مقالات

من العادات و الأدوات التراثية (21)

أ : علي بن جبران المدري

من العادات و الأدوات التراثية (21)

ضيفة كرس حلقن .

مقدمة :

عاش أهالي جبال فيفاء منذ القدم مرحلة انزواء مما ولد عليهم شدة وبأس وذلك بسبب التضاريس الصعبة . وصعوبة المواصلات منها وإليها.

وبسبب الفتن والقتل التي كانت سائدة فيما بينهم . وبسبب هذا وذاك لم تمر بها طرق التجارة ولم يعتن بها أحدٌ من الرحالة والمؤرخين الأقدمين ، حتى أن الهَمْداني لم يذكرها باسمها في صفة جزيرة العرب ، بل ذكر ما قرب منها مثل نافية أو (( أنافية )) كما ذكرنا عند حديثنا عن شط الصبايا ونافية في غرب الجبل ،

عزلة أهل الجبل

فعاش الجبل بأهله في عزلة وجهل ، ولذا لم نقف على خضوعهم لدولة أو غزوهم بجيش فيما تحت أيدينا من كتب التأريخ ، فيما قبل القرن الحادي عشر الهجري ، وإذا كان الهَمْداني في استقصائه لمعالم وأماكن الجزيرة العربية عامة وجنوبها خاصة قد أغفل إسمها فغيره من الجغرافيين لا يلام لبعد أولئك الجغرافيين عنها ومن وصل منهم إلى جنوب الجزيرة على قلتهم آنذاك لم يصل لفيفاء لبُعْدها عن طرق المواصلات ،

واعتزال أهلها عن الاتصال بغيرهم وبسبب بعدهم وصعوبة المواصلات لم يدون تاريخها القديم فيما قبل القرن الحادي عشر .

وأول ما وقفنا عليه في كتب التأريخ التي تحت أيدينا هو غزو لجهة جبل فيفاء في سنة 1035هـ من قِبل جيش الإمام اليمني المؤيد بالله ، فأحدثوا في أهالي فيفاء مقتلة عظيمة كان أكثرها في قبيلة آل شراحيل والأشراف مما أدى لضعفهم ..

حيلة إخراج المحتل

ورأى أهالي فيفاء أنه لاطاقة لهم بالجيش اليمني الغازي ذو القوة والعدد . وأهالي فيفاء لايملكون حينها إلا الرماح والمواظف التي تفلق الرؤوس . ولما أحسّ أهالي فيفاء بالغلبة قرروا على إخراج المحتل بطريقة أخرى أذكى وأقل خسارة ‘

وقيل كانت الضيافة على طور حلقن لغزاة من بني حشيش تحصنوا في دارة في الكدرة وليس لغزو المؤيد اليمني ولكن المهم أنهم غزاة كانوا ذو قوة وبأس ويفوقون أهالي فيفاء في العدة والعتاد . فخطط أهل فيفاء وتشاوروا في عمل وليمة تكون في (( كرس حلقن )) المواقع الظاهر في الصورة المرفقة ..

فوافق المدعوون لتناول طعام العشاء فوضع أهالي فيفاء خطة العشاء في مكان مطل على الهوّة السحيقة من ( كرس حلقن ) ووضع الأهالي ذاك الستار المغطي على الهوّة لكي لايرى مصيرهم فيتم القضاء عليهم كلهم في ذلك الليل المظلم .

وقام أحدهم بالإختباء وراء الستار وقالوا للغزاة تفضلوا واحداً تلو الآخر . وتعالوا اغسلوا أيديكم وتقدموا للعشاء في المكان الآخر من مكان الإستقبال والغسيل  وكما يذكر الشيبان وما توارثوه بقولهم بأن أخبروهم أن المكان ضيق لايتسع إلا لواحد يغسل يديه فقط .

ويتقدم للعشاء ويتلوه الآخر وهكذا  فكان كلُ ما دخل أحد الضيوف الغزاة يَرْمى به ذلك الفيفي المختبي بقوة حتى لايسمع صوته فأخذوا يقدمون واحداً تلو الآخر حتى قُضى على قادتهم وكبرائهم من تلك الهوة.

فيفاء وجيوش المرتزقة

فانكسر بقية الجيش اليمني وعادوا يجرون ذيول الخسارة والهزيمة وبعدها عاد الأهالي إلى انزوائهم وتوحشهم ، حتى غزاهم بعدها أمير المخلاف السليماني بجيش من مرتزقة يام عام 1165هـ.

وقد انهزم الأمير وجيشه ، وغنم الفيفيون أكثر أسلحتهم ، ولم يعد من الجيش إلا فلوله القليلة ، وفي سنة 1175هـ وصل المكرمي داعية نجران يطالب أمير المخلاف بالأخذ بثأر أصحابه ، وبعد الاستعداد تقدموا إلى فيفاء من عدة اتجاهات ، فمني الجيش بهزيمة منكرة أشد هولاً وأفدح خسارة من سابقتها .

فيفاء والملك عبد العزيز آال سعود

 ومع هذا نجد أن تاريح الأتراك رغم تسلطهم على الجزيرة العربية ومرورهم بأكثر جهات السراة ، ولكن لم نقف أنهم غزوا أو ملكوا فيفاء في جميع عهودهم ، واستمر جبل فيفاء لا يخضع لسلطة ما ، حتى قام الإمام الإدريسي بتشييد إمارته في العقد الثالث من القرن في صبياء ، ودخلت جبل فيفاء تحت إمرة / محمد بن علي الإدريس وبقوا تحت إمرتة حتى وفاته في سنة 1341هـ ،

وقد حاول محمد بن علي الإدريس المحافظة على فترة حكمه بعد أن أدرك أطماع كل من الشريف حسين بن علي شريف مكة والإمام يحيى حميد الدين في اليمن فاتصل بعبدالعزبز آل سعود وكان يسمى سلطان نجد وملحقاتها وطلب منه العون والمدد ووجد الدعم المستمر من الملك عبدالعزيز حتى وفاته ١٣٤١هـ .

واضطربت إمارة الإدريس بعد وفاته وظلت فيفاء تابعة للإمارة الإدريسية حتى دعا الحسن بن علي الإدريسي الذي خلف حكم أخاه إلى توقيع اتفاقية مع الملك عبدالعزيز ملك مملكة الحجاز وملحقاتها حينها وضع بموجبها مابقى من إمارة الإدريسي تحت حكم الملك عبدالعزيز لكن الإدريس نكث فيما بعد بتلك الإتفاقية محاولاَ استعادة ماتفرق من إمارته ‘

فأرسل له الملك عبدالعزيز حملة عسكرية إلى صبيا لتاديبه ولم يستطع الحسن الإدريسي مقاومتها فهرب مع بعض اقربائه لليمن والبعض منهم بقى وبعده انضمت بقية تلك الإمارة إلى حكومة الملك عبدالعزيز ودخلت الإمارة وتوابعها من ضمنها فيفاء طواعية تحت حكم الملك عبدالعزيز .

وبقيت حتى توحيد المملكة جميعاً في سنة 1351هـ ، واستتب الأمن في ربوعها وتوسع العمران في نواحيها فعاش الأهالي في رخاء وأمن تحت ظل هذه الحكومة السعودية الرشيدة حفظها الله ورعاها 

ولكم تحياتي .

أ : علي بن جبران المدري

من العادات و الأدوات التراثية (21)

مقالات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى