المهندس احمد بن حسين جبران الابياتي الفيفي
اعداد الشيخ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الخسافي ـ ابو جمال
المهندس احمد بن حسين جبران الابياتي الفيفي
الهندسة المدنية من اهم التخصصات التي تدرّس في كليات الهندسة، وهو تخصص يجمع بين الإبداع والمعرفة العلمية والتقنية، ويلعب دورًا أساسيًا في تحسين جودة حياة الناس وتطوير المجتمعات، وهي على اقسام متعددة، فيأتي في مقدمتها الهندسة الإنشائية، التي تركز على تصميم وبناء هياكل قوية وآمنة، مثل المباني والجسور، وهندسة الطرق والمواصلات، حيث تهتم بتخطيط وتصميم شبكات الطرق والمواصلات العامة، والهندسة الجيولوجيا التقنية، وتخصصها في دراسة التربة والصخور، لتحديد كيفية تأثيرها على تصميم الهياكل والمباني، وهندسة المياه والبيئة، وتهتم بإدارة الموارد المائية، ومعالجة المياه والصرف الصحي، والتخلص من النفايات، والهندسة الهيدروليكية، التي تركز على تدفق وتحليل المياه، وتصميم السدود والخزانات، وشبكات الصرف، ثم من مهامها الاشراف على عمل المنشآت، اثناء فترة تشغيلها واستمرار عملها، وهو علم متطور لا يتوقف عند حد معين، وبالذات في عصرنا الحاضر، مما يلزم المتخصص في هذا العلم، متابعة كل جديد يحدث فيه، مع التطورات الهائلة والمخترعات المتسارعة، ولا يتخصص فيه إلا ذو همة عالية وعقلية موهوبة صبورة، فهو يحتاج إلى بذل كثير من الجهد في سبيل تحصيل علومها، ثم في متابعة تطوير قدراته، مع التحلي بروح الابداع والتطوير، والسعي الجاد في متابعة كل جديد.
تميز صاحب سيرتنا بكل هذه المواصفات المطلوبة، ولذلك نجده حاد الذكاء، سريع الاستيعاب والفهم، صبور وطالب علم مثابر، هادئ الطبع حسن الخلق في تعامله مع كل الناس، وقد قصر اهتماماته في تخصصه الذي عشقه واخلص له، كانت الدراسة في الجامعة وفي متابعة اعماله كلها تحديات، وهو يتميز بقبول التحديات والصعوبات، لأن الهندسة المدنية تتطلب مزيج من المهارات النظرية والعلمية، وتتطلب مستوى عال من الكفاءة في الرياضيات، بما في ذلك التفاضل والتكامل والمعادلات التفاضلية والاحصاء، وفهم المبادئ الفيزيائية، ودراسة مواد متقدمة مثل تحليل وتصميم الهياكل، والكثير من العمل العملي في المختبرات، ليختبر الطالب المواد والبنية والهياكل، ولكنه بإصراره واجتهاده استطاع التغلب على كل تلك الصعوبات، وهذا النوع من التخصص يتطلب العمل على مشاريع واقعية، كالتخطيط والتصميم والتنفيذ، وكل ذلك موجه لحل مشكلات واقعية، مما يتطلب التوازن بين النظرية والتطبيق، ويلزم لكل ذلك الالمام بالتقنيات والبرمجيات الهندسية الحديثة، التي تساعده على إعداد المخططات والحسابات الهندسية، وادارة الوقت الذي يعتبر احدى التحديات الكبيرة فيه، ليستطيع من خلاله الطالب، الموازنة بين المحاضرات، وارتياد المختبرات، وزيارة المشاريع، مع الدراسة الذاتية، فالضغط لا يتوقف على الطالب الجاد، من الجانب الاكاديمي، وفي التعامل مع الجداول الزمنية الضيقة، والمواعيد النهائية الصارمة، للمشاريع والاختبارات، واستطاع بقدراته وجلده وحسن تنظيمه لوقته، تجاوز كل ذلك واحراز النجاح والتفوق، ثم في ما بعد في عمله الوظيفي، وخلال تطبيق دراساته على ارض الواقع، في بلديات ابها وبلجرشي وفيفاء وصبيا والعيدابي، واعمالها الكبيرة والمتجددة والمتباينة والدقيقة، لقد كان هذا توجهه وهذه قدراته وهذا سيره ومسيره، بارك الله فيه وزاده علما وتوفيقا، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله.
أنه المهندس احمد بن حسين جبران آل معسف الابياتي الفيفي حفظه الله ووفقه.
والده هو الشيخ الوجيه حسين بن جبران محمد حسن آل معسف الابياتي، كان من اكبر اغنياء فيفاء، بنى ثرواته من الصفر، فقد كان عصاميا يعمل ويكدح ويرتفع قليلا قليلا، يعضده الصدق والامانة والوفاء، وكوّن ثرواته في وقت عصيب وشديد، إلى أن وصل إلى درجة لا يجد من اراد أن يبيع شيئا من عقاراته آخر ينافسه، فكانت قدراته المالية وممتلكاته كبيرة وكثيرة، ومع ذلك فهو لم يركن إلى الخمول والقناعة بما بين يديه، بل كان يعمل ويكدح عملا بمقولة الرسول صلى الله عليه وسلم (إن قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها)، فالعمل مطلوب من المسلم إلى آخر نفس من انفاسه، كان له دكان في سوق النفيعة الاسبوعي، لا يكاد يغيب عنه إلا نادرا، ويمارس فيه البيع والشراء في بعض الاقمشة، وممارسة الصرافة، رحمه الله وغفر له، تميز بحسن الخلق والطيبة والتعامل الجيد مع كل الناس، ذو حكمة ورأي سديد، ونظرة بعيدة صائبة، مما نلاحظه بوضوح في ابنائه من بعده, حفظهم الله ووفقهم، وتوفي رحمه الله في عام 1389هـ، وعمره يقارب الثمانين سنة، رحمه الله وغفر له وتجاوز عنه.
واما امه فهي الفاضلة مريم بنت جبران سالم آل وعالة الابياتي رحمها الله، تميزت بالطيبة والكرم والبر والاحسان، وترملت على اولادها ومعظمهم صغار في السن، فأحسنت تربيتهم وتوجيههم، والاشراف على تكاتفهم وتقوية العلائق بينهم، فكانت نعم الزوجة لزوجها رحمهما الله، ونعم الام والمربية الناصحة لجميع ابنائها حفظهم الله، وحتى لمعظم احفادها واسباطها، كانت تتمتع بالرأي الصائب والحكمة والطيبة, واشتهرت بالعطف على المساكين والفقراء، رحمها الله وغفر لها وتجاوز عنها.
ولد لهذين الفاضلين في بيتهم(حماس)، في بقعة حيدان واطراف بقعة العذر من فيفاء، في عام 1387هـ، وكان ترتيبه السابع بين الاخوة الاشقاء، واخر العنقود بينهم، والثالث عشر بين جميع اخوانه لأبيه، لم يعرف اباه ولم يهنئ به، فقد توفي والده رحمه الله وما زال دون الثانية من عمره، فنشأ يتيم الاب ولكن اكتنفته امه واخوه الاكبر عيسى، واحاطوه بكثير من الاهتمام والرعاية، فعاش وتربى في بيت كبير يضم عددا كبيرا من الاخوة والاخوات والاحفاد، بيت يعج بالرواد والحركة في كل الاوقات، بيت هو مقصد لمعظم الناس الذين يجدون فيه الخير العميم، ولذلك عاش حياة وطفولة مستقرة، لم يتخللها أي صعوبة أو فقد أو حنان.
تعليمه :
لما وصل إلى السن المناسب للدراسة، وبلغ السادسة من عمره، التحق بالمدرسة الابتدائية بالنفيعة، مع بداية العام الدراسي 1393/1394هـ، وقد سبقه اخويه الاكبرين عبدالله ويحيى حفظهما الله، فكانا له رفيقين في ذهابه وايابه، وقد كانت المدرسة تبعد عنهم بمسافة لا بأس بها، يستغرق السير إليه حوالي ربع ساعة أو تزيد قليلا، في صعود متواصل من بيتهم حماس، يمر ببيت الشباب ثم حبيل مبسط، وإلى النغوة ثم سوق النفيعة، والمدرسة في الطرف الشرقي من السوق، لم تكن الطريق تشكل امامه أي عقبة في تلك الفترة، قبل وصول طرق السيارات، فهو امر اعتيادي بسيط، وبالذات مع رغبته في الدراسة وتعلقه بها، فارتاح في دراسته وذهابه وايابه، وكانت هذه المدرسة اول مدرسة تفتح في فيفاء، بل في كامل القطاع الجبلي من مرتفعات جازان، وتعاقب عليها اثناء التحاقه بها، مجموعة من المدراء الافاضل، مرورا بالأستاذ حسين بن جابر الخسافي، ثم الأستاذ الشيخ حسن بن فرح الابياتي، وانتهاء بالأستاذ حسن بن محمد الابياتي، رحمهم الله جميعا، وكانت زاخرة بكوكبة من المعلمين الوطنيين والاجانب الافاضل، يذكر منهم كل من الاستاذ يحيى بن حسن فرحان الابياتي، والاستاذ يحيى بن علي حسن الابياتي، والاستاذ علي بن فرحان الخسافي، والاستاذ اسعد بن فرحان الظلمي، والاستاذ صابر (المصري) معلم الرياضيات، ويذكر عن هذا المعلم الاخير، أنه كان يحرص على ان يحفظ الطلاب جدول الضرب كاملا، حفظا عن ظهر قلب، بل وكان يعاقب كل من لم يقم بذلك، أو يتأخر في حفظه أو يتلكأ، ومعظم الطلاب كانوا لا يستسيغون ذلك، ويعتبرونه عبئا ثقيلا، ويرونه امرا صعبا ومرهقا، ولكن معظمهم عرفوا نتائجه الايجابية فيما بعد، واصبح لذلك نتائج معينة لهم، ومميزة في بقية مراحل دراساتهم التالية، وكذلك مر به في المدرسة العديد من المعلمين الكرام رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين، لقد كان جادا في دراسته وانتظامه، يترقى في فصولها عاما بعد عام، إلى أن تخرج من الصف السادس الابتدائي، في نهاية العام الدراسي 1398/١٣٩٩هـ، لينتقل مباشرة إلى المدرسة المتوسطة الوحيدة في الجوار، وكان موقعها في نفس منطقة النفيعة، لا يفصل بينها وبين الابتدائية إلا سوق النفيعة فقط، لكنها لم تبقى في موقعها هذا كثيرا، حيث انتقلت مع بداية الفصل الدراسي الثاني، إلى مبنى آخر حديث في نيد الدارة، في اطراف بقعة العذر من الجهة الشرقية، وكانت بالنسبة له اسهل في الوصول إليها، فالطريق من بيته إليها دارجة سهلة، وكانت مشتركة مع المرحلة الثانوية في نفس المبنى، وفي الادارة والمعلمين، وكان مديرها في ذلك الوقت، هو الاستاذ القيادي الشيخ حسن بن فرح الابياتي رحمه الله، وسارت معه الأمور فيها على ما يرام، لم يجد فيها ما يعكر طريقه أو يصعب عليه، فقد شقها بكل قوة وتفوق، متبعا اسلوبه السابق في المرحلة الابتدائية، فكان جاد مجتهد متفوق في دراسته، ووجد في هذه المدرسة نخبة من المعلمين المتعاقدين الافاضل، سواء في المرحلة المتوسطة، ثم في المرحلة الثانوية في نفس المدرسة، ويذكر من هؤلاء كل من الاستاذ محمد شكري (مصري) في المتوسطة ثم في الثانوية، والاستاذ صفوة ( مصري) معلم فنية في المتوسطة، والاستاذ سلامة (مصري) معلم الدين في المتوسطة، والاستاذ محمد حسن(مصري) معلم تاريخ في المتوسطة، والاستاذ علاء(سوري) معلم انجليزي في المتوسطة، والاستاذ صبري (مصري) معلم بدنية في المتوسطة والثانوية، والاستاذ محمد مختار(مصري) معلم رياضيات في الثانوية، والاستاذ سعد الدين(مصري) معلم لغة انجليزية في الثانوية، والاستاذ اسماعيل مرضي (سوداني) معلم احياء وكيمياء، رحم الله من مات منهم وحفظ بحفظه الباقين، وكانت هذه المرحلة بالنسبة له نقلة خاصة ومتميزة، تميزت باختلاف البيئة الخاصة، وفي اختلاف اهتمامات المدرسة التربوية، إضافة إلى اهتماماتها بالدراسة المنهجية، وجودة التحصيل العلمي للطلاب، ولم تغفل الاهتمام بجوانب الانشطة المتعددة، فكانت المدرسة في تلك الفترة شعلة وهاجة من النشاط والحيوية، سواء داخل فصولها أو خارج اسوارها، لها تأثيرها الايجابي في المحيط الملاصق لها، استقطبت جميع فئات المجتمع من حولها، واعادة صياغة الافكار والتوجهات وصححتها، من خلال ما تقدمه وما تقوم به على مدار العام الدراسي، فلا تخلوا من اقامة العديد من الفعاليات، والانشطة المتنوعة، عن طريق الاذاعة المدرسية، ومن خلال المسرح الطلابي، كفقرة اساسية في احتفالاتها الدورية، ومسرحياتها واناشيدها الهادفة.
واصل دراسته في هذه المرحلة بكل جد واجتهاد، إلى أن تخرج منها حاصلا على الكفاءة المتوسطة، في نهاية العام الدراسي1401/1402هـ، وانتقل ملفه بكل سلاسة إلى المدرسة الثانوية، بحكم انهما كانتا مدرسة واحدة، مشتركتان في المبنى والادارة والمعلمين، ليواصل مسيرته الدراسية في هذه المرحلة الثانوية، ويسير على نفس الاسلوب ونفس النمط، لم يتغير شيء عليه، إلا أنه قد زاد من اهتماماته واجتهاده اكثر من ذي قبل، بما يتناسب مع هذه المرحلة الاقوى والاعلى، وحسب طموحاته ونظرته الجادة للمستقبل الواعد، لتمضي به السنين سريعة متتابعة، ويقطعها بتوفيق الله من نجاح إلى آخر، وبحكم كون هذه المدرسة هي الوحيدة في كامل القطاع الجبلي بجازان، ويلتحق بها كثير من الطلاب من انحاء فيفاء ومن خارجها، وبالذات طلاب جادين من جبال بني مالك المجاورة، ويذكر من زملائه المتفوقين المنافسين في هذه المرحلة، كل من الدكتور يحيى بن ماطر المالكي، والدكتور حسين بن يحيى الشريفي، واللواء المهندس عبدالله بن علي حسن الابياتي، الذين قضى معهم وامثالهم من الزملاء الافاضل، في رحاب هذا الصرح العلمي ثلاث سنوات ماتعة، كانت كلها حافلة وجادة وجميلة، لتمضي سنواتها بكل جمال ومتعة، تحمل كثيرا من الآمال والاحلام والنظرة الطامحة، ليتخرج منها بتوفيق الله في نهاية العام الدراسي 1404/1405هـ، حاملا شهادة الثانوية العامة بتفوق.
الدراسة الجامعية :
ما إن حمل شهادة الثانوية العامة، حتى اتجه مباشرة بكل عزيمة إلى مدينة الرياض، لا قصد له إلا مواصلة دراسته الجامعية، وكانت له اماله وطموحاته واحلامه، ولا يقلقه شيء إلا بعض من مخاوف المجهول والغربة والبعد عن اهله وبلدته، حيث لا يدري ما ينتظره في هذه البيئة الجديدة، فكانت المعلومات لديه عنها شحيحة، بل وشبه معدومة، فلا يدري ما هو مقدم عليه، سواء في الدراسة الجامعية وتخصصاتها، مع انها هدفه الاساسي وطلبته الوحيدة، ولا يدري كيف ستكون حياته هنا وتأقلمه معها، واين سيكون مستقر سكنه واقامته، وهل فعلا يستطيع البعد لفترة طويلة عن اهله، وكانت كلها عوارض تحجب عنه الرؤية الواضحة، وتعكر عليه احيانا صفو نفسه الداخلي، ولكن رغبته وطموحه كانت اكبر من ذلك واقوى، بحيث كانت تحجّم وتُلجم كل هذه الافكار السلبية، وبالطبع ما إن وصل إلى مدينة الرياض، وإلى مقصده الأول جامعة الملك سعود، إلا وانجلت كثيرا من الضبابية عن عينيه، وابتدأ في التخلص من معظم توجسه ومخاوفه، التي وجد معظمها ليست واقعية ولا حقيقة، وقد تيسرت امامه الأمور بفضل الله وتوفيقه، حيث تم قبوله مباشرة في كلية الهندسة، التي كانت هي رغبته الاولى، وتم قبوله في تخصص الهندسة المدنية، وكم كان يحلم بها ويميل إليها من قبل.
وهذا التخصص (الهندسة المدنية)، يهتم بتصميم وتشييد وصيانة البنية التحتية الأساسية، التي تشمل تصميم الجسور والانفاق، وتصميم وإنشاء الطرق السريعة، والشوارع والممرات، وإنشاء المباني السكنية والتجارية والصناعية، وتصميم السدود للتحكم في تدفق المياه، وفي توليد الطاقة الكهرومائية، وتصميم وتطوير أنظمة توفير المياه النظيفة، ومعالجة مياه الصرف الصحي، فالهندسة المدنية تجمع بين الإبداع والمعرفة العلمية والتقنية، وتلعب دورًا أساسيًا في تحسين جودة حياة الناس وتطوير المجتمعات، وقد احب هذا التخصص رغم ما يطلبه من بذل الكثير من الجهد المضاعف، فكان من اقوى التخصصات في هذه الكلية، من حيث المواد وتعددها، والتطبيقات والبحوث، والمعامل والزيارات المتعددة، ولكنها في نفس الوقت متعة للطالب الجاد المحب.
بدأت الدراسة من أول يوم له على افضل وجه واتمه، وكما كان يخطط له ويتمناه، فلم يواجه فيها أي معوقات أو صعوبات تذكر، بل سار فيها بحمد الله سيرا حسنا، ووجد في التخصص ضالته، حيث احبه واستوعب كامل قواعده، وكانت الامور في الجامعة منظمة وميسرة، يوفر للطلاب فيها السكن المناسب، ووفرة المطاعم والملاعب والصالات الرياضية والترفيهية، وتصرف لكل طالب مكافأة شهرية، وما اسرع ما تأقلم مع محيطه ودراسته، والف الغربة والبعد عن اهله، وتعود على الاعتماد على نفسه، وفي التأقلم مع طرق التدريس في الجامعة، التي تختلف كثيرا عما كان قد ألفه في التعليم العام، فالطالب في الجامعة يكون هو المسؤول الوحيد عن تحصيله العلمي، وفي ترتيب أوقاته العامة والخاصة، ويعيش فيها مستقل بكل اموره وكل قراراته الخاصة والعامة، وعليه أن يتدبر جميع ما يلزمه، وفي متابعة دراسته وبحوثه وعلاقاته، وكان اكثر ما واجهه من الصعوبات في هذه المرحلة بعد البعد عن اهله، يتمثل في كون المقررات والمواد التخصصية فيها باللغة الانجليزية، وكانت بضاعته فيها قليلة مزجاة، مما جعله يضاعف الجهد في اكتساب ما يسد العجز لديه، فكان يقضي كثيرا من وقته في عملية الترجمة اليدوية، وبالأخص في المصطلحات العلمية الكثيرة، وكان هذا التخصص دقيق وكبير وشاق، ولكنه صمد وكافح وجد واجتهد، لتمضي به السنين يترقى بين مستويات هذا القسم، ويحقق النجاح تلو النجاح، والثقة في قدراته ومكتسباته اكثر واكثر، إلى أن تخرج من الكلية بفضل الله وتوفيقه، في نهاية العام الجامعي 1412هـ، ليتجه إلى استكمال كثير من مستجدات هذا التخصص على ارض الواقع، ويطبق ما درسه ويتزود بالخبرات العملية والعلمية.
إن الهندسة المدنية من العلوم والتخصصات المتجددة، التي يجب على المتخصص الجاد فيها، العمل على متابعة كل جديد ومفيد يصدر فيها، وإلا فلن يشعر إلا وقد فاته القطار، وبقي واقفا حائرا في محطاتها المظلمة، واصبح يسير وحيدا خلف القافلة، فلا هو في العير ولا في النفير، ولذلك تنبه للأمر وحرص على تطوير قدراته والرفع من مستواه، وعلى متابعة كل جديد يصدر في هذا المجال الحيوي، ولذا نجده قد التحق بالعديد من الدورات والبرامج والمشاريع والمؤتمرات، ومن بعض ذلك باختصار ما يلي :
- دورة في مجال تنفيذ الخلطات الاسفلتية.
- المشاركة في ندوة إدارة صيانة شبكات الطرق والجسور، وعقود الصيانة، بالمعهد العربي لإنماء المدن.
- المشاركة في الندوة السعودية الأولى، لهندسة الزلازل، المقامة بكلية الهندسة بجامعة الملك سعود.
- حضور ورشة عمل هندسة الزلازل، وإدارة الكوارث بوزارة البلديات.
- حضور دورة هندسة الزلازل، ودور الجهات الحكومية في تخفيف الخطر الزلزالي، في كلية الهندسة جامعة الملك سعود.
- حضور حلقة تعريفية عن الهندسة القيمية، في وكالة الوزارة للتخطيط والبرامج.
- دورة تدريب المدربين، للتهيئة والتوعية المهنية، لتنمية السياحة في منطقة جازان.
- دورة تطبيق المواصفات العامة لإنشاء الطرق الحضرية.
- دورة تطبيق نظام المعلومات الجغرافي، ونظام تحديد الموقع، وتقييم وإدارة الطرق والمرافق.
- دورة الهندسة القيمية للمستوى الأول بالوزارة .
- دورة منهج six sigma للتنافسية والتميز .
وغير ذلك من المؤتمرات والمحاضرات، والاطلاع على المجلات المتخصصة، وكل ما يطور قدراته ويتابع من خلالها مستجدات تخصصه.
العمل الوظيفي :
بعد تخرجه مباشرة تقدم بأوراقه إلى ديوان الخدمة المدنية، باحثا عن عمل يناسب تخصصه، ولم يمضي طويل وقت حتى تم تعيينه على المرتبة السابعة، مهندسا في بلدية مدينة أبها، ليباشر عمله فيها من تاريخ 2/11/1412هـ، حيث أتيحت له فرصة تطبق كثيرا من النظريات التي درسها على ارض الواقع، وكانت تجربة نافعة ومفيدة، واكتسب خلالها كثير من الخبرات والتجارب الايجابية، واستمر يمارس عمله في هذه البلدية النشطة، لأكثر من أربع سنوات، إلى أن تم ترقيته في 11/1/1417هـ إلى المرتبة الثامنة، وكانت الوظيفة في بلدية مدينة بلجرشي، في منطقة الباحة، ولزمه المباشرة على هذه الوظيفة، واستمر فيها لمدة عام كامل، كان خلالها يسعى إلى نقله للعمل في بلدية فيفاء، وبعد مرور العام حسب مقتضيات ديوان الخدمة، تمت الموافقة على نقل وظيفته إلى بلدية فيفاء، وباشر فيها من تاريخ 8/3/1418هـ، وعندها ارتاحت نفسه وهو يعود إلى بلدته الاصلية، ويداوم من بيته بعد فراق لأكثر من ثلاثة عشر سنة، من بعد تخرجه مباشرة من المرحلة الثانوية، وبعد مضي اربع سنوات وفي تاريخ 1/7/1422هـ تمت ترقيته إلى المرتبة التاسعة، على ملاك بلدية صبيا، ليلزمه المباشرة فيها، وبقى فيها لعام كامل يداوم كل يوم من بيته بفيفاء، وتم بعد مضي العام الموافقة له على العودة إلى بلدية فيفاء، وعاد إليها من جديد في تاريخ 1/12/1423هـ، ليستمر عملها بعدها مستقرا في بلدية فيفاء، حيث لم ينقل بعدها في كل ترقياته التالية، فقد واصل فيها لأكثر من ستة عشر سنة، ارتاح باله يؤدي عمله على خير ما يرام، وكلف خلال هذه الفترة بممارسة العمل في اكثر من مهمة، وفي اكثر من قسم ومجال داخل البلدية، فقد عمل مديراً للشؤون الفنية، وكلف بالعمل نائبا لرئيس البلدية، واسندت إليه رئاسة البلدية لأكثر من مرة، حينما يتمتع رئيس البلدية بإجازاته الاعتيادية، حيث قام بالنيابة عنه مرة لمدة اربعين يوماً، وبعدها لمدة ثمانية وثلاثين يوما، ومرة اخرى لمدة تسعة عشر يوما، وكلف بالعمل عضواً في اللجنة الدائمة للوثائق بالبلدية، وندب في 1/1/1432هـ للعمل في بلدية العيدابي ولمدة اربعة أشهر، وعاد بعدها إلى بلدية فيفاء، وكلف عضوا رئيسيا في لجنة الاستثمار بالبلدية، وكلف بأن يكون رئيسا للجنة فتح المظاريف، والقيام بإدارة المشاريع في البلدية، بما فيها (الدراسات) الخاصة بذلك، وواصل عمله وعطائه بكل جدية ونشاط، وفي خلالها تمت ترقيته تباعاً، إلى المرتبة العاشرة ثم المرتبة الحادية عشرة وإلى المرتبة الثانية عشرة، ومسمياتها كلها في بلدية فيفاء، إلى أن أصيب في عام 1436هـ بورم في الحبل الشوكي، اقعده تماما عن الحركة والعمل لأكثر من عام كامل، إلى أن تم استئصال هذا الورم بنجاح والحمد الله، وعاد بعدها إلى عمله من جديد، ولكنه بقي يعاني كثيرا من اثار هذه العملية، ويتعبه كثيرا الجلوس، أو الوقوف الطويل في ميدان العمل، ونتيجة لكل هذه الظروف الصعبة، والمعوقات الخارجة عن ارادته، قرر بقناعة منه طلب الاعفاء واحالته على التقاعد المبكر، ليصدر قرار احالته على التقاعد المبكر، اعتبارا من تاريخ 1/7/1437هـ.
تفرغ بعد تقاعده للراحة التامة، والعمل على اكمال علاجه، ثم اضطر لاحقا للانتقال للسكن في مدينة جيزان، بسبب ظروف دراسة أولاده في جامعة جازان، وفي مقر سكنه الجديد تفرغ لممارسة هوايته في تجارة العقار، إلى أن سعى إلى ترتيب مكتب هندسي خاص به، وقد استكمل جميع المتطلبات والاجراءات الرسمية، إلى أن منح رخصة رسمية لفتح هذا المكتب، وهو يقوم حاليا على تفعيل هذا المكتب وافتتاحه، بالطريقة الفاعلة والناجحة، وفقه الله واعانه ونفع به.
الحالة الاجتماعية :
تزوج وهو طالب في الجامعة، من الفاضلة فاطمة بنت يحيى موسى آل خفشة الابياتي حفظها الله، فكانت له نعم الزوجة والعون والمعين والمحفز، فهي ربة بيت فاضلة، ومربية ناجحة، ساندته واعانته ووقفت بجانبه، وهو طالب وموظف، يتنقل في اكثر من مدينة ومنطقة، تدعمه وتعضده وتفرغه لعمله ومهامه الكبيرة والكثيرة، فقامت على بيتها واولادها ترعاهم وتوجههم، وقد رزقا بسبعة اولاد، اربعة ابناء وثلاث بنات، وهم على النحو التالي :
- عبدالله توفي رحمه الله.
- محمد طالب في جامعة جازان، تخصص هندسة الحاسب.
- عبدالرحمن طالب في جامعة جازان، كلية إدارة الأعمال تخصص محاسبة.
- سعد طالب في المرحلة المتوسطة.
- زينب خريجة كلية العلوم الطبية تخصص تغذية اكلينيكية.
- بشرى تعمل طبيبة (طب عام وجراحة).
- افنان كلية إدارة الأعمال، تخصص تسويق وتجارة الكترونية.
رحم الله عبدالله وغفر له، وجعله فرطا وشفيعا لوالديه، وحفظ الباقين ووفقهم وبارك فيهم، وحفظها من اسرة كريمة مباركة، وحفظه الله من رجل همام ذو خلق وادب جم، واسعده وبارك فيه، وكثر في مجتمعاتنا من امثاله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محبكم/ عبدالله بن علي قاسم آل طارش الخسافي ـ ابو جمال
الرياض في 9/5/1446هـ
المهندس احمد بن حسين جبران الابياتي الفيفي
ماشاء الله تبارك الله ،، سيرة عطرة للمهندس احمد ،،اشكرك يابو جمال .جزاه الله خير على ما قدم ونسأل الله له التوفيق دائما وابدا ..
حفظ مهندسنا الغالي أحمد حسين ووفقه فقد كان نعم الزميل في ثانوية فيفاء وكنا نلجأ إليه في حل بعض المسائل الرياضية كثيرا فلم يبخل علينا رغم التنافس بيننا في ذلك الزمن الجميل ، لعلنا نلتقي إن شاء الله بمهندسنا قريبا بحول الله تعالى . شكرا شيخنا الفاضل عبدالله لعرض مسيرة هذه الشخصية المعطاءة 😇💐🌹😇