مقالات

من الداخل إلى العالم .. التطوع السعودي

د. مصلح البركات

من الداخل إلى العالم، تتقدّم المملكة العربية السعودية اليوم كنموذج استثنائي في العمل التطوعي، بعد أن تحوّل التطوع من ممارسة اجتماعية بسيطة إلى منظومة وطنية راسخة تمتد آثارها إلى خارج الحدود. فالتطوع كان جزءًا أصيلًا من هوية المجتمع السعودي، إذ مارسه الناس على شكل مبادرات فردية وعائلية لمساعدة الجيران ونجدة المحتاجين وخدمة ضيوف الرحمن. هذا الإرث القيمي شكّل الأساس الذي انطلقت منه الدولة نحو مرحلة جديدة وحديثة من التطوع المنظم، مع إطلاق رؤية المملكة 2030 التي جعلت العمل التطوعي عنصرًا محوريًا في التنمية الوطنية.

ومع توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، انتقل التطوع من نطاقه التقليدي إلى إطار مؤسسي متكامل، يعتمد على التنظيم، والحوكمة، والاحترافية. فظهرت منصات وطنية رقمية تتيح الفرص التطوعية للجميع، ويستطيع المواطن والمقيم المشاركة في مبادرات صحية، بيئية، تعليمية، ثقافية، وتنموية بكل يسر، مع توثيق ساعات التطوع وقياس أثرها. كما شهد القطاع غير الربحي تطورًا نوعيًا، من خلال دعم الجمعيات، وتنظيم الأطر الإدارية، ورفع كفاءة العاملين والمتطوعين.

هذا التحول لم يغير شكل التطوع داخل المملكة فحسب، بل فتح الباب لمرحلة جديدة من العطاء السعودي على مستوى العالم. فقد أصبح مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية رمزًا دوليًا في العمل التطوعي والإغاثي، ينفّذ عشرات البرامج في القارات المختلفة، ويوصل المساعدات إلى الدول المنكوبة والمتضررين من الحروب والكوارث. وفي كل مهمة إنسانية خارج الحدود، يحمل المتطوّع السعودي رسائل متعددة: رسالة إنسانية، ورسالة وطنية، ورسالة حضارية تعكس قيم المجتمع السعودي وتبرز وجه المملكة الجديد المتفاعل مع العالم.

وأظهرت الإحصاءات الحديثة قفزة هائلة في حجم التطوع، إذ تجاوز عدد المتطوعين مئات الآلاف سنويًا، ووصلت ساعات التطوع إلى عشرات الملايين، وبلغت القيمة الاقتصادية للعمل التطوعي مليارات الريالات. ولم يأتِ تحقيق هدف «مليون متطوع» قبل موعده إلا تأكيدًا على أن التطوع أصبح ثقافة راسخة تتبناها الدولة ويؤمن بها المجتمع، وأن رؤية 2030 صنعت تحولًا حقيقيًا في سلوك الأفراد وفي بنية العمل الوطني.

اليوم، يتعامل المجتمع السعودي مع التطوع بوصفه علامة من علامات التحضر، وأداة لبناء الإنسان، ومسارًا لاكتساب الخبرة، وبابًا للمشاركة في التنمية، ومنصة ليعبّر الأفراد من خلالها عن انتمائهم للوطن وقدرتهم على التأثير. وفي الوقت نفسه، باتت الدول الأخرى تنظر إلى المملكة العربية السعودية بوصفها أحد أهم الشركاء الدوليين في الإغاثة والعمل الإنساني، بفضل برامجها المستدامة وعمق حضورها العالمي.

إن قصة التطوع السعودي هي قصة وطن آمن بقيمة الإنسان، فاستثمر في قدرته على العطاء، وسخّر التطوع لبناء مجتمع متماسك في الداخل، ولتقديم رسالة إنسانية مؤثرة في الخارج. إنها رحلة بدأت من الأحياء والمدن والقرى السعودية، ثم امتدّت إلى القارات، لتثبت أن رؤية القيادة لم تكن مجرد أرقام وأهداف، بل مشروع حضاري يضع الإنسان أولًا، ويجعل من العطاء السعودي جسرًا يصل بين المملكة والعالم.


‫2 تعليقات

  1. كالعادة مبدع ومميز أبو اروى 🌹
    مجهوداتك تُذكر وتُشكر في كل ما تقوم به ما شاء الله تبارك الله وأسأل الله أن يمتعك بالصحة والعافية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى