لا يذكر متي كانت لكنه يذكر أن هذه الرائحة  تحمل مشاعر جميلة وأحيانا يمر الواحد منا بحي من الأحياء فإذا نظر إليه وإلي بيوته وأذقته تجيش في نفسه الذكريات الجميلة  لماذا  لأن هذا المكان هو الحي الذي عاش فيه وامتلأ بمشاهد طفولته ولربما باع إنسان بيته لأن هذا البيت يذكره بموت والديه فيه وأحياناً يسمع المرء منا صوتاً رخيماً عذبا يذكره بمشاعر ذلك الزمان أو ذلك المكان أو صورة ذلك الإنسان هذه الأمور تسمي مراسي وعندما أقول إن شرط حصول المرساة وجود عاملين هما صفاء ذهني عالي ومشاعر حسية مكثفة فما هو رأيك ؟ أصفى فترة يعيشها الإنسان ذهنياً نعم إنها الطفولة وهنا يكمن الخطر .

المرحلة المتقدمة من حوادث الإرساء المخيفة تسمي صدمة وذلك مثل ما حدث لطفل زميلي في القصة الآنفة الذكر الوالد الذي ضرب ابنه وقذفه وفقد النطق .

 والصدمة هي حادثة مريرة ممتدة في تاريخ الإنسان ذات آثار نفسية سلبية تثير إلي العقل الباطن وتلقي بظلالها باستمرار في حياته اليومية فلا تنسى إذ كل الناس لديهم مصائب ومآسي ولكن ليس كل الناس لديهم صدمات ولو بحثت لوجدت أن 80٪ من الصدمات هي فترة الطفولة لذا لا عجب أن تجد شاباً يافعاً قوياً يخاف خوفا شديداً من الأماكن المظلمة ليس لشيء سوى أن أباه كان يضربه ويضعه في غرفه مظلمة ساعات طويلة ولا عجب أن تجد شاباً يافعاً محترماً تجده كل ما سمع صرخة عارضة أرتعش وأهتز ليس لشئ سوى أن أباه كان يهزة بصرخاته المرعبة ولا عجب أن تجد فتاه جميلة في سن الزواج ترفض كل من يتقدم إليها كاتمة السبب عن من حولها وبها صدمة في أعماق نفسها عندما كانت طفلة وهي تتذكر مشاهد الدماء علي جبين أمها وكيف أن أباها كان يكيل الضرب والصفع لأمها وتعلوها الصرخات علي مسمع ومرأى منها .

 إخواني أخواتي أطفالكم أحبابكم نعمة الله عليكم في هذه الحياة فاحمدوا الله تعالى ويذكرني ذلك بمشاعر صادقة يحكيها خادم النبي صلي الله عليه وسلم عندما كان صبياً . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال كان النبي صلي الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت والله لأذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلي الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر علي الصبيان وهم يلعبون في السوق فإذا برسول الله صلي الله عليه وسلم بقفايا من ورائي  فنظرت إليه وهو يضحك فقال النبي يا أنس ذهبت حيث أمرتك قلت نعم أنا أذهب يا رسول الله . قال أنس والله قد خدمته 9 سنين ما علمته قال لشيء صنعته لما فعلت كذا وكذا أو لشيء تركته هل لا فعلت كذا وكذا . 

إنني أدعو الآباء والأمهات إلي ممارسة الإرساء الإيجابي للطفل وذلك بتخصيص غرفه للطفل تغلق وتحصر فقط لكل ما يحبه الطفل وتكون في هذه الغرفة كل ابتسامة وضحكة وهدية ولعبة يمارسها الأب والأم مع طفلهما فتمتلئ هذه الغرفة بمشاعر إيجابية عالية ترسخ وترسى على مر السنوات فكل زاوية منها ذكرى جميلة وكل بقعة منها فرحة غامرة فعندما يدخل الطفل فإنه بمجرد دخوله لهذه الغرفة تأتيه مشاعر السعادة حتى لو لم يكن يريد اللعب بل حتى أنتي أتيها الأم لربما تجدين طفلك في مزاج عكر وفي يوم ما تدخلينه هذه الغرفة المغلقة فيتحسن وتصلح نفسه ولكي تنجح هذه التجربة علي الوالدين ألا يمارسان أي مشاعر سلبية في هذه الغرفة من خصام أو توبيخ للطفل فإن أراد ذلك ففي خارج الغرفة لتبقي المشاعر الإيجابية راسخة لوحدها وللأسف يمارس بعض الآباء صورة معاكسة لهذه الفكرة فيخصص غرفة لحبس الطفل وعقابه فينشأ علي مدي السنوات من العقاب والتوبيخ كره من قبل الطفل لهذه الغرفة حتى لو لم يحدث شئ بل قد يصل الأمر إلي كرهه للبيت كاملاً . إلي الآن أمر علي أناس يصارحونني أنهم تأتيهم مشاعر ضيق إذا دخل بيت أبويه لا يدري لماذا فإذا قابل والديه خارج البيت لا تأتيه هذه المشاعر إنه الإرساء السلبي. علينا جميعاً أن نعي هذا المفهوم وندرك عواقبه وكيفية التعامل معه .

 المهارة التاسعة : مارس التربية التفاؤلية واحذر التربية التشاؤمية لطفلك :       

عندما ننظر في أحوال المجتمع وهم يتعاملون مع الأحداث حولهم أو وهم يتحدثون تجد أن منهم المتفائل ومنهم المتشائم وبدرجات متفاوتة . يذكر الدكتور مارتن سيلمن في كتابه تعلم التفاؤل أن المتفائل تجد في منطقه الحلول والبناء والمتشائم تجد في منطقة اللوم والغوث في تفاصيل المشكلة ولكي تعرف انك متشائم أم متفائل عليك أن تعلم أن الإنسان المتشائم : يتوفر لديه صفتان رئيستان :

 الصفة الأولي :  تعامله مع الحدث السلبي أنه دائم فتجد أنه من أقواله مثلاً أنك دائماً تثير قلقي أو هذا المدير فظاً دائماً أو أنت لم تقل لي كلمة طيبة قط .

 أما الصفة الثانية :  في تعامل المتشائم مع الحدث فهي التعميم فيتصف الإنسان المتشائم بأنه يعمم المشكلة ويضعها في حيز أكبر من حجمها مثل أن تجد في منطقه أن الشعب الفلاني بخيل أو كل المعلمين في هذه المدرسة سيئون  أو هذه الدنيا لا تحمل خيراً .

 أما الإنسان المتفائل : فهو يحمل عكس صفتي المتشائم ويؤمن بأن المشكلة عندما تأتى فهي مؤقتة قال تعالي :

( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) .

الصفة الأولى : تجد المتفائل بدلاً من أن يقول  إنك دائما ما تثير قلقي يقول لقد أثرت قلقي هذا الصباح وبدلاً من أن يقول هذا المدير فظاً دائماً يقول إن المدير في هذا اليوم في مزاج حاد .

والصفة الثانية : التي يمتلكها المتفائل أنه يرى أن المشكلة هي في مكان محدد وفي حجمها المحدد فبدلاً من قوله الشعب الفلاني بخيل يقول هذا الرجل الذي قابلته غير ودود وبدلاً من قوله المعلمون في هذه المدرسة سيئون يقول هذا المعلم في هذه المدرسة تعامله لم يكن جيداً وهكذا .

والآن ما علاقة ذلك في الطفولة إن ما تقوله في حياتك وفي تفسير الأحداث السيئة التي تقع عليك ليست مجرد كلمات تتفوه بها بل إستراتيجية فكرية وسلوكية تنفذ في اللا وعي في عقول أطفالك الذين معك ولو تتبعت جذور كل من التفاؤل والتشاؤم لوجدت أن المتفائل تأثر بفعل بيئته التي عاش بها . والمتشائم تأثر كذلك بالبيئة التي عاش بها ومرجع الإثنين هو الطفولة من رؤية الطفل لأفعال والديه ومنطق كل منهما في الحوار والنقاش وطريقة التعامل مع المشكلات وأكثر من ذلك أن تتعامل مع أطفالك بطريقة متشائمة مثل أن تقول لطفلك أنت دائما هكذا لا تصلح لشئ بدلاً من أن تقول له هذا العمل بالنسبة لك قد لا يناسبك أو تقول له جميع محاولاتك خاطئة بدلاً من أن تقول لطفلك هذه المحاولة بالذات لم تكن موفقة لاحظ في الجمل الأولى أنت تربيه علي أنه مهما حاول فإنه لم ينجح والجمل الثانية تنبهه علي أن محاولته بهذه الطريقة لم تكن ناجحة ولكن بطريقة أخرى ستنجح بقي أن أقول لك شيئاً وهو أن الإنسان المتشائم بسبب وجود صفه تعميم المشكلات لديه فهو عندما تحصل لديه مشكله في العمل فهو يجرها إلي البيت وعندما تحصل عنده مشكله في البيت يجرها إلي أصدقائه وهكذا فاحرص أن تفصل مشاعرك عن بقيه الأماكن وأن تضعها في مكانها . عندما أرسلت قريشاً سهيل بن عمرو للمفاوضة في صلح الحديبية قال عليه الصلاة والسلام أتاكم سهيل سهل الأمر وعندما مزق  كسرى الفرس رسالة النبي صلي الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام مزق الله ملكه تفاؤلاً بسقوطه وعندما خشي أبو بكر الصديق علي النبي صلي الله عليه وسلم من رؤية المشركين له يوم الهجرة طمئنه صلي الله عليه وسلم وقال له ما بالك باثنين الله ثالثها وبكل ابتسامه أقول لك إذا أصبحت يوما متشائماً فتأمل الورد .

 المهارة العاشرة : نمي الذكاء العاطفي لدي أطفالك :    

كلنا يعرف ما هو الذكاء العام أو ما يسمي بالأيكو وأن نسبة الذكاء المتوسط بين الناس هو 120 درجة ويقيس كثير من الأباء ذكاء أبنائهم بقدرتهم الأكاديمية مثل أن يتفقون في الرياضيات والفيزياء وقوة الذاكرة رغم أن أديسون وأينشتين  قد طردوا من المدرسة أما هوندا الرجل الياباني المكافح صاحب سيارات هوندا لم يكمل سوى المرحلة الابتدائية في دراسته ورغم ذلك اصطلح مجتمعنا أن الولد الذكي هوالمتفوق دراسياً وهنا تبرز عدة أسئلة : ما العوامل المؤثرة التي تجعل من يتمتع بعامل ذكاء مرتفع علي سبيل المثال يتعثر في الحياة بينما يحقق آخرون من ذوي الذكاء المتواضع نجاحاً مدهشاً . لماذا يناضل إنسان في الحياة بينما تصبح حياة إنسان آخر يتمتع بذكاء الأول نفسه حياةً راكدة خاملة بل ويعتقد كثير من الناس  أن كثير من أصحاب عامل الذكاء المنخفض يشغلون بالفعل وظائف متواضعة بينما يحصل أصحاب الذكاء المرتفع دائما علي وظائف ذات أجور مرتفعة ولكن الأمور لا تكون علي هذه النحو علي الدوام . من الجيد أن تعلم أن هناك ذكاء أخر يختلف عن الذكاء العام ذي المنحة الدينية الثابتة وهي قدرات تسمي الذكاء العاطفي .

ولكن ما هو الذكاء العاطفي : الذكاء العاطفي  هو مجموعة من السمات مثل أن تكون قادراً علي حث نفسك علي الإستمرار في مواجهة الإحباطات والتحكم في النزوات وتأجيل إحساسك بإشباع النفس وإرضاءها والقدرة علي تنظيم حالتك النفسية والقدرة علي منع الأسى والألم من شل قدرتك علي التفكير وأن تكون قادراً علي التعاطف والشعور بالأمل في الذكاء العاطفي ووعي الإنسان بمشاعره وقت حدوثه ومن ثم السيطرة عليها لذلك تجد أن الأشخاص المتمتعين بمهارة عاطفية متطورة هم أكثر من غيرهم إحساساً بالرضى عن أنفسهم والتميز بالكفاءة في حياتهم أما من لا يستطيعون التحكم في حياتهم العاطفية فتراهم يدخلون في معارك  نفسية داخلية تدمر قدرتهم علي التركيز في مجالات عملهم وتمنعهم من التمتع بفكر واضح . الطفل ذو الذكاء العاطفي لديه بصيرة في التفاهم مع الآخرين ومهارة في التواصل دون كلام فعالم الإنسان العاطفي يتجاوز أيضاً مدى اللغة إلي المهارة الجسمانية .

 هنا عليك أن تلاحظ في طفلك خمسة أركان أساسية في الذكاء العاطفي خلال وجوده بين مجموعة .

 أولا : قدرته علي التعرف علي الشعور وقت حدوثه مثل أن يحاول تهدئة طفل أخر يبكي بأكثر من وسيله .

 ثانيا : قدرته علي إدارة العواطف مثل تهدئة النفس وعدم الإستثارة وهنا تجد أن الطفل لديه سرعة في التنقل من مشاعر إلى مشاعر أخرى بإحكام .

ثالثاً : تحفيز النفس أي توجيه العواطف لخدمة ما تجد في طفلك الإنطلاقة والحماسة لفكرة ما وتكون هذه من انطباعه

رابعاً : التعرف علي عواطف الأخرين أو ما يمسي بالتقمص الوجداني . لاحظ في طفلك القدرة علي إلتقاط الإشارات الإجتماعية لدى الآخرين وإدراك كل عميل بغضبة وإرضائه  والتصرف بناءً علي هذا الإدراك .

خامسا : إنسيابية توجيه العلاقات وهي القدرة التي تكمن وراء التمتع بالشعبية والقيادة والفعالية لاحظ طفلك وتأثيره علي المجموعة من ناحية قيادته أو حتى التأثير في قيادة المجموعة قد يكون الأصغر في المجموعة لكنه الذي يحركها

خليل طالب في المرحلة الجامعية متفوق ولا يشك أحد في ذكائه إلا أن لديه إرتباك في كثير من المواقف المهمة حيث يفتقر إلي أبسط المهارات الاجتماعية فهو يفتح حواراً سمجاً أثناء تناوله القهوة فيغضب من أمامه وإذا أراد أن يشغل وقت فراغه فإنه يتسكع  بغير هدف يبدو عاجزاً عن التعامل مع الأخرين بالأسلوب الشائع إجتماعياً لأنه يفتقر إلي التوافق مع الجماعة لقد كان من الممكن لخليل أن يتعلم في سنوات عمره الأولى مثل أن يتكلم مباشرة مع الناس عندما يتحدثون ويبادر بالتواصل الإجتماعي ولا ينتظر أن يتواصل الأخرون معه .

علم طفلك من الآن من عمر سنتين أن يدير حواراً ولا يكتفي بقوله نعم أو لا يرد علي الإطلاق علم طفلك في عمر ثلاث سنوات أن يعبر عن إمتنانه للآخرين وشكره إياهم وأن يسمح لشخص ما بأن يتقدم بالدخول من الباب قبله وأن يقول من فضلك إذا أراد خدمة ما .

علم طفلك النظر في تعابير وجوه الأخرين كيف يكون الإنسان متضايقاً أومغموماً أو مسروراً أو قلقا دون أن ينطق بكلمة . هذه هي التفاعلات الأولية للذكاء العاطفي .

للأسف إن كثيراً  من الأباء ينظرون لأبنائهم إما بسبب صغر سنهم أو للإعتقاد بعدم قدرتهم علي التعلم فيعطلون نمو الكياسة الإجتماعية لديهم فتجدهم عندما يكبرون يتسمون بالارتباك  والقلق فتصدر عنهم أفعال سخيفة ليس فقط في السلوك الإجتماعي بل أيضاً في التعامل مع مشاعر من يتقابلون معهم . لاحظ ضعف الحس الإدراكي لدى كثير ممن حولك تجد البعض لا يعرفون متي يجب أن ينتهي حديثهم التليفوني ويستمرون في الحديث متجاهلين كل التلميحات التي تريد أن تضع حداً للمكالمة .

أيضا الذين يريدون أن يتركز حديثهم حول أنفسهم طوال الوقت دون إهتمام بالأخرين وأولئك الذين يقحمون أنفسهم ويتطفلون بالأسئلة على الأخرين هذه التصرفات الشاذة  إجتماعياً تنم عن عجز في التعلم لمبادئ التفاعل مع الأخرين ومختصر العبارة إنها رواسب الطفولة هناك أسلوب رخو في التربية يقع فيه بعض الأباء والأمهات وهو ما أسميه بالتربية التعميمية للطفل تجد الأب يقول لطفله كن مؤدباً لكنه لا يعلمه كيفية أن يكون مؤدباً ويقول لطفله كن لبقاً في التعامل مع الضيوف لكن لا يعلمه بطريقة عملية كيف يكون لبقاً ويقول لطفله كن تقياً لربك ولا يعلمه كيف يكون تقياً لله عز وجل تم تجده بعد ذلك يحاسبه علي تقصيره إن التعليم بالطريقة التعميمية تورط طفلك في تحقيق هدف سلوكي قد لا يعرف كيف يصل إليه أو قد يصل إليه بطريقة فهمه هو وما أجمل حادثه عبد الله ابن الزبير عندما  كان طفلاً صغيراً مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ففيها الحوار الراقي والثقة بالنفس والسيطرة علي ردود الأفعال والتأثير علي مشاعر الطرف الأخر وذلك أن عبد الله ابن الزبير كان غلاماً يلعب مع الصبيان فأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرآه الصبيان ففروا لهيبته إلا عبد الله بن الزبير ظل واقفاً مكانه فتعجب عمر منه وقال له لما لم تفر معهم فنظر الغلام الصغير إلي الرجل المهاب بعينين يملأهما الثقة وقال لم أجرم فأخافك ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك . أسأل الله عز وجل أن يكون طفلك مثل عبد الله بن الزبير. قل آمين .

أحبابي وأخوتي إحدى التحليلات المنطقية التي تعالج تدني مستوى اهتمامات الشباب والفتيات في المجتمع والإتجاه نحو توافه الأمور في الحياة هو ما أسميه بفقدان الهوية الكوب إذا لم يمتلأ بالماء فإنه حتماً سيمتلأ بالهواء وهذا ما يحدث لشبابنا اليوم فالتعليمات المستوردة والمكالمات الهاتفية التافهة والتسكع في الطرقات يعكس بوضوح فقدان الهوية الداخلية لأنفسهم فليس لهم دور في بناء هذه الحياة فهويته واضحة ويصاحب وجود الهوية ما أسميه بوضوح الرؤية فصاحب الهوية الواضحة يرى أمامه المستقبل الذي يريد الوصول إليه وأغلب الناجحين تجد في طيات كلامهم أمثال  ذلك فالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) كان يقول أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصورها . وعمر بن عبد العزيز كان يقول إن لي نفساً تواقه . ونجد في الأمثلة الغربية  بلجيتس الذي كان يقول قبل أن يحقق نجاحه إن حلمي أن يدخل الكمبيوتر كل بيت وكان له ما أراد ببرامج شركة مايكروسوفت وكل ناجح حقق نجاحه بدأ بحلم ورؤية ثم واقع فماذا عن إبنك أنت ؟

هذه السلوكيات الخاطئة التي يحملها هؤلاء الشباب المستهتر نشأت بسبب بزور هوايات خاطئة زرعناها فيهم بقصد أو بدون قصد فزرعت في الطفل بذرة الكذب عندما يسمع أباه وهو يقول له قل للمتصل بالهاتف أنني غير موجود وزرعت بذرة إخلاف الوعد عندما يعد الأب إبنه أن يشتري له لعبه في الغد ولا يفعل أو عندما يقول له تعالى سنذهب إلي محل الألعاب ثم يذهب به إلي البيت وزرعت بزرة المدخن عندما يرى أباه أو عمه يدخنون وهم في قمة الأناقة والرجولة أو عندما يسمع عبارة تعالى إلى حيث النكهة وهو يري رجلاً يركب حصاناً تعبيراً عن القوة والصحة وزرعت بذرة الكرة للأخرين في الطفلة عندما يأتي مجموعة من الضيوف ويقولون لها أختك جميلة فلماذا لا تشبهينها وزرعت بذرة الخوف عندما يسمع الطفل أباه وهو يخوفه بالظلام أو الوحوش أو الطبيب . إننا إذا أردنا أن ننشأ جيلاً قوياً محباً لدينه وأرضه وأمته فلننشأ الهوية الصحيحة ولنغرس فيهم بذور الإيمان بشخص النبي  صلى الله عليه وسلم  والصحابة والسلف الصالح والدعاة  وأعمالهم وعندها فقط بإمكانك أن تفخر بابنك فحيث الهوية تجد الأفعال .

هل تعرف أخى هل تعرفين أختي أن المرء لم يعرف النعمة التي هو بها إلا إذا تغيرت عليه أو زالت وأطفالنا نعمة وقد شعرت يوماً بضيق شديد بسبب إزعاج الأطفال لدي فقلت لزوجتي متذمراً أريد أن يكون البيت هادئاً وفي يوم ما أصيب طفلي بإلتهاب رئوي حاد هدد حياته أما طفلي الأخر فقد أصيب بإرتفاع في درجة الحرارة كلاهما في وقت واحد وبات أحد الطفلين في المستشفى والأخر في فراشة وصادف أن جاء العيد في اليوم الذي فرح الأباء بأطفالهم وهم يلعبون ويمرحون كنت بجوار طفلي بالمستشفى ورجعت إلي البيت لاحقاً إلا أنني لاحظت شيئاً واحد لطالما تمنيته لقد كان البيت هادئاً تذكرت ضجيجهم وإزعاجهم  تذكرت كيف كان البيت حياً ينبض بالحيوية ندمت علي تلك الكلمات التي تفوهت بها . ثم أنعم الله علي بشفائهما ورجعنا إلي البيت جميعاً ورجع إزعاجهما مرة أخرى فتبسمت وقلت في نفسي لولا العافية لما كانت هذه الحركة وتذكرت قول الله تعالي : ( لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير) .

وختاماً أرجو أن يكون استمتاعك بهذه المادة مفيداً وذي أثر في حياتك العملية وأتوقع منك أن تسمع هذه المادة من شريط الكاسيت أوتقرأها أكثر من مرة فقد وضعت بها الكثير من المشاعر الصادقة والمحبة والإبتسامة تجاهك .                   

سأسعد بملاحظاتكم وتجاربكم من خلال إرسالها علي بريدي الإلكتروني الموجود . oaljama@hotmail.com  

ملحوظة: هذه المادة العلمية شريط كاسيت للدكتور أسامة الجامع وكتبها فاعل خير يرجو منكم الدعاء ونشرها للفائدة .