
محافظة فيفاء تودع معهدها العلمي
قرابة سبعين معهداً هي المعاهد العلمية في المملكة العربية السعودية التي كانت تابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، موزعة في مناطق المملكة العربية الثلاث عشرة، ومغطية لكثير من محافظاتها الرئيسة.
البدايات في عهد الملك سعود طيب الله ثراه
بدأت نواة هذه المعاهد في عهد جلالة الملك سعود طيب الله ثراه، فبأمر منه افتتح المعهد العلمي بالرياض عام 1374هـ. فقيادتنا الرشيدة -أيدها الله- تُولي التعليم أهمية بالغة، باعتباره عنصرًا مهمًّا من عناصر بناء الإنسان وتشكيل فكره وثقافته، ومرتكزاً من مرتكزات بناء الوطن ونمائه وتقدمه وازدهاره، ولقد كان نصيب منطقة جازان المعهد الثاني على مستوى المملكة بافتتاح جلالة الملك سعود للمعهد العلمي في صامطة عام 1374هـ، الذي كانت تشد إليه رحال طلاب العلم والمعرفة من جبال وقرى منطقة جازان.
لقد كانت المعاهد العلمية هي اللبنات الأولى لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فمن إدارة الكليات والمعاهد العلمية تأسست جامعة الإمام مشتملة على المعاهد العلمية وكلياتها الخمس (الشريعة، وأصول الدين، واللغة العربية، والعلوم الاجتماعية، والدعوة والإعلام) وتعد الدراسة فيها امتداداً معرفياً لما تحصّل عليه طلابها في تلك المعاهد، التي كانت مخرجاتها التعليمية عالية جداً في الحقول التعليمية المتخصصة في جوانب العلوم الشرعية والاجتماعية واللغة العربية.
نقل الارتباط الإداري والفني والتعليمي
وظلت جامعة الإمام تدير تلك المعاهد العلمية بكفاءة عالية، متوسعة في افتتاحها داخل المملكة وخارجها، ومخصصة لها وكالة تقوم بشؤونها هي وكالة الجامعة لشؤون المعاهد العلمية، إلى أن جاء قرار مجلس الوزراء رقم 140 بتاريخ 29/2/1442هـ، القاضي بنقل الارتباط الإداري والفني والتعليمي للمعاهد العلمية من الجامعة لوزارة التعليم مباشرة.
ويعد المعهد العلمي في محافظة فيفاء من أقدم المعاهد افتتاحاً على مستوى المملكة، بعد أن سعى في تأسيسه علّامة فيفاء وقاضيها الشيخ علي بن قاسم الفيفي رحمه الله وبذل قصارى جهده في ذلك حتى تمت الموافقة الكريمة من جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله على افتتاح هذا المعهد العلمي لتعليم أبناء فيفاء ومن حولها، ولصعوبة الطبيعة الجغرافية للمحافظة، ولحاجة المعهد لإيجاد المقر المناسب تأجل افتتاحه إلى عهد جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله فكان الاحتفال بافتتاحه في 12/11/1397هـ يوماً بهيجاً لأبناء فيفاء والمناطق المجاورة لها، وفي ذلك الحفل الكبير ألقى قاضي فيفاء الشيخ علي بن قاسم الفيفي هذه القصيدة بعنوان (المعهد العلمي في فيفاء) معبراً عن فرحته وفرحة أبناء فيفاء بتحقق حلمهم بافتتاح المعهد:
أهلاً بهذا المعهد مشعل نور وهدى تهتز فيفا جذلا وترتديها حللاً تميسُ في خمائل والطير بين دوحها وفتّح الأكمام عن وينثرُ الأفنان في فأعبق الأنفاس من ولم يفِ التعبير عن أهلها التفكير في فيا له من منهل نعب من معينه الـ ومن لِبَا الوحيين ما فالعلم أغلى مطلبٍ يزكو به لبُّ الفتى هو الحياة والنما أكرم به من تحفة من قائدٍ موفق حقق من آمالنا ويسـَر العلم لنا فسـر بنا يا ملكي وقر عيناً سترى سيثمر الغرس جنى كم عبقري قد ترى وكفؤ في عمل وباحث محقق ينبيك عمق فهمه ورايه ممحصاً فاحفظ إلهي (خالدً) في ظل أمنٍ وإخا وقدماً يا قومنا | من معقل مشيدِ ملألأ بالرشدِ بصـرحه الممردِ قد طرزتْ بالعسجدِ بخضـرة الزمردِ تشدو بصوت غردِ أزهاره الروض الندي سبيله الممجدِ عبيره الموردِ بهجتها بالمقصدِ ما سوف تجني في غدِ للعلم عذب المورد صافـــي النقي الجيدِ نسمو به ونهتدي ومنقذٍ ومرفدِ ويشتفي القلبُ الصدي والجهل كالوأدِ الردي قد أهديت للبلدِ ورائدٍ مسددِ ما لم يدر بالخلدِ فصار سلس المقودِ في نهجك المحمدي ثمار هذا المعهدِ في وقته المحددِ وفاضل مسودِ ومبدع مجدد وعالم مجتهدِ وذهنه المتقدِ عن طيب أصل المحتدِ (وفهده) وأيدِ وفيض عيش رغدِ ولتهنئي يا بلدي |
وتشجيعاً من جامعة الإمام لالتحاق الطلاب بمعهدها الجديد ألحقت به قسماً تمهيدياً استمر بضع سنوات، يستقبل طلاب الكتاتيب الذين لم يتمكنوا من الدراسة في المدارس النظامية، ويتكون القسم التمهيدي من سنتين دراسيتين تعادل الصفين الخامس والسادس الابتدائي، يتمكن المتخرج فيها والمتخرج من المدارس الابتدائية من الالتحاق بالمعهد بمرحلتيه المتوسطة والثانوية، ولضمان استقرار كوادره الوظيفية واستمرارية التعليم فيه فقد اعتمدت الجامعة له نسبة استثنائية مجزية (بدل جبل) تضاف لرواتب موظفيه ومكافآت طلابه.
ويعد معهد فيفاء عند افتتاحه مع متوسطة فيفاء وثانوية فيفاء التي افتتحت في العام ذاته المدرستين الوحيدتين اللتين تمنحان شهادتي الكفاءة المتوسطة والثانوية العامة على مستوى القطاع الجبلي بمنطقة جازان.
أبرز من تولى إدارة المعهد
ومن أبرز من تولى إدارة المعهد في مرحلة تأسيسه فضيلة الشيخ موسى بن حسين ضيف الله الفيفي رحمه الله الذي طلبت منه الجامعة وهو يدرس بها في مرحلة الماجستير بالمعهد العالي للقضاء تولي إدارة المعهد لكفاءته الإدارية، ومعرفته بطبيعة المنطقة وأهلها، فكان لنجاحه الإداري الأثر الكبير في استقطاب الطلاب وتقاطرهم على المعهد من كافة أرجاء المحافظة ومن المحافظات والمراكز المجاورة لها كمحافظتي الداير والعيدابي ومركز بلغازي، وامتدت إدارته من عام 1398هـ إلى 1405هـ.
ومنذ تأسيس المعهد وإدارته تحرص على أن تكون بيئته المدرسية هي الأفضل بين مدارس المحافظة من حيث الموقع والتصاميم المعمارية والطاقة الاستيعابية، لذا كانت تبحث باستمرار عن المقر المناسب له داخل المحافظة بين فترة وأخرى؛ فبدأ بمقره الأول في (مَغَر) بالنفيعة بجوار مركز فيفاء وسوقها الأسبوعي وقتئذ.
وفي عام 1402هـ انتقل إلى مقرّه في (العرعرة) بنيد الدارة بعد افتتاح الطريق العام بالمحافظة، وفي عام 1412هـ، انتقل المعهد لآخر مقر له مستأجر بـ (نيد الضالع) وبقي فيه أكثر من ثلاثين عاما.
وكان أميز مدير لهذا المعهد العلمي، الذي أوصله إلى مراكز متقدمة، ومرَّ على مراحل تطوّر كثيرة شاملة، وكانت تمرُّ عليه السنين تلو السنين ويحصد المركز الأول على مستوى معاهد المملكة، بفضل الله ثم بفضل إدارته وطاقمه من المعلمين، هو الشيخ :عبدالله بن حسن أحمد الفيفي،
والذي كانت إدارته أطول إدارة مرَّت علي المعهد وكانت من عام 1412هـ إلى عام 1436هـ.
وفي عام 1433هـ قررت جامعة الإمام إنشاء مبنى حكوميا للمعهد بتكلفة تفوق ثلاثين مليون ريال في (حبيل إبراهيم) شمال محافظة فيفاء على الطريق النازل من المحافظة لمركز عيبان، وقد تمت التسوية وانطلقت الأعمال الإنشائية فيه، ويضم قسما تعليما وعددا من المخدمات المختلفة، ولكن حال عجز المقاولين على إكمال إنشاءاته، بين المعهد وبين الانتقال لمقره الحكومي.
وفي مستهل العام الدراسي المنصرم (1444هـ) انتقل المعهد لآخر مقر له بمجمع الدفرة التعليمي بذبوب.
لقد كان للمعهد العلمي وكوادره التربوية ومخرجاته التعليمية الأثر الكبير في النهضة التعليمية والثقافية في محافظة فيفاء والمحافظات المجاورة، فتخرج فيه عدد من الطلاب المتميزين في حياتهم التعليم والوظيفية، منهم عدد كبير من القضاة والدعاة والأدباء وأساتذة الجامعات والضباط والمعلمين والموظفين المدنيين والعسكريين في شتى القطاعات، أسهموا في النهضة التي تشهدها بلادنا العزيزة في كل المجالات.
المزايا النوعية التي كانت السبب في نجاحه
وفي لقاء مع الأستاذ موسى بن هادي الفيفي وكيل المعهد العلمي سابقا وأحد الكوادر التعليمية التي تخرجت في هذا المعهد وعادت للتعليم فيه، أشار إلى أن المعهد كان يمتلك عددا من المزايا النوعية التي كانت السبب في نجاحه وأداء دوره المتميز أكثر من خمسة وأربعين عاما منها أنه الوحيد في المحافظات الجبلية بمنطقة جازان، ومنها ارتباطه المباشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التي كانت تمنح خريجي المعاهد العلمية أولوية القبول في كلياتها بمقرها بالرياض وفي فروعها الجامعية، ومنها فرعها بأبها (جامعة الملك خالد لاحقا) الذي يعد أقرب الكليات الجامعية للمحافظة، إضافة لإنفاق الجامعة السخي على برامج المعاهد وأنشطتها الصيفية التي كانت تشغل فراغ الطالب في محافظة تخلو من جميع المناشط والأندية التي يحتاجها الشباب، ومن الميزات النوعية التي كانت تجذب إقبال الطلاب للمعهد المكافآت الطلابية المرتفعة (خمسمائة ريال شهريا)، إضافة لتوفير وسائل نقل منتظمة تغطي أغلب قرى المحافظة والمحافظات المجاورة لها، كما كان لتميز وتمكن كوادره التعليمية، وقوة مناهجه العلمية الأثر الكبير في استقطاب الجادين من الطلاب، الذين كان عددهم سنويا يفوق ثلاثمائة طالب.
وإجابة على سؤالنا عن سبب إقفال المعهد أشار الأستاذ موسى الفيفي أن قلة عدد الطلاب هو السبب الوحيد لإقفاله؛ إذ تراجع إقبال الطلاب في السنوات الأخيرة للالتحاق به شأنه في ذلك شأن أغلب المعاهد العلمية في المملكة، وذلك لصعوبة مناهجه وكثرة مقرراته الدراسية مقارنة بالتعليم العام، إذ كانت تتراوح بين خمسة عشر وسبعة عشر مقرراً في المرحلة الدراسية الواحدة في الوقت الذي يدرس فيه الطالب بمدارس التعليم العام أقل من نصف هذا العدد من المقررات في المرحلة الدراسية الواحدة.
تراجع في أعداد الطلاب
ومن أسباب تراجع أعداد الطلاب الخاصة بمعهد فيفاء كما أشار وكيل المعهد السابق التراجع الكبير في أعداد طلاب مدارس المرحلة الابتدائية المغذية للمعهد بسبب الهجرة السكانية التي تشهدها أغلب قرى محافظة فيفاء وانتقال الكثير من أهلها للعديد من المدن الكبيرة لحاجتهم لخدماتها الصحية والتعليمية الجامعية، ولما يتوفر فيها من فرص وظيفية متنوعة.
جدير بالذكر أن عدد طلاب المعهد في سنواته الأخيرة لا يكاد يصل أربعين طالبا، ومع صدور التوجيه الوزاري مستهل العام الدراسي (1444هـ) بإيقاف القبول في المعاهد العلمية التي يقل عدد طلابها عن مائة طالب أوقف القبول بمعهد فيفاء، وبصدور قرار إدارة التعليم بمحافظة صبيا في الأسابيع الأولى من هذا العام بنقل المعهد إلى المجمع التعليمي بالدفرة اختار أغلب طلاب المعهد الانتقال لمدارس التعليم العام القريبة من منازلهم، ولم يتبق فيه غير طلاب الصف الثالث الثانوي.
محافظة فيفاء تودع معهدها العلمي
وبعد خلو المرحلة المتوسطة من الطلاب أصدر مدير إدارة التعليم قرارا بإقفال المرحلة المتوسطة، وبنهاية هذا العام الدراسي وبتخرج طلاب الصف الثالث الثانوي البالغ عددهم أربعة طلاب فقط يكون المعهد العلمي في محافظة فيفاء قد ودَّع آخر دفعة من طلابه، وتكون محافظة فيفاء على حين وداع مع معهدها العلمي الذي كان له بصماته الكبيرة في تعليم وثقافة أبنائها قرابة نصف قرن، كما ودعت من قبل الكثير من مدارسها، والمحكمة العامة وكتابة العدل فيها.
محافظة فيفاء تودع معهدها العلمي
لكل بداية نهاية
ما أجمل البدايات
وما أقسى النهايات.
شكرا أستاذ/ علي العبدلي فقد كتبت ووضحت كل مراحل بداية هذا المعهد إلى نهايته.
والذي تخرج منه الكثير من أصحاب الهمم والكفاءآة.
🥲الله يا هذا المعهد فيه مدراء ومعلمين واداريين وحتى الحراس كانت لنا معهم علاقة طيبة جداً الى أن تخرجنا عام 1408هـ ، إضافة إلى الزملاء على المقاعد الدراسية ما بين أقارب وجيران وأصدقاء 🥹 رحم الله من مات منهم واطال في عمر من بقي على طاعة الله .
بارك الله فيك يابو أحمد اجدت في سرد القصة من البداية للنهاية . فعلا المعهد العلمي كان اهم الملتقيات العلمية ونواة لتخريج كوادر ادارية مميزة . شكرًا من القلب على هذا النقل الرائع
من أجمل ماقرأت عن سيرة المعاهد العلمية المباركة والحديث عن معهد فيفا أحسبه حديث عن جميع المعاهد فهي سارت على نفس الخطى في مناهجها وخريجيها وتميز الكوادر التعليمية التي درست فيها وحسن إدارتها ممن تولى إداراتها وجودة متابعتها من قبل الوكالة بالجامعة فشكرا جزيلا للكاتب وقبلة على جبينه…