سيرة الأستاذ :صالح بن شريف حسين الداثري الفيفي
إعداد الشيخ :عبدالله بن علي قاسم آل طارش الفيفي ـ ابو جمال
سيرة الأستاذ :صالح بن شريف حسين الداثري الفيفي
يقول شاعر تونس العظيم أبو القاسم الشابي رحمه الله :
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
قصيدة رمزية لطلب المعالي، والبعد عن المذلة والخنوع ، كان يخاطب بها قومه، ويستحثهم لطلب الحرية، من المستعمر الفرنسي البغيض، وهي في الواقع مطابقة للعلو والرفعة لساكني المرتفعات، فما بالك بمن ولد وعاش بداية حياته وجزء من شبابه على قمم الجبال، بل كان بيتهم هو اقرب ما يكون من القمة، هو أدنى بيت من قلعة العبسية، المتربعة فوق اعلى قمة في جبال فيفاء، فبالله ألا يكون لذلك تأثير على هذه الشخصية، وهو لم يفتح عينيه على هذه الحياة إلا وهو ينظر لكل الأشياء اسفل منه، لا يرى اعلى منه إلا النجوم في السماء، فقد تعود العلو والارتفاع، واصبح له ذلك إلف انغرس في كيانه شيء ثابت، فأظنه لن يقبل أو يرضى بعدها في كل اموره إلا الرفعة والعلو، ولن يرضى إلا بالتربع فوق القمم في كل نواحي الحياة، وهذا ما نجده بوضوح في صاحب سيرتنا، فُرض عليه في بداية شبابه وضع اجتماعي وظيفي، ولم يرضى بذلك الوضع لأنه دون سقف طموحاته، فتحين الفرص واخذ بها ليرتفع، ومازالت تطلعاته ترتقي به ليبلغ بمشيئة الله للقمة، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة، وقدومه إلى الرياض ليحقق بعض امنياته واحلامه، ولكنه كان حينها قليل الخبرة والتجارب، مما اضطره إلى الاكتفاء مضطرا بدبلوم معهد الإدارة العامة، حيث لم يتحقق له حينها الالتحاق بالجامعة كما تمنى، وبعد أن تجاوز ما كان يمر به من ظروف عابرة، يترقب الفرصة المواتية ليصحح أوضاعه، فما إن تبدت حتى اعتلى صهوتها إلى هدفه، وتحمل وضغط على كل الصعوبات حتى رضخت واستسلمت له، وحمل بين يديه شهادة البكالوريوس، ثم واصل جهوده الموفقة ليحصل على درجة الماجستير، ونظراته تشمخ إلى ما فوق ذلك واكثر، وفقه الله وحقق مساعيه واعلى من شأنه.
همة عالية وطموح لا يحد، يسنده ذكاء وعزيمة وإصرار، وهي لا شك عوامل دافعة إلى المضي إلى التربع فوق اعلى القمم، وكلها صفات وميزات نجدها بارزة في هذه الشخصية، ذو طبيعة هادئة قليل الكلام، ولكنه في داخله شعلة من النشاط والحيوية، ينطبق عليه استكمال قول ابي القاسم الشابي:
وأعلن في الكون أن الطموح
لهيب الحياة وروح الظفر
أنه الأستاذ :صالح بن شريف حسين الداثري الفيفي حفظه الله ووفقه.
والده كما يتضح من سرد الاسم هو الشيخ: شريف بن حسين بن سلمان الداثري رحمه الله وغفر له، توفي وصالح صغيرا لم يتجاوز الرابعة من عمره، فهو اصغر أولاده البالغ عددهم خمس عشرة ولدا، عشرة أبناء وخمس بنات، لذا لم يتملى من وجه ابيه كما ينبغي، ولم يعرفه المعرفة الشافية، ولم تختزن ذاكرته عنه شيء ذو بال، ولكنه عرف وسمع عنه فيما بعد كل ما يفخر به، عرف أنه كان رحمه الله يعمل في الزراعة والحرث، مهنة اجداده المتأصلة، المهنة السائدة في مجتمعه آنذاك، وقد تملك حيازات زراعية كبيرة، عن طريق الإرث وبعضها بالشراء، واحياها بجهده وعرقه وكده، وسكن في بداية حياته في بيت أجداده (المقمور)، وقد عرفوا بهذا اللقب (أهل المقمور) من قبيلة آل الداثر، ثم أنتقل لاحقا وسكن في بيت (العرعرة)، وهذا البيت هو الأقرب موقعا من قمة العبسية بفيفاء ولم يكن حينها من البيوت ما هو اعلى منه، كان رجل كريما ودودا اجتماعيا، يحب الناس وفعل الخير والمبادرة اليه، له علاقات واسعة، وصداقات كثيرة متعددة، من داخل مجتمع فيفاء وخارجها، ودائم التواصل مع هؤلاء الأصدقاء، يزورهم ويزورونه، عاش محبا للناس ومحبوبا من كل من عرفه، احسن تربية أبنائه وحرص على أن يكونوا على افضل الاخلاق واقومها، وقد كانوا ومازالوا على خير ما امله فيهم، توفي رحمة الله في عام 1402هـ تقريباً، ودفن بجوار بيته العرعرة، نسال الله له المغفرة والرحمة ورفعة الدرجات.
وأما امه فهي الفاضلة خيرة بنت سلمان يحيى الداثري (من اهل البثنة بيت الحليق) حفظها الله، كانت اكبر اخوانها من (أهل الحليق)، تزوجها شريف بن حسين وسكنت معه في بيته المقمور، وانتقلت فيما بعد إلى بيته العرعرة، امرأة مدبرة ونشيطة، تقوم على بيتها واسرتها على خير ما يرام، وكانت الحياة في الماضي صعبة وشاقة، فكانت في شبابها تقوم على شؤون المنزل من جلب الماء والحطب وعلف الدواب، مع قيامها على خدمة بيتها والرعاية لأبنائها، ولها شخصية قوية وحازمة، وتتميز بذاكرة قوية، تعرف غالب أهالي الجبل بكل التفاصيل وامتداداتهم العائلية، ترملت فحافظت على بيتها واعتنت بالصغار من أبنائها، ورعتهم واحسنت تربيتهم، فكانت الام والأب والمرجع لمعظم امورهم، وعانت كثيرا في سبيل ذلك، حفظها الله وجازاها كل خير واجر وثواب، واقر عينيها بهم وبأحفادهم، وجعلهم صالحين بارين بها.
ولد لهذين الفاضلين في تاريخ 8/12/1398هـ، في بيتهما العرعرة في اعلى جبال فيفاء، وكان اخر اخوته جميعا، حيث توفي والده وهو في الرابعة من عمره، ولم يكن يميز كثيرا من صفات والده، ولا يذكر منها شيئا، إلا اطيافا ومواقف محدودة جداً، تتوارى خلف غياهب النسيان، في صور مهزوزة لا تكاد تثبت في الذكرة، ومنها كمثال عندما أخذه معه ذات مرة إلى سوق النفيعة، ولا يذكر من هذا الموقف سوى انه خرج من البيت خلفه، ثم توارت الصورة ونسي هل فعلاً ذهب معه للسوق ام لم يذهب، ومما بقي عالقا في ذاكرته صورته رحمه الله وهو على فراش المرض قبيل موته بأيام، وبعدها عندما اطل من فوق بيتهم العرعرة، لينظر إلى الناس وهم يدفنونه خلف البيت، رحمه الله وغفر له، ولكن الام كانت له ولإخوانه وبالذات الصغار الأم والأب، قامت على رعايتهم والاهتمام بهم، وضحت بكل شيء من أجل ان يعيشوا حياة كريمة مرفهة، وكان يساندها الكبار من الأخوة، فلا يقصرون في المتابعة والتوجيه والمساعدة، وكانت طفولة سعيدة، لم يحس فيها بأي قصور، يعيش في جو هادئ طبيعي وجميل، اخوته الكبار من حوله لا يتوانون عن التوجيه والمساندة، ويخص بالذكر الأخ سلمان بن شريف الشقيق الأكبر، فقد كان متواجدا معهم باستمرار في غالب الأوقات.
تعليمه :
عندما بلغ السادسة من عمره، السن المناسبة للدراسة نظاما، تم تسجيله في بداية العام الدراسي 1406/1407هـ، في مدرسة تحفيظ القران الكريم الابتدائية بفيفاء، والوقعة حينها في مكان قريب جدا من بيتهم، يذهب اليها مشيا على اقدامه في اقل من خمس دقائق، والعودة كذلك، وكانت هذه المدرسة في ذلك الوقت في اوج قوتها ونشاطها، تتميز بالحزم وقوة التدريس والانضباط، حيث تقودها إدارة متمكنة ناضجة، تتمثل في الأستاذ الفاضل حسن بن محمد آل مقنع الابياتي رحمة الله، ويساعده وكيله الأستاذ الفاضل فرح بن سلمان الداثري حفظه الله، ومجموعة من المعلمين الفضلاء، منهم الأستاذ يحيى بن حسن فرحان الابياتي، والأستاذ حسن بن يحيى أسعد الداثري، والأستاذ صبحى (الفلسطيني) والأستاذ فتحي، والأستاذ على المختار (مصريين) حفظ الله الاحياء منهم ورحم برحمته المتوفين.
اقبل على دراسته بكل رغبة وشوق، وما اسرع ما تأقلم مع المدرسة ونظامها، وتآلف مع الطلاب ومع الدراسة فيها، فكان مجدا مجتهدا، يترقى في فصولها عاما بعد آخر، ومعظم الزملاء هم اصدقاء واقرباء، يشعر بينهم بالود والمحبة، ويذكر من هؤلاء الزملاء الافاضل، كل من عبدالرحمن بن علي حسن (الجرب)، وعبدالله حسن يزيد (المشيع)، وموسى بن علي حسن (وعاله)، ومحمد بن يحيى حسن (المهلل)، ونبيل بن محمد يحيى (القعاد)، وموسى بن فرحان وحسن بن فرحان (الكراثه)، وجبران بن حسن مغوي، وفهد بن مصلح فرحان مغوي رحمة الله، الذي توفي وهم في الصف السادس الابتدائي، وغيرهم في الفصول الاخرى، وما اسرع ما مرت به السنون، إلى أن تخرج من الصف السادس فيها، ناجحا في اخر العام الدراسي 1411/1412هـ.
وبعدها تشعبت امامه الخيارات في أي المدارس يكمل المرحلة التالية، فعلى مسافة متقاربة تقع مدرستين وكل منهما يرغب فيها، متوسطة العدوين أو متوسطة نيد الدارة، وانقسم زملائه بينهما فمن درس في هذه او في تلك، وبعد تردد مالت كفت الاتجاه إلى متوسطة العدوين، حيث كانت اغلبية العائلة يرجحونها، وهذه المدرسة حينها في قمة تألقها، وفي فترتها الذهبية، تحت قيادة الأستاذ المتميز حسين بن جابر الخسافي رحمة الله، ومساعده الاستاذ علي بن فرحان الخسافي رحمه الله، ثم الاستاذ حسن بن حسين الخسافي حفظه الله، مع وجود نخبه مميزة من المعلمين، من أمثال الاستاذ سلمان بن جابر جبران والاستاذ فرحان بن شريف (القور)، والاستاذ احمد بن عبدالله العمري، والاستاذ حسن بن أحمد قاسم (الحدب)، والاستاذ أحمد بن سليمان (سهلان)، والاستاذ ضرار(السوري)، والاستاذ عدنان، والاستاذ مصطفى مدرس اللغة الإنجليزية المميز (مصري).
كانت المدرسة في ذلك الوقت تعج بالنشاط والحيوية، وفيها حركة دائبة تقوم على تشجيع واكتشاف المواهب، وقد وجد من خلال ذلك أنه يحمل كثيرا من المواهب والابداعات، فكان يجيد مهارات الخط العربي والرسم، وخاصة لوحات النشاط، وكان المسؤول المتكفل بإعدادها لجميع المراحل، إضافة الى صقل مهاراته في كرة القدم، وفي كرة الطائرة، مشاركا اساسيا في تمثيل المدرسة على مستوى دوريات محافظة فيفاء، ويشارك في الأنشطة على مستوى المنطقة، وكان قدوته وسنده شقيقه وزميله فرح حفظه الله، الذي كان متميزا وموهوبا رياضياً، حتى كان يسميه الاستاذ حسين بن جابر(ماردونا العدوين)، فكان له تأثير ودور في تميز اخيه صالح الرياضي، وقد تزاملا هذين الاخوين من الصف الأول متوسط، إلى ان تخرجا من المرحلة الثانوية، ثم فيما بعد في العمل معاً، وما زالا في جامعة الملك سعود، وكان من زملائه في هذه المرحلة كل من (عبدالله بن علي حسن (مروح) شفاه الله وعافاه، وأبن عمه محمد بن عبدالله حسن، ويحيى بن حسن قاسم المثيبي(وادي الفرع)، ومحمد بن يحيى حسن(المربوعه)، والأخوين عبدالله وعلي يزيد محمد الشريفي، وعيسى فرحان جبران(المريد)، وعبدالله بن جابر الخيفانة رحمة الله، وموسى بن فرحان (العرعرة)، وحسين بن يحيى زيدان، وضيف الله بن جبران (السرب)، ومحمد بن علي شريف السلماني، وابن عمه حسين موسى شريف السلماني، والأخوين محمد وحسن بن موسى (القزعه)، وحميد بن جابر جبران (المحلة)، ويحيى بن سليمان احمد (الداوودي)، وعلي بن أحمد قاسم (اليسير)، ومحمد بن حسين جبران (الخرماه)، ووائل مصطفى (سوري))، مضت سنين هذه المرحلة سريعة، سعيد بالجو المدرسي وبالأنشطة المرادفة، وبالزملاء الاعزاء، ينجح في سنواتها من صف إلى آخر، إلى أن تخرج منها بفضل الله في نهاية العام الدراسي 1414/1415هـ.
ما إن تخرج من المرحلة المتوسطة، يحمل شهادة الكفاءة منها، ولم يكن هناك من مرحلة ثانوية إلا المدرسة الثانوية في نيد الدارة، فسجل في هذه المدرسة، حيث التقى فيها بمجموعة اكبر من الزملاء، منهم زملائه السابقون في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، إضافة إلى زملاء جدد من مناطق بعيدة ومدارس مختلفة، يذكر منهم أبن اخيه عيسى بن علي شريف (المقمور)، ومحمد بن مسعود الداثري (الفحي)، ومحمد بن يحيى قاسم المخشمي، ومحمد بن علي شريف (مبسط)، وخالد بن عيسى حسين (حماس)، وعيسى بن جبر الأبياتي، ومحمد بن حسن فرح الأبياتي، ووليد بن يحيى(القعاد)، ومحمد وعبدالله بن فرح (الفرحه)، وحسن بن جبر(السربه)، ومحمد بن أحمد صالح (السربة)، وعيسى بن يحيى العبدلي، ويحيى بن احمد الظلمي (المعد)، ومحمد بن احمد سالم العمري، وغيرهم من الاخوة الافاضل، وفي تلك الفترة كان مدير المدرسة آنذاك الأستاذ القدير الشيخ حسن بن فرح رحمة الله، ولما يلبث أن تقاعد ليحمل من بعده الراية الاستاذ الفاضل موسى بن سلمان مسعود الابياتي، وكان المرشد الطلابي حينها الاستاذ حسن بن سليمان المثيبي، ومن المعلمين الافاضل الاساتذة عبدالله العمري، وجابر بن جبران المخشمي، وعبده النعمي، وحسن خيرات، ومرعي بن أحمد الابياتي، وعزب المصري، ومحمد القاضي، وغيرهم ممن كان لهم الفضل الكبير في بناء الشخصية في هذه المرحلة المهمة، ومضت السنوات متوالية سريعة، يتنقل في فصولها من نجاح إلى نجاح، إلى أن تخرج من الصف الثالث الثانوي مع نهاية العام الدراسي 1417/1418هـ.
وكان له عشق وتعلق شديد في هذه المرحلة بكرة القدم، هو واخيه الاكبر منه فرح حفظهما الله، واستمر معهما إلى ما بعد هذه المرحلة في الرياض، ومع انها لا تتعارض ولا تؤثر في دراستهما، ولكنها مع ذلك تأخذ وقتا طويلا وبالأخص في الإجازات، ومن ذكرياته معها في تلك المرحلة التي لا ينساها، هو التحدي والمنافسة القائمة بين فريقه، وبعض المنافسين وبالذات جيرانهم من أبناء بيوت زهوان والفرحة والقعاد، فيقوم بينهم كثير من التحدي شبه الأسبوعي، وغالب مبارياتهم تقام في صباح كل يوم خميس (الإجازة الأسبوعية حينها)، وتتم على ملعب الهيجة الشهير في جهتهم، وكان لهذه المباريات كثير من المتعة، وفيها التنافس الجميل، والمهارات المكتسبة، ولكنها في المقابل تسبب لأمهم المعاناة والقلق عليهما، فكثير ما يعودون منها بالعديد من الجروح والكدمات، وقد حاولت اقناعهم بتركها أو على الأقل التخفيف من هذا الاندفاع الزائد، ولكن كل ذلك لم يكن ذا جدوى، إلى أن قررت ذات يوم خميس حسم هذا الأمر، وكما قيل (اخر الدواء الكي)، فقامت بإغلاق باب الغرفة التي ينامون فيها بالدور الثاني من الخارج، واحكمتها ثم عادت إلى غرفتها مطمئنة لتهنئ بنوم هادئ، ولكنه فاتها أن الموضوع بالنسبة لهم شيء مهم، ولا يمكن لهم التغيب عنه لأي ظرف، فالتنافس القائم على اشده، ولن يعفيهم من المسبة إذا ما تغيبوا، ولذلك عندما استيقظا ووجدا الباب مغلقا، فكروا في كيفية تجاوز هذه العقبة بأقل الاخطار، ولم يجدوا حلاً الا الخروج عن طريق الشبابيك، والنزول منها إلى الفناء الخلفي للبيت، فقام فرح الأكبر بمساعدة صالح لينزل من هذا الشباك، و(يقول) حقيقة لم يكن انزالا بل اسقاطا من مكان مرتفع، ولكن الرغبة في الخروج وفي اللعب هَوّنَ الآم السقوط، واما فرح فنزل بدوره من شباك اخر، ورغم أنه كان أقرب في النزول، ولكنه كان الأخطر لوجود بعض الصخور تحته، ولذلك حضرا إلى المباراة في موعدها المحدد، وأما الوالدة فلم تصدق ما فعلاه عندما فتحت الباب فيما بعد، وانصدمت من هذا الموقف العجيب، وزاد تعجبها وخوفها لما عرفت كيفية خروجهما، ولذلك لم تقفل الباب عليهما مرة أخرى،(وما زالت تحكي هذا الموقف لهما إلى اليوم)، ولكنها لم تفتر من الدعاء لهما والتضرع إلى الله بأن يحفظهما، مع النصح والإرشاد لهما في تخفيف هذا الشغف وهذا الإدمان، حفظها الله واطال في عمرها، واقر عينيها بهم وبإخوتهم وذرياتهم.
الانتقال إلى الرياض:
ما إن تخرج حاملا شهادة الثانوية العامة، إلا وقادته طموحاته إلى الانتقال للرياض، هدفه مواصلة الدراسة، ولكنه اصطدم في الرياض بما لم يكن في الحسبان في تلك الفترة، حيث اوصدت في وجهه فرص القبول في الجامعة، رغم المحاولات المتعددة والشفاعات، ولكن لم يأذن الله له بذلك، وكانت اكثر رغبته القبول في جامعة الملك سعود، ولما أيس من تحقيق ذلك، اتجه للدراسة في معهد الإدارة العامة، دبلوم في الاعمال المكتبية، وكان للأستاذ سليمان بن قاسم الأبياتي دور مؤثر في هذا الاتجاه، وأكمل هذا البرنامج المكثف في عام 1419هـ، كان اثنائها يسكن مع شقيقه الأستاذ خالد شريف، في منزله الواقع في حي غبيراء، وينتقل إلى المعهد ذهاباً وإيابا بواسطة سيارات الاجرة، ولم يكن له دخل إلا مكافأة المعهد الشهرية، فكان يرتب اموره ويبرمجها على مقدار هذه المكافأة.
توظف بعد تخرجه من المعهد مباشرة، ومضت به السنين منشغلا بعمله، الذي تفرع بعد فترة إلى وظيفتين، فكانتا تستنفذان كل وقته وجهده، وخلال هذه الفترة كون نفسه وتزوج فيها، واخذته مشاغل الحياة بكل تشعباتها، والوقت يمضي سريعا من بين يديه، ولكن حلمه في الدراسة الجامعية ما زال يراوده، والعوائق والمثبطات تتوالى امامه، ولذلك وفي وقفة حازمة استعاد ثباته، وقرر جادا أن يتغلب على كل ظروفه، ولم يعد في قاموسه مجال للتسويف والتأجيل، ودون تردد اتجه مباشرة بأوراقه طالبا القبول في جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية، حيث تم قبوله في كلية أصول الدين (قسم الدعوة والاعلام)، وشمر عندها عن ساعد الجد، وكانت الدراسة تتم بنظام التعليم عن بعد، في الفترة المسائية، من محاضرات مباشرة أو مسجلة خلال منصة خاصة، ولم يكن يلزمه الحضور إلا للاختبارات، التي يفرغ لحضوره لها نظاما، حيث يحق للطالب اخذ إجازة رسمية (إجازة اختبارات)، بناء على جدول الاختبارات النهائية، وقد بذل جهدا مضاعفا وجد واجتهد وصابر، إلى أن بلغ الغاية ونال النجاح المنشود، متنقلا بين مستويات الكلية، إلى أن تخرج منها في عام 1435هـ، يحمل حلمه شهادة البكالوريوس في الدعوة والاعلام، بمعدل مرتفع بلغ 4.37/5.
الابتعاث للخارج :
ومن هنا زادت وارتفعت أحلامه وطموحاته، وبدأ في مراسلة الجامعات في الخارج، ليتحقق من إمكانية قبوله للدراسات العليا، وكان في نفس الوقت يتقدم لطلب الابتعاث من عمله، ويجد التشجيع والدعم من رؤسائه المباشرين، ولكنه يجابه بالرفض من الإدارة العليا، ومع ذلك لم ييأس بل واصل العمل في الاتجاهين، إلى ان يسر الله له الموافقة على الابتعاث بعد عدة محاولات، وتمت الموافقة في عام 1437هـ لابتعاثه، لمدة أربع سنوات إلى إحدى الجامعات الأسترالية المرموقة، لدراسة اللغة الإنجليزية، والماجستير في تخصص إدارة الأعمال الدولية، وكم كانت سعادته كبيرة، وحماسه المتزايد لهذه الدراسة، رغم معرفته بثقل المهمة وصعوبتها، وذلك عائد لعدة عوامل وظروف، كان في مقدمتها اللغة الإنجليزية، التي لم يكن يملك منها شيئا مذكورا، ثم اختلاف التخصص عما درسه في الجامعة، إضافة إلى مسؤوليات العائلة والأبناء، ولكن رغبته وطموحه كان اكبر من كل ذلك، فالأمل يحدوه والطموح يدفعه، إلى تحقيق الرغبة التي ساقها الله بين يديه، وبما يملكه من الإصرار، والعزيمة على تغيير واكتساب التجارب الجديدة، لذلك لم يتوانى أو يتردد أو يتكاسل، وتغافل نهائيا عن التفكير في كل معوق ومعرقل، وعمل من ساعته على استكمال جميع المعاملات اللازمة، فأتم استخراج الفيزا، وكان من اهم شروط الحصول عليها، هو الموافقة على القبول للدراسة في استراليا، وكذلك قبول المدارس لأبنائه هناك، مع حجز السكن وغير ذلك من الأمور المهمة، وكل ذلك تحقق بفضل الله وتوفيقه، من خلال العلاقات الأخوية مع الزملاء والأصدقاء، وبما قدمته التقنية من تسهيلات، حيث قام بترتيب حجز السكن، وشراء الأثاث، وعمل الترتيبات الكاملة، من اشتراكات في الخدمات وغيرها قبل سفره، واصبح الامر مكتملا يحتاج فقط إلى التفعيل العملي.
وتوكل على الله وحزم حقائب سفره منطلقا على بركة الله، ووجهته المعلومة بلاد الكنغر (أستراليا)، في رحلة بالطيران امتدت لما يقارب ثمانية عشر ساعة، توقفوا خلالها في مطار أبوظبي في الإمارات المتحدة، ومنها إلى مقصده مدينة ملبورن في استراليا، الواقعة في جنوب جمهورية استراليا، في ولاية فيكتوريا، وفي مطارها استكملوا الجوازات والتفتيش والجمارك، واتجهوا في سيارة أجرة الى مقر سكنهم، حسب العنوان المعلوم لديه مسبقاً، وكان السكن بحمد الله مريحا ومطمئنا، فغالب سكانه سعوديون مبتعثون، إضافة الى بعض الأخوة من الجنسيات العربية وغيرها، مما خفف عنه وعن اسرته كثيرا من الغربة، وسهل لهم كثيرا من الخدمات والمعلومات المطلوبة، وكان مقر البعثة ومقر السكن في حي رزرفور، شمال مدينة ملبورن، وكانت تلك الفترة عند وصولهم تصادف فصل الشتاء هناك، وكان شتاء مختلفا عما الفوه في المملكة، لا من حيث الأجواء ولا كثرة الامطار، فكانت الامطار تنزل باستمرار في أغلب الأوقات، ولم يكن امامه بعد الوصول إلا أسبوعين، حتى تبدأ دراسته التي هي سبب حضوره، فكان يلزمه خلال هذين الاسبوعين ترتيب كل أموره الخاصة، والتي في مقدمتها التعرف على نمط الحياة الجديد، والتعرف على أنظمة البلدة، ومن ضمنها وسائل التنقل، فالحياة هنا مختلفة تماماً، فعلى سبيل المثال ما يتعلق بأدق الامور المهمة واختلافها، من توفير المواد الغذائية المناسبة، ومعظمها غير مألوف لهم، فيلزمه فرز الافضل منها، والمناسب لطبيعة الذوق، والحلال والحرام، وكذلك الامر في قيادة السيارة، لأن نظام السير معكوسا في هذا البلد حسب النظام البريطاني، وكذلك نظام مدارس الأبناء، حيث يجب على الأسرة شراء المستلزمات المدرسية، من الكتب وغيرها عن طريق شركة خاصة، هي المسؤولة فقط عن توفير ذلك، ولكنهم وجدوا العون والمساعدة من الجيران والأخوة المبتعثين قبلهم، حيث سهلوا لهم كثيرا من هذه الامور، وقدموا لهم كامل العون اللازم ومساعدتهم في كل شيء.
والحمد لله انتظم الأبناء جميعهم في المدرسة الإسلامية، وموقعها في شرق برستون في شمال المدينة، واراحتهم المدرسة بانها توفر للطلاب النقل برسوم إضافية، لذلك فلم يمضي الاسبوعان إلا وقد استقرت كل الأمور، وسارت معه على خير ما يرام، فالأبناء كما اسلفنا انتظموا في المدارس، وجميع الأمور بحمد الله اكتملت دون استثناء، وهنا بدأ شخصيا فيما حضر من شأنه، فانتظم في دراسة مرحلة اللغة الإنجليزية، وكانت هذه الدراسة في معهد تابع لجامعة (موناش)، وموقعها في وسط المدينة، ينتقل اليها بواسطة القطار، الذي يستغرق بهم حوالي الساعة تقريبا، وأما نظام الدراسة فكان على مستويات، كل مستوى منها يستغرق ستة أسابيع، ولا يتم اجتيازه إلا باختبارات نهائية، تجري في جميع مهارات اللغة (الكتابة، والقراءة، والاستماع والمحادثة).
أكمل منها اربع مستويات، ثم تقدم بطلب تغيير هذا المعهد، فلم ينسجم مع نظام التدريس فيه، حيث أنه يعتمد على التعليم النشط، مما يلزم الطالب بأن يقوم بنفسه باكتساب المعارف، ولا يكتفي فقط بما يتم في قاعات الدرس، وهو نمط مختلف عما تعوده في كل دراساته، في حين ان المعهد الآخر الذي تحول إليه، يسير على الطريقة التقليدية المعتادة، ثم يمكن للطالب أن يطور نفسه في الجوانب الاكاديمية، بحيث يتطلب منه اعداد بحوث في كل مستوى، ومناقشتها والعرض والاختبارات، ولم يكن سهل ولكنه منهج مألوف الى حد ما لديه، بالإضافة إلى انه يعطي الطالب القبول المباشر في مرحلة الماجستير، دون الحاجة إلى اختبارات اللغة الإنجليزية (الأيلتس والتوفل)، ثم كان هناك سبب اخر جوهري للتحويل، فالمعهد الأول يحوي عدد كبير من الأخوة المبتعثين، فيكثر حديثهم معظم الوقت باللغة العربية، في ظل اجتماعاتهم وتلاقيهم المتكرر، مما يشوش على الطالب في اكتساب اللغة الجديدة، لذلك اختار هذا المعهد الجديد ليتلافى كل هذه الإشكاليات، وبالفعل فقد ساعده بشكل كبير في تحقيق الفائدة المرجوة ولله الحمد، ولكنه هنا واجه إشكالية من جهة عمله (جامعة الملك سعود)، لأن التحويل أساسا ليس بتلك السهولة، فالأمر يتطلب بعد موافقة المعهد الجديد على قبوله، موافقة الملحقية الثقافية بأستراليا، وهذه الموافقة لا يمنحونها إلا بعد موافقة جهة عمله التي ابتعثته، ثم يبلغون دائرة الهجرة بعملية التغيير، ولكنه مع ذلك أكمل دراسته في هذا المعهد في جامعة (ديكن)، في الوقت المحدد لهذه الدراسة دون زيادة او نقصان، وتم تخرجه منه بل وتكريمه في الحفل السنوي، بنهاية العام الدراسي في تاريخ 15/12/2017م، وبناء عليه تم قبوله مباشرة في برنامج الماجستير في إدارة الأعمال الدولية، بهذه الجامعة (ديكن)، وهنا برزة مشكلة رفض جهة عمله لدراسته في هذه الجامعة، إلى درجة تلميحهم إلى أن بعثته ستلغى، إن لم يكن تسجيله في جامعة معترف بها، وكانت هذه الجامعة (ديكن) من الجامعات الجديدة، وغير مضمنة في قائمة الجامعات الموصى بها، فعلى ما يبدو أن قائمة الجامعات هذه قديمة حسب ما افاده المشرف الدراسي، حيث اعتمدت في عام 2013م، ولم تكن هذه الجامعة ضمن المسجل فيها.
وتأخر الرد من عمله بعد قبوله في هذه الجامعة، مما وضعه في موقف حرج لا يحسد عليه، ولكنه مع ذلك قرر ان يقوم بما يمكن القيام به، فقام بتسجيل المقررات في موعد بداية الدراسة، واشعر جهة عمله بهذا الجدول الدراسي، واعلمهم أن الدراسة قد بدأت فعلياً، مما وضعهم امام الأمر الواقع، وكان لذلك بحمد الله وتوفيقه دور فعال في موافقتهم على اكمال دراسته في هذه الجامعة الجديدة، إضافة إلى تأييد المشرف الدراسي والملحق الثقافي.
كانت الدراسة المتخصصة تحد كبير امامه، لعدة أسباب واهمها أنه لا يوجد لديه خلفية سابقة في هذا التخصص؛ لأن تخصصه في البكالوريوس (دعوة واعلام)، ثم إن موضوع هذه الدراسة بلغه مختلفة (بالإنجليزية)، علاوة على أن نظام الجامعة شديد ومعقد، فلا يكتفي باجتياز الطالب للدرجة المطلوبة للنجاح، وانما يشترط عليه ان يحقق درجة لا تقل عن 50% في ورقة الاختبار النهائية، بما يسمى(نظام هاردل)، وهذا سبب له التعثر في بعض المواد، ولكنه بذل جهدا مضاعفا ليتجاوز هذا القصور، حتى أنه أستعان بمدرسين خصوصيين لمساعدته في الدراسة، فكان يقضي أغلب وقته في الجامعة، ما بين حضور المحاضرات والمكتبة الجامعية، أو في مكتبة الحي للدراسة، وفي اكمال البحوث الفردية والجماعية، وفي الاجتماع بالمدرسين الخصوصيين، حتى أن المشرف الأكاديمي عندما عرف ظروفه العائلية، وأن لديه اسرة من زوجة وأربعه أبناء، نصحه بعدم التسجيل في كامل مقررات الفصل(4 مقررات)، وعليه الاكتفاء بالتسجيل في (3 مقررات) فقط، كي يستطيع الراحة والنوم قليلا، وقد اخذ بهذه النصيحة الثمينة وعمل بها.
درس لفترة متعاونا مع أحد زملائه، المحاضر في جامعة الأمير سطام بالخرج، وكان هو الوحيد الذي يدرس معه في هذا التخصص، وقد جمعتهما مادتين فقط، لسبب اختلاف التخصص قليلا، فكان هو (تخصصه المحاسبة)، وكانا يدرسان سوياً في كثير من الأحيان، ويتعاونان ويشجع احدهما الآخر، مما كان له دور كبير في التغلب على ضغوط الدراسة.
وكانت الجامعة تبعد عن منزله بما يقارب الساعة بالسيارة الخاصة، وقد اكتسب من الأجانب عادة محمودة، فكان يأخذ معه حقيبة الطعام من البيت، مع كوبه الخاص بالشاي او القهوة، وفي الجامعة غرف خاصة للطعام، تحتوي على جميع المستلزمات، مما يوفر عليه الوقت ويخفض عليه المصاريف، وكانت اصعب اللحظات فترة الاختبارات، فيها صعوبة متناهية بكل ما تعنية الكلمة، لأنها تقوم على كثير من التشديد والصرامة، مما يضطره في غالب الاحيان على النوم في السيارة، حفاظاً على الوقت الذي يزدحم، وكانت بعض الاختبارات تتم في يومين متتابعين، ولذلك فقد بذل جهدا مضاعفا في سبيل التفوق والنجاح.
بعد أن اجتاز نصف مرحلة الدراسة في الماجستير، كانت امامه فرصة للتقديم على برنامج دولي، ترشح له بفضل الله مع عدد من خمس عشرة طالبا من جنسيات مختلفة، أقيم في جمهورية الهند، لوجود شراكة قائمة بين جامعته وجامعة في الهند، وكان الهدف منها دراسة مقرر التخصص في إدارة الاعمال الدولية، واستمر هذا البرنامج لمدة ثلاثة أسابيع، زاروا خلالها العديد من الشركات العالمية في نيودلهي، ومنها (شركة النقل العام، وشركة للاتصالات وتقنية المعلومات، وشركة لصناعة الحراثات الزراعية، وإحدى شركات الألبان)، بالإضافة الى بعض المزارات والمعالم السياحية، مثل تاج محل وغيره، وتوجوا الزيارة بالتوجه إلى كلية إدارة الأعمال الهندية، الواقعة في شمال الهند، في مدينة محالي محافظة شانديقور، حيث تلقوا فيها بعض الدروس، ثم عادوا إلى نيودلهي في طريق عودتهم إلى أستراليا، في رحلة (يصفها) بأنها من أجمل الرحلات، من حيث التنظيم والترتيبات والفائدة.
ومع بداية جائحة كورونا، كان قد قرر مع عائلته زيارة الوطن، في مدة قصيرة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع، ولكنهم اثناء تجهيزاتهم للعودة في نهايتها، كانت قد صدرت قرارات منع السفر في السعودية، بسبب ظروف هذه الجائحة واشتدادها، ولذلك لم يتمكن من العودة، بل أكمل الترم الأخير من الدراسة هنا، وبالذات وهو مقيم في فيفاء، وقدم جميع الاختبارات من خلال نظام الاختبار عن بعد، وكان ذلك بفضل الله وتوفيقة خيرا، وفيه التسهيل الكبير، وبالذات وقد كان أجّل بعض المواد الصعبة إلى هذا الترم الأخير، واما التطبيق العملي المطلوب، فقد قام به في البريد السعودي في منطقة جازان، وكانت مدته شهرين، وحصل بعدها على درجة الماجستير، في إدارة الأعمال الدولية، وذلك بتاريخ 9/12/2020م الموافق 24/4/1442هـ، ولله الحمد ومزيد الفضل.
ولأنه لم يتمكن من السفر والعودة إلى أستراليا، فقد قام بتسليم منزله المستأجر، وجميع الالتزامات عن طريق أحد الاخوة هناك، وكذلك اتم بيع السيارة الخاصة به هناك، وشحن الأغراض الخاصة به من خلال الشحن الجوي.
ولقد استفاد كثيرا من هذه البعثة، وحقق فيها بفضل الله كثير من المنافع، في اولها النفع العلمي وحصوله على درجة الماجستير، التي لا شك ستحفزه إلى ما بعدها بتوفيق الله ومشيئته، وغير ذلك اشياء جانبيه كثيرة لا تقل اهمية، رغم ما وجده فيها من الصعوبات والتحديات، ولكن في المقابل هناك العديد من المتع والفوائد الجمة، فقد تعلم (كما يقول) حسن التوكل على الله، والاستعانة الحقة به في كل الامور، بعد اعمل الأسباب وتهيئة المسببات، فالله سبحانه لن يخذل عبده ابداً، وسيحقق مراده بالطريقة التي تبهره ولا يتوقعها، ولن يجد ما يستطيع التعبير به عنها، إلا ترديده بكل ايمان ويقين(سبحانك اللهم ربي ما أعظمك وما اقدرك وما اكرمك).
هيء الله له من الاسباب الشيء الكثير، وهيء له في طريقه من وقف معه وسانده، وإن ينسى لا ينسى وقوف عائلته معه امه واخوانه، وفي غربته زوجته التي كانت له خير معين، في تسهيل كل صعب اعتراه، تولت بكل قوة الاهتمام التام بالأبناء، ومتابعتهم في دراستهم وفي كل امورهم، وآثرتهم جميعاً على حظوظ نفسها وراحتها، ولكن عوضها الله بفضله وكرمه بما هو خير من ذلك كله، (حيث اتمت بتوفيقه سبحانه حفظ كتاب الله في بلاد الغربة)، ولا ينسى كذلك الابناء الذين تكبدوا متاعب السفر والغربة، ووجد بتوفيق الله هناك من الأخوة الاعزاء من كانوا داعمين له وناصحين، سواء من الزملاء في الجامعة، وأخوة عرفهم من أبناء فيفاء أو من الأخوة المبتعثين، وبعض الأخوة والأصدقاء العرب، ممن لا يملك مجازاتهم به إلا بالدعاء لهم بأن يجزيهم الله خير الجزاء.
العمل الوظيفي :
توظف مباشرة بعد تخرجه من معهد الإدارة العامة بالرياض، وهو يحمل منه شهادة الدبلوم في الاعمال المكتبية، على وظيفة في مجمع الأمل الطبي بالرياض، على نظام التشغيل الذاتي، وباشر فيها من تاريخ 16/4/1420هـ، وكان موقع المجمع الطبي حينها، في حي السلي(شرق الرياض)، ولا ينسى المساندة الفاعلة من الاستاذ الفاضل يحيى بن حسين الداثري، واقبل على عمله وما يوكل إليه فيه بكل جد ونشاط، يتنقل في اكثر من ادارة وقسم، حتى اكتسب كثيرا من الخبرات والمهارات، راض مرتاح بعمله، وبعد مضي العامين اعلن قبوله موظفا رسميا في جامعة الملك سعود، وباشر فيها من تاريخ 25/10/1422هـ، ودخل في حيرة كيف يترك عمله السابق، وسببها خوفه من أن يخسر السكن الموفر له من المجمع، فالمجمع عندما انتقل إلى موقعه الجديد في حي الخزامي، مقابل جامعة الملك سعود، وفر داخله وحدات سكنية للعاملين فيه، واستطاع الحصول على شقة منها، متكاملة وعلى افضل تجهيز، فاذا ما ترك العمل بالمستشفى خسر هذا السكن، وبعد تفكير عميق واستشارات خاصة، هداه اجتهاده إلى المحافظة على هذا العمل ما دام يستطيع، وبالذات والعمل على بند التشغيل لا يتعارض مع عمله الرسمي الجديد، هكذا كان تصوره وقناعته، فسعى على تحويل عمله فيه إلى إحدى الأقسام المناوبة، المتعلقة بعلاقات المرضى والزيارات والسجلات الطبية، وكان دوامه في الجامعة في الفترة الصباحية، خلال الدوام الرسمي المعتاد، من الساعة السابعة والنصف صباحا إلى الساعة الثانية والنصف ظهرا، وبعدها ينتقل مباشرة لعمله في المستشفى، الذي يبدأ من الساعة الثالثة عصرا الى الساعة الحادية عشرا ليلا، وساعده قرب المكانين من بعضهما، حيث لا يلزمه من الجامعة إلى المستشفى سوى سبع دقائق، وكان دواما شاقا ومتعبا، إلا أنه بذل جهدا مضاعفا فلم يكن مقصرا في أي من العملين، ووجد التنبيه من بعض الأقارب والأصدقاء من ان يكون مخالفا، ولكنه أكمل الطريق محتملا كل تعب ومشقة، واستمر لأكثر من احدى عشر سنة، حتى أبلغته إدارة المستشفى باستلامها خطاب من التأمينات الاجتماعية، يفيد بأنه مسجل لديهم في نظام التأمينات ونظام التقاعد معا، وان ذلك الأمر غير نظامي، وحينها قرر تقديم استقالته النهائية من المستشفى، وبالتالي سلم سكنه الذي كان السبب في استمراره، وحينها انزاح عنه عبئ ثقيل، وشعر بالفراغ الكبير وقد تعود على العمل لفترة طويلة، في دوام متواصل لما يقارب ستة عشر ساعة، وسقط الان اكثر من نصف الوقت، فاصبح يحس بفجوة كبيرة ووقت طويل لا يستطيع سده، ولكن وكما قيل رب ضارة نافعة، فهذا الفراغ الهائل ساعده على سرعة اتخاذ قراره الذي طالما اجله، في إكمال دراسته الجامعية التي طالما حلم بها، وبالفعل فقد استطاع بحمد الله وتوفيقه الالتحاق بالجامعة، وواصل دراسته الجامعة حتى تخرج منها.
كان عمله الجديد في جامعة الملك سعود، عمل مريح وسهل تأقلم معه سريعا، حيث عمل من بداية مباشرته في كلية إدارة الأعمال قسم الإدارة العامة، وكان موقع متميزا من حيث بيئة العمل المُحفزة، في ظل وجود نُخبة راقية من أعضاء هيئة التدريس، ووجود طلاب الدراسات العليا، ومعظمهم من أصحاب الخبرات والأعمال المهمة، الذين يأتون من جهات مختلفة في الدولة، كان عمله يتيح له فرصة التواصل مع كثير من الأقسام في الجامعة، وقد اختط له من بداية عمله الوظيفي نهجا سار عليه، ووجد نفسه ترتاح إليه وتميل إلى ممارسته، يتمحور على بذل جهده في مساعدة كل محتاج وتسهيل امره، وهو يتوافق مع طبيعة نفسه وما ربى عليه، وعزز من ذلك ما وجد عليه أبناء فيفاء في الرياض، وما هم عليه من التعاون والتواصي بفعل الخير، فكان همه وما يسعي إليه بقدر المستطاع خدمة الاخرين من خلال عمله، ومساعدة كل محتاج لذلك ما دام قادر عليه، بشرط أن لا يخالف نظاما ولا يضر بآخر، واصبح له معتقد وعادة يفعلها جبلة دون تردد، وزاد حرصه على ذلك لما كان يجده في نفسه من الراحة والسعادة، وما اجمله من شعور لا يشعر به إلا من جربه، يقول صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه).
استمر في عمله في الجامعة وما يزال، وبعد حصوله على الشهادة الجامعية، ارتفع سقف طموحاته، واستطاع الحصول على الابتعاث إلى استراليا، وحصوله على درجة الماجستير منها، في تخصص إدارة الأعمال الدولية، مما جعله بعد عودته إلى الجامعة في منتصف عام 1442هـ، يترقى في عمله لاختلاف مستواه التعليمي، حيث تم تكليفه أولاً بالعمل مساعدا للمدير التنفيذي، في مركز تنمية القيادات الإدارية، في كلية إدارة الأعمال، ولم يلبث أن ترقى للعمل مديرا للتطوير والجودة، في وكالة الجامعة للمشاريع، وعمل أيضا متعاونا في التدريس في كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع في الجامعة، وهذه الاعمال التي يقوم بها إلى وقتنا الحاضر، واكتسب على مدى عمله الوظيفي كثير من الخبرات العملية والعلمية، ومن تلك الخبرات العملية كما اسلفنا، العمل مديرا في إدارة التطوير والجودة، في وكالة جامعة الملك سعود للمشاريع، من بداية عام2022 م وإلى تاريخه، والعمل متعاونا في تدريس مقررات إدارة الأعمال، في كلية الدراسات التطبيقية وخدمة المجتمع، والعمل مساعدا للمدير التنفيذي في مركز تنمية القيادات التنفيذية والإدارية، في كلية إدارة الأعمال بالجامعة من عام 2020 إلى2021م، ومديرا لمكتب قسم الإدارة العامة للدراسات العليا، وعضوا في لجنة القبول في برامج الماجستير والدكتوراه في الإدارة العامة، من عام 2002 إلى 2016م، وقبلها كان مسؤولا عن علاقات المرضى في مجمع الأمل للصحة النفسية، من عام2000 إلى2010 م.
اضافة إلى أنه شارك خلال هذه الفترة، في العديد من الأعمال واللجان، ومن ذلك:
- رئيس لجنة اعداد نظام إدارة الجودة ISO 9001:2015
- عضو لجنة رفع كفاءة العقود بجامعة الملك سعود.
- عضو لجنة اعداد الخطة الاستراتيجية KSU2030
- مدقق داخلي على نظام الجودة ISO 9001:2015
- عضو لجنة القبول في برنامج الدكتوراه في الإدارة العامة.
- عضو لجنة القبول في برامج الماجستير بقسم الإدارة العامة.
- المشاركة في لجنة الاختبارات لطلاب التعليم عن بُعد بجامعة الملك فيصل بالدمام.
- وحضر وشارك في العديد من المؤتمرات، والبرامج التدريبية، وورش العمل داخل وخارج المملكة.
يقول المتنبي :
إذا انت اكرمت الكريم ملكته
وإن انت اكرمت اللئيم تمردا
لم ينسى ابدا أشخاصا وقفوا معه في بعض مراحل مسيرته، وكان لهم فضل كبير بعد الله عليه، ذكرنا بعض منهم فيما مضى، ونستكمل آخرين في هذه الفقرة، ومن هؤلاء الأفاضل فضيلة الشيخ د. سليمان بن قاسم آل طارش رحمه الله (وكان زوج خالته)، فيقول عنه كان يختصني ببعض النصائح والتوجيهات، وكان كثير ما يصحبني معه في بعض مشاويره إذا ما زرته في مدينة الطائف، ولا انسى حرصه الكبير على متابعتي، واذكر وانا طالب في معهد الإدارة العامة، نصيحته لي عندما تبدأ له أن اترك هذا المجال، واتوجه إلى مجال اخر مناسب دلني عليه حينها، ولكنه (كما يقول) لم يرق له الاخذ بهذا الرأي وهذه النصيحة، لوجود قناعات مختلفة عنده ووجهة نظر يؤمن بها، حيث قايس بين ظروفه ووضعه في ذلك الوقت بما يلائم، من خلال امور تخصه شخصيا لا يدركها كثير ممن حوله، ومنهم فضيلة الشيخ رحمه الله، ولم يعاتبني بل كان اكثر قربا مني، لأنه بالنسبة لي بمنزلة الوالد الحريص المشفق رحمه الله وغفر له، واستفدت أيضا من توجيهات وارشادات الأخ الكريم العميد متقاعد موسى بن أحمد الأبياتي (صهره) حفظه الله، الذي كان له أسلوب راق خاص به، فكان يوجه أبناءه في وجوده معهم، ليوصل له المعلومة بطريقة غير مباشرة، (اياك اعني واسمعي يا جارة)، وكنت استمتع كثيرا بتوجيهاته الغير مألوفة بالنسبة لي، وأحاول استيعابها وتطبيقها، وكذلك المجتمع الفيفي في الرياض، وما هم عليه من تواصل وتراحم وتعاون، فهو مجتمع ايجابي مؤثر ومحفزة، تجد فيه التشجيع والدعم والمساندة، في كل نواحي الحياة، مما يدفع أبناء فيفاء إلى التميز دوما، محاولين السير على خطى من سبقوهم من ابناء جلدتهم، ويحرصون على التميز والأبداع في شتى المجالات، وكذلك المجتمع بكامله من خارج أبناء فيفاء، ولا ينسى اناس كان له منهم دعم وتوجيه مثمر، يذكر منهم قبل ابتعاثه للدراسة، اشخاص مميزون عمل معهم في بعض اقسام الجامعة، ودليل تميزهم ما اسند إليهم من مناصب قيادية فيما بعد، ومن هؤلاء معالي رئيس جامعة الأمام أ.د. أحمد بن سالم العامري، و معالي رئيس جامعة أم القرى أ.د. معدي بن محمد آل مذهب، ومعالي رئيس جامعة الملك سعود أ.د. بدران العُمر، وسعادة الأخ العزيز الدكتور خالد بن محمد العيبان، الذي كان داعم وموجه له في كثير من أموره، حفظهم الله جميعا، وبارك فيهم وجزاهم عنه خير الجزاء.
الحالة الاجتماعية:
زوجته هي الفاضلة عبير بنت حسن علي المثيبي الفيفي حفظها الله، معلمة رياض أطفال، وفي نفس الوقت مصححة تلاوة قرآن كريم، لإتقانها القراءة وتميزها في التجويد والتلاوة، وكثير من الاحكام، وهي ربة بيت فاضلة، وقفت معه في كل مراحل حياته وما زالت، وتبدا مجهودها معه اكثر واكثر في بلاد الغربة، فكانت خير المعين الذي يعتمد عليه، رزقا بفضل الله بخمسة من الولد، هم على النحو التالي :
- شريف طالب في السنة الأولى بكلية إدارة الأعمال، جامعة الملك سعود.
- عبدالاله طالب بالصف الثالث ثانوي.
- يونس طالب بالصف الثاني متوسط.
- محمد طالب بالصف السادس الابتدائي.
- قصي من (مواليد استراليا)، ويدرس حالياً في الروضة.
حفظهم الله وبارك فيهم، وجعلهم صالحين مصلحين بارين بوالديهم، وحفظها الله من اسرة مباركة موفقة، وبارك فيه وزاده علوا ورفعة وتوفيقا، وعلما وفضلا وادبا، وكثر الله في مجتمعاتنا من امثاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرياض في 1444/6/17هـ