الاستاذ يحيى بن حسين علي آل الصخيب الابياتي الفيفي
الانسان في هذه الحياة معرض للابتلاء والاختبار، ويكون البلاء في الخير وفي الشر، قال تعالى (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، فالله عز وجل يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره، ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره، والمؤمن كل امره خير، فهو في نعمة وعافية في جميع احواله، قال صلى الله عليه وسلم (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) فهو امتحان لمعرفة قوة الايمان وصلابته، قال تعالى (احسب الناس ان يتركوا أن يقولوا امنا وهم لا يفتنون)، فالمؤمن مدرك أن ما اصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وان المصيبة كلما عظمت بالإنسان، فإنما هي رفع لدرجاته، وتمحيص لذنوبه، قال صلى الله عليه وسلم(من يرد الله به خيرا يصب منه)، والفتنة هي الاختبار لمعرفة نقاوة المعادن، فبالنار تختبر نقاوة الذهب والفضة، وبالمصائب تختبر قوة ايمان الانسان.
مرت به كثير من المصائب بمقاييس البشر، والابتلاءات في ماله وجسده فصبر، ولم يقعد به ما حل به، بل رفعه وزاد من عطائه، ولم يفقده معنى الحياة والمشاركة في انمائها، والمبادرة إلى نفع الناس بما يستطيع عليه، بل استغل وضعه فيما هو اجدر، وبما فيه الفائدة والنفع أكثر، فاشتغل في التفكر والكتابة والتأليف في العلوم النافعة، واختص اعظمها كتاب الله الكريم، واخرج دراسة ومعلومات، تفتّح للمؤمن افاق من البيان والفهم والاستيعاب، وتغوص به في عظمة كلام الله واعجازه، في جوانب دقيقة وصعبة ونافعة، عمل فيها لسنوات عديدة، وبذل فيها جهدا وفكرا ووقتا، وفقه الله وكتب له الاجر والمثوبة، ونفع به وبعلمه، وزاده علما وفضلا وايمانا.
أنه الاستاذ
يحيى بن حسين علي شريف آل صخيب الأبياتي الفيفي
حفظه الله ووفقه .
والده الوجيه حسين بن علي شريف رحمه الله، اشتغل في الزراعة كَعُرفٍ اجتماعي نشأ عليه، ولما كان ما يملكه من الحيازات الزراعية قليلة، فقد كان يأخذ بعض المزارع من اهلها بالشراكة، يكون له نسبة من نتاجها والباقي لصاحبها، وتنقل في عدة مزارع بهذا الشكل، منها ما كان في الدفرة، ثم في اللاهط جهة الحلحلة، وفي الربدة وسط بقعة العذر، وفي الشباب ببقعة حيدان، ثم مارس التجارة، وكان من تجار سوق النفيعة البارزين، اشتغل في اكثر من مجال فيها، واكثر ما اشتهر به المتاجرة في المواد الغذائية والفواكه، كان على قدر لا باس به من العلم، يقرأ ويكتب بشكل جيد، وتعلم وحفظ بعضا من القرآن الكريم، درس في معلامة (شيحة والعلايج) في بقعة العذر، لدى كل من الشيخ حسن بن احمد آل خفشة، واخيه الشيخ موسى بن احمد آل خفشة رحمهما الله، وكان الشيخ موسى يشيد باستيعابه وسرعة حفظه، حيث حفظ لديه عدد من أجزاء القرآن الكريم، وكان راوية ويحفظ كثيرا من الاشعار، ومنها القصائد الشعرية الطويلة، التي طالما كان يرددها ويرويها لأبنائه وجلسائه باسترسال وتمكن، ولكن يقول ابنه يحيى (للأسف لم نكن نكتب أو نسجل ما نسمعه منه)، كان سمح الاخلاق هادئ الطبع، يوجه ابنائه بحكمة وروية، ويحرص على تعلمهم وتفريغهم لطلبه، وكان لا يدعهم يحتاجون لشيء الا وفره لهم، رحمه الله وغفر له، وكتب له اجر ما قدم مضاعفا.
واما امه فهي الفاضلة سلامة بنت مسعود حسين يحيى حفظها الله ووفقها، تيتمت من صغرها بفقد ابويها، فاحتضنتها عمتها، أخت أبيها الفاضلة سعيدة بنت حسين يحيى، زوجة الشيخ أسعد بن محمد الابياتي (بطحان)، أم أحمد وإبراهيم أسعد رحمهم الله جميعًا، وربتها وأحسنت إليها، إلى أن تزوجها والده حسين بن علي، من عند عمتها في بطحان، واتصفت بكثير من صفات الخير والرحمة، وكانت ام مربية متدينة، صابرة محتسبة، كريمة في تعاملها وفي كل امورها، مبادرة إلى كل خير، متصدقة محسنة، كانت تبذل قصارى جهدها في توفير متطلبات البيت، ورعاية الابناء، والمشاركة القوية لزوجها، حفظها الله وختم لها بالصالحات من الاعمال والنيات.
ولد لهذين الفاضلين في بيت اللاهط، في عام 1383هـ ، وكما تذكر والدته فإنه ولد مع بداية قيام الثورة اليمنية بأشهر، وهو ما يتوافق مع هذا التاريخ تقريبا، والمسجل في بطاقته الشخصية1/7/1383هـ، حفظه الله ووفقه، وكان ترتيبه الرابع بين اخوانه الثمانية، حيث سبقه كل من مفرح (مات شابا) رحمه الله، ثم موسى، واحمد، وجاء من بعده علي، وعافية، وجابر (مات صغيرا) رحمه الله، وجميلة، حفظ الله الباقين وبارك فيهم، ونشاء وترعرع في هذه الاسرة، تحفّه فيها الألفة والمحبة، والتعامل الراقي بينهم ومع كل الناس، بيت كرم وضيافة، فنادرا ما يخلو بيتهم من الضيوف، فوالده كثير العلاقات، وله اصدقاء من كل مكان، كريم سخي يحب الناس ويحبونه، وتشربت نفسه من هذه التربية الصالحة، ومن طيب الصفات والتعامل، ومن جميل الاخلاق وافضلها.
تعليمه:
الحقه والدة في عام ١٣٨٩هـ، طالبا في مدرسة فيفاء الابتدائية، كبقية من سبقوه من اخوانه، ولم تكن المدرسة بعيدة عن بيتهم، وتميز بالذكاء والرغبة في الدراسة، مقبلا على مدرسته جادا ومجتهدا، ولذلك لم يواجه أي صعوبات في دراسته، وقد نجح في نهاية هذا العام بتفوق، وبشر رائد فصله اباه بهذا النجاح، ولكن عندما ذهب وابيه للمدرسة لاستلام الشهادة، تفاجئا أن اسمه لم يكن ضمن الطلاب المنتظمين، وكان معه كذلك اخر من زملائه، فقد اعتبرته المدرسة طالبا مستمعا، ولذلك لم ينل النجاح الذي حققه، ولطيبة والده وسماحة تعامله، وحسن معشره لم يلح أو يجادل، بل رضي بواقع الحال، مرددا مقولة (الله يختار الخير)، وما اجملها من عبارة ايمانية قوية.
اضطر بالطبع إلى اعادة دراسة السنة الاولى، مما جعله يمضي في كامل المرحلة سبع سنوات، وكان سيره وسطا بين زملائه، لا يتميز عن معظمهم بكثير، فليس في المقدمة وليس من الضعفاء، ينجح عاما بعد عام، وتستهويه بعض المواد ويميل إليها اكثر من غيرها، وفي مقدمتها مادة الخط العربي، فكانت وبالذات في الصف السادس هي حصته المفضلة، وكان معجب كثيرا بمعلمها، الأستاذ الاسكندراني (صدقي)، يعجبه خطه الجميل المتمكن، وطريقته واسلوبه في التدريس، مما اثر على تميزه وحسن خطه وجماله، وعاش في هذه المرحلة اوقات جميلة، وذكريات سعيدة، إلى أن تحصَّل على الشهادة الابتدائية، في نهاية العام الدراسي١٣٩٥/١٣٩٦هـ.
انتقل بعدها إلى المدرسة المتوسطة، الواقعة في نفس الموقع النفيعة، ومضت به سنواتها الثلاث، مواصلا سيره بكل تؤده وعلى نفس النهج، ووجد في نفسه ميلا وحبا لمادة الجغرافيا، وقد يكون نفس سبب عشقه لمادة الخط التي احبها من قبل، لنفس العلة في محبة معلم المادة، الاستاذ (الخطَّاط والرَّسَّام) الأسواني محمد بن محمد حسن، وكذلك لا تقل عنها بقية المواد، ولكنها لا ترتقي لمستواها، وسارت به الامور على افضل وجه، ولم يتأخر عن مواصلة سيره المعتاد، حيث تواصلت نجاحاته في كل عام، إلى أن تحصَّل على شهادة الكفاءة المتوسطة، في نهاية العام الدراسي ١٣٩٨/١٣٩٩هـ.
انتقل مباشرة إلى ثانوية فيفاء، وكانت مشتركة مع المتوسطة في الادارة والمعلمين والمبنى، وواصل سيرة دون ما معوقات، ونجح مع نهاية العام من الصف الأول، وفي العام الثاني وهو يدرس في الصف الثاني، وكان حينها قد بلغ سن الشباب والمراهقة، التي تكثر فيها الاحلام والتطلعات، حيث اطلعه احد زملائه على إعلان، منشور في احدى الجرائد اليومية، صادر من معهد الخطوط السعودية، يعلن عن قبوله لحملة الكفاءة المتوسطة وما فوقها، للدراسة فيه ليتخرجوا مضيفين جويين، وموظفين في حجوزات الطيران، فقرر هو وزميله الالتحاق بهذا المعهد، ولكنه عندما اراد سحب ملفه من المدرسة، طلب منه مدير المدرسة الشيخ حسن بن فرح رحمه الله، احضار ورقة من والده بذلك، ولذلك لم يستطع أن يكلم والده حياءً منه، وايقن أنه لن يحصل على ملفه ولو أحضر تلك الورقة؛ لأنه يعرف اسلوب الشيخ حسن وحرصه على طلابه، فصرف الفكرة عن باله نهائيا، رغم أن زميله التحق بالمعهد، وتخرج منه وعمل في الخطوط، إلى أن تقاعد منها (وفقه الله وحفظه)، أمَّا هو فواصل دراسته مع احساسه العميق بالإحباط، مما أثر على تحصيله، وجعله يكمل في هذه السنة، ثم اعادها سنة ثانية لأنه لم يحضر اختبار الدور الثاني، ولذلك لم يتحصَّل على شهادة الثانوية العامة إلا في نهاية العام الدراسي1402/1403هـ، ناجحا من القسم العلمي، بعد أن قضى فيها أربع سنوات دراسية.
في هذه المرحلة واجه عوارض اخرت مواصلته لدراسته مباشرة، كان من اكبرها بدء معاناة والده من المرض، وعدم استخراجه لحفيظة النفوس الخاصة به؛ فلم يستطع اللحاق بالتسجيل في الجامعة في التِّرم الأول من هذا العام ١٤٠٤هـ، ولم يسافر إلا مع بداية التسجيل في الترم الثاني، وفي الرياض قدم اوراقه للتسجيل في جامعة الملك سعود، وحدد رغباته في أربع كليات مرتبة، كانت في مقدمتها كلية التربية؛ لأن رغبته وحلمه العمل في التدريس، وامنيته أن يكون معلما في الصف الأول الابتدائي، ولكنها عندما ظهرت نتائج القبول، وجد أنه قد قبل في كلية العلوم، التي لم يكن يفكر مجرد التفكير في دخولها، فلذا تحطمت آماله وتبددت احلامه، ولم يعد يدري ماذا يفعل، وفي هذه الاثناء سمع بافتتاح كلية للزراعة في القصيم، وعزم وأحد زملائه على التوجه إليها، حيث قدما اوراقهما فيها، وتم قبولهما فورًا ضمن طلاب هذه الكلية، وقد التحق بهما أخوه أَحْمَد، الذي كان يدرس في احدى الكليات بابها، لرغبته الدراسة في هذا التخصص.
بدأت الدراسة وقد هيئوا امورهم، واقبلوا على دراستهم على خير ما يرام، وفي هذه الفترة كان قد اشتدَّ المرض على والده رحمه الله، مما استوجب نقله من قبل أخيهم الأكبر(موسى) إلى الرياض، وادخله في مستشفى الملك خالد الجامعي، فكانوا يزورنه في عطلة نهاية كل أسبوع، وفي أحدى هذه الزيارات قابل احد اصدقائه، وشكى له عدم ارتياحه في القصيم، حتى أنه يفكر في ترك الدراسة في الكلية نهائيا، فاخبره صديقه بمعلومة لم يكن يعرفها، حول معهد الاتصالات الذي يدرس فيه، وأن المعهد يقبل حملة الثانوية العامة، ويمنحهم بعد دراسة سنتين الدبلوم العالي في الاتصالات، واخبره أنَّ الدراسة في هذا المعهد سهلة وميسورة، ومتوفر للطلاب فيه السكن الداخلي والمطعم، فراقت له الفكرة كثيرا، ووافقت ما كان يرغب فيه، ودون تردد سارع إلى سحب اوراقه من الكلية، وتوجه للالتحاق في معهد الاتصالات، ورافقه زميله السابق، ولم يبقى في القصيم إلا اخوه أَحْمَد، الذي استمر في كلية الزراعة إلى أنْ تخرَّج منها.
تم قبولهما في معهد الاتصالات، وكانت الدراسة فيه كما اخبره صديقه، سهلة ميسرة ولا تحتاج إلى جهد يذكر، وبالذات وقد وافقت ميوله وقناعته الشخصية، وكان المعهد يحتوي على عدد من التخصصات، منها (الأقمار الصناعية، والشبكات، والكابلات، والميكروويف، والمقاسم الهاتفية)، وقد تخصص في المقاسم الهاتفية، فيما يسميه بعض الناس (السنترالات)، فتفوق في دراسته، وترقى في فصولها واقسامها، إلى أن تخرَّج على الموعد المحدد، بعد سنتين دراسيتين في أواخر عام 1406هـ، وتحصَّل على شهادة المعهد، (دبلوم مساعد مهندس اتصالات)، ليتعين مباشرة في الاتصالات السعودية.
وبعد تعينه في مجال الاتصالات، وهو من المجالات المتطورة المتجددة، إن وقفت عن تطوير ذاتك فيه، وقفت وتأخرت وفاتك الركب، فلذلك حرص على الرفع من قدراته، واكتساب كل جديد يزيد من خبراته، والتحق بالعديد من الدورات التدريبية الداخلية والخارجية، ولم يكسل ويرضى بما تحقق، بل مع بداياته الاولى حرص أن لا تفوته فرصة في هذا المجال، حتى أن أول دورة التحق بها كانت بعد شهرين ونصف فقط من تعيينه، وكانت هذه الدورات على النحو التالي:
- دورة أساسيات المقاسم، ومدتها ستة أسابيع، من٢٠/٣/١٤٠٧إلى٣٠/٤/١٤٠٧هـ، عقدت في مدينة الرياض.
- صيانة المقاسم(السويدية)، المستوى الأول لمدة شهرين، من١٠/٥ إلى٤/٧/١٤٠٧هـ.
وكانت هذه أول الدورات التدريبية التخصصية، وبعدها أخذ ما يزيد عن ثلاثة عشرة دورة، كانت في نفس التخصص، بعضها دورات قصيرة، وأغلبها من أسبوعين إلى خمسة أسابيع.
وفي هذه الفترة طرحت وزارة البرق والبريد والهاتف مشروعا ضخما، لتحديث وتوسعة الاتصالات، وتقدمت للفوز بهذا العرض، العديد من الشركات العالمية، كانت من أبرزها شركة سيمنز الألمانية، وكانت لها مع الوزارة عقود تشغيلية من قبل، في مجال الاتصالات في اكثر من منطقة، ولذلك أرسلت الشركة من قبلها لجنة إلى كل مناطق المملكة، لاختيار فنيين من هذه المناطق لتدريبهم لديها، وليكون ترويجا لها ودعاية، لعلها تحصل على هذا العقد الضخم، وقد تم اختياره من هذه اللجنة مرشحا وحيدا من المنطقة الجنوبية، حيث انضم إلى سبعة أو تسعة فنيين من بقية المناطق، جمعتهم الشركة في مدينة الرياض، وعلى مدى اسبوعين من٧/٧/١٤١٢هـ، ابتدأ تدريبهم على عدة مراحل، الاولى كانت دراسات نظرية عن تقنية المقسّم، ثم عن الاختصارات، وعن الوحدات الطرفية (شاشة كمبيوتر، ولوحة مفاتيح)، التي يتم من خلالها إدخال الأوامر للفحص، واستقبال الأعطال، وصاحب هذه الدورة العديد من الاغراءات، لمحاولة استمالتهم للتأثير على أصحاب القرار، ومن ذلك الولائم الفاخرة، والسكن الفخم، والوعود بزيارة المصنع في ألمانيا، وبالفعل فقد تم اقامة دورة لهم خارجية، ابتداء من ١٤/٨/١٤١٢هـ ومدتها (٢٦) يومًا، زاروا خلالها مصنع سيمنز في المانيا، في ولاية بافاريا قرب مدينة ميونيخ، واستفادوا كثيرا من هذه الدورة، مع أن معظمهم تفاجأ أن الدراسة كانت مختلطة، رجالًا ونساءً من جنسيات متعددة، وقد دخل عليهم شهر رمضان ذلك العام وهم في تلك الدورة.
وبعد عودتهم للمملكة بدأت شركة سيمنز، في تركيب مقاسمها الحديثة في بعض المناطق، وخصوصًا في القرى، وكانت من ضمنها قرية (المَسقي) في عسير، وكان هو المسؤول الفني الوحيد عن هذا المقسم، وأخذ لذلك دورات إضافية متقدمة، ومنها:
- دورة أخصائي مركز صيانة (الترنك)، لمدة ثلاث أسابيع، في مركز تدريب شركة سيمنز بجدة، من ٢١/١٠/١٤١4هـ.
- دورة تشغيل وصيانة متقدمة، لمدة أربعين يومًا، تدريب نظري في مركز تدريب شركة سيمنز بجدة، وتدريب عملي في مقسم بحرة، كانت من ١٨/١٢/١٤١٤ إلى ٢٧/١/١٤١٥هـ.
ولما كان يرغب في النقل إلى منطقة جازان، وكانت كل طلباته تقابل بالرفض؛ بحجة أنه لا يتوفر فني سيمنز في المنطقة غيره، ولذلك طلب من رئيس القسم أن يكلف معه أحد الفنيين، وأنه مستعد بتدريبه، وبالفعل كلف معه أحد زملائه، الذي دربه على كل الجوانب الفنية، إلى أن أتقنها تماما، ولذلك تمت بعدها الموافقة على نقله حسب طلبه.
وعندما باشر في منطقة جازان، عمل في إدارة المقاسم، ولم يتغير الوضع على ما كان عليه في ابها، إلا في بعض الفروقات البسيطة، فيما يتعلق ببيئة العمل والإمكانيات، ولم تمضي فترة حتى حصلت شركة (لوسنت) الأميركية على العقد الأضخم، الخاص بتوسعة الاتصالات السعودية، وخسرته الشركة السابقة (سيمنز) الالمانية، وقامت الشركة الجديدة بعمل التغييرات الضرورية الخاصة بها، في إضافة واستبدال بعض أنواع المقاسم القديمة، وركبت مقاسم تسمى (5ESS) صناعة أمريكية هولندية مشتركة، ولذلك تحتم تدريب الفنيين على هذه المقاسم الجديدة، واقيمت لهم دورات مكثفة، وكان هو من ضمن هولاء الفنيين، الذين وقع عليهم الاختيار، فتحصل على عدد من الدورات التأسيسية لهذا النظام، ومن ذلك :
- دورة فني صيانة لمدة ٤٠ يومًا من٢٦/٥/١٤١٨هـ.
- الدورة التأسيسية الرئيسية للصيانة والتشغيل، على مرحلتين، نصفها الأول مدته (18) يوماً، داخلية في مدينة الرياض، ابتداء من١٢/٣/١٤٢٠هـ، والنصف الآخر مدته (11) يوماً، خارجية في ولاية فلوريدا الاميركية، ابتدأ من ٦/٤/١٤٢٠هـ.
وبعد ذلك عندما بدأ تشغيل مشروع (الإسقاط الهاتفي اللاسلكي WLL) في فيفاء، وكان المسؤول عن إصلاح أعطاله (فني باكستاني)، وكان هو الوحيد، فطلب من الإدارة أن يرشح معه يحيى، تحسبًا منه لأي ظرف أو إجازة، ولذلك دربه معه على هذه الاجهزة، في نفس مواقع العمل، وكانت موزعة في كل من (السّمَاع، مروح، مبسط، عيبان، الداير)، وكان العمل في مثل هذا الجهاز(الاتصالات)، السريع التطور، يتطلب من الفني العامل فيه تطوير قدراته ومهاراته، وزيادة معلوماته باستمرار، ليعيش داخل الحدث، ولا يفوته الركب فيتعثر.
كان لماح سريع الفهم والاستيعاب، وهو ما لاحظه عليه مدربوه من البداية، في مركز التدريب بالرياض، وقد وجد بالصدفة توصية سرية عليه، وجدها في أحد دواليب مستودعات الاتصالات بابها، مؤرخة في عام ١٤٠٧هـ، توصي بتكثيف إرساله للتدريب، (نظرًا لتميزه وأخلاقه)، وفقه الله وزاده علما وفهما وفضلا.
العمل :
بعد تخرجه ودفعته من معهد الاتصالات، في نهاية عام 1406هـ، واثناء تواجدهم في وزارة البرق والبريد والهاتف، ينتظرون توجيههم للعمل، سألهم حينها مدير الشؤون المالية والإدارية، الاستاذ (علوي محمد علوي مطر)، عن من يرغب في التعيين خارج الرياض وجدة والدمام، فكان هو الوحيد الذي رفع يده، ولما سأله عن أي المناطق يرغب، اختار أبها؛ لأن فيها الإدارة العامة للمنطقة الجنوبية، التي تشمل مناطق (عسير وجازان ونجران)، فقال له إن لدى الوزارة خطة لتطوير اتصالات جزر فرسان، فإن كان له رغبة في استلامها، فسيتم تعيينه مباشرة من الوزارة عليها، دون المرور على إدارة المنطقة الجنوبية، فاعتذر منه حيث كانت لديه آمال اخرى، فلذا عقب عليه المسؤول قائلا، متى ما تراجعت عن رفضك، فأرجع إليَّ في أي وقت فالعرض قائم، ولكنه توفي رحمه الله بعدها بأشهر معدودة.
ولذا تم تعيينه حسب رغبته في أبها، وباشر فيها بتاريخ٣/١/١٤٠٧هـ، على وظيفة(مساعد مهندس مقاسم)، ليعمل في إدارة المقاسم الهاتفية بالمنطقة الجنوبية، وكانت هذه الادارة فيها عدة أقسام، وكان لزام على كل متعين جديد، أن يمر عل كل هذه الاقسام، ويمضي في كل منها ما لا يقل عن اسبوعين، تكون فترة للتدريب والتعريف، ويتم من خلالها تقييم الموظف وأدائه وانتظامه، في تقرير يرفع من رئيس القسم إلى مدير الإدارة، وقد اجتاز بحمد الله هذه المرحلة بامتياز، وكان كل رئيس قسم يشرح له ميزات قسمه، ويرغبه في اختيار التثبيت في قسمه، ومعظمهم طلب من الإدارة أن تعينه لديهم في القسم، ولهذا بعد نهاية الجولات، تم تخييره في أي الأقسام يرغب العمل فيها.
يقول : كان مبنى الاتصالات في عسير حينها، يحتوي على نوعين من المقسمات الهاتفية، احدها المقاسم الهاتفية الهولندية الصنع، وتُسمى (پي آر إكس، PRX)، وهي صناعة شركة ڤيلبس، والثاني مقاسم هاتفية سويدية الصنع، تُسمى (إيه إكس إي، AXE)، وهي من صناعة شركة إريكسون، ولما علم أن المقاسم الموجودة في منطقة جازان كانت من النوع الثاني، فقد اختار العمل في هذا النوع من المقسمات، على أمل إنه إذا طلب النقل إلى جازان لا تكون هناك اشكالية، وعمل في هذا المقسم وارتاح له كثيرا، واحبه وتميز فيه وتفوق، وحصل على العديد من شهادات الثناء والتقدير، حيث حصل وبعض زملائه على شهادة الموظف المثالي، في العامين ١٤٠٨ و ١٤٠٩هـ، وحصل على شهادة الموظف المثالي للفترة الأولى من عام١٤١٠هـ، بتوقيع مدير عام المنطقة الجنوبية حينها، المهندس عبد الرحمن اليامي، واستمر في عمله في ابها لما يقارب ثمان سنوات، ثم سعى جادا لطلب النقل إلى منطقة جازان، إلى أن تم نقله إليها في عام ١٤١٥هـ.
باشر عمله في اتصالات منطقة جازان، وعمل في إدارة المقاسم، ثم فيما بعد تنقل داخل المنطقة، حيث عمل مع فرق تدشين المقسمات والكبائن الصغيرة، في بعض القرى النائية في المنطقة، وعمل مع فريق مشروع الأرصدة الافتتاحية، وكانت مهمتها جرد الأصول الثابتة لوزارة البرق والبريد والهاتف في كل المناطق، للتهيئة لنقلها إلى شركة الاتصالات، ولما بدأ مشروع (الإسقاط الهاتفي اللاسلكي WLL) في فيفاء، كان المسؤول عن إصلاح الأعطال فيه (فني باكستاني)، وفي اقتراح منه اختاره ليعمل معه، تحسبًا منه لأي ظرف أو لطلب إجازة، وقد كلف بالعمل معه، وقام على تدريبه في نفس موقع العمل، وكانت في (السّمَاع ومروح ومبسط وعيبان والداير)، ودوامه الاساسي في مكتب صبيا، وإذا ما كثر الاعطال نتيجة الصواعق، أو لانقطاع الكهرباء لفترة طويلة، فيداوم في مكتب الاتصالات بفيفاء في الجوة، بالإضافة إلى عمله على التلفون بما يسمى (ON CALL) أي فني طوارئ ٢٤ ساعة، وقد استمر على ذلك لفترة قصيرة، وكان يتم التنسيق بينه وبين الفني الباكستاني، الذي كان يحضر قطع الغيار له إلى عيبان، أو يوصلها إلى بيته في فيفاء، ليقوما بإصلاح الأعطال، ومع ظهور الجوالات انتهت هذه الانواع من الهواتف، كما انتهى من قبلها البيجر.
بقي يؤدي عمله إلى تقاعده المبكر، الذي كان مع بداية عام ١٤٢٦هـ، حين صدر نظام الشيك الذهبي، و(الشيك الذهبي) نظام يهدف إلى التخلص من عدد من الموظفين، وخصوصًا العالية رواتبهم، ممن تتراوح أعمارهم بين (٤٥ــ٥٥) سنة، وتكون بطريقة نظامية، فالشركة تقدم عرضا للموظف بشراء عدد سنوات الخدمة المتبقية له، إلى وصوله سن التقاعد المبكر، على أن يدفع هو لمؤسسة التأمينات ما كانت تدفعه لها الشركة، ويحصل على رواتب هذه السنوات مع الحوافز، وبالطبع يختلف تقديرها من شخص إلى آخر، وفي تلك الفترة كانت موجة الأسهم في أوجها، مما شجعه على توقيع الاتفاقية، حيث حصل على مبلغ ضخم، وتم تقاعده من ٢١/٢/١٤٢٦هـ، واستمر يقسط مستحقات التأمينات، لحوالي ست سنوات، إلى أن اصبح يستحق صرف راتبه التقاعدي في ١/٤/١٤٣٢هـ.
هوايات ومواهب :
امتلك العديد من الميزات والهوايات، منها ما كان ايجابيا ومفيدا، ومن اعظمها والتي كانت من اسباب سعة اطلاعه وغزارة ثقافته، حبه للقراءة والاطلاع، وقد نمت معه هذه الهواية من المرحلة المتوسطة، فقد تعلق ومعظم زملائه حينها بالمداومة على قراءة الصحف، يقرأون كل ما يتوفر منها بين ايديهم، بغض النظر عن اسمها، أو تاريخ صدورها، في شغف ونهم زائد، لدرجة أَنَّ مدير المدرسة الشيخ حسن بن فرح رحمه الله، قال لهم ذات مرّة : (لو أن الوزارة تطبع المقررات على ورق الجرائد، فسوف يكون الاستيعاب أكثر، ونسبة النجاح أعلى)، ثم توسع حب الاطلاع والقراءة معه، وتعلق بكل جديد من انواع الثقافة والمعرفة، حيث استهوته الاذاعة بشدة، وتعلق ببرامجها الثقافية، وادمن كذلك على قراءة القصص، والكتب الثقافية غير المقررة، وعشق التصوير الفوتوغرافي، وتملك كمرة تصوير خاصة به، واستمرت معه هذه الهوايات إلى وقت قريب، وكان ذو مواهب فذة وميزات عظيمة، يتمتع بذكاء وذاكرة قوية، فكان وبشكل لافت لا ينسى المعلومة التي مرت به، ويتذكر حتى أين قرأها، وجميع الأحداث المصاحبة لها، ويذكر في فترة وجوده طالبا في مدينة الرياض، أنه كان يحفظ جميع أرقام هواتف ابناء فيفاء فيها، ويحفظ ايضا أوقات البرامج الاذاعية المفضلة لديه، فينتقل بين هذه المحطات بكل دقة، في أوقاتها المناسبة، حتى أنها قد تملكت عليه كل وقته، وفكره واحاسيسه واهتماماته، حتى أنها أثرت عليه سلبا في كثير من الاحيان، فقد اكتشف متأخرا أنه كان يصدق كلما يسمعه، وكلما يقرأ عنه أو يشاهده، بل يؤمن به ويتأثر به كثيرا، حتى أنه كان يستشهد به في حياته، ويعتبره شيئا لا يداخله الشك والريبة.
وحول تعلقه بالقراءة وحبه للكتب مع ندرتها، كانت له فيها حكاية، ابتدأت عندما زار بالصدفة في عام 1398هـ، منزل الاستاذ حسن فرح رحمه الله لحاجة معينة، وادخله في احد غرف بيته، التي شاهد فيها ما ابهره وملئ قلبه غبطة، بما تحويه من الكتب الكثيرة، التي تملئ الغرفة من أرضها إلى سقفها، في رفوفها المصفوفة، والمنثور منها في كل مكان، في منظر لم يشاهده من قبل، ولم يتخيل وجود مثل هذه الكتب في مكان واحد، مما لم يفارق خياله، وبقي عالقا في مخيلته، واصبح حلمه أن يمتلك مستقبلا مثل هذه المكتبة، وأتبع القول بالفعل، فكان لا يجد فرصة يقتني فيها كتابا إلا وبادر لذلك، وبدأ هوسه بشراء الكتب وتملكها، وإذا ما عرض عليه أخر خدمة يقدمها له ،كان لا يطلب منه إلا أن يشتري له كتباً، كان قد سمع عناوينها في الإذاعة، أو من المعلمين والزملاء، أو قرأها في أي مكان، إلى أن تكونت لديه مجموعة لا بأس بها من الكتب، متناثرة في جميع ارجاء منزله، وتشتمل على مجالات عديدة، مع انها لم تصل إلى كل ما كان يحلم به، وكان يقرأها جميعها بكل شوق، وإذا ما أنتهى من قراءة قصة أو كتاب منها، اعاره لمن يطلبه منه دون بخل، ولكن معظم هذه الكتب المعارة تتحول إلى خانة المفقودات، ويقول معلقا : (عفا الله عمّن أعارها، وعمّن استعارها).
التأليف :
كانت من منطلقاته وعشقه للقراءة، تأثره بمقولة للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، حين قال (الثقافة أن تعرف شيء عن كل شيء، والتخصص أن تعرف كل شيء عن شيء)، فقد توسعت ثقافته واصبح يمتلك مخزونا كبيرا من المعلومات والعلوم، ساعده على ذلك كثرة اطلاعه، ثم ما وهبه الله من الذاكرة القوية، وكم رغب في تأليف كتاب، يدَوّن فيه كل ما حفظه في ذاكرته، أو وجده في دفاتره وقصاصات أوراقه، ولكن المرض داهمه وأنهى هذا المشروع في وقته، واوقفه إلى حين، لن يطول بمشيئة الله، وفي السنوات الاخيرة بعد أن لازم منزله، لظروفه الصحية التي اقعدته، واصبحت الكتب ومحطات التلفزيون هي نافذته شبه الوحيدة على العالم، وسمع في أحد البرامج الدينية المصرية، عن معلومة تقول بتساوي سورتي الطلاق والتحريم، في عدد الآيات والحروف وموضوعيهما، ولما كانت من ميزته أنه لا يترك مثل هذه المعلومة تمر بسهولة، بل يسعى جادا إلى التأكد من صحتها، وبالذات ما كان يخص القرآن الكريم، حيث سارع على الفور بأخذ المصحف الشريف، وتناول ورقة وقلما، وبدأ يعَدّ حروف السورتين، حيث وجد في النهاية أن هذه المعلومة خاطئة تماما، لأن عدد حروف سورة الطلاق (١١٨٤) حرفًا، بما يزيد عن عدد حروف سورة التحريم ب (١١٠)حرفا، فحروف سورة التحريم عددها (١٠٧٤) حرفاً، فكان إحساسه بالسعادة كبير عندما تأكد من هذه النتيجة، ويقول اظن لو كانت المعلومة صحيحة لما وجد هذا الشعور، وبدأ من حينها التفكير في إكمال السور على هذه الطريقة، ولكنه في البداية وجدها صعبة للغاية، والأصعب من ذلك هو في مراجعتها، والتأكد من صحتها، ولكن بقيت الفكرة تراوده ويفكر فيها لعدة أسابيع، وما هو الشيء الذي يعمله فيما يتعلق بالقرآن الكريم، لأن مثل هذا العمل سيدوم نفعه واجره بمشيئة الله، واخيرا قرر كتابة حروف بدايات الآيات، وأخذ منه ذلك وقتًا وجهدًا، وقرر أن يكتبها على الكمبيوتر، وبعد أن أكملها وراجعها أكثر من مرة، رأى أن عدد صفحاتها قليلة، لا ترتقي إلى ما يؤمل، ولذلك قرر أن يكتب حروف نهايات الآيات، لأنه كان يظن أن لا احد قد تطرق لذلك من قبل، وكان معتمدة حينها مصحف المدينة النبوية الحاسوبي، ولم يكن يثق من مطبوعات المصاحف إلا به، حتى نبهه الشيخ محمد بن أحمد الخسافي (امام جامع النفيعة بفيفاء)، إلى وجود إصدارات اخرى للمصحف موثوقة.
وبدأ في نسخ ولصق كلمات نهايات الآيات، ليستخرج منها فيما بعد الحروف، وبعد استخراجه الحروف، وترتيبها مثل حروف بدايات الآيات، رأى أن يقوم بترتيب الكلمات على غرار الحروف، وخصوصًا أنها جاهزة في الملف، وهكذا فعل بكلمات بدايات الآيات، وانتهى من ملف حروف وكلمات بدايات ونهايات الآيات، ثم تذكر أنه قد قرأ عن عدد لفظ الجلالة (الله) في القرآن الكريم، وقرر التأكد من هذه المعلومة، وكان يبحث بطرق عدة لمزيد من التأكد، ولما سمع في مقابلة مع أحد الأشخاص(يمني)، عرّفه المقدم بأنه باحث في أعداد القرآن الكريم، ولما سألوه عن عدد حروف القرآن الكريم، اجاب أنها تبلغ(٣٢١٠٠٠) حرفا وشوية، فقرر التأكد كعادته من المعلومة، وفكر في الطريقة المناسبة للبحث، لأنه عندما نظر في أول الصفحات، واجهته بعض الاشكالات القليلة، وخصوصًا في رسم بعض الهمزات، مثل(الهمزة بين اللام والألف، والهمزة المرسومة على جرّة الحرف)، وهما غير موجودتين في الرسم الإملائي، وبحث في (قوقل) فلم يجد من تحدث عن هذه المسألة، ثم توجه إلى (يوتيوب)، ووجد محاضرين اثنين كل منهما يشرح مسألة، هما الدكتور المصري سيد التلب، والدكتور السوداني مدثر أمين، وبدأ من حينها في عمله الاحصائي الدقيق، الذي استغرق منه أكثر من ثلاث سنوات، ولما انتهى بتوفيق الله وفضله، اكتشف أن ما قاله ذلك الباحث كان غير صحيح، بل لا يقترب من الصحة، فإن مجموع حروف القرآن الكريم، يبلغ عددها (٣٢٦١٥٧) حرفًا، وبعد الانتهاء من هذه الاقسام السابقة، أدرك أن ما بقي هو أسهل مما قام به، وزادت مهاراته وخبراتها، وأكتشف طرق مساعدة في البحث والجدولة، ثم تتالت الأفكار والنتائج، فكان كلما خطرت له فكرة قام بتنفيذها، واصبح القلم لا يفارقه، فلم يعد يعتمد على الذاكرة فقط، إلى أن انهى بعد عمل دؤوب استمر لما يقارب ثمان سنوات، من هذا البحث القيم، بعنوان (إحصاءات شاملة من الرسم العثماني لمُصْحَفَي المدينة النبوية ـ الحاسوبي، والمطبوع)، وينتظر فسحة من ادارة المطبوعات، ليخرجه بمشيئة الله مطبوعا في القريب، وفقه الله وزاده علما وفضلا.
محطات وتجارب:
الحياة بكل تفاصيلها عبارة عن احداث وتجارب متراكمة، فالإنسان في هذه الحياة يقابل العديد من المواقف، السلبية منها والايجابية، ويتعلم من تجاربه التي مر بها، قال صلى الله عليه وسلم (المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين)، فتجاربك وتجارب الاخرين تضيء لك الطريق، وقد تختصر لك الوقت، وتمكنك من تفادي الكثير من الاخطاء والاخطار، فحياة الناس على العموم متشابهة في معظمها، وان اختلفت في بعض تفاصيلها، وغالب الناس يكتمون تجاربهم وممارساتهم الفاشلة، ويسعون جاهدين إلى عدم اظهارها، ولا يبرزون للآخرين إلا نجاحاتهم، وكأن الواحد معصوم من الخطأ، ولكن في الحقيقة أنه لا يوجد نجاح إلا وقد مر بكثير من الاخفاقات والفشل.
يحكي لنا أنه كغيره مر بكثير من الممارسات والتجارب والابتلاءات، ولم يكن يعرف نهايتها أو مالاتها، حتى وقع في نتائجها الحتمية، وعرفها حينذاك بوضوح لا شك فيه، قال تعالى (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، فأحب أن يعرضها للفائدة والعبرة، لعلها تضيء درب سالك يتلمس طريقه، وتفتح انظار باحث عن الصواب فيستفيد منها، وتختصر لإنسان كثيرا من وقته وجهده، فيسير بمشيئة الله وتوفيقه على نور وبصيرة، فهو قد راد هذه الطريق وخبرها وعرف مسالكها، وقد قيل(الرائد لا يكذب اهله)، لنعيش معه بعضا من هذه المحطات والتجارب، التي اختصر من طولها واكتفى بخلاصتها، وخير الكلام ما قل ودل، فيقول :
أولاً : حكايته مع الدخان:
لكل انسان في هذه الحياة العديد من الممارسات والتجارب، بعضها يكون عابرا، وبعض منها يستمر لفترات طويلة، ومنها الايجابي، وبعض منها سلبي، وقد يقف احدنا عند احد المحطات، فيتأمل في شيء من ممارساته، ويتعجب كيف استهوته، وكيف انساق خلفها، وكيف لم يتضح له عورها، ولكنها في الغالب تكون مغلفة بمتعة وقتية، تغطي وتحجب كثيرا من عيوبها، أو تغره فيتغافل عن اضرارها وعواقبها، إلى أن يقع الفأس في الراس ولات ساعة مندم، ومن اشد هذه الامور التي مارسها وانغمس فيها، قضية ولعه بالتدخين، فقد كان شرها فيه بشكل مبالغ فيه، وتملكه حتى لم يعد يطيق الفكاك منه، حيث بدأ تولعه به منذ صغره، بما كانت تمليه قناعات المجتمع من حوله حينها، فيقول وكما (اذكره انا شخصيا)، أن الحصول على الدخان كان متاح، ومتيسر ورخيص الثمن، حتى أن أصحاب المناسبات العامة، يقدمونه نوعا من الضيافة، وزيادة في اكرام ضيوفهم، وينثرون السجائر في أطباق، تقدم وتوزع على الضيوف، كبيرهم وصغيرهم دون استثناء، وحتى أن الاطفال ممن قد يرمقه والده، ليمنعه من أخذ شيء منها، يتوسط له المضيف أن يغض الطرف عنه، ومن هنا بدأ التعود على التدخين، وانتظم في تعاطيه من الصف الثاني المتوسط، وكان لا يتعاطاه في البيت إلا إذ كان والده غائبًا، أو كان هو خارج البيت، ولا يمنعه من تناوله امام والده إلا الحياء منه، حيث كان يستحي منه أشد الحياء، ولكن نظرًا لكثرة أسفار والده، وانشغاله بالتجارة خارج البيت، فقد كان يستغل الفرصة لممارسة التدخين، إلى أن تملكه واستهواه وادمنه، وكانت لديه قناعة تامة بأن الدخان لا ضرر منه، وكان يستدل على ذلك امام من يسمعه يتحدث عن أضرار التدخين، بنماذج من المجتمع من حوله، كانوا يدخنون بشراهة، لسنين عديدة، ولم يرى أنه يؤثر عليهم، واصبحت تلك حجته التي يؤمن بها، إلى أن ذكرها ذات مرة امام أحد العاملين في الحقل الطبي، فكان رده عليه صادما، حيث نبهه إلى جانب كان غافل عنه تماما، وقال له (لا تعتقد أنه بخير، وأنّ صحته ممتازة، وإن تأخر الأثر عليه، فمصيره للظهور)، وعقب ناصحا له فقال (ادرِّك صحتك قبل فوات الأوان).
يقول مع ذلك لم اومن بما قاله في وقته، إلا أني فقط تركت الاستشهاد به فيما بعد، وليتني قد سمعت نصيحته، فمع مرور السنوات وتقدم العمر، بدأ يحس بأثر الدخان وأضراره الصحية والاجتماعية، وقام بعدّة محاولات كثيرة لتركه، واستعمل العديد من الطرق والأدوية للامتناع عنه أو التقليل منه، وكان ينجح تارة ويخفق تارات، فقد تمكن منه الدخان كثيرا، وقد زار في احد المرات عيادة مكافحة التدخين في جدة، ونجح بحمد الله في تركه في شهر رجب من عام ١٤٢٧هـ، ولكنه نجاح مؤقت لم يتجاوز اربعة اشهر، فسرعان ما انتكس وعاد لما كان عليه من جديد، إلى أن أُصيب بسببه بانسداد في الأوعية الدموية المُغذية للطرفين السفليين، مما اشعره بكثير من الآلام المبرحة، التي كان يتمنى معها الموت، وحينها توقف نهائيا عن التدخين، وذلك من شهر ذي القعدة عام ١٤٢٨هـ، ويعقب قائلا: (كان التدخين أسوأ قرار اتخذته في حياتي، حتى أنه أسوأ من خسارتي لكل أموالي في سوق الأسهم).
ثانياً : حكايته مع الاسهم:
اخبره صهره الاستاذ حسن بن سليمان جُبر الظلمي، عندما التقاه في نهاية شهر رجب عام ١٤٢٤هـ، من أنَّ البنك السعودي الأميركي (سامبا)، استحدث التداول عن طريق الإنترنت، فنقل الخبر إلى عمه (والد زوجته) الاستاذ فرح بن علي رحمه الله، لأن له اهتماما بالأسهم، وكان يستثمر فيها مع بعض اقربائه وجيرانه، وكان يضطر للحضور إلى الصالات المحدودة حينها، الموجودة في بعض البنوك البعيدة عن مقر اقامته، أو إلى مقرات الشركات عندما تطرح أسهمها للاكتتاب، فأسعده هذا الخبر كثيرا، وبادر إلى فتح محفظة تداول في هذا البنك، واشترى كمبيوتر (لاب توب)، ولكن بدل أن يعمل فيه بنفسه، أسند المهمة إلى صهره يحيى، وسلمه كل شيء، ومنحه كامل الحرية في ممارسة التداول، مما اضطر إلى الموافقة حياءً من عمه، وحينها كان لا بد له من التعلم، فبحث وتعلم واستشار ومارس العمل، وكانت أول عملية شراء قام بها في٢٣/9/١٤٢٤هـ، الموافق١٧/١١/٢٠٠٣م، وواصل والنجاح حليفه، ويكتسب الثقة والخبرة، وكان من أوائل من تداول عبر الإنترنت في فيفاء، ثم بعد ذلك تشجع وفتح محفظة خاصة به، وبالذات عندما تقاعد وحصل على تعويض طيب من شركة الاتصالات، وكان متفرغا تمامًا للتداول، وكانت الأرباح في المحفظتين ممتازة.
ويقول كان من لطف الله عليه انه في شهر ذي الحجة عام 1426هـ، قرر الاعتذار من عمه فرح، حيث أعاد له كامل محفظته، لأنه كان حينها مشغولا في تشطيب منزله الخاص، ولذلك لم يبقى معه إلا محفظته الخاصة، التي جمع فيها كل ما يملكه من الاموال، وهنا وفي تاريخ ٢7/1/١٤٢٧هـ، الموافق ٢٦ فبراير٢٠٠٦م، التاريخ الذي لا ينساه أبدا، حيث حدثت الطامة والمصيبة، بانهيار جميع أسهم الشركات المُدرجة في السوق، بالنسبة القصوى المسموحة، ثم توالت الخسائر لأيام عدّة متتالية، وكانت الضربة القاضية لكثير من الناس، وكان هو واحد منهم، حيث تحوّل في ايام معدودة، من الغنى الفاحش إلى الفقر المدقع، وحاول بشتى السبل ايقاف الانحدار، او التقليل من اثاره، وسعى إلى البيع بأي سعر، ولكن لم يجد تجاوبا، حتى أتت على جميع ما يملكه من الأسهم، وفي تلك الفترة داهمته كثير من الأمراض، لا شك أن لخسارة الأسهم (كما يقول) دورٌ كبير فيها، وبعدها زادت الالتزامات، واولها التزمه بالوفاء بسداد التأمينات، ولكن مرضه أعجزه نهائيا عن الحركة، وحينها استأذنته زوجته الحرة الوفية، في أن يسمح لها بالتصرف في مالها، حيث قامت دون تردد في بيع كل مصوغاتها الذهبية، وأنفقت جميع مدخراتها المالية، ودخلت في العديد من القروض، وكتموا امرهم حتى لم يعلم به احد، حتى أقرب الناس منهم، ولم يدري احد بما كانوا يعانونه من المصاعب، إلى أن خرجوا من هذه الازمة بعد سنين عجاف، بعدما انتهت أقساط التأمينات، وبدء صرف راتبه التقاعدي في ١/٤/١٤٣٢هـ.
ويعقب بكلام المؤمن المحتسب، (الحمد لله على كل شيء، وقد كان وضعي أفضل من غيري، وكل ما خسرته كان يخصني وحدي، ولم أبع شيئًا، ولم أقترض للتداول، كانت ست سنوات رهيبة فضيعة، كنت أظنها لن تنتهي)، ويستخلص الدرس أو الخطأ الذي ارتكبه، (أنه وضع جميع أمواله في مكان واحد) وفي الامثال (لا تضع كل البيض في سلة واحدة)، ولكنه قدر الله المحتوم، نسال الله أن يعوضه ويكتب أجره.
الحالة الاجتماعية :
زوجته هي الفاضلة المعلمة عائشة بنت فرح علي الأبياتي، خريجة معهد المعلمات بفيفاء، وعملت في التدريس إلى أن تقاعدت، وقفت مع زوجها وساندته ودعمته، واهتمت بالعناية به، وفي تربية أولادهما الستة، خمسة ابناء وبنت واحدة، وهم على النحو التالي:
- أفنان، متزوجة ولديها اولاد.
- خالد، خريج كلية التقنية، موظف في القوات البحرية.
- عبد الرحمن، خريج كلية التقنية، موظف في القوات البحرية.
- موسى (كان اسمه رائع) غيَّره إلى موسى لعدم تطابق اسمه في اللغة الإنجليزية بين الهوية الوطنية والشهادات المدرسية، حتى أنه لم يستطع التقدم لأحد الاختبارات، حيث رفض النظام قبوله لهذا السبب، لديه الثانوية العامة.
- عبد الخالق، توفي صغيرا رحمه الله وجعله شفيعًا وفرطا لوالديه.
- طلال، طالب في السنة التحضيرية في جامعة جدة.
بارك الله فيهم واصلحهم وجعلهم امتدادا صالحا لوالديهم، وبارك الله فيه، وحفظه بحفظه، ونفع به وبعلمه، ونختم هذه السيرة المباركة، بمقولة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)، حيث يقول : (الحياة الطيبة، ليست كما يفهمها بعض الناس، في السلامة من الآفات من الفقر والمرض، بل إن الحياة الطيبة، أن يكون الانسان طيب القلب، منشرح الصدر، مطمئنا بقضاء الله وقدره، إن اصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرا له)، واحسبه كذلك ولا ازكي على الله احدا.
حفظه الله ووفقه، وبارك فيه وفي جهوده، وفي علمه ونفع به، وكثر فينا من امثاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الاستاذ يحيى بن حسين علي آل الصخيب الابياتي الفيفي
الرياض في 1443/9/24هـ
نعم الرجل المهندس يحيى حسين علي
حفظه الله ووفقه لكل خير
وكتب له الاجر والمثوبه جمع بين العلم والإبداع وحسن الخلق