مذكرات ومواقف (7)
(القرآن الكريم)
القران الكريم هو أساس العلوم
((العلم في الصغر كالنحت في الحجر)) جملة تعلمناها في صغرنا من معلمينا ، ومهما تعلمنا في كبرنا تبقى ذاكرة الطفولة مليئة بتلك العلوم والمعارف التي مرت بنا وشكلت مع غيرها من العوامل شخصياتنا ، لا ينكر أحد ما للتعليم في الصغر من أهمية بالغة ، وقد كُتِبَ في ذلك الكثير من المؤلفات ، طرحي هنا يختلف عن ذلك حيث أتناول تلك الفترة الزمنية من حياتي برؤيتي الخاصة التي من الممكن أن تكون تجربة مر بها الكل ، الفرق بيني وبينهم أني هنا أكتبها بصيغة فريدة كما أراها .
القران الكريم هو أساس العلوم كلها ، وأرى أن من يظن نفسه عالم لكنه لا يعترف بالقرآن فهو جاهل، فعلمه يصير دنيوي خال من العلم الروحي ، علمه الدنيوي يبقى للناس ، لكن بعد موته هل سيجني ثماره إن لم يكن قد نوى بذلك وجه الله تعالى ؟ العملية هنا معقدة ، لكننا كمسلمين ندرك ذلك تماما ، ومن خالط من هم من شرائع أخرى سواء كانت سماوية أو وثنية يرى كمية الاعتقاد الهائل الذين يؤمنون به ويبنون عليه كل شيء في حياتهم ،فأقول : أولسنا نحن المسلمون أولى بأن يكون ما نعتقده دافعا ومحفزا لنا ؟
وجدتُ في الإسلام راحة نفسية
كثيراً من علماء الغرب والشرق درسوا وتعلموا القرآن لا ليؤمنوا به ، بل ليبحثوا عن كنوزه المكنونة بين صفحاته ، منهم من تعلم اللغة العربية حتى يفهم القرآن بلسان عربي مبين ، عالم النفس الألماني “فيلي بوتولو” اهتم بتعلم القرآن مما كان سبباً في إسلامه وقال جملته الشهيرة : “إنني وجدتُ في الإسلام راحة نفسية، لم تفتقدها ألمانيا الغربية فحسب، وإنما تفتقدها أوربا كلها”.
تعلمت القرآن منذ صغري على يد أبي رحمه الله ، وأبي لم ينل حظه من التعليم النظامي كونه لم يكن متوفر في زمنه ، لكنه نال أعظم وأفضل تعليم في حياته وهو تعلم القرآن ، فبنى شخصيته من هذا الكتاب العظيم ، وَفَهِمَه تماماً ، وكان شغوفاً به ، حيث لازِلْتُ أذكر أنه كان في كل ليلة من ليالي رمضان يتدارسون القرآن في مسجد مجاور لبيتنا – مسجد الزور – مع الشيخ جابر يحيى العمري الفيفي رحمه الله تعالى و ممن هم في عمرهم من الجيران ، وكان يقوم بتدريسهم في ذلك الوقت الشيخ يحيى عبدالله , واخوه الشيخ إبراهيم عبدالله رحمهم الله ، بل إن أبي رحمه الله تعلم الكتابة والقراءة من خلال تعلمه للقرآن كما هو حاصل في ذلك الزمن مع جيل الخمسينات والستينات والسبعينات الهجرية .
بعد أن أتقن قراءة القرآن كان أبي يقوم بعمل حلقات لقراءة القراءة في ليالي رمضان من بعد صلاة العشاء إلى السحر ، نقرأ في الليلة الواحدة ما يقارب 5 إلى 6 أجزاء في جامع الغمر ، ولا حقاً في مسجد القعاد عند العم يحيى سليمان رحمه الله .
ليالي في رحاب الشهر الفضيل:
طقوس قراءة القرآن فوق ما يتخيله البعض ، حلقة تضم أكثر من 8 إلى 10 أشخاص بين كبير وشاب وصبي وطفل ، كان أبي رحمه الله يتصدر الحلقة ويراجع لنا الأخطاء عن ظهر قلب لم يكن بحاجة للنظر إلى المصحف فقد كان في قلبه ، يدرك القارئ صفحة من حزب في كل جزء وبهذا لا يأتي الدور إلا وقد انتهى جزء من القرآن ، ثم تأتي أحلى اللحظات – كأطفال وصبيان شارفنا البلوغ – وهي فترة الراحة حيث يتم الانتقال إلى موقع غير موقع الحلقة تقديراً واحتراماً للقرآن ، ثم نشرب القهوة والشاي في جو يتسم بالحديث البريء عن الحياة ومشاغلها وحل لبعض المشاكل والمواضيع الاجتماعية ، ثم العودة لقراءة القرآن والمغادرة إلى منازلنا ، أبي رحمه الله يواصل القراءة فله ختمته الخاصة التي يختم فيها القرآن في رمضان أكثر من 8 إلى 10 مرات في رمضان وفي غيره من الشهور .
حلقات و مسابقات رمضانية:
انتقلت الحلقة إلى منزلنا بفيفاء ، وكان يجمعنا كل ليلةٍ في رمضان ليعلمنا كيف نقرأ القرآن وذلك حتى تشارك معنا الأخوات ، وأصبحن بفضل الله من قارئات القرآن المتقنات ، بل تعدى ذلك إلى أن أحد أخواتي –شوقة – أكملت حفظ كتاب الله بعد التحاقها بدارٍ لتحفيظ القرآن ب بقعة الوشر بفيفاء ، وما كان ذلك ليحدث لولا أن التربية في الصغر جعلها تحب ذلك وتشتاق إلى حفظه رغم ما عندها من مشاغل البيت والزوج والأطفال لكن الحب أقوى من أي شيء .
ولازلت أذكر تلك المسابقة التي أمر بها ابي رحمه الله في شهر رمضان المبارك ، وذلك امتداداً لتربيته لنا ، حيث ورغم ابتعادنا واستقلالنا بحياتنا الخاصة فقد وجه دعوته لنا للمشاركة في تسميع جزء عم ، وكان لزاماً علينا أن نقوم بتسميعه كاملاً ، وكان ذلك سبباً في إعادة مراجعة الجزء الأخير من القرآن الكريم .
المسلم الحقيقي هو من يكون هذا الكتاب العظيم دليل حياته ، ومنه يتعلم كل الفنون والمعارف ، وفيه كل ما نحتاجه لكي ننطلق في حياة العلم والمعرفة في شتى مجالات الحياة .
تمضي الأيام سريعا:
في كبرنا لم نعد نجد ذلك الوقت لقراءة القرآن فما بالنا بالمراجعة والحفظ ، أو هذا ما أقنعنا به أنفسنا ، وفي تأمل بسيط لجدولنا اليومي نجد أوقاتاً فظيعة تضيع منا دون فائدة ، فلماذا هذا الهجر لهذا الكتاب العظيم ؟
كثيرا ما أسأل نفسي : لماذا كنت في صغري ومرحلة شبابي أكثر قراءة للقرآن ؟ أليس الأجدر بي وأنا في بداية العقد الخامس أن أكون أكثر قرباً من كتاب الله ؟ سؤال يجب أن يسأله كل شخص مقصر لنفسه وأن يكون منصفا في الإجابة .
جهاد النفس:
نحن نحتاج إلى جهاد النفس كثيراً ، فمع انشغال الفكر بالأولاد والعمل وهموم المعيشة ، قد لا يكون الشخص في كامل عافيته الذهنية ، حتى في الصلاة فقدنا الخشوع فيها ، أدرك هذه الحقيقة وأحاول جاهدا التركيز عند أداء الفرض ، ولكن سرعان ما أجدني في عالم آخر.
في تحليل بسيط أجد السبب هو في التهيئة سواءً لقراءة القرآن أو في الصلاة ، فمتى كانت التهيئة متقنة ربما وصلنا إلى نسبة مقبولة من التركيز في القراءة والصلاة ، ومن خلال التركيز نصل إلى الخشوع والانتقال من عالم الماديات إلى عالم العلاقة الروحية مع الخالق جل وعلى .
أن تدرك السلبيات مهما كانت فأنت في الطريق الصحيح للتصحيح .
مذكرات ومواقف (7)
هلا بأخي ابو فيصل
ذكرتني بهذه الايام الجميله والحمدلله تعلمنا القرآن منذ الصغر وبهذه الحلقات الرمضانيه الجميله تعلمنا اكثر مع الشيوخ الافاضل.. نعم الوالد رحمه الله كان يلازم القرآن رغم التعب في هذا الزمن العصيب…. فكيفما ب هذي الايام او هذا الزمن تراجعنا عن قراءة القرآن والله هذا هو الخذلان ، نسأل الله أن يبعد عنا الخذلان يارب العالمين …
مقالتك ممتازه جدا بارك الله فيك أخي
احسنت النشر وابدعت في الوصف لتلك الايام وخصوصا في الشهر الفضيل رمضان كان له اجواء روحانية وامسيات لاتنسى كل شيء كان مختلف البيوت والشوارع والاسواق تواصل الناس صلاة التراويح والقيام كانت هناك حركة وذكر و عمل .
شكرا لك وكل عام وانت بأجمل حال.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما يكون الحديث من القلب يتكون لنا مثل هذا المقال الجميل الذي رجع بنا إلى الماضي الجميل مع ذكريات الآباء والاجداد رحمهم الله جميعا حيث كان لهم اهتمام واضح مع كتاب الله رغم عدم دخولهم للمدارس التي لم تكن موجودة اصلا وكان اقل حظا في العلم هو الاستماع لإذاعة القرآن الكريم من المذياع الذي كان هو وسيلة الاعلام الوحيدة المتوفرة
شكر الله لك أخي الكريم أبو فيصل على ما قدمت